اكتشف السكرتير تشين أنّ مديره في الآونة الأخيرة بدا عليه بعض الغرابة
وتجلّى ذلك في أنّه كثيرًا ما يتوقف في منتصف الحديث، ثمّ يسرح ذهنه محدّقًا في الفراغ، كأنّه يفكّر في أمر مصيري يتعلّق بالحياة والموت
تمعّن السكرتير تشين قليلًا، فإذا به يستشفّ من ملامح وجه رئيسه، الذي لا يُظهر الفرح والغضب، شيئًا من الأسى والمرارة
ولو لم يخبُره وعيه، لَما نسي أنّ مديره قد نجح في طلب الزواج الأسبوع الماضي، وبقيت ابتسامة الفرح عالقة على شفتيه نصف شهر كامل، فالناس إذا أصابتهم فرحة أحبّوا التباهي، غير أنّه لم يكن يتباهى بساعة فاخرة، بل بخاتم الزواج الذي يزيّن إصبعه البنصر
وفي الآونة الأخيرة، كان كلّ من يصادفه يكفيه أن يتظاهر بالمفاجأة، مشيرًا إلى الخاتم قائلًا:
"السيد شو، هل ستتزوّج؟"
حتى ينال منه نظرة استحسان، ومعها مكافأة سخيّة
وكانت هذه الحيلة لا تخيب قط
غير أنّ من كرّرها كثر، فحاول السكرتير تشين أن يلمّح للأمر، لكن شو هويتينغ لم يعر ذلك أدنى اهتمام
فقال: "أنا مسرور، وأنا أريد ذلك"
فأجابه السكرتير: "… مفهوم"
وما هي إلا أيام قلائل، حتى انقلب حاله مائةً وثمانين درجة، وكأنّه سقط من الفردوس إلى الجحيم!
هذا التغيّر الغريب في حالة المدير جعل السكرتير تشين يعمل في توجّس دائم، يخشى ارتكاب أي خطأ، فراح في أوقات فراغه يراجع أوضاع الشركة الماليّة، ويتقصّى أخبار المنافسين، ويتتبّع تحرّكات آل شو… فوجد كلّ شيء مستقرًّا ومنظّمًا بلا شائبة
فإذا لم تكن عائلة شو على وشك الانهيار، ولا الشركة على وشك الإفلاس، فما الذي يجعل المدير يغرق في هذا الكمّ من الأسى؟
وبذكاءٍ فطري، خطر ببال السكرتير احتمال واحد، فبعد انتهائه من رفع تقرير ذات يوم، تجرّأ وسأل متردّدًا:
"السيد شو… أيمكن أن يكون الشاب تشي ناويًا فسخ الخطوبة؟"
فالتفت إليه الرجل، الذي ظلّ لأيام شارِد الذهن، بوجه جامد
ارتجف قلب السكرتير تحت ثِقل نظرات عينَيه العميقتين، فصرف بصره بسرعة وقال معتذرًا:
"أعتذر، سيد شو، ليتك تتجاهل كلامي أنا—"
فقاطعه: "لقد اكتشفت الأمر"
لم يكن قد قال شيئًا أصلًا…
انتفض عقل السكرتير فجأة، واتّسعت عيناه هلعًا:
ماذا!
كان الرجل الوسيم يداعب بإصبعه خاتم الخطوبة، بينما ازداد شفاهه انقباضًا
تجمّدت ملامح السكرتير من شدّة الصدمة: "مستحيل!"
رفع شو هويتينغ بصره وقال:
"هو لم يقل إنّه سيفصخ الخطوبة، لكن منذ أن خُطِبنا، أخذ يبتعد عنّي رويدًا رويدًا"
ازداد وجه السكرتير تقطّبًا: "ابتعاد؟ تقصد الشاب تشي؟ هذا غير ممكن!"
ذلك الفتى كان شديد التعلّق بالسيد شو، فكيف يبتعد؟ كان السكرتير ليشكّ في خللٍ بنظام لغة رئيسه قبل أن يصدّق أنّ الشاب سيبتعد عنه
غير أنّ ذهوله الفاضح جرح قلب شو هويتينغ، فزاد الأخير مرارةً
سأل السكرتير بعد تردّد:
"وكيف ابتعد عنك؟"
"قلت إنّي سأنتظره بعد انتهاء دروسه لأُقِلّه، لكنه رفض وقال إنّه قادر على العودة بنفسه"
(صمت السكرتير)
كان قد شاع مؤخرًا أنّ بصر الشاب تشي يي مان بدأ يعود إليه شيئًا فشيئًا في معجزة
ومع استعادة بصره، كان عليه أن يتدارك أساسيات التعليم، لكن ليس بغرض دخول الجامعات
عائلة تشي منحت يي مان الكثير من الخيارات، لكنه قرّر بعد إتمام التعليم الأساسي أن يلتحق بمعهد خاص، ليتعلّم لغة الإشارة، ويتدرّب على مهارات بسيطة مثل طيّ الورق والعزف على بعض الآلات، لم يكن مضطرًّا إلى إتقانها، بل أن يعرف منها الكثير يكفي
وحين سُئل عمّا يودّ أن يعمل به مستقبلًا، قال لـ شو هويتينغ إنّه يخطّط للعودة إلى دار الأيتام ليصير مربيًا للأطفال، على غرار الجدة لو، فهناك أيضًا بعض الأطفال الذين يعانون ضعف السمع أو البصر
وقال بحماس وهو جالس مساءً على ركبتي شو هويتينغ :
"أستطيع أن أعلّمهم القراءة، وأدرّبهم على طيّ الورق، والعزف على الأورغ، وسأحكي لهم القصص أيضًا!"
لكن ما لبث حماسه أن خبا، فأطرق رأسه يلهو بأصابع يد شو هويتينغ الطويلة
ثم تردّد قليلًا قبل أن يسأل:
"أترى هذا تافهًا بلا طموح؟"
قال شو هويتينغ : "ولِمَ تقول ذلك؟"
تمتم يي مان: "ربّما لو حاولت التقديم لجامعة مرموقة، وتعلّمت شيئًا أعظم شأنًا، لكان أفضل"
لم يكن يعرف حقًّا ما معنى "أعظم شأنًا"، لكنّه كان يشعر أنّ ما يرغب به مختلف عمّا يراه الناس لائقًا أو مبهرًا
وكان شو هويتينغ يدرك ما يجول في خاطره
فرفع ذقنه، وحدّق في عينيه بنظرة ملتهبة:
"من قال إنّ تلك الأمور أفضل؟ برأيي، ما تحبّه ويُسعدك هو الأفضل"
فأجابه بعيون متردّدة: "حقًّا؟"
"أتصدق الآخرين أم تصدقني؟"
أجاب يي مان بلا تردّد: "أصدقك!"
فطبع شو هويتينغ قبلة على أنفه وقال: "إذن افعل ما تشاء"
هزّ يي مان رأسه بقوّة، وفي لحظات قليلة تمكّن شو هويتينغ من إرضائه
ومنذ ذلك اليوم انشغل يي مان بحماس شديد
في البداية لم يبدُ الأمر مختلفًا، غير أنّه في الآونة الأخيرة بدأ شو هويتينغ يشعر بأنّ الطرف الآخر أصبح باردًا معه بعض الشيء
في المكتب، قال شو هويتينغ ببرود لسكرتيره تشين :
"إنه لا يسمح لي حتى أن أمسك بيده في الخارج"
(صمت السكرتير)
وأضاف شو هويتينغ: "كما أنّه يذهب بنفسه إلى السوق لشراء حاجياته، مع أنّي أخبرته أني أستطيع مرافقته متى تفرغت، لكنه أصرّ على الذهاب وحده، ولم يدعني أرافقه"
وكلّما ذكر سببًا بدا أكثر مرارة من سابقه
فتح السكرتير فمه متردّدًا وقال: "هذا… فعلاً أمر غير طبيعي"
وبالتفكير الدقيق، لاحظ أنّ اتصالات يي مان بالسيد شو عبر الهاتف قلّت في الفترة الأخيرة
خفض شو هويتينغ بصره وقال: "إذن أنت أيضًا ترى ذلك"
ثم تابع: "ليس هذا فحسب، بل صار يقوم بكل شيء بنفسه، ولم يعد يعتمد عليّ كما كان من قبل"
لكن لو قيل إنّ السبب انشغاله بالدراسة أو العمل، فشو هويتينغ لا يراه كذلك
بل هو مقتنع أنّ يي مان أخذ يبتعد عنه ويعامله ببرود من غير سبب واضح
كان يي مان في الفترة الأخيرة في غاية الانشغال والقلق
صحيح أنّه بفضل "الأخ تونغ" استطاع أن يستعيد بصره، غير أنّ الأمر احتاج فترة انتقالية ليعتاد عليه، فتمّت السيطرة على سرعة التعافي لتكون تدريجية، حتى استعاد بصره كاملًا بوضوح في الآونة الأخيرة، أما تبرير هذا الأمر للآخرين فلم يكن عليه أن يشغل باله به، إذ إنّ "الشخص الكبير" رتّب كل شيء بسلاسة
لكن ما شغله حقًّا أنّ نقاط القطّ البرتقالي "الأخ تونغ" لم تزد منذ فترة
وذات يوم، أنهى يي مان دروسه مبكرًا، فعاد باكرًا إلى المنزل الذي يشاركه مع شو هويتينغ
وبينما كان يسرّح شعر القطّ البرتقالي، راح هذا الأخير يشتم بغضب:
"حين كنت تلعب دور الفتى المأساوي الحقير، لم تكن تجلب لي أي فائدة، والآن صرت البطل، فلماذا ما زلتُ فقيرًا معدمًا! أنت على وشك الزواج، فكيف تتوقف نقاط سعادتكما عند هذا الحد ولا تتحرك!"
لم يسمع بمثل هذا من قبل!
لقد ظنّ أنّه مع وضعهما الحالي ستكون النقاط في جيبه بلا شك
تلبّك يي مان وهو يتلقى التوبيخ: "لكننا بخير فعلًا"
فردّ النظام باستخفاف: "هه"
قال يي مان: "إذن… هل أبذل جهدًا أكبر؟"
وأخرج هاتفه، وفتح نافذة الرسائل المثبّتة
فاكتشف أنّ آخر مكالمة مرئية بينهما كانت منذ نصف أسبوع
وبعد تردّد، اتصل به
لم يكد الهاتف يرنّ مرة واحدة حتى أُجيب
"ماذا هناك؟"
كان صوت خطيبه باردًا قليلًا
لم يعتد يي مان أن يُعامَل بمثل هذه النبرة
ولا يعرف متى بدأ يشعر بأنّه لا يحتمل حتى أدنى برود منه
أراد أن يتكلّم بصوت أكثر نضجًا وتعقّلًا، لكن ما خرج كان نبرة متحاملة تحمل شيئًا من العتب:
"هل يمكنك أن تعود الليلة باكرًا؟"
ثم تابع:
"لقد عدت اليوم مبكرًا، وأفكّر أن أذهب إلى السوق لأشتري بعض المكونات، بعد أيام سيكون عيد قوارب التنين، وأنت تعلم أنّ الخالة لو قالت قبل أيام إنّها تريد أن تعود إلى مسقط رأسها لبضعة أيام، فتركتها تذهب مبكرًا كي لا تضطر إلى السفر وسط زحام العيد… لهذا الليلة لن يكون في البيت أحد سوانا نحن الاثنين"
سكت الطرف الآخر قليلًا ثم سأل: "أتعرف الطهي؟"
تردّد يي مان: "… أ- أنت، أنت تطبخ"
قال شو هويتينغ: "انتظرني، سأعود وأذهب معك"
أضاءت عينا يي مان فرحًا، لكنه سرعان ما تظاهر بالجدّية وقال: "لا داعي، أستطيع الذهاب وحدي"
ساد صمت مقلق على الطرف الآخر من الهاتف
ثم قال شو هويتينغ ببرود: "حسنًا، لديّ عمل، سأنهي المكالمة الآن"
أغلق الخطّ، فشعر يي مان ببعض الإحباط
قال النظام: "ألا تريد أن يرافقك؟ لِمَ رفضت؟"
فمسح يي مان أنفه بخجل وقال: "ألستُ… قد أصبحت أرى الآن؟"
…
عند وصوله إلى السوق، كان الوقت وقت انصراف الموظفين من أعمالهم، فرأى بعض الأزواج يتجولون معًا في الممرات
أما هو، فكان قليل الحماس، فاقد النشاط
دار جولة كاملة دون أن يجد ما يفتح شهيته أو يعرف ما يشتري
وسرح ذهنه وهو يمشي، فلم ينتبه إلى طفل يندفع بعربة تسوّق مسرعًا باتجاهه
"يي مان!"
ظنّ للحظة أنّه يتوهّم، إذ سمع فجأة صوت "الشخص الكبير"
وفي الثانية التالية، جذب أحدهم ذراعه بقوة إلى الخلف، فمرت عربة التسوّق بمحاذاته وكادت أن تصدمه
رفع يي مان رأسه، فالتقت عيناه بعينين غاضبتين
حدّق فيه مذهولًا: "ريكاردو؟ ما الذي تفعله هنا؟"
كان صدر شو هويتينغ يعلو ويهبط بشدة من شدّة الانفعال، ولم يستعد أنفاسه بعد، وكان يمسك بذراعه بقوة
وصل والد الطفل وهو يلهث، يعتذر مرارًا، ثم غضب على ابنه وأمسك به يوبّخه ويضربه حتى أجهش الطفل بالبكاء، فاجتذب صراخه أنظار الكثيرين
أسرع يي مان يشير إلى والد الطفل بيده ليطمئنه أنّه بخير، دون أن يجد فرصة للكلام أكثر، إذ كان شو هويتينغ قد شدّه بقوة عبر الممرات، وساقه مبتعدًا في اتجاه آخر
كان يمشي أمامه بسرعة، صامتًا لا ينطق بكلمة، ومهما سأله يي مان لم يتلقَّ أي جواب
إلى أن وصل إلى زاوية نائية شبه خالية من الناس، فاستدار وحاصر يي مان بين رفوف البضائع
تحت وطأة نظرته، خفَض يي مان رأسه وقلبه يخفق بقوة، قبض شو هويتينغ على معصمه، وضغط بإبهامه على موضع نبضه
سأله يي مان بتوتر: "ماذا… ماذا هناك؟"
قال شو هويتينغ بنبرة يصعب تمييزها: "تسألني ماذا هناك؟"
كان قد تلقّى مكالمته فأنهى أعماله على عجل ليأتي إليه، فإذا به يرى أنه كاد يتعرض للأذى، ارتفع قلبه وسقط كأنه في أرجوحة الموت، غمره عرق بارد، ثم تذكّر كيف كان يتعرض للتجاهل والإبعاد في الآونة الأخيرة، فانفجر الغضب فيه دفعة واحدة
حاول أن يضبط أنفاسه، ثم سأله بجدية:
"شياو مان، هل… هل ندمت على موافقتك الزواج بي؟"
اتسعت عينا يي مان وقال بسرعة: "لا، لم أفعل!"
قال شو هويتينغ: "إذن لماذا تبتعد عني دائمًا، ولا تعيرني اهتمامًا؟"
ارتبك ذهن يي مان، فأسرع يقترب منه بقلق: "لم أبتعد عنك، ولم أتجاهلك!"
لكن شو هويتينغ لم يصدّق، ظلّ بوجه متجمّد وشفتيه مشدودتين:
"لماذا لا تسمح لي بمرافقتك؟ لم تكن هكذا من قبل"
نظر يي مان إلى الرجل أمامه بذهول، وكلما ازدادت ملامحه قتامة ازداد اضطرابه حتى كاد يقفز مكانه: "لا، لا، ليس الأمر كذلك، لم أفعل، أنا فقط… أنا…"
"أنت ماذا؟"
صمت قليلًا ثم خفَض رأسه حزينًا وقال بصوت منخفض:
"ألستُ قد أصبحت أرى الآن؟"
وتابع:
"أستطيع أن أُنجز أموري بنفسي، ولا أحتاج إلى مساعدة الآخرين، لذلك أردت أن أبدو أكثر استقلالًا، ولا أريد أن يظنّ الناس أني دائمًا معتمد عليك، متشبث بك بلا نهاية، أخشى أن يظنّوا ذلك أمرًا سيئًا"
ففي الماضي، حين كان كفيفًا، كان الناس يتسامحون معه أكثر، ولم يروا بأسًا في أنه يلتصق دائمًا بشو هويتينغ، أما الآن وقد صار شخصًا بالغًا طبيعيًّا، فإن التصاقه بالآخر كالعلكة بدا في نظره غير لائق، فحاول أن يضبط نفسه
تأمّله شو هويتينغ طويلًا، كأنه يزن صدق كلماته
ثم سأله بحدة:
"مَن هؤلاء الـ'ناس'؟ مَن الذي يرى أن هذا أمر سيّئ؟"
فتح يي مان فمه مترددًا وقال:
"أقصد… الآخرون"
شو هويتينغ نظر إليه وأعاد ببطء: "أوه، أشخاص آخرون"
ثم طوّق خصره وقال: "إذن، من أجل بعض الأشخاص الذين لا أعرف من هم، تهملني أنا؟"
بمجرد أن لمس هويتينغ خصره، ارتعش يي مان تلقائيًا، واحمرّت أذناه في لحظة، ثم أخذ يتلفّت حوله كمن ارتكب ذنبًا: "آه، هه، نحن في الخارج... أنت... أسرع وأفلِتني..."
ضحك هويتينغ من غضبه
لم يفلته، بل وجد النقرة في خصره وضغط عليها بدقة، فخارت قوى يي مان في الحال، واتسعت عيناه من الذهول: "أنت..."
اقترب هويتينغ منه وقال: "أيهما أهم، الآخرون أم أنا؟ قُل"
ازداد وجه يي مان احمرارًا: "أنت... أنت... لا تفعل هذا في الخارج، سيَرَانا الناس..."
تشابك هويتينغ مع يده، وأدخل أصابعه بين أصابعه ورفعها عاليًا: "أنا مع خطيبي، أحتضن زوجي المستقبلي، فليَرَنا الناس، ما المشكلة؟"
بقي يي مان عاجزًا عن الكلام، فيما شدّ هويتينغ شفتَيه بابتسامة وواصل التحديق فيه: "أو قُل إنك لا تحبني، وأنك لا تريد أن تكون معي، عندها يمكنك أن تفلت يدي مباشرة"
رخّى أصابعه قليلًا، كأنه يتيح له أن يفلت بسهولة
لكن بعدما قال ذلك، كيف ليي مان أن يفلت يده؟
لم يملك إلا أن يُترك ممسوكًا بيده، يسير معه علنًا من بين رفوف المتجر
كان يحسّ بنظرات الناس تحيط بهم من كل جانب، بينما كان هويتينغ يسير بثقة تامة، وكأنّ الأمر طبيعي لا شائبة فيه
أما يي مان، الذي كان يسير خلفه، فقد احمرّ وجهه كليًا من شدة الخجل
دفع هويتينغ العربة بيد، وأمسك بيد يي مان بالأخرى، يتنقّلان بين أصناف الطعام
"هل تأكل اللحم البقري؟"
"نعم"
"والسمك؟"
"نعم"
رمق هويتينغ من طرف عينه أذني يي مان المحمرّتَين حتى كادتا تفيضان دمًا
فقد كان دائمًا يبالغ في الاهتمام بنظرات الناس من حوله، ويُكثر التفكير حتى يُرهق نفسه، وكان قلبه شديد الحساسية
قال هويتينغ: "شياو مان"
"نعم؟"
"لقد غضبت"
مدّ يي مان يده بارتباك وجذب ثوبه: "لا تغضب... لن أكرّر هذا ثانية، أنا... أنا في الحقيقة أحب أن أكون معك، وأحب أن ألتصق بك"
قال هويتينغ: "نادني زوجي بصوتك، وسأرضى"
"هنا؟"
"نعم، هنا"
لم يستطع يي مان قولها، وقد خجل بشدة
ولم يُصرّ هويتينغ على إحراجه، بل سار إلى قسم المشروبات، وأخذ له صندوقًا من عصير الفاكهة والخضار، فقد كان يفضّل الحلو ولا يحب الحامض، وهذا النوع من العصائر لا يحتوي على أي حموضة
فجأة، هزّ يي مان يده الممسكة بيده
ثم جاءه صوت خافت أشبه بطنين البعوض: "زوجي..."
توقف هويتينغ في مكانه
وارتسمت على شفتيه ابتسامة بطيئة
ذلك الحبيب الحساس الرقيق، واللين حتى أعماقه...
كان دائمًا يعرف كيف يخترق اللطافة قلبه
قال له مازحًا: "أظن أنك قلت شيئًا قبل قليل، لكني لم أسمعه بوضوح، أعِده مرّة أخرى؟"
…
في مكان آخر، كان قط برتقالي مستلقيًا يغفو على السجادة، فانتفض مذعورًا من نافذة منبثقة خرجت فجأة برسالة إضافية
لكنه سرعان ما اعتبرها حلمًا، وعاد ليستغرق في النعاس متمدّدًا مثل فطيرة قطط
وفي الحلم، كان النظام يزأر: "قلت لك إنني نظام، لست قطًّا حقيقيًا! حتى لو قُتِلت فلن آكل طعام القطط المعلّب! وأيضًا، أبعد عصا اللعب تلك عني، لا تلوّح بها أمام عيني مجددًا!"