🦋



في هذا الوقت من اليوم، لم يكن في المنزل سوى تشي يان 


قال له وهو يقوده نحو أريكة غرفة المعيشة: 

"تشي جوي لديه مشروع في الشركة يحتاج إلى إنجازه بسرعة، لذا لن يعود الليلة، أمّا أمي وأبي فلهما مأدبة وسيعودان لاحقًا، اجلس هنا وانتظرني" ثم مضى ليُحضر له حليبًا دافئًا 


كان تشي يان، بطبيعة الحال، منشغلاً هو الآخر، بل يمكن القول إنّه الأكثر انشغالًا في العائلة، في الماضي، كان المنزل سيغدو خاليًا هذه الليلة، لكنّ الحال تغيّر الآن 


استند تشي يان إلى سطح الرخام وهو يراقب الشخص الجالس على الأريكة في انتظارٍ صامت، كان لا بدّ أن يبقى أحدهم في المنزل 


فقد أعدّ السكرتير شياو لي فورًا جدول أعمال العائلة للشهر الماضي وسلّمه إليه، فتولى تشي يان بنفسه وضع خطة متوازنة للجميع، وجعل من "قضاء الوقت مع شياو مان في المنزل" أحد الأولويات الأساسية 


كان بوسعه أن يوكِل هذه المهمة إلى مكتب السكرتارية، لكنّ إنجازها بيديه كان هواية شخصية بالنسبة له 


لقد كان يستمتع بشعور ترتيب كل شيء بنفسه، من وضع الجداول، وتخطيط أنشطة العائلة، ومراقبة تحركاتهم، تلك المتعة كانت تمنحه اندفاعًا كيميائيًا يبعث في نفسه رضا هائلًا 


ولو لم يكن يي مان قد عاد إلى المنزل حديثًا، ولم يكن تشي يان قد نال ثقته بعد، لكان تشي جوي قد ذكّره بأن هذا القدر من السيطرة قد يُثير نفور أخيه، وإلا، لكان تشي يان طبّق النهج ذاته على يي مان دون تردد 


ولو كان قد اتصل شخصيًا بِي مان قبل رحيله، وأخبره عن ذهابه إلى المصحّ النائي، بدلًا من أن يكتشف الأمر عبر شياو وو، لكان في مزاج رائع طوال اليوم، ولارتفعت إنتاجيته إلى ذروتها 


لكن الآن، لم يكن بوسعه حتى أن يُظهر أنّه يعرف أين ذهب يي مان، إذ حين خرج في النهار، لم يخبر سوى العمة تشو أنّه ذاهب إلى الخارج، دون أن يذكر وجهته 


حتى العمة تشو، التي يحظى بعطفها، لم تكن تعلم، وكان عليه هو أيضًا ألّا يعرف، بطبيعة الحال 


لكن شو هويتينغ كان يمكنه أن يعرف، 

بل وقد تولى بنفسه إعادته بالسيارة 


عقد تشي يان حاجبيه ببطء 

لقد أشار تشي جوي إلى بعض الاحتمالات، لكن الأمر لا يزال غير مؤكد 


وكان شو هويتينغ قد ذكر عرضًا أنّه صادف مروره بالمكان، فأوصله بينما كان لا يزال نائمًا 


تطلّع تشي يان إلى قطعة الحلوى بجانب يد يي مان، متذكرًا كيف قدّمها الأخير إلى شو هويتينغ، وبالرغم من أنّ لياقة أخيه ولطفه يستحقان الثناء، إذ قدّم الحلوى تعبيرًا عن امتنانه على توصيلة السيارة… 


إلا أنّ يي مان لم يقدّم له هو أيّ حلوى قط 


تعمّق عبوس تشي يان أكثر، كأنّه يضع خطة لصفقة بمليار دولار 


… 


تفحّص يي مان ساعته 


كانت الساعة العاشرة واثنتين وثلاثين دقيقة مساءً 


لم يكن يي مان قادرًا على تمييز الوقت من خلال السماء، لكن الساعة سهّلت الأمر، لقد أحبها ولم ينزعها عن معصمه منذ أن حصل عليها 


وفق الخطة، كان من المفترض أن يعود إلى المنزل حوالي السابعة مساءً، ففي ذلك التوقيت، لن يكون بالمنزل سوى القليل من الأشخاص، ما يتيح له الخروج والعودة من غير أن يلحظ أحد، ولم تكن له عادة إخبار الآخرين بجدول خروجه، بل كان يكتفي بأن يقول للعمة تشو إنّه ذاهب في نزهة 


لكنّه لم يتوقع أن يغفو طويلاً في سيارة "الكبير"، بل ويضطر تشي يان إلى الخروج لاستقباله 


لقد كان الهواء الدافئ في السيارة مريحًا، وأنفاس "الكبير" بجواره باعثة على السكينة 


غير أنّ يي مان لم يتوقع أن يستغرق في نومٍ عميق، وتمضي عدة ساعاتٍ على حين غفلة 


قال بتذمّر: "لماذا لم يُوقظني الكبير؟" 


فأجاب النظام: "ومن كان يظن أنّك قادر على النوم بهذه الراحة في سيارة؟" 


ومهما كانت السيارة فخمة، فلن تُضاهي راحة السرير الكبير، لكن يي مان دائمًا ما يجد أكثر الزوايا راحة ليغفو فيها 


وكان من الصعب عليه أن ينام نومًا جيدًا، لذا لم يشأ شو هويتينغ أن يوقظه، وحتى النظام لزم الصمت خشية أن تُوقظه أي ضوضاء 


قدّم له تشي يان كوبًا من الحليب الساخن وسأله: 

"أجائع؟ هل ترغب في شيء تأكله؟" 


هزّ يي مان رأسه: 

"أنا شبعان" 


فهو ليس من هواة الأكل الكثير، ولم يُنهِ حتى قطعة الخبز التي جلبها له شو هويتينغ 


لقد كان الطعام لذيذًا للغاية، وكان يي مان قد خطّط أن يأكل المزيد، غير أنّ "الكبير"، بحدّته المعتادة، أوقفه قائلًا: 


"إن كنت شبعانًا، فلا تُجبر نفسك، ليست هذه فرصتك الأخيرة لتأكل، يمكنك أن تأكل متى شئت" 


لم يقتنع يي مان تمامًا، لكن بما أنّ الكبير قال ذلك، لم يجادل ووضع الطعام جانبًا على مضض 


تساءل في نفسه كيف عرف الكبير أنّه شبع 


فقال له: "بطنك بارزة" 


تحسّس يي مان بطنه، فإذا به حقًا كذلك 


عندها تذكّر أنّ قطعة الخبز المتبقية ما تزال في سيارة شو هويتينغ 

وربما يُرمى بها 


فشعر يي مان بالأسف 


وبعد أن شرب الحليب الساخن وشعر بالدفء، اصطحبه تشي يان إلى الطابق العلوي وتوقف به عند الباب 


وقف تشي يان حاجزًا طريقه من غير أن ينطق، فخيّم جوّ من الحرج 


كان يحاول أن يجد طريقة يسأل بها عن شو هويتينغ وعلاقتهما من غير أن يبدو متحكمًا أو فضوليًا، حين مال يي مان برأسه وتردّد قليلًا، ثم أخرج قبضة من الحلوى من حقيبته وقدّمها له قائلًا: 

"هيه، أخي الكبير، هل ترغب في تذوّق هذه؟" 


لم يكن يي مان يقصد سوى فتح باب الحديث، فقد بدا له أنّ تشي يان ليس ممّن يُقبلون على حلوى زهيدة كهذه، 

وكان يظن أنّه سيرفض 


لكن تشي يان تناول الحلوى بسرعة، وقد انخفض صوته فجأة بثماني درجات رِقّة: 

"شكرًا لك يا شياو مان، بالمناسبة، لقد حُوِّلَت لك دفعة جديدة من مخصصات النشاط على بطاقتك، افعل بها ما تشاء، وإن لم تكفِك، فأخبرني فحسب" 


ثم أضاف: "نم مبكرًا هذه الليلة" 


أومأ يي مان بذهول 


ثم مضى تشي يان مبتعدًا بخطى سريعة، 

مخلّفًا يي مان في حيرة 


دخل غرفته، وتفقد رصيد حسابه، فإذا به مصدوم، لقد كان ضعف آخر "مخصص للنشاطات" أنفقه في أعمال الخير 


ابتلع ريقه وارتجفت يداه من فرط الانفعال، وبعد أن هدأت حماسته، أحسّ بوخزة ندم 


لو كان بوسعه أن يأخذ معه كل هذا المال حين يغادر في المستقبل 


لكن بما أنّه لا يستطيع، فقد فكّر لحظة ثم حوّل جزءًا آخر إلى الحساب الذي سبق أن أرسل له المال 


وجاءه الرد سريعًا: 

"ما أطيب عيشة الكبار، بمالٍ لا يستطيعون حتى إنفاقه كله، أليس كذلك؟" 


أمسك يي مان هاتفه وأجاب: 

"الشتاء على الأبواب، احرص على شراء ملابس دافئة للأطفال في الميتم، رأس السنة قريب، فلا تدعهم يستقبلونه بملابس قديمة، الجو بارد، وتدفئة الميتم رديئة، فلا تبخل باستخدام المدافئ" 


فجاءه الرد: "حسنًا، ومتى تفكر في المرور؟" 


تحسّس يي مان عينيه وأجاب: "ليس الآن" 


فذهابه لن يجدي نفعًا، وبوضعه الحالي لن يكون سوى عبء، فالأفضل أن يتجاهل الأمر 


قال النظام: "أيها المضيف، لقد رأيتك تنقل المال إلى هذا الشخص آخر مرة، من يكون بالضبط؟ ألم تقل أنّك ستخبرني عمّا يجري؟" 


قال يي مان: "شخص طيب القلب فحسب، لا شيء مهم، ولا علاقة له بعائلة تشي ولا بالمهمة، لقد شغلتني المهمة كثيرًا فلم تتح لي الفرصة، وحين تنتهي، إن رغبتَ، فسأروي لك التفاصيل" 


وبعد أن قال ذلك، علا وجهه الجِد 


وقال بملامح متجهمة وصوت خفيض: 

"أخي تونغ، لا يمكننا الفشل هذه المرة، لم أخسر قتالًا في حياتي، لكنّي أتعثر دائمًا أمام تشي جوي، حقًا، إنه يستحق أن يكون البطل الرئيسي" 


فقال النظام: "لا بد أنّه شخص استثنائي" 


وبينما كان يي مان يسترجع سلسلة إخفاقاته، شعر بالدونية وتساءل بظنٍّ قاتم: 

"أخي تونغ، هل تظن أنّ الأشرار من شخصيات الفلر الأخرى يتحدثون من وراء ظهري، قائلين إنني لست جديرًا بأن أكون المضيف الرئيسي لأخي تونغ؟" 


فابتسم النظام ابتسامة خفيفة 


لم يقل النظام شيئًا، فما كان من يي مان إلا أن عضّ على أسنانه بحساسية وقال: 

"سأجعلهم يبتلعون كلامهم عاجلًا أم آجلًا!" 


فبعد أن شاهد مؤخرًا عدة مسلسلات قصيرة دفعة واحدة، لم يعد الشخص نفسه، بل صار نسخة "برو ماكس" مطوَّرة بالكامل 


فتح النظام مجلد القصص وقال بنبرة واقعية: 

"أيها المضيف، تذكّر أن تغسل أسنانك" 


فكّ يي مان جانبه الشرير المظلم ونهض من السرير قائلًا: 

"حسنًا، سأذهب الآن" 


… 


كان يي مان قد راقب تشي جوي سرًا خلال الأيام الماضية، وبالفعل شعر أنّ هناك أمرًا غير طبيعي، فأحيانًا، حين يتحدث معه، يسرح تشي جوي فجأة 


وفي اليوم المتفق عليه، جاء شو هويتينغ ليصطحب يي مان كما كان مقررًا 


ولتجنّب إثارة شكوك تشي جوي، قرر يي مان أن يسبق تشي جوي ومجموعته إلى الجبل، ليختبئ ويستعد لكمين 


وكان قد خطّط في البداية أن يأخذ شياو وو معه، لكن بعد أن فكّر بأنّ وجود "الكبير" يكفي، وأن إضافة شخص آخر قد يزيد خطر انكشاف أمرهما أثناء القيام بعمل مشبوه، منح شياو وو إجازة يومٍ كامل 


وقبل مغادرته، قال للعمة تشو والبقية إنّه ذاهب للعب مع أصدقائه اليوم 


ثم تسلل بخفية إلى سيارة شو هويتينغ 


كان يي مان واعيًا تمامًا أنّه يرتكب فعلًا سيئًا، فقد تعمّد ارتداء قبعة بيسبول، وأخذ زوجًا من النظارات من خزانة الملابس قبل أن يغادر، متنكّرًا بهيئة مختلفة 


قال بصوت خافت مؤامراتية وهو يميل نحوه: 

"لقد أجريت بعض البحث، السيارة لا تصل إلا إلى الموقف في منتصف الجبل، وعلينا أن نكمل الطريق سيرًا" 


ثم شدّ ثيابه بخجل وأضاف: 

"في ذلك الوقت، قد أضطر لإزعاجك قليلًا" 


وتطايرت خصلة من شعره من تحت حافة القبعة لتتراقص أمام عيني شو هويتينغ، بينما لمع إطار النظارة المعدني تحت أشعة الشمس 


تحرّكت تفاحة آدم لدى شو هويتينغ، فصرف بصره، لكن سرعان ما تذكّر أنّ يي مان لا يرى، فعاد وأدار وجهه نحوه 


"لا مشكلة" 


ثم سأله: "هل أحملك على ظهري أم بين ذراعيّ؟" 


فقال يي مان: "يكفي أن ترشدني حين نصل" 


أجابه: "حسنًا" 


إذن، اتفق الأمر 


كانت الرحلة بالسيارة تستغرق ساعة ونصف تقريبًا 


وقد كان يي مان قد بحث تفاصيلها بعناية 


قال بحماس: 

"وفقًا لتطبيق البحث، هذا الشهر يبدو جبل القيقب الأحمر كله بلون قرمزي من أعلاه—يُفترض أن يكون منظرًا مذهلًا!" 


قال شو هويتينغ: 

"إن قدنا السيارة إلى هناك وصعدنا القمة، فسنصل تمامًا عند غروب الشمس، سيكون المنظر أجمل حينها، لقد أحضرت لوحة رسم، يمكنني أن أعلّمك كيف ترسم" 


لقد كان قد أخذه لرسم وجه تشنغ مين من قبل—وكانت وسيلة جيدة لمساعدة كفيف على إدراك الأشكال 


أطلق يي مان هتافًا فرِحًا 


لكن بعد هتافه، شعر أن شيئًا ما غير صحيح 


فاستدار بوجه جاد وصحّح لشو هويتينغ بجدية: 

"نحن هنا من أجل مهمة جدّية، لا من أجل نزهة" 


فابتسم شو هويتينغ بصمت 


توقفت السيارة عند سفح الجبل 


فتح يي مان عينيه النعسات معتقدًا أنّهما قد وصلا إلى وجهتهما 


لكنّه سمع شو هويتينغ يقول: 

"هنا سوبرماركت، سأشتري بعض الطعام—هل تريد شيئًا؟" 


"أيّ شيء يكفي…" 


وفي غمرة نعاسه، أحسّ بلمسة دافئة تمس وجهه "انتظر في السيارة قليلًا" 


أومأ يي مان برأسه 


وما إن سمع شو هويتينغ يفك حزام الأمان ويفتح باب السيارة، حتى استيقظ فجأة، مدّ يي مان يده بسرعة وأمسك بكمّ شو هويتينغ 


التفت شو هويتينغ إليه، ولم يكن يي مان نفسه يعلم سبب تشبّثه به، وبعد لحظة صمت، سمع صوته يخرج ضعيفًا بالكاد يُسمع: 


"لا أريد أن أبقى هنا وحدي" 


بدا عليه شيء من القلق 


وأضاف بارتباك: 

"أنا… أريد أن أذهب معك" 


نظر إليه شو هويتينغ، وتلألأت عيناه، فذاب قلبه 


ناولَه العصا، وسوّى له ثيابه قائلًا: 

"الجو يمطر رذاذًا في الخارج، والبرد قارس بعض الشيء" 


ثم دار إلى الجهة الأخرى، وفتح باب السيارة، ومدّ ذراعه ليمسك به: 

"لنذهب" 


أومأ يي مان بحماس 

فاطمأن قلبه المعلّق 


وقد أيقظه رذاذ المطر البارد في الخارج قليلًا 


أهو المطر؟ 

يبدو وكأنّ السماء نفسها تقف ضده 


كان شو هويتينغ يحمل كيسًا كبيرًا من الطعام، بينما لم يكن مطلوبًا من يي مان، وهو الفتى الكفيف الضعيف، سوى أن يمسك بعصاه وذراع شو هويتينغ، خرج الاثنان من السوبرماركت ووقفا تحت المظلة عند المدخل، يحدّقان بصمت في المطر الغزير 


قبض يي مان كفّه وضرب الأرض بقدمه غاضبًا: 

"أهم مجنونان تشي جوي ومينغ ياو؟! كيف يصعدان الجبل ليتواعدا في مثل هذا المطر الغزير؟" 


وعند سماع ذلك، ألقى شو هويتينغ عليه نظرة صامتة 


"إذن… هل نعود أدراجنا؟" 


مسح بظهر كفّه قطرات المطر التي نثرتها الريح على وجهه وقال: 

"لنمضِ! لقد جئنا إلى هذا الحدّ!" 


لكن ما إن تذكّر أنّ "الكبير" بجانبه، حتى غيّر رأيه، كان بوسعه أن يتحمّل المشقة وحده، أمّا أن يجرّ معه شخصًا آخر فهذا أمر آخر 


فتبدّل تعبير وجهه في لحظة من الشراسة إلى المسكنة، واحمرّت عيناه، ومدّ يده بحذر ليمسك بيد شو هويتينغ، هامسًا بصوتٍ متحشرج بالدموع: 

"شو هويتينغ، أنا خائف وحدي… أنت… لن تتركني، أليس كذلك؟ ستبقى معي، صحيح؟" 

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]