🦋


كيف آلت الأمور إلى هذا؟ 


كان يي مان ينظر إلى انعكاس رأس قطة في بركة ماء، وقد غرق في تفكير عميق 


كانت قطة طويلة الشعر من النوع المنتشر في المدن، لكن ما لم يكن مألوفًا أنّ فراءها مائل إلى الرمادي، والنقوش تظهر فقط على أطرافها الأربع، أما ياقة الفراء البيضاء الكثيفة حول عنقها فقد تشابكت وعقدت عقدًا، مشدّة الجلد ومسببة الألم والانزعاج 


وكفوفها البيضاء بدت متسخة بعد مطرٍ هطل على المدينة للتو 


وبما أنّ القطط تحب النظافة والمظهر الجميل، شعر يي مان بأسى شديد لحاله، فالحزن استغرق كل انتباهه، حتى لم يعد يفكّر في شيء آخر، وانهمك في لعق مخالبه محاولًا تنظيف نفسه 


القطة غير الجميلة لا تُحبّها أحد، ولا تجد إلا التشرد في الشوارع، وحين تحاول استدرار عطف البشر تُقابل بالنفور، فلا تنال طعامًا، وتضطر للنوم في أماكن قذرة مليئة بالحشرات، بل وقد تتعرض لاعتداء كلابٍ شرسة… 


آه 


إنه حقًّا قط مسكين 


… 


لا، هذا خطأ 


توقفت حركة القط يي مان وهو يلعق مخالبه، وكذلك انقطع حزنه في منتصفه 


كان القط الصغير غارقًا في حيرة عميقة 


إن لم تخنه ذاكرته، فهو كان… إنسانًا، أليس كذلك؟ 


هو أصلًا لم يكن قطًّا 


فكيف ظهر هنا وقد صار قطة؟ 


تراكمت علامات الاستفهام في ذهن يي مان 


وفجأة دوّى في رأسه صوت آلي متقطّع: 


"بطاقة حبكة عشوائية… ثلاثية النقاط! تأثيرها مجهول، هل أنت متأكد أنك تريد استخدامها؟" 


ذاكرته البشرية لم يبقَ منها إلا شذرات متفرقة، مشوشة لا يستطيع تذكرها بوضوح 


كل ما عرفه أنّ منظره المتسخ أشعره بالظلم والمرارة 


الجو بعد المطر بارد ورطب، ومعدته تقرقر من الجوع، فلم يجد بُدًّا من أن يجوب المدينة الواسعة بحذر، بحثًا عن شيء يسد رمقه 


وبعد عناء، تتبع رائحة الطعام حتى وصل إلى نقطة إطعام في حيٍّ سكني، حيث تجمعت هناك العديد من القطط 


وما إن ظهر يي مان حتى اجتذب انتباه جميع القطط، فتثبتت العيون كلها عليه، فتخشب مكانه ولم يجرؤ على الحركة 


تردّد قليلًا على بعد، ثم حاول الاقتراب بحذر، وأطلق مواءً ضعيفًا مرتين 


لكن قطة برتقالية كبيرة بجانب الصحون هتفت: "ها——!" 


وحجمها الكبير بدا في عين يي مان مريعًا وضاغطًا 


انتفض فراؤه، وأصابه الخوف، فاندفع يجرى مسرعًا 


ركض بتهوّر مسافةً، فمرت سيارة بجانبه كادت تدهسه، فارتاع أكثر، وغيّر اتجاهه عشوائيًا، لكنه اندفع هذه المرة وسط حشد من الناس 


"انظروا، قطة صغيرة!" 

"انتبهوا! ستصطدم!" 

"تمهّل، لا تركض!" 


كثرت الأصوات من حوله واختلطت، لكن يي مان لم يسمعها بوضوح، إذ كان همه الوحيد الهرب سريعًا إلى مكان خالٍ من الناس 


كان البشر في الشارع ضخامًا كوحوش، والمباني كالمتاهات، فضلًا عن حيوانات أخرى سائبة في المدينة، كلها بثّت في نفسه الذعر 


وبعد جهد، ولج إلى زقاق مهجور، فانتبهت بعض الكلاب عند حاوية قمامة لصوته، فرفعت رؤوسها من بين القمامة، وحدّقت فيه بوحشية، ثم شرعت بالنباح الشرس 


انحنى يي مان ورفع ظهره، ثم أسرع بالاستدارة لمواصلة الهرب 


كانت مجموعة الكلاب تنبح وتركض خلفه، ويي مان لا يعرف إلى أين يذهب، كل ما يعرفه أنّه لا يستطيع التوقف 


أثناء الجري، ولما كادت الكلاب تلحق به، اعتقد يي مان أنّه سيموت لا محالة، لكن تلك الكلاب فجأة توقفت، كما لو أنّها خافت من شيء ما، ولم تجرؤ على الاقتراب 


كأن هناك كائنًا أكثر شراسة أمامها 


جعل هذا رد الفعل يي مان أكثر قلقًا، لكنه لم يجرؤ على الابتعاد عن المكان، فالكلاب لا تزال تحوم حوله، تنتظر اللحظة المناسبة لتهاجمه 


رأى صندوقًا كرتونيًا، فكّر قليلًا، ثم تسلّل داخله، راجيًا في نفسه أن يكون كل شيء مجرد وهم 


… 


كان الذئب الرمادي بعد أن أنهى معركة مع مجموعة كلاب ضالة محلية، يمشي حاملاً أكبر قطعة لحم عظم استطاع انتزاعها 


من بعيد، شعر بوجود رائحة حيوانات أخرى حول منزله 


هل جاءت كلاب لتطالب بمنطقة النفوذ؟ 


كانت هذه استجابته الأولى 


ليعيش، اندمج الذئب الرمادي بين الكلاب الضالة في المدينة، متجنبًا الأماكن المزدحمة، ناشطًا ليلاً، ومختبئًا أثناء النهار، بحيث لا يمكن للناس تمييزه عن بقية الكلاب، هكذا عاش بحذر 


كان فراؤه أكثر صلابة، وأطرافه طويلة وقوية، ونظرته أكثر برودًا وشراسة من باقي الكلاب، وحجمه أكبر، بعد عدة مواجهات، أصبحت الكلاب الضالة تخاف منه، وتعرف مكان سكنه، فتتجنب الاقتراب 


حاملاً غنيمته لليوم، كان يتحرك بخفة، مستخدمًا حاسة الشم الدقيقة لتحديد أي رائحة لا تنتمي إليه 


جال الذئب في منطقته، ثم توقف عند صندوق كرتوني مبلل 


الرائحة الغريبة جاءت من هنا 


اقترب، وسمع صوت تنفس داخل الصندوق 


ذلك الكائن المتعدّي مختبئ هنا 


وضع الذئب طعامه لليوم، واستخدم أنفه لرفع غطاء الصندوق 


داخل الصندوق، كان كرة صغيرة من الفراء متكورًا ومرتجفًا، منهكًا من النوم على أرض غريبة 


استفاق القط الصغير مذعورًا عند سماع الصوت، فتح عينيه، ورأى الشكل الكبير فوقه، فصرخ "ميو" وانكمش في الزاوية 


في عيون يي مان، كان الذئب عابسًا، يبرز أنيابه الحادة، ويتطلع إلى قط صغير طرِي ومغذي 


بحث يي مان عن مخرج، لكنه لم يجد، فاغرورقت عيناه بالحزن 


مقارنةً بحجم الاثنين، أدرك يي مان أنّه لا يستطيع التغلب عليه 


لا يستطيع القتال، ولا يستطيع الهرب، حياته الصغيرة مهددة! 


تبين له أنّ عدم تقدم الكلاب الضالة لم يكن محض صدفة، فهناك كائن أكبر وأخطر يسكن هنا! 


مال الذئب برأسه، وأطلق نظرة ممتعة نحو القط الصغير الذي يدافع عن نفسه بصوت هشّ، ثم أطلق صوت "ميو ميو" ضعيفًا ومرنًا 


دارت القطة حول نفسها، وسقطت في الصندوق على ظهرها، رافعة رأسها الصغير، "ميو~" 


للمرة الأولى، رأى الذئب على وجه القط هذا التعبير البريء والضعيف 


مع أن كل تصرفاته بدت مصطنعة للغاية، لاحظ الذئب أنّ هذه الكرة الصغيرة من الفراء مرتعبة حقًا 


بعد مواجهة طويلة، فتح الذئب فمه الكبير، وأمسك برأس القط داخل الصندوق 


— أخذ القط المذهول إلى بيته 


وبذلك، في حياته المملة التي تتكرر يوميًا بلا معنى سوى البقاء على قيد الحياة، جمع الذئب لنفسه قطًا 


… 


دخل يي مان عمليًا عرين الذئب 


وكان العرين مجرد زاوية صغيرة مكدسة بالمهملات والخردة 


ما إن خرج القط من فم الذئب، حتى انكمش في الزاوية بارتباك 


بعد النجاة من موت محتّم، استشاط القط الصغير بالعاطفة، ونسِي التظاهر بالضعف، فهرت ونابت بصوت عالٍ نحو الذئب، مستعدًا لجرحه بمخالبه إذا اقترب خطوة واحدة 


فلتكن النهاية الموت، فلتكن النهاية أن يُؤكل، ما الفرق؟ 


انحنى ظهره، وقفز فراؤه، وحدق في الذئب: "ابتعد عني! لا تقترب!" 


ظل الذئب الكبير يراقبه بهدوء، ثم خفض رأسه، ودفع قطعة اللحم التي انتزعها نحوه، قبل أن يستمر في مراقبته بصمت 


انفش فراء يي مان وهو يراقب العظم اللذيذ الذي يشع رائحة اللحم من مسافة قريبة، وتوقف عن الهسهسة نصف ثانية 


"لي؟" 


تردد يي مان قليلًا، فبطنه يقرقر من الجوع، ورائحة اللحم أمامه مباشرة، جعله يسيل لعابه شهوةً 


لكنه لم يفهم لماذا يريد الذئب الرمادي الشرس إعطاؤه الطعام 


دار برأسه قليلًا، وأخيرًا توصل إلى استنتاجه — لا بد أنّه غير جائع، ويريد تربيته ليصبح طعامًا احتياطيًا! 


انحنى يي مان الصغير حزينًا، ودموعه تتساقط 


عندما يزداد وزنه، سيأكله 


لذلك لم يستطع أكل ما أعطاه إياه 


فضلاً عن ذلك، طبيعة القطط تمنعه من الأكل في بيئة غير آمنة 


وهكذا رفض القط الوسخ بإرادة قوية طعام الذئب الرمادي، واستمر بالاختباء في الزاوية، محافظًا على مساحته الصغيرة 


الذئب الرمادي لم يُظهر أي رد فعل على موقفه العدائي وغير الودّي 


لقد خاض للتو معركة، ولا يزال جسده يعاني من جروح الكلاب الأخرى، كان جائعًا ومرهقًا، يريد فقط أن يستريح 


اختار مكانًا مريحًا، وانبطح، مستندًا على أطرافه الأمامية، وأغلق عينيه 


ظل يي مان يقظًا في زاويته قليلًا، ثم لاحظ أنّ الكائن الكبير قد غفى حقًا ولم يعد يهتم به، ففرح في قلبه 


الفرصة! 


خطا خطوةً بحذر 


رائع، لا رد فعل! 


استعد للركض بعيدًا عن عرين الذئب المخيف، لكنه ما إن حاول الهرب، حتى أمسكه الذئب بأذنه الخلفية 


أسنان الذئب الحادة فركت رقبته بطريقة تهديدية، كتحذير صامت 


ثم دفع الأمام العظم اللذيذ نحو يي مان، وأطلقه بعد ذلك 


أدرك يي مان بخيبة أمل أنّه لا يستطيع الهرب، فقد أصبح هذا الكائن الكبير يراقبه 


على أي حال، لا مفر من الهرب، والذئب لا ينوي أكله فورًا، فتغاضى الجائع الغاضب عن الحذر، وعض قطعة العظم بشراهة 


"أووو، لذيذ جدًا!" 


كانت العظمة كبيرة، واللحم مطهو لينًا، ويي مان مجرد قط صغير، لكنه رغم حجمه الصغير، أكل حتى شبع، وما زال يتبقى له أكثر من نصف العظمة 


بعد أن انتهى من الأكل، عاد للاختباء في الزاوية، يراقب الذئب الرمادي وهو مستلقٍ بحذر 


يي مان ظل مختبئًا هناك، يهمهم في وجه الذئب، لا يسمح له بالاقتراب 


الذئب الرمادي، قبل أن يخرج للصيد لإطعامهما، هدده من خلال همهمة منخفضة، محذرًا القط الصغير من مغادرة العرين وحده 


بالطبع، لم يصدق يي مان التحذير، واستغل غياب الذئب للهرب قليلًا 


عندما عاد الذئب بعد الصيد ووجد العرين فارغًا، أسقط الطعام وبدأ يبحث في كل مكان 


أخيرًا، وجده في زاوية نائية، خائفًا ومثيرًا للشفقة، فأمسكه وأعاد القط الصغير إلى العرين 


حتى بعد أن أطلقه، ظل يي مان يهاجمه بحدة 


ثم استسلم قليلًا للطعام الطازج الذي ألقاه الذئب عليه 


طعام اليوم كان سمكة 


جلس الذئب بعيدًا، وهو يمضغ العظمة المتبقية من اليوم السابق بشراهة 


بعينين جانبيتين، رأى القط الصغير يتردد قبل أن يخطو بحذر ويعض قطعة من السمكة 


هز الذئب ذيله برفق، مستمتعًا بالمشهد 


كانت فترة الأمطار، ومع منتصف الليل، ازدادت شدة المطر 


الزاوية الصغيرة كانت تحجب معظم الأمطار، لكنها لم تمنع تسرب القليل من الماء 


شعر الذئب بلمسة دافئة وطرية تقترب من بطنه 


فتح عينيه، ليجد الكرة الصغيرة من الفراء قد دخلت بين فروه الناعم والجاف، ملتفة على شكل كرة، ودفنت رأسها في بطنه 


بعد الأكل، بدأ القط الصغير النظيف بالاعتناء بنفسه بجدية، قضى ساعات في تنظيف نفسه، حتى أصبح فراؤه ناعمًا ومرتبًا 


تظاهر الذئب وكأنه لا يلاحظ، وجمع أطرافه حول القط الصغير، ليحمي فراءه الذي بذل جهده في ترتيبه من المطر 


كان قد اعتاد على العيش هنا دون أن يشكو 


لكن الآن، شعر فجأة أن المكان سيء جدًا، لا يحمي من الرياح ولا المطر، مهترئ وغير مناسب لإقامة قط صغير وجميل 


يبدو أنه سيتعين عليه غدًا أن يجد وقتًا للتفكير في مكان أكثر دفئًا ونظافة لإقامة القط الصغير 

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]