كان يي مان ينمو بسرعة، يتغيّر شكله كل عام، حتى أخذ تدريجياً ملامح شاب وسيم ممشوق القامة، تلاشت استدارة الطفولة من وجهه، لتبرز ملامحه الدقيقة الجميلة أكثر فأكثر، وكان يرفع رأسه عالياً دائماً، فتتطاير أطراف شعره مع حركته، وتفيض منه حيوية الفتوة
عيناه المستديرتان البهيّتان كانتا تلمعان دائماً، تحدّقان بحرارة في شو هويتينغ، فتجعل قلبه يحكّه شعور غامض
لا يدري متى اعتاد على أن يندفع نحوه من بعيد كلما رآه، في صغره كان يقفز مباشرة على ظهره، وغالباً ما كان يصدم حينها شو هويتينغ، الذي لم يكن إلا فتىً آنذاك
لكن بعدما كبر قليلاً، صار أكثر رفقاً؛ فإذا اندفع نحوه، يخفف من سرعته قبل أن يصل إليه، ثم يرتمي في حضنه بدلاً من القفز على ظهره باندفاع
غير أنّ هذا الأمر حمل شيئاً من الأسف، إذ إن ساعات التمارين الإضافية التي كان شو هويتينغ يقضيها سرّاً في صالة الرياضة ذهبت سدى
أما تشي يان فكان مشغولاً للغاية، يخطط لكل وقته بدقة متناهية، حتى بات أكثر انشغالاً، وهكذا، كان غالباً ما يعود يي مان وشو هويتينغ معاً بعد المدرسة
وإن لم تكن هناك عجلة للعودة، كان شو هويتينغ يطلب من السائق أن يتوقف في أي مكان، ليتنزها معاً في الشوارع دون وجهة محددة
مجرد سيرهما جنباً إلى جنب في الطريق كان كفيلاً بأن يجعل المرء يشعر ببهجة لا تُقاوَم
يي مان كان يعشق البقاء مع شو هويتينغ، فوجوده بقربه يفتح أمامه سيل كلام لا ينقطع، يتحدث بلا توقف طويلاً
وكان شو هويتينغ يكتفي بالنظر إليه مبتسماً كلما تكلم
حتى وإن كانت أموراً تافهة لا قيمة لها، فإنه يصغي إليه بجدية واهتمام، وكأن الأمر بالغ الأهمية، دون أن يظهر عليه أي ضيق
حين تلتقي عيناهما، كان قلب يي مان يغمره شعور غريب يصعب وصفه، يضيق صدره ويحمرّ وجهه
وبحسب ما اعتاده في السابق، كان ينبغي أن يظن أن الطرف الآخر يسخر منه في سرّه، ربما لأنه يتحدث عن أمور طفولية، وربما لشيء آخر لا يعلمه
لكن يي مان كان يشعر أن الأمر ليس كذلك هذه المرة
فلو كان حقاً يسخر منه، لغضب، لكنه الآن لا يشعر بأي رغبة في الغضب، كل ما أراده هو أن يتوقف عن الابتسام له هكذا
وذات مرة، بعد المدرسة، كانا يسيران معاً، فرأى يي مان بعينه بائعاً على الطريق يبيع مثلجات ضخمة الحجم، وكان من عادته أن يجرب كل ما بدا جديداً في نظره، فشدّ على الفور يد شو هويتينغ وجرّه لشرائها
ولأن شو هويتينغ لم يكن يحب الحلويات، اشترى يي مان واحدة فقط
لكن الجو كان حاراً جداً، وما إن أمسك بها حتى بدأت تذوب بسرعة، فانهار جانبها الأيسر أولاً، ثم الأيمن
في البداية تمكن من تدارك الموقف، فيلتقط ما يذوب بلسانه بسرعة، غير أنّ المثلجة سرعان ما انهارت تماماً كأنها انهيار ثلجي، فراح يتخبط، ينقذ اليسار فيسقط اليمين
فصاح بفزع:
"ريكاردو، أنقذني! أسرع! ستسقط! ستسقط الآن!"
وكان ينظر بخوف إلى قمة "الجبل" وهي تميل لتسقط عليه
فأمسك شو هويتينغ بالمثلجات، وبعينين سريعتين وفمٍ أسرع، التهم القمة قبل أن تنهار
البرودة الشديدة والحلاوة الغامرة نزلت في جوفه دفعة واحدة، فأوجعت رأسه للحظة
أما يي مان فالتقط بلسانه قاعدة المثلجة المنهارة من الجهة الأخرى في اللحظة المناسبة، تبادلا النظرات بعد أن أفلتت منهما الكارثة، وزفر كل منهما الصعداء
وكانت أيديهما متشابكة حول المثلجة، تتناقلان حرارة دافئة، فيما يبدوان كلاهما في حالة فوضى محرجة، نظر شو هويتينغ إلى وجه يي مان وعينيه المتسعتين من الخوف، فابتسم دون أن يقوى على منع نفسه
فاشتعلت أذنا يي مان خجلاً من ابتسامته، وانتزع المثلجة وابتلعها على عجل في بضع لقمات غير مرتبة، عندها ذهب شو هويتينغ إلى متجر قريب ليشتري مناديل مبللة، ونظّف نفسه ونظفه معه
عندها حدّق يي مان فيه بجدية وقال:
"أريد أن أخبرك بأمر"
"ما هو؟"
"لا يحق لك أن تبتسم لي بعد الآن"
كان هذا الطلب غير المتوقع كفيلاً بأن يثير دهشة شو هويتينغ
فقال مازحاً: "يا للعجب! سيدنا الصغير يتحكم في كل شيء، حتى ابتسامتي عليه يريد أن يمنعها؟ أليس هذا تسلّطاً؟"
لكن يي مان لم يتركه يتهرّب، بل واصل بجدية: "أنت لا تفهم"
فأطرق شو هويتينغ مفكراً ثم قال: "بلى، لا أفهم، لكن لِمَ لا تشرح لي أكثر؟ أنا إنسان حي أمامك، فكيف تمنعني من الابتسام؟"
فأجابه يي مان: "ليس الأمر كذلك" ثم اقترب منه بخجل، وهمس: "حين تبتسم لي، أشعر بضيق في صدري"
رفع وجهه المحمر ونظر إليه بجدية: "قلبي يخفق بسرعة، وأشعر أنني ألهث ولا أستطيع التنفس... إنه شعور مؤلم"
تجمد شو هويتينغ مكانه لحظة طويلة
وأخذ يعيد تحليل كلماته في ذهنه كلمةً كلمةً، حتى اختلّ نبض قلبه فجأة
ارتعشت أطراف أصابعه مع اضطراب دقات قلبه، وانقبض حلقه
كان متيقناً أن يي مان لا يدرك حقيقة ما يقوله
ظلّا يحدّقان في بعضهما صامتين، دون أن ينطق أحدهما بكلمة
حبس يي مان أنفاسه، محاولاً كبح ضربات قلبه المتسارعة
أما شو هويتينغ فكان يقبض على كفه ويفتحه مراراً
وأخيراً، رفع شو هويتينغ يده وربّت على رأس يي مان قائلاً:
"من الأفضل أن تحاول التعود على الأمر بنفسك، وإلا فستتعب كثيراً مستقبلاً، لأن أن أمنع نفسي عن الابتسام لك أمر صعب جداً… لا أستطيع فعله"
رمش يي مان بعينيه وقال بخفة: "آه…"
فشعر أن صدره يضيق أكثر
ثم حوّل وجهه وقال: "حسناً… سأحاول أن أعتاد على ذلك"
فما دام بينهما كل هذه الألفة، وهو لا يستطيع أن يتغيّر، فلا بد له أن يتقبله ويحتمله
وفي المرحلة الثانوية، لاحظ يي مان أن شقيقه الثاني تشي جوي ومينغ ياو كانا يخرجان سراً معاً من وراء ظهره
صحيح أنه هو أيضاً كان يتسلل مع شو هويتينغ خفيةً، لكن ذلك لم يمنعه من الفضول حول ما يفعلانه
فاغتنم فرصة وأمسك بهما ليسائلهما:
"هيا، قولا لي! منذ متى وأنتما تتقربان إلى هذا الحد من وراء ظهرنا؟"
فوجئ الاثنان بسؤاله المباشر، فتحاشيا النظر إليه وقد بدا عليهما الارتباك، وبعد جهد طويل، وكثير من الإرضاء بشراء ما يحب، وحتى وعدٍ بأكل ما لا يعجبه عوضاً عنه، استطاع تشي جوي إقناع أخيه الصغير أن يحتفظ بالسر وألا يخبر شقيقهما الأكبر
فصفق يي مان على كتف تشي جوي بعدما أخذ ما أراد، وقال بثقة:
"اطمئن، لن أبوح بسرّكما، فأنا لست غريباً عن هذه الأمور، بل دعني أخبرك بسر… أنا وريكاردو صرنا أقرب منكما حتى، ومنذ وقت أبكر أيضاً!"
كان يقصد أنه وشو هويتينغ صارا صديقين حميمين لا يفترقان
فتجمد تشي جوي في مكانه، وعيناه متسعتان من الصدمة، يزفر هواء بارداً بين أسنانه
وأصبح عاجزاً عن النطق وهو يحدق في يي مان
لا يعقل… هل هو حقا كذلك…؟!
ثم هتف بغضب: "شو هويتينغ! سأذهب لأخبر أخي الأكبر حالاً!"
واندفع بعزم نحو تشي يان، لولا أن مينغ ياو وقف في وجهه بكل ما يملك من قوة ليمنعه
لو عرف تشي يان بذلك، أكان سيترك الأمر يمر؟ لا بد أنه سيكسر ساق خاله الصغير!
خاله أيضاً… وهذا… وأخوة أسرة تشي كذلك… آه!
أصيب مينغ ياو بصداع شديد
…
توالت الفصول، ربيع يمضي وخريف يأتي، طريق يُسلك آلاف المرات، تُطأ فيه أزهار الربيع، وأمطار الصيف، وأوراق الخريف، وثلوج الشتاء، كانا يمشيان واحداً خلف الآخر، ثم جنباً إلى جنب على مرّ السنين، حتى صار يي مان من طفل يتبع شو هويتينغ، إلى فتى يقف إلى جانبه، ثم إلى شاب ناضج
تخرّج شو هويتينغ قبل يي مان بعدة أعوام، وصار مشغولاً جداً بعد تخرّجه
في البداية، حين لم يعد شو هويتينغ إلى جانبه، لم يستطع يي مان التأقلم، فقد اعتاد على وجوده طوال تلك السنين
كان يتقلب في فراشه ليلاً، ثم لا يلبث أن ينهض خفية ليجري له اتصالاً هاتفياً
ولأن شو هويتينغ كان كثير السفر إلى الخارج، وكان بينهما فارق في التوقيت، دوّن يي مان مواعيد نومه واستيقاظه، وظل يضبط اتصالاته على تلك الأوقات، وغالباً ما كان يتصل به في منتصف الليل عنده، ويستمر في الحديث حتى يغلبه النوم وهو لا يشعر متى توقف
وعلى الرغم من أن صوت أنفاسه الهادئة عبر الهاتف كان يمنح شو هويتينغ طمأنينة غامرة، إلا أنه غيّر مواعيد اتصالاتهما، وصار هو من يتصل به قبل نومه ليطمئن عليه
كان يي مان يحكي بحماس عن يومه، عن كل ما فعله، فيما كان شو هويتينغ يرسل إليه بين الحين والآخر بعض الأشياء الغريبة أو الطريفة التي يعثر عليها
كانت الأيام المزدحمة بالدراسة والعمل، مع انعدام اللقاء، تمرّ على كليهما بصعوبة
لم يحدث قط أن افترق يي مان عن شو هويتينغ مدة طويلة كهذه
وكلما طالت فترة الغياب، ازداد شعوره بعدم اليقين وانعدام الأمان
في أحد الأيام، وكالعادة، كان شو هويتينغ ينتظر أن يكون يي مان هو من ينهي المكالمة
انتظر طويلاً، لكن الطرف الآخر لا يتكلم ولا يقطع الاتصال، أخذ يتذكر أحواله الأخيرة: يأكل جيداً، ينام جيداً، يلهو، دراسته تسير على ما يرام
كل شيء يبدو على ما يرام
إذن، ما الذي جعله حزيناً؟
ذلك الصغير الذي نشأ معه كان ذا طبع عنيد، فإذا استبدّ به الضيق، كان يحتاج إلى كثير من الصبر والدلال حتى يبوح بما في نفسه
وكان شو هويتينغ يستمتع بهذا الدور
فهو لا يسمح لأحد أن يلاطفه ويواسيه، إلا هو وحده
لكن هذه المرة لم يكلّفه الأمر جهداً كبيراً، فما لبث يي مان أن نفد صبره وقال:
"ريكاردو، عدني أن تكون أنت وأنا الأفضل في العالم، إلى الأبد، وألا تكون قريباً لأحد غيري"
صمت شو هويتينغ طويلاً، ثم تنهد بأسى:
"أخشى أن ذلك لا يمكن، لقد أقسمت أمام أرواح أجدادي أنني في هذه الحياة لن أكون الأقرب إلا لذلك الشخص الذي سيكون شريك حياتي ورفيقي حتى النهاية"
قال يي مان بانفعال: "لا! لا! اسحب كلامك حالاً!"
فأجاب: "القسم كالوعاء المكسور أو الماء المسكوب، لا رجعة فيه، أم أنك تريدني أن أنقض قسم الأجداد؟ سمعت أنهم لو غضبوا، سيأتون في منتصف الليل ومعهم المكنسة ليضربوني ضرباً مبرحاً، هل تريد أن ترى أجدادي يحيطون بي ويضربونني، يا شياو مان؟"
صرخ يي مان: "لا، لا أريد! لكن هذا أيضاً لا يجوز!"
فطمأنه شو هويتينغ: "إذن عليك أن تتقبل الأمر، عندما يظهر نصفي الآخر في المستقبل، فلن أستطيع أن أكون إلا في المرتبة الثانية بالنسبة لك"
تمتم يي مان: "الثانية…؟"
أجاب شو هويتينغ: "نعم، الثانية، عندها لن أستطيع أن أحملك على ظهري، ولا أن أحتضنك، ولا أن أمسك يدك، ولن نستطيع النوم معاً على السرير نفسه بعد الآن… حتى مكالمات الهاتف مثل هذه، ربما لن تعود ممكنة"
غاص قلب يي مان في قاع اليأس، وخرج صوته مبحوحاً بالذهول:
"إذن، ستذهب لتحمل شخصاً آخر، وتحتضن شخصاً آخر، وتمسك بيد شخص آخر، وتنام معه في سرير واحد؟!"
فكر شو هويتينغ قليلاً ثم قال: "من حيث المبدأ، نعم"
وبمجرد سماع هذه الكلمات، فاضت عينا يي مان بالدموع، وشعر بوجع خانق في صدره، كيف يمكن أن يكون ذلك مقبولاً؟ بكى بحرقة وهو يقول:
"لا! لا أريد أن أكون الثاني! أريد أن أكون الأول! يجب ألا تفعل ذلك مع أحد غيري!"
ذاب قلب شو هويتينغ لحظة سمعه ذلك، فسأل بصوت خافت:
"حقاً هذا ما تريده؟"
"نعم!"
"إذن هناك حل"
"أي حل؟"
شدّ شو هويتينغ كفه المتعرق، وتظاهر بالثبات قائلاً:
"أن تكون أنت ذلك الشريك الذي سيقاسمني حياتي كلها"
"…" جفل يي مان وأطرف دموعه بدهشة
"شياو مان؟"
"…"
أدرك شو هويتينغ أن الأمر كان متعجلاً بعض الشيء، فغشاه الندم
لقد قضيا معاً معظم حياتهما، حتى إنّ رفيق الطفولة اعتاد على وجوده إلى جانبه، فلم يدرك مشاعره نحوه، فبهذا الحال، متى سيتمكّن أخيراً من الظفر بالحبيب؟
لكن إن كان القدر قد كتبه له، فلا بدّ أن يكون له، والانتظار قليلاً لا يضر
كان ينوي أن يقول إنّه كان يمزح
غير أنّ صوتاً مبحوحاً مخنوقاً بالبكاء جاء فجأة من الطرف الآخر من الهاتف: "حسناً"
للحظةٍ ساور شو هويتينغ الشكّ في أنّه شرد بأفكاره طويلاً حتى بدأ يتهيّأ له ما ليس موجوداً
قال متردداً: "ما قلته الآن… هل تستطيع أن تكرره مرة أخرى؟" ثم أضاف متسائلاً، وقد تسلّل الشك إلى قلبه: "أتدرك ما معنى أن يكون أحدهم نصفك الآخر؟"
أجابه يي مان بغضب طفولي: "أتظنّني غبياً؟ بالطبع أعرف!"
قالها وهو يرفع صوته ثم خفضه على عجل، صوته مكتوم، وكأنّه غطس في بطانيته: "أن أكون حبيبك! لقد بلغت العشرين، كيف لي ألّا أفهم هذا؟"
تحرّك حلق شو هويتينغ بتوتر، شعر بالهواء يزداد حرارة، واضطر أن يفكّ ربطة عنقه قليلاً، ثم قال بصوت بدا ثابتاً: "أنا رجل، وأنت أيضاً رجل"
فأجابه يي مان بوضوح: "أعلم!"
إنه قال يعلم
حقاً… لقد قال إنّه يعلم، وهو يدرك ما يعنيه ذلك
خلع شو هويتينغ ربطة عنقه تماماً، وفكّ أزرار قميصه، ثم قال بنبرة مشبوبة: "شياو مان… هل أنت متأكد أنّك تحب الرجال؟"
كانت مناداته له "شياو مان" تفيض بالحنين والالتصاق، حتى إنّ قلب يي مان احمرّ خجلاً وهو يندسّ أعمق في الفراش، متردداً ثم نطق بصوت خفيض لا يكاد يسمع: "لا أعلم… أنا فقط… أنا فقط أحبك"
في تلك اللحظة، أشرق الوعي في داخله
فبعض الكلمات ما إن تُقال حتى تبدّد الضباب، ويغدو كل شيء جليّاً، ولا تعود تلك الكلمات عصيّة على النطق كما كان يتخيّل
أمسك يي مان بالهاتف، فإذا بمشاهد من أيامهما السابقة تتوالى أمام عينيه، تتزاحم في قلبه مشاعر شتى وأحاسيس لا حصر لها
قال باكياً بمرارة:
"ريكاردو، أنا أحبك، لا تذهب لتكون مع غيري"
أجابه الآخر بهدوء:
"شياو مان"
"نعم؟"
"أنا أحبك"
ومهما كان الزمان، فلن يحب سواه أبداً
"سأحجز التذكرة الآن، وسأعود لأبحث عنك، كن مطيعاً، ولا تبكِ بعد الآن"
…
وبعد وقت طويل، سأل يي مان شو هويتينغ عن سبب ذهابه إلى بيته حين كانا طفلين، ولماذا كان يحسن إليه منذ صغره
قال يي مان متفاخراً:
"لا يمكن أنك أعجبت بي وأنا صغير، أليس كذلك؟ مع أنني كنت جميلاً جداً في طفولتي"
فضمه شو هويتينغ إلى صدره وألقى به على السرير، ثم طبع قبلة على شفتيه
كان متردداً لا يعرف كيف يصوغ الكلام، يخشى أن يُكثر حبيبه من الظنون، لكنه أدرك أن الأمر لا بد أن يُقال:
"رأيت حلماً، حلماً طويلاً عشت فيه حياة كاملة، في الحلم عرفت أنّك ستكون شريكي في المستقبل " قبض على يده، وتطلع في عينيه بقلق وقال: "كنا سنلتقي في يوم ما، سنحب بعضنا، ونظل معاً إلى الأبد"
لم يكن يصدق ذلك في البداية، لكنه شيئاً فشيئاً وجد أن ما رآه في الحلم يطابق ما يجري في الواقع، فغلبه التصديق
"لكن كان عليَّ أن أنتظر أياماً وليالي طويلة حتى يحين موعد لقائنا، لذلك ذهبت باكراً لأبحث عنك"
كان يخشى أن يظن يي مان أنّ حبه له مشوب بأمور أخرى
ومسح شو هويتينغ برفق عينيه، تلك العينان اللتان رآهما في الحلم مظلمتين خاليتين من الروح، فإذا بهما الآن صافيتين متلألئتين تعكسان صورته:
"صحيح أنّني ذهبت إليك لأني رأيت المستقبل، لكنني لم أحبك لأنني رأيت حلماً"
"ما عشنا معاً من وقت، هو لنا وحدنا، يخصنا نحن الاثنين في هذا الحاضر، ريكاردو ذاك ينتمي إلى شياو مان في المستقبل، أما أنا فلا أنتمي إلا لك الآن"
لم يكن قادراً أن يحب كل "شياو مان"، بل أحب هذا "شياو مان" الذي أمامه، الذي رافقه في سنوات طويلة، وهو أيضاً لن يكون سوى ريكاردو هذا
تمتم يي مان قائلاً:
"هل كنت أعيش حياة سيئة في ذلك العالم؟"
وعلى الرغم من أنّه لم يقلها صراحة، فإنّ يي مان كان قد أدرك أنّ مجيئه إلى بيته في ذلك الوقت، وأخذه إلى بيت أسرة تشي، لا يخلو من احتمال أنّه كان سيعاني لاحقاً
قال شو هويتينغ:
"بلى، سيئة جداً، كنت تبكي دوماً، غارقاً في الدموع"
ولذلك حمد الله أن منحه هذه الفرصة، ليكون إلى جواره مبكراً
"عذراً لأنني أخفيت عنك هذه الحقيقة طوال الوقت"
احتضن يي مان وجهه، وداعب أنفه بأنفه، ثم قال بعطف ورقة:
"يبدو أنّك عانيت كثيراً في هذه السنوات"
تأمله شو هويتينغ باهتمام
ثم تابع يي مان وكأنّه يعدد خصالاً ثمينة:
"أتيت إليّ بمحض إرادتك، وكنت تحرسني بصمت دون أن أعلم، وأحببتني طويلاً دون مقابل… شكراً لك"
ثم ابتسم وقبّله
"ريكاردو، لو أنّ الزمان عاد للوراء مرة أخرى، دعني أكون أنا من يبحث عنك هذه المرة"