🦋



بعد دخول فصل الشتاء، صار البحث عن الطعام ومصدر ماءٍ نظيف في المدينة أكثر صعوبة 


أصبح الذئب الرمادي يمكث خارجًا لوقتٍ أطول، ومع ذلك فإن ما يجلبه من طعام يقلّ شيئًا فشيئًا 


اليوم أحضر بعض النقانق المدخّنة، وشيئًا من الخبز الجاف 


القطط لا يناسبها الطعام الدهني المالح، ولا الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات 


خطر في ذهن يي مان مثل هذه المعلومة، أكان في حياته السابقة ــ حين كان إنسانًا ــ قد ربّى قطة من قبل؟ 


فكّر في الأمر قليلًا، ثم سرعان ما طرح هذه الفكرة جانبًا 


فذلك معيار القطط المنزلية، أما القطط في البرية فلا داعي لكل هذا التدقيق، فوجود ما يؤكل، أيًّا كان، خيرٌ من الجوع 


وفوق ذلك فإن هذين الصنفين من الطعام يسهل تخزينهما، ويناسبان أن يُوفّرا كاحتياط للزمن القادم 


وبصفته القط الأكبر في هذا البيت، كان يي مان يمتلك حق توزيع الطعام، أخرج مخالبه وقطع النقانق قطعةً، ثم دفعها دحرجةً نحو الذئب الرمادي، وربت بمخلبه على النقانق: "اليوم يمكنك أن تأكل هذا المقدار" 


أي أن ثلثي النقانق تعود للذئب الكبير، والثلث الباقي له 


أما ما تبقّى فقد جره إلى الزاوية ليخزّنه، ويدّخره للوجبة القادمة 


"حسنًا، إلى الطعام!" 


ما إن أنهى ذلك حتى أطلق مواءه، فانحنى الذئب والقط معًا، يلتهمان الطعام بنهم شديد 


ورغم أنه والذئب الرمادي لا يتحدثان اللغة ذاتها، فإن فصيلة الكلاب معروفة بحسن الطاعة وذكائها الكافي، وسرعان ما فهم معنى مواءات القط القصيرة والطويلة المتباينة 


بعد تناول الطعام، استلقى الذئب الرمادي على جانبه، بينما ارتمت القطة ذات الفراء الطويل المبرقش على بطنه الكثيف الوثير، تغسل وجهها بطمأنينة وتلعق كفيها 


كان يحتفظ ككنزٍ بمصباح الأرنب الليلي، موضوعًا غير بعيد عنهما، يبعث ضوءًا برتقاليًّا أصفر يضيء ركنًا مهملًا من المدينة في ليل الشتاء القارس 


في الآونة الأخيرة صار فراء يي مان القَطّي أكثر امتلاءً، وبسبب وفرة الطعام غدا شعره أنعم من أي وقت مضى، وذيله الطويل الكثيف يهتز برضا، في جمالٍ آسر خطف أنظار الذئب الرمادي 


فالقطط كائنات مختلفة تمامًا: فراؤها ناعم، أجسادها صغيرة، وذيلها يكاد يضاهي حجمها، وإن تشوّش شعرها فإنها تظل تموء غاضبة طويلًا، ولذا كان لا بد أن يعتني الذئب بها بحذر 


ولمّا أنهى القط غسل وجهه، ارتمى فوقه ورفع قدمه يلعق مخالبه باجتهاد، دون أن يلتفت لشيء آخر، فانحنى الذئب وخطف بلعقته ذيله الكبير الكثيف الملقى أمامه 


فانتفض القط وقد لُعق ذيله، وهزّه بضجر حتى ارتطم بوجه الذئب، وغمغم: "قلتُ لك لا تلعقني! مهارتك رديئة، تفسد شعري كل مرة!" 


لم يفهم الذئب كلماته، لكنه أدرك أنه غاضب 


فتوقف صامتًا ينتظر، أما القط فقد تموء غاضبا طويلًا، لكنه مع ذلك لم يتحرك قط، ولم يبدِ رغبة في الهرب، بل تمدد على جسده مثل فطيرةٍ قططية، يتمايل بذيله بكسل، وحين لم يستطع الإفلات استسلم له 


فلا قطة في شتاء قارس يمكنها أن ترفض عشًّا طبيعيًّا دافئًا كهذا الذئب، ويي مان لم يستطع كذلك 


فما كان منه إلا أن انتقم بطريقته، فأدار رأسه القَطّي، ومد لسانه يلعق ذقن الذئب 


فرفع الذئب رأسه قليلًا، ميسرًا للقطة أن تنظف له فراءه 


غير أنّ القط ما لبث أن استغرقه النعاس وسط لعاقه، فنام 


فقلّد الذئب فعل القط، وتقلب على ظهره كاشفًا بطنه، وما لبث القط أن اندفع تلقائيًّا واستلق فوق بطنه يغطّ في نومٍ عميق 


وفي الأيام العادية، حين يخرج الذئب، كان يي مان يجلس عند الباب يلوّح بذيله مترقبًا عودته 


وعندما يعود الذئب وهو محمّل ببرودة الخارج، تغطي شعر ظهره طبقة خفيفة من الثلج، وجسده المتعب صلبٌ بارد، كان القط الدافئ يسارع للارتماء في حضنه، ويلعق الثلج عن جسده بعناية، يدفئه من جديد 


وبعدها ينعزلان في ركنهما الصغير، ينسون العالم الخارجي الفسيح الكئيب، ويستغرقان في لحظات هادئة من العناق المتبادل ولعق الفراء 


وما إن شبعا وارتويا، حتى يهزّ الذئب ذيله أمام القط كعصا تسلية، يلوّح به، فينجذب انتباهه من غير وعي، يتربص خلف الطعام المخزن، ثم ينقضّ فجأةً عليه 


فيلتف القط حول ذيله، يمسكه بأسنانه ويلوّح برأسه، ثم يتركه ليعود إلى الاختباء من جديد، مترقبا لتكرار الهجوم، يستمتع باللعبة دون كلل 


غير أنّ البرد ازداد قسوة، فتضاءل عدد الأيام التي استطاعا فيها الحفاظ على دفء هذه اللحظات 


صار الذئب يمكث في الخارج مدة أطول، ويخرج مرات أكثر 


وفي أحد الأيام، حين همّ بالخروج كعادته مبكرًا، تعلق بذيله شدٌّ يعيقه 


إذ عضّه يي مان، مانعًا إياه من الرحيل 


قال له: "لا يصحّ هذا، لدي طريقة أخرى، لا تخرج، دعني أنا أذهب!" 


واستغرق بعض الوقت حتى يفهمه الذئب، أن القط يريد أن يترك له مهمة البقاء في البيت، بينما يتولى هو الخروج للبحث عن الطعام 


فالذئب لا يستطيع أن يظهر كثيرًا بين البشر، بل يضطر إلى التخفي والتنافس مع الكلاب الضالة، وفي الشتاء يقل الطعام ويشتد التنازع عليه 


أما القط فالأمر يختلف معه


ولما أدرك الذئب مقصده، تطلع بجسد القط الصغير بعينين يملؤهما الشك والريبة 


لكن يي مان كان مصرًّا للغاية، وحين لم يوافقه الذئب، جلس أمامه، ورفع رأسه القطّي، وأطلق مواءً طويلاً رقيقًا عذبًا، مرة بعد مرة، حتى أذعن الذئب بملامحٍ مستسلمة 


فقال له: "ابقَ هنا واعتنِ بالبيت جيدًا، وانتظرني حتى أعود ومعي الكثير من الطعام الشهي" 


ترك يي مان القَطّي خلفه جملة وصية، وخرج وحده من الباب 


كان يتظاهر أمام الذئب الرمادي بالهيبة والصلابة، لكنه حين ابتعد قليلًا لم يخلُ قلبه من شيءٍ من الاضطراب 


اختبأ بين الشجيرات اليابسة مستفيدًا من لون فرائه، يراقب البشر المارين بعناية، يختار منهم الهدف المناسب 


وما إن حانت الفرصة حتى انقضّ فجأة، متجهًا نحو إنسان بدا له مناسبًا، وتشبّث بحذائه، مطلقًا أنعم صوته في مواء متواصل 


"انظروا، لدي ذيل جميل! فرائي ناعم جدًّا، ونظيف تمامًا، ولا حشرات فيه، يمكنكم لمسي بأمان!" 


"مياو~" 


تقلّب يي مان عند قدميه، كاشفًا بطنه 


"بطني الناعم! ببيضة واحدة أو قطعة نقانق يمكنكم لمسي كما تشاؤون!" 


فانطلقت من الفتاتين المرافقتين له صرخات فرح: 

"آه آه! هل يحبني أنا؟!" 


"مياو~" 


"نعم نعم، أحبكِ أنتِ، أكثر من أي أحد، وأحبكِ وحدك، فهاتي الطعام اللذيذ بسرعة!" 


قالت الأخرى باندهاش: 

"إنه يجيبني! لا بد أنه يقول إنه يريد أن يعود معي إلى البيت!" 


تجمّد يي مان في مكانه 


"مياو!" 


"العودة للبيت لا تجوز! لدي بيت بالفعل!" 


تسلّل إليه القلق؛ إذ راوده خاطر: إن هو ذهب مع البشر، فماذا سيفعل الذئب؟ 


ولحسن الحظ، لم تكن تلك الفتاة جادّة، فليس كل إنسان يملك الجرأة على خطف قطة 


وفي النهاية، ناولته الفتاة إفطارها ـ بيضة واحدة ـ واشترت له علبتين صغيرتين من طعام القطط وكيسًا صغيرًا من الحبوب، تظاهر يي مان بأنه يأكل منها قليلًا 


ثم انصرف أصحاب القلوب الطيبة، وقد اطمأنوا أنه أكل شيئًا، رغم أسفهم لمغادرته 


وبعد أن تأكد من رحيلهم تمامًا، تغيّرت ملامحه من القَطّ البريء الرقيق إلى وجه قطٍّ مظلمٍ شرس، ودفع بما تبقى من البيضة المفتتة وحبوب القطط كلها إلى كيسه 


ثم تموء ساخرًا: "أيها البشر الحمقى، لقد وقعتم في الفخ!" 


ولم ولن يعرف أولئك الذين خدعهم أنه يردد الكلمات نفسها مع كل إنسانٍ يقترب منه: يخبرهم أنه يحبهم أكثر من الجميع، وأنه لا يريد سواهم، بينما لم يكن ذلك سوى كذبٍ محض 


ثم رفع ذيله عاليًا في نشوة، مغرورًا بمكره 


لم يستطع يي مان أن يحمل علب طعام القطط كلها دفعة واحدة، فجرّها إلى أسفل شجرة وخبأها هناك، عازمًا على نقلها إلى البيت على دفعات 


وبعد أن أنهى ذلك، حمل بأسنانه كيس طعام القطط ـ وكان ثقيلًا عليه بعض الشيء ـ وعاد إلى البيت 


كرر الأمر مرارًا، حتى صار من خلال مواءاته اللطيفة وتدلله وخداعه للبشر يجمع مقدارًا لا بأس به من الطعام 


صحيح أن الأمر لم ينجح في كل مرة، فبعض الناس يخافونه، وبعضهم لا يحب القطط، لكنه كان جميل الشكل، بارعًا في كسب القلوب، فكان ينجح خمس أو ست مرات من كل عشر 


بعد يوم شاق، حين عاد إلى البيت، وجد الذئب الرمادي جالسًا عند الباب في انتظاره، يحرس مخزونهم من الطعام لفصل الشتاء 


وأخذ يي مان يموء وهو يحدّثه عما واجهه في يومه، فيما كان الذئب يلعقه بعناية 


لقد لمس القط كثير من البشر ذلك اليوم، فاختلط على جسده روائح شتى، وكان الذئب يريد أن يغطيه برائحته هو 


وبوجود هذا القط الجميل، أمِن الاثنان طعامهما وشرابهما 


راح يي مان يحسب في نفسه: إن اجتهد قليلًا بعد، وخزّن ما يكفي من الطعام، فسوف يستطيع أن يسترخي في عشه بعض الوقت 


لكن في ذلك اليوم، لم يجده واقفًا عند الباب كعادته 


دخل البيت، فرأى الذئب مطروحًا على الأرض، خامد النظرات، بلا حيلة 


أصابه الذعر، وأخذ يدور حوله في قلق: "ما بك؟ هل أنت مريض؟" 


فتح الذئب عينيه بصعوبة، ودفعه بأنفه المبلل قليلًا، ثم عاد واستلقى 


انقبض قلب يي مان: لقد مرض حقًّا 


ماذا يفعل الآن؟ 


لعقه قليلًا، فاكتشف أن جسده بارد على نحوٍ غريب 


دفع الطعام أمامه برفق، ونطحه برأسه، لكنه لم يستجب، ولم يذق الطعام 


فعَضّ على أسنانه، وأطلق مواءً خافتًا، ثم استدار وانطلق جريًا إلى الخارج 


لقد تذكّر أنه رأى في الجوار عيادة للحيوانات الأليفة 


لكن كيف سيجعل البشر يفهمون ما يجري؟ وكيف يأخذ منهم دواءً ينقذ به الذئب؟ 


لم يكن هناك وقت للتفكير، واندفع في سباق محموم حتى وصل إلى تلك العيادة، ثم راح يخمش بابها الزجاجي بأظافره بجنون 


لفت الضجيج أنظار موظف الاستقبال المتدرب، وكان منشغلًا بهاتفه 


"هاه؟ تلك… قطة؟" حدّق مليًّا، فأيقن أنه قط ضال يحاول دخول المكان 


اقترب الشاب مرتبكًا وفتح الباب، فإذا بالقط جميل المظهر يقفز إلى الداخل، ويدور عند قدميه مموءا بلهفة، مرة يتقلب كالميت، ومرة يقفز، ويصدر أصواتًا كأنه يحاول قول شيء ما 


نظر إليه بدهشة، ثم أمسك برقبته الخلفية ورفعه بين يديه، وحمله إلى صدره قائلًا بابتسامة ودودة: 

"لا أدري ما الذي تريده، لكن ما دمتَ قد أتيت…" 


ثم تابع ضاحكًا: "فلنُجرِ لك عملية تعقيم قبل أن ترحل، وستحصل بعدها على مكافأة من عصيّ القطط" 


يي مان: "!" 


المتدرب: "انتظر، دعني أتأكد أولًا، هل أنت ذكر أم أنثى…" 


يي مان: "!!" 


نجدة! 


وفجأة، أخذ القط الذي كانت قبل لحظات هادئ يرفس ويخدش بجنون، ويطلق عواءً ممزقًا للقلوب 


قال المتدرب: "آه، لا تصرخ بهذا الشكل! إنها مجرد عملية تعقيم، لسنا نريد قتلك، اغمض عينيك وستنتهي سريعًا، وبعدها طعامٌ شهي بانتظارك" 


ازدادت فزعة يي مان، فهو في داخله إنسان، وحتى بلا تعقيم، لا يمكن أن يذهب ويتزاوج مع القطط! لا، لا، لا! 


اشتدّ صراعه للهرب، وعلا صراخه أكثر 


كان المتدرب يهدئه بكلام معسول، يعده بألا يجري العملية، فيما هو يحتضنه ويتجه به إلى الداخل، واضح أنه كان يخادع القط ليُمسك به فقط، لكن يي مان لم يُخدع، وصار يصرخ أضعاف ما سبق 


وما إن خطا خطوتين حتى اندفع ظلٌّ أسود عبر الباب الذي لم يُغلق بعد، وانقضّ على ساقيه، غارسًا أنيابه في بنطاله 


التفت المتدرب في ذهول، فرأى كائنًا ضخمًا لا يدري من أين جاء 


أهو كلب؟ 


حدّق فيه، فإذا به حيوان من الفصيلة الكلبية يزمجر مهدّدًا، أنيابه بارزة 


لكن… لا يشبه الكلاب كثيرًا، أقرب إلى… ذئب؟ 


هل يُعقل أن يكون في المدينة ذئب؟ 


انتهز يي مان الفرصة حين شُغل المتدرّب فجأة بحادث أربكه، فاندفع من حضنه كالسهم، قافزًا إلى الأرض 


"ما الذي تفعله هنا، ووه ووه ووه!" قفز القط المخطط على ظهر الذئب الرمادي 


وما إن تحرر، حتى أفلت الذئب الرمادي ذلك الرجل على الفور، والتقط القط بين أسنانه محاولًا الهرب 


"انتظر لحظة!" صرخ يي مان وهو يتلوّى من جديد 


الذئب الرمادي لا يزال مريضًا، ولا يمكنهما الرحيل هكذا 


لم يشفَ الذئب بعد، وتمكّنه من الوصول إلى هنا كان بالفعل أمرًا صعبًا، لذلك لم يستطع أن يُمسك بالقط المتمرّد جيدًا، فقفز من فمه 


واصل يي مان التلويح بعنف قرب قدمي ذلك الإنسان، محاولًا إشراك الذئب ليُظهر مظهر المريض 


تلك الحركات المتتابعة جعلت المتدرّب يحدّق مذهولًا، لكنه أخيرًا بدأ يلتقط بعض المعنى من تصرفاته 


"أأنتما صديقان؟ هل تريد أن تقول إنه مريض؟" 


أوشك يي مان القط على البكاء من شدّة الانفعال، فأومأ برأسه بقوة 


المتدرّب: "……" 


يا للعجب، هل يرى قطا مُتحوّلا أمامه؟ 


أم أنّه لم يستيقظ بعد وهو يحلم؟ 


"لكن… هل هو كلب؟" تساءل المتدرّب بشرود 


لا، بل كلما نظر إليه بدا أشبه بالذئب! 


لكن ربما هو كلب ذو دماء مختلطة غريبة؟ 


رأى يي مان على وجه المتدرّب علامات التردّد والشك، فأصابه القلق وأخذ يربّت على الذئب الرمادي: "هيا، انبح بصوتين!" 


الذئب الرمادي: "آووو—" 


المتدرّب: "……" 


يي مان: "آه آه! ليس هكذا، بل مياو-ووف—!" 


غير أنّه لم يتمكّن كقط من تقليد نباح الكلاب، وكاد يموت من القلق، ولو كان في مقدوره البكاء حقًا، لانهمرت دموعه في تلك اللحظة 


ظل الذئب يحدّق فيه بعينيه بصمت 


وفجأة، ارتمى الذئب بكامل جسده أرضًا أمام المتدرّب 


خفض جسده حتى التصق بالأرض، ورأسه مطأطأ إلى أسفل، مظهرًا هيئة الخضوع، وأطلق أنينًا حزينًا متتابعًا 


كان صوته بالغ الكآبة، نغمة إثر نغمة، لا تنقطع 


فتوقّف يي مان القط عن الدوران القلِق حوله 


ظلّ المتدرّب يحدّق مذهولًا في هذين الحيوانين العجيبَين، ومع مرور اللحظات استرخَت كتفاه المشدودتان شيئًا فشيئًا 


… 


يبدو أنّ المرض لم يكن خطيرًا 


ففي عيادة الحيوانات الأليفة أعطوه قرصًا دوائيًّا، وبعد ذلك سرعان ما استعاد الذئب الرمادي صحته، وعادت الأيام إلى مسارها الطبيعي 


وذات يوم، حين خرج يي مان ليحتال على أحد البشر دون أن يفلح، التفت عائدًا، فإذا به يفاجأ بظلّ متوارٍ في زاوية ما يراقبه 


اقترب منه، ليجد الذئب الرمادي جاثمًا هناك، فتقابلا وجهًا لوجه 


ظلّ الذئب والقط صامتَين برهة 


فالذئب لم يكن يطمئن لتركه، فكلّما خرج يي مان، تبعه بصمت على مبعدة ليست بعيدة 


وذلك اليوم أيضًا، حين هرع القط إلى عيادة الحيوانات الأليفة، تبعه الذئب رغم مرضه، يجرّ جسده المنهك خطوةً بخطوة 


ولمّا سمع عواء القط المفزوع، اقتحم المكان من غير تردّد 


لم يكن يعرف ما الذي ينوي ذلك الإنسان فعله، ولا لِمَ يصرخ القط بتلك الطريقة البائسة 


كلّ ما كان يعرفه أنّه قطّه، ولا يحقّ لأحد أن يؤذيه، فضلًا عن أن يأخذه منه 


وبعد أن انكشف الأمر، ظلّ يي مان يحدّق مطوّلًا في ذلك الذئب 


"ميااوو——" أطلق القط صوته الممدود نحو الذئب 


"بعد أيّام لنرحل إلى مكان أدفأ!" 


فهذه المدينة على حسنها، لا تزال باردة جدًّا، ثمّ إنّ حياة الذئب لا يناسبه المدن 


فلِمَ لا ينطلقان للبحث عن مكان أنسب، أكثر دفئًا، أصلح للعيش لهما معًا؟ 


لم يكن يي مان يعلم كم من الوقت سيستغرق بحثُهما عن بيت يوافق أحلامهما 


يي مان: "على أيّ حال، ما دام نحن الاثنين معًا، فلن يكون بُعد الطريق مشكلة، أليس كذلك؟" 


الذئب الرمادي: "أوووو——" 


يي مان: "أهذا يعني أنّك موافق؟ أظنّ ذلك، بل أنا متأكّد!" 


الذئب الرمادي: "أوووو——" 


… 


"لقد أُضيفت ثلاثُ مرّات من النقاط!" 


أيقظ صوتُ التنبيه النظامَ من سباته 


فتح عينيه، ليجد أنّ شو هويتينغ عاد في وقتٍ لم يدركه، وبعد أن استخدم بطاقة الحبكة الخاصة، غفا على الأريكة، وكان قد حمل يي مان بين ذراعيه ليجلسه مائلًا على ساقيه 


اتّخذ يي مان من كتف شو هويتينغ وسادةً، فيما كان شو يطوّق جسده بذراعيه، فغفا الاثنان متعانقَين 


تثاءب النظام، وغيّر وضعيته، وعاد ليتكوّر في مكانه 


ولم يستطع كبح نفسه من التفكير: متى ستكون المرّة القادمة التي سيظهر فيها مشهد ببطاقة حبكة خاصة؟ 



هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]