ابتلع يي مان كتل الدموع الكبيرة في عينيه محاولًا رمشها، لكن دون جدوى، لم يستطع التخلص منها مهما حاول، فرفع كمّه ومسح دموعه بعنف، آملاً أن يرى الشخص المقابل له بوضوح
حتى لو كان مجرد ظل غامض، فإنه كان يود رؤيته
سأل يي مان: "ألم تقل إنك ستنفصل عني؟"
ردّ عليه شو هويتينغ : "لماذا عليّ أن أنفصل عنك؟"
قال يي مان: "لأنّي… لأنّي شخص سيء"
رفع شو هويتينغ رأسه، واصطدم جبينه بجبينه: "لكنّي لم أحبّك لأنك شخص جيد"
لم يفهم يي مان ما يقصده
حدّقت عينا شو هويتينغ بعيون يي مان المملوءتان بالدموع بعمق في وجهه المبلل بالخوف والاحمرار، وكأن عينيه ترسمان تفاصيله: "في العالم يوجد الكثير من الأشخاص الطيبين حتى لا يمكن عدّهم، لكنّهم ليسوا أنت، لذلك لم أحبّ شخصًا ‘طيبًا’، أحببتك أنت فقط"
بدأت الدموع تملأ عينيه، لكنه لم يجرؤ على الرمش، أمسك بظهر رأس يي مان واتكأ برأسه عليه، وارتجف في حلقه وهو يحاول الكلام: "لكنّني محظوظ، لأنّ الشخص الذي أحبّه فعلاً شخص جيد"
فتح يي مان عينيه الحمراء بدهشة
وبصوت متأثر بالبكاء قال: "لم أرغب في حماية ذلك الشخص، أنا… لا أريد أن أكون شريكه في الجرائم، أرجوك… دعه يموت!"
أمسك شو هويتينغ وجهه قائلاً: "يا شياو مان، اسمعني، أنت لست شريكه في الجرائم، لم ترتكب خطأً، لقد فعلت كل ما بوسعك، أنت مختلف عنه، ذاك الشخص ليس والدك، أنت شخص جيد، تستحق أن يُحبّك الجميع، أستطيع أن أرى ذلك: عائلتك الحقيقية تحبك، العمة لو تحبك، أصدقاؤك في المصحّ يحبونك، نظامك يحبك، الجميع يحبك…"
ثم أضاف: "وأنا أحبك أيضًا" وقبل دموعه
"وسوف يكون هناك الكثير من الناس الذين سيحبّونك في المستقبل، لكنني أقسم لك أنني سأكون أكثرهم حبًا لك"
تذكّر شو هويتينغ ذلك الظهيرة في مطعم اللحم، حين اتخذ يي مان قراره بشجاعة وإرادة كبيرة، ليقطع علاقته بالماضي بكل مخاطره؟
كان كل من حوله ينظر إليه كالمجنون، يصرخون ويهدّدونه، ولم يفهمه أحد، ربما لم تكن طريقته مثالية، لكنها كانت طريقة شخص محاصر في زاوية ليحمي نفسه
كل تلك النظرات المشككة كانت كالسكين التي غرزت قلب يي مان، وبعدها، كل هذه الطعنات اجتمعت مع قلب شو هويتينغ لتشقّهما حتى صار الألم جسديًا
قبل أن يحب شخصًا، لم يكن يعرف أن الحب يمكن أن يكون مؤلمًا هكذا، كان الألم يتدفق من الروح إلى كل جسده
ولم يكن يعلم أنّه يومًا ما، حتى ولو تألم، سيحضن هذا الشخص الذي نمت فيه الأشواك، وسيتقرب منه ليحميه من كل ألم
شعر شو هويتينغ بعجز يختنق معه واليأس
الزمن الماضي قد توقف، وماذا عليه أن يفعل لإنقاذ من يحب، ليخرجه من مستنقع ألمه؟
انحنى أمامه، وبدأ بمسح دموع حبيبه بعناية: " الرب، لماذا دائماً يبتلي أحبائي؟"
رغم أنه لم يكن يطلب سوى سعادتهم
تنهد بحسرة، فانهارت دموع يي مان أكثر
وكان يشعر أن هناك شخصًا سيخاطبه يومًا بهذه الطريقة، وسيصبح هو يومًا ما محبوبًا لشخص ما
يمكنه البكاء بحرية أمامه، حتى لو كان بكاؤه مزعجًا، لأن هناك شخصًا سيملك صبرًا لا ينفد تجاهه
شخص سيعتني به، ويواسيه، ويحميه، ويقدّره
عرف يي مان ذلك
فقط من يحبّه سيحزن لرؤيته يبكي
سأل بعيون دامعة: "هل سيكون كل شيء على ما يرام لاحقًا؟"
احتضنه شو هويتينغ بقوة وأجاب بثقة: "بالتأكيد سيكون كذلك"
صاح يي مان وهو يلتصق به: "أووووه، ريكاردو أووووه!!"
تمسك به كما لو كان دب كوالا
مسح شو هويتينغ رأسه وظهره براحته، ودع دموعه ومخاطه تلطّخ جسده
في ليلة شتاء قارسة، احتضن يي مان شو هويتينغ وفضفض بكل كبت وآلام مضت
أزعجت صرخاته الكلاب في المنازل المجاورة، فبدأت تنبح بصوت مرتفع ومتتابع
…
في المنزل القديم، كان كبار عائلة تشي يمشون متوترين، والطعام على الطاولة يُسخّن مرارًا وتكرارًا
تسلّل الجد تشي كالسارق نحو النافذة، ونظر نحو الباب الرئيسي
يقع المنزل القديم في منطقة ثمينة، ومساحته ليست كبيرة بشكل مبالغ فيه، ومن النوافذ يمكن رؤية بعض الظلال عند المدخل
لكن حتى لو لم يُرَ أحد، كان يمكن سماع صراخ يي مان الشديد وبكائه العنيف
كان يبكي وكأن السماء ستنهار، مما جعل أجداد عائلة تشي الثلاثة يشعرون بالقلق
قال أحدهم: "يا إلهي، هل تلك الفتاة الصغيرة ليست صديقة يي مان؟ أم أنها تحمل له ضغينة؟ هل نحن كبار السن ارتكبنا خطأ؟"
مع هذا العمر، أن يسببوا للبكاء بهذه الشدة لطفل من عائلتهم، فهذا أمر مخجل حقًا
تجوّل الجد تشي قليلًا، ثم نظر إلى تمثال الجبال الصغيرة المصنوع من اليشم هوتيان على رف التحف، وقال: "خذوا هذا واصنعوا له بعض الألعاب الصغيرة، مثل الأرانب أو القطط أو الكلاب، لنرى إن كان هذا سيُسعده"
تفاجأ تشي يانغ رونغ، فالجد يحب هذه التحفة كثيرًا، فهي قطعة يشم طبيعية كاملة، وقد أنفق الكثير للحصول عليها، ثم استأجر خبيرًا ماهرًا ليُشكلها بهذا الشكل، وكان هناك دائمًا شخص يعتني بها، لكنه الآن مستعد لتفتيتها لصنع ألعاب صغيرة لـ'يي مان'؟
توتر وجه الجد تشي وقال بغضب: "لماذا تنظر إليّ هكذا؟ هل أنا والده أم أنت؟ ألم تفكر بسرعة في حل؟"
لم يكن الجد يجهل ماذا يُهدى له، فلو كان الأمر لطفل عادي، ربما سيارة محدودة الإصدار تكفي لإسعاده مؤقتًا، لكن يي مان مختلف، وكان لابد من التفكير مليًّا قبل تقديم أي شيء له، فالطريقة الصحيحة لإسعاده لم تكن واضحة
كان هذا الموقف تجربة غريبة بالنسبة للأجداد الثلاثة، رغم وجود حفيدين آخرين في العائلة، إلا أنّ الطفل الجديد يي مان أكثر تدليلًا واهتمامًا
همس الجد تشي للجدّة: "رغم أنّ 'يي مان' و'يي جوي ' في نفس العمر، إلا أنّ 'يي مان' يبدو أصغر قليلًا، وكأنّ شعور الحفيد أقوى بالنسبة لنا"
ربما لأن الحفيدين الآخرين هادئان جدًا، فلا يشعر كبار السن بفرصة لتدليلهما
ابتسمت الجدّة ونظرت إليه قائلة: "هذا لأنك لا تدرك، هو يُدللنا نحن"
تنهدت وقالت: "هذا الطفل قد عانى الكثير"
طريقته في إرضاء الآخرين كانت مدروسة بعناية، ليست مجاملة عابرة من حوله، بل تخمين دقيق لما يحبه الآخرون، ثم التظاهر بما يُعجبهم، محاولًا أن يصبح نسخة محبوبة من نفسه لتناسب البيئة المحيطة به، كان يمكنه أن يكون حفيدًا لطيفًا، ابنًا مطيعًا، أخًا حنونًا، يتيمًا مسكينًا، أي شخص إلا نفسه الحقيقي
ولا يولد الإنسان هكذا، بل تجعله المعاناة يكتسب هذه الصفات تدريجيًا
قالت الجدّة: "اهتموا به أكثر، لقد عاد الآن، لا يمكن أن نستمر في جعله يعاني، عمره صغير، وما زال المستقبل طويلًا، ونحن الكبار لن نستطيع البقاء معه طويلاً، الكبار يشيخون ويمرضون، ونقترب من نهاية الطريق"
حني الجميع رؤوسهم بحزن
كان الجد تشي يحاول أن يخفّي إحساسه لكنه لم يلاحظ الكثير
انتظر الجميع بقلق، ولولا تدخل تشي يانغ، ربما كان أحدهم قد اقترب ليرى الوضع، لكنه قال إن يي مان يحتاج لبعض الخصوصية قليلًا، ثم استسلم وقال: "السيد شو سيكون معه، أظن أن الأمور ستكون بخير"
سألت الجدة: "ما علاقة يي مان بالسيد شو؟"
أومأ تشي يانغ ببطء
فتح الجد تشي عينيه بدهشة، ونظر إلى يي جوي : "كيف أنتما الاثنين—"
ظهرت على وجه يي جوي لمحة إحراج: "لقد انفصلت، جدي"
تذكّر الجد شيئًا، ونظر بحذر إلى تشي يانغ، الذي أدار ساعته بهدوء وقال: "أخطط للارتباط بعائلتنا ومستقبل الشركة، جدي"
تمتم الجد قائلاً: "لم يكن هناك حاجة لهذا…"
بينما كان يتحدث، سُمعت أصوات خطوات في الخارج
عاد رجل وسيم متعب، يرتدي ملابس مجعدة، كأنه تعرض للسرقة، ممسكًا بالطفل ذو العينين المتورمتين، يتبعه الصغير الأعمى بخطوات متعثرة
عند دخولهم، استقبلتهم أنظار الجميع بتركيز شديد، خصوصًا أن شو هويتينغ كان يمسك يد يي مان بكل وضوح
كان يي مان قد أفرغ دموعه للتو، فلم يرغب بالاهتمام بأي أحد، كل تركيزه كان على التمسك بـ شو هويتينغ، إذا توقف، يلتصق به ويختبئ خلفه
أمام الجميع، ابتسم شو هويتينغ بأدب: "أعتذر لإطالة انتظاركم، هل يمكن أن ترشدوني إلى غرفة 'يي مان'؟ سأصحبه لترتيب نفسه وتغيير ملابسه قبل العودة"
تصرفه الطبيعي لم يلفت انتباه أحد إلى أي شيء غير عادي
تفاجأ الجد تشي، وأشار له بالاتجاه الصحيح، وذكر موقع الغرفة
أومأ شو هويتينغ برأسه، ومسك يد يي مان بكل ثقة، واتجها معًا إلى الغرفة
بعد مغادرتهما، ساد الصمت
ارتجف يد الجد تشي قليلاً وقال: "ماذا يفعل الآن…؟"
كانت ملامح وجهه مليئة بالدهشة، حاول التعبير عن نفسه، لكنه لم يجد كلمات مناسبة، فاحمرّ وجهه وأخرج مقولته: "أهو يظن أنّه عريس جديد عاد إلى بيته؟"
لكن تلك كانت غرفة يي مان، وليست غرفته! لديهم غرفة للضيوف وحمام مشترك، بالتأكيد يمكن ترتيب مكان له هناك، فلماذا عاد مع يي مان إلى غرفة واحدة؟