🦋



دخل إلى البيت فجأة شاب صغير بملابس وهيئة لا تنسجم إطلاقًا مع البيئة المحيطة 


لقد جاء من غير سابق إنذار، يرافقه حارسان شخصيان، وتحدث مع يي غووين بكلمات لم يُعرف ما هي، فتردّد والد يي ووالدته قليلًا، ثم أدخلاه إلى البيت 


اختبأ يي مان في غرفته، متشبثًا بحافة الباب، يمد رأسه بحذر ليلقي نظرات سريعة على القادم، فضوليًّا ومتحفّظًا في الوقت نفسه 


غرفة المعيشة في الشقة القديمة لم تكن تشبه تلك الموجودة في بيوت العائلات العادية، فهي ضيقة لا تتسع لوضع أريكة، ولم يكن فيها سوى بعض الخزائن، أحضر يي غووين عدة مقاعد، فجلس الضيف عليها ليتحدث معه 


أرهف يي مان سمعه، فالتقط كلمات متناثرة مثل: "عائلة تشي"، "حمل بالخطأ"، "طفل"، دون أن يفهم المعنى 


ظل يراقب من وراء الباب ذلك الشاب الوسيم بتركيز شديد، وفجأة التقت عيناه بعينين تنظران إليه مبتسمتين بهدوء 


هو! كُشِف أمره!! 


ارتجف قلبه بشدة، وأمسك بحافة الباب بقبضة متوترة، ثم سحب نفسه بسرعة إلى الداخل 


" شياو مان، تعال قليلًا" بعد لحظات، جاء يي غووين يناديه 


تثاقل يي مان وهو يخرج، فانحنت والدته بجانبه وأشارت إلى الشاب قائلة: 

"شياو مان، قل: غاغا" 


قال على مضض: 

"مرحبًا، غاغا" 


ولم يكن إلا تحية بسيطة، حتى ابتسم الآخر من جديد وكأنه سعيد للغاية، وردّ بصوت هادئ: 

"مرحبًا، شياو مان" 


من الواضح أنّه لم يبتسم بهذه الطريقة وهو يتحدث مع والديه 


يي مان لم يُحب هذا الشاب، إذ ظل يبتسم له بلا سبب، وهو لا يفهم ما الذي يجعله يبتسم على هذا النحو 


ألقى نظرة على نفسه ليتأكد إن كان ثمة ما يدعو للسخرية، فلم يجد شيئًا 


وبعد بضع كلمات عابرة، وجد نفسه يُساق مرتبكًا في حضن أمه، يخرج مع والديه ليلحقوا بذلك الأخ الغريب 


وما إن خرجوا حتى رأوا سيارة فاخرة متوقفة عند الباب، من الواضح أنها ليست سيارة يقدر عامة الناس على ركوبها، ارتبكت الأم قليلًا، بينما تقدّم شو هويتينغ ـ على صغر سنه ـ بوقار يشبه الكبار، وفتح لهم باب السيارة بلطف ودعاهم إلى الركوب 


شعرت والدة يي مان بمهابة غريبة أمام هذا الطفل، فابتسمت له بخجل وجلست وهي تحتضن ابنها، أما يي غووين فحاول أن يصعد معهم، لكن شو هويتينغ سبقه 


فقال الحارس إلى جواره بأدب: 

"لا تتسع المقاعد، تفضّل بالركوب في السيارة الأخرى" 


وبما أنّ امرأة وطفلًا يجلسان معًا، فلا مجال للاعتراض، اضطر يي غووين أن يذهب متضايقًا ليركب السيارة الأخرى 


في السيارة، ظل يي مان يرمق الشاب الجالس بجواره بنظرات ممتلئة بالاستياء 


لم يُرِد الجلوس مع شخص لا يحبه، وحاول أن يعبّر بعينيه عن رفضه 


لكن شو هويتينغ تظاهر بعدم ملاحظة شيء، ثم أخرج من يده بطريقة أشبه بالسحر عصًا من الجبن المغلف 


جلس بهدوء وثقة، ولوّح بالعصا الملوّنة أمام الطفل في حضن والدته 


وكما توقّع، جذب انتباهه على الفور، فترك فكرة قتل الآخر بنظراته، وراح يحدّق بالجبن، نقله شو هويتينغ إلى اليسار، فتحرك رأس الصغير إلى اليسار، ثم إلى اليمين، فتبعه رأسه إلى اليمين 


كررها مرات عدة حتى بدا أنّ الصغير ضاق ذرعًا، واتسعت عيناه غضبًا 


خمن شو هويتينغ أنّه ربما شتمه آلاف المرات في داخله 


قال في النهاية: 

"خذ" 


ثم مزّق الغلاف ووضع عصا الجبن في يده 


ظل الطفل مشوشًا للحظة، وكأنه يظن أنّه كان يخدعه ولن يعطيه إياها حقًا 


أسرعت الأم ترفض، لكن شو هويتينغ قال بلطف: 

"لا بأس يا عمّة، دعيه يأخذها، فليأكل شيئًا يقضي به وقته" 


كان صوته أكثر جدّية وهو يخاطبها 


تحت إلحاح الأم شكر يي مان على استحياء، ثم بدأ يقضم الجبن مسرورًا، فقد كان شيئًا جديدًا عليه 


وما إن أخذ قضمة حتى أضاءت عيناه: 


لذيذ! 


انشغل تمامًا بعصا الجبن، ولم ينتبه إلى أنّ الشاب الجالس بجواره ظل يراقبه مبتسمًا طوال الطريق 


وحين وصلوا إلى المستشفى، كانت هناك عائلة أخرى بانتظارهم بقلق وتوتر منذ وقت طويل 


إلى جانبهم وقف طفلان، أحدهما أطول من الآخر 


ما إن ظهر يي مان حتى اتجهت إليه أربعة أزواج من العيون دفعة واحدة 


فارتبك وتوارى خلف ظهر أمه 


سعل تشي يان رونغ بخفة وقال: 

"إذن فلنقم بالفحص أولًا" 


فجأة، جاءهم من يقول إنّ الطفل الذي عندهم ليس ابنهم بل حُمل خطأ، رأت عائلة تشي الأمر سخيفًا، خصوصًا أنّ من قال ذلك مجرد طفل، حتى لو كان طفل آل شو، فكان من الصعب تصديق ذلك فورًا 


لكن شو هويتينغ تحدّث بثقة كبيرة، رغم صغر سنه، فقد كان كلامه منظمًا، منطقيًا ومقنعًا، وكان الزوجان حين يتحدثان معه يشعران وكأنهما أمام رجل بالغ، ثم إنه أوضح أن الفحص لن يستغرق وقتًا طويلًا ولا يكلف جهدًا، فقرّرا إجراءه 


أُخذ يي مان ليُسحب منه الدم، فظل مشوشًا، لا يفهم ما يجري حوله 


لم يصرخ بصوت عالٍ، بل دفن رأسه في حضن أمه، وعيناه تحمران بصمت 


وما إن التفت حتى وجد شخصًا يرمقه بنظرات صارمة ووجه متجهم 


يي مان: "..." 


تشي يان: "..." 


يي مان: "أووو… واااااه!" 


تشي يان: "!" 


عضّ تشي يان شفتيه وهو يقف حائرًا إلى جانبهم، يراقب والدة يي وهي تحتضن الطفل ـ الذي قد يكون شقيقه ـ محاولة تهدئته، بينما أخرج فتى آل شو عصا من الجبن 


الطفل الذي أرعبوه حتى بكى، كان من السهل إرضائه وتهدئته 


جلس شو هويتينغ إلى جانبه يهمس له بكلمات رقيقة، فما هي إلا لحظات حتى أخذ الطفل عصا الجبن وهو يشهق باكيًا، ثم توقف عن البكاء، حاول تشي يان أن يخطو نحوه، لكنه وجد أنّه لا مكان ليقترب، فاكتفى بالوقوف مكتئبًا لا يدري ما يصنع 


ولم يمض وقت طويل حتى ظهرت النتائج 


اجتمعت الأسرتان معًا، وكلّهم يحدقون في التقرير وما ورد فيه، ولم يكن أمامهم إلا أن يقبلوا بذهول أنّ طفليهما قد استُبدلا فعلًا 


لا يُعرف ما الذي دار بين العائلتين من نقاش، لكن حين استيقظ يي مان وجد نفسه جالسًا في سيارة متجهة إلى بيت آل تشي 


احتضنته والدته قليلًا، ثم نظرت إلى الطفل الآخر الجالس في السيارة بوجه حائر مضطرب، قبل أن تلتفت نحو الرجل الجالس إلى جانبها، والذي لم يستطع إخفاء فرحته، فمدّت يدها تربت على رأس يي مان قائلة: 

"شياو مان، سيكون لك بيت كبير لتسكن فيه، وكثير من الألعاب، ومن الآن فصاعدًا ستعيش سعيدًا، مفهوم؟" 


في تلك اللحظة، لم يكن يي مان يدرك ما الذي جرى 


ولم يفهم إلا عندما أُعيد إلى بيت آل تشي 


هناك، أخبروه أن هذا هو بيته الحقيقي، وأنّ زوجي آل تشي هما والداه، وأنّ الشابين إلى جواره هما شقيقاه 


الأكبر سنًّا هو ذاك الذي كان يحدّق فيه بصرامة في المستشفى، بينما الأصغر كان بعينين محمرتين، واقفًا مترددًا لا يعرف كيف يبدأ الكلام معه 


امتلأت عينا يي مان بالدموع أيضًا، لكنه لم يجهش بالبكاء بصوت عالٍ 


… 


حين عاد يي مان إلى بيت آل تشي في البداية، صار صامتًا قليل الكلام، وكان غالبًا ما يختبئ تحت الغطاء ويبكي سرًّا 


لم يكن يحب التحدث معهم، بل كان ينفر منهم بعض الشيء، وكأنه شعر أنّ والديه قد تخلّيا عنه، فظل حزينًا فترة طويلة 


تعاونت الأسرة كلها على التناوب في البقاء إلى جانبه طوال الليل، يهدئونه ويداعبونه، حتى بدأ ينفتح قليلًا 


وبعد عدة مرات أفزع فيها أخاه حتى دمعت عيناه، أدرك تشي يان أنّ طريقته القديمة في التعامل مع شقيقه لم تعد تصلح، فاضطر أن يبذل جهدًا ليكون أكثر لطفًا معه، وألّا يخيفه حتى لا يبكي مجددًا 


ومع مرور الأيام، بدأ يي مان يعتاد على الحياة الجديدة في البيت 


وصار أكثر حيوية ومرحًا 


إلى درجة أنّ تشي يان صار مضطرًا كل صباح أن يقضي عشر دقائق إضافية في البحث عن "الأخ الأول" و"الأخ الثاني"، اللذين يهربان من الاستيقاظ باكرًا ويختبئان في شتى الغرف، فيجرّهما من تحت الأغطية ليذكّرهما بسلطة الأخ الأكبر 


أما تشي جوي، فعلى الرغم من أنّه كان يحب النوم أيضًا، إلا أنّه لم يشارك في لعبة الاختباء هذه، ولم يكن يكرر المحاولة بعد فشله 


ذلك الإصرار على اللعب لم يكن سوى من نصيب أكثر الأطفال مشاكسة وإثارة للفوضى في البيت 


في المرة الأولى التي علم فيها يي مان أنّ الأخ الأكبر سيأتي ليجرّهم من أسرّتهم، ضحك من تشي جوي بلا تردد ووصفه بالغباء، ثم اصطحبه ليخوضا معًا معركة كبرى في "الهروب من الأخ" 


وكأنه لا يعرف الاستسلام، فكل مرة يُقبض عليه فيها يظهر بملامح ناقمة غير راضية، ثم يندفع في المرة التالية بحماس أكبر، ليخبر تشي جوي بحماسة أنّه وجد مكانًا جديدًا للاختباء 


وفي ذلك اليوم، حمل الاثنان أغطيتهم وصعدا إلى العلّية للاختباء 


انسكب ضوء القمر من النافذة، وتكوّمت بجانب تشي جوي كتلة صغيرة تغطّ في نوم عميق، فاستعاد صورة ذلك الطفل وهو يختبئ تحت الغطاء باكيًا 


كان يي مان يحزن لأنه ظن أن والديه لا يريدانه، بينما كان تشي جوي تائهًا لا يعرف كيف يتصرف 


وفي لحظة ضعفه، حين لم يكن يعرف ما يفعل، امتدت يد من تحت الغطاء وأمسكت به 


خرج الطفل من تحت الغطاء، عيناه محمرتان، وتمتم قائلًا: 

"لقد وقفت طويلًا، ألا تنوي الصعود والنوم؟" 


امتلأت عينا تشي جوي بالدموع، فتنفس بعمق، وخلع حذاءه، ثم تمدّد ببطء وحذر إلى جانبه 


وفي الصباح، جرّ تشي يان الطفلين النائمين من تحت الأغطية بوجه خالٍ من التعابير 


وقبل أن يتحرك تشي جوي، كان يي مان قد بدأ يتصنّع البكاء وهو يغطي عينيه بيديه، فارتخى تشي يان لا إراديًّا وأفلت قبضته، ثم التفت ليجده يتلصص من بين أصابعه 


كان على وشك أن يتركهما، لكنه قال: 

"الفطور اليوم فطر مشوي" 


رفع يي مان يده في ذهول: 

" أعترض!" 


ابتسم تشي يان ساخرًا وهو يعقد ذراعيه: 

"اعتراضك مرفوض" 


وعلى المائدة جلس يي مان عابسًا أمام طبقه المليء بالفطر 


وحين أدار تشي جوي رأسه لبرهة، اكتشف أنّ في طبقه ظهرت حبة فطر كبيرة إضافية 


وبجانبه كان يي مان يعبث بما تبقى في طبقه وهو يرمقه خلسة 


شعر تشي جوي بالرغبة في الضحك، لكنه تظاهر بعدم ملاحظة شيء، وأكل حبة الفطر الكبيرة وكأنها من نصيبه أصلًا 


أما العثور على يي مان وإعادته إلى عائلته، فكان الفضل فيه كلّه يعود إلى شو هويتينغ 


وقد شرح وقتها أنّه اكتشف الأمر بمحض الصدفة، ولأنه لم يشأ أن يفصح عن الكثير، لم تُلح عائلة تشي في السؤال، معتبرين أنّه ربما حصل على المعلومة من مصدر لا يمكن ذكره 


ومنذ ذلك الحين، صار شو هويتينغ مقربًا من عائلة تشي، كثير التردد على منزلهم 


لكن يي مان، الذي كان يحمل في قلبه استياءً منه بسبب ما حدث من قبل، لم يكن يطيق وجوده، وكان يتعمد تجاهله كلما رآه 


وذات يوم، حين حاول يي مان التسلل خفية لزيارة المكان الذي عاش فيه من قبل، صادفه شو هويتينغ في الطريق، فظن أنه سيفضحه أمام الآخرين، لكنه لم ينبس بكلمة 


تسلّق الفتى الجدار ببراعة، ثم استقبل يي مان وهو يقفز من الأعلى بثبات 


رافقه إلى المكان الذي كان يقطنه سابقًا 


كان يي مان يحمل قلبه مليئًا بالقلق وهو يطرق الباب، لكن البيت القديم كان قد تغير ساكنوه، وأصبح يقطنه أشخاص لا يعرفهم 


في طريق العودة هطلت أمطار غزيرة 


استاء يي مان وأبدى رفضه للمشي 


فأمره الفتى بحمل المظلة، وحمل يي مان على ظهره طوال الطريق، وعادا معًا إلى بيت آل تشي 

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]