🦋


بعد اليوم الأول من التسكع، كان على تشي جوي في اليوم الثاني أن يمثّل عائلة تشي في مؤتمر التبادل الاقتصادي والتجاري الدولي في مدينة تشونغهاي 


لم تكن هذه الرحلة كلها لهوًا وتسليًا؛ بل كانت هناك أعمال جادّة ينبغي التعامل معها، لم يكن بوسعه أن يرافق يي مان للتنزّه فقط 


أما يي مان فلم يُعر ذلك كثيرًا من الاهتمام 


فحين كان مثقلاً بالديون وقليل المال، كان يحلم دائمًا بما سيفعله حين يتحرر من تلك الأعباء، تلك الأحلام هي التي كانت تدفعه للاستيقاظ والعمل 


كان يرغب في السفر، وزيارة أماكن لم يطأها من قبل، وفعل أشياء لم يجربها قط، وتذوّق أطعمة لم يتسنَّ له تذوّقها، أو شراء ما لم يستطع تحمّل ثمنه في الماضي 


كان وسيمًا، حسن الحديث، واسع الحيلة، فيستطيع أن ينسجم أينما حلّ، وأن يكسب رزقه بمهارة 


وكان يحلم أيضًا بتربية الحيوانات الأليفة والاعتناء بالنباتات، بحيث لا تشعر بالجوع أبدًا ما دام عنده طعام 


غير أنّه، وقد وجد نفسه الآن في تشونغهاي، إحدى الوجهات التي خطط لزيارتها يومًا، لم يشعر بالبهجة التي توقّعها، لم يكن يعرف على وجه التحديد أين يمكنه أن يستمتع؛ إذ بدا كل مكان متشابهًا 


في الصباح، نهض يي مان من السرير، وتوجّه بخطى متثاقلة نحو النافذة، وجذب الستائر ليفتحها 


كانت عصاه البيضاء موضوعة كما هي بجوار الطاولة الصغيرة قرب السرير 


لم يعتد بعد على اعتبار العصا امتدادًا لجسده، ثم إن العصا ليست عينين حقيقيتين؛ إنما هي عصا باردة جامدة، وأحيانًا، حتى إن طرق بها الأرض من حوله، لا يعرف ما الذي يعترض طريقه بالضبط، مما يزيد قلقه 


اندفعت أشعة الصباح إلى الداخل، فامتلأت الغرفة بالضياء، وبدا عالم يي مان وكأنه أشرق بدوره 


كانت عائلة تشي تقيم في أحد أفخم فنادق تشونغهاي، وقد نزلوا في الطابق السادس والعشرين على ما يبدو، وكان المنظر من النافذة رائعًا، لاسيما في الليل 


وقف يي مان عند النافذة، يضيّق عينيه ثم يفركهما ويضيّق نظره مرة أخرى، ثم اعترف في نفسه، بأسف، أنه لا يرى سوى بريق مشوشٍ مُبهرٍ للعين 


راح النظام يتأمله وهو يكرر حركات الفرك والتحديق، فلم يتمالك نفسه وقال: 

"يا مضيف، لِمَ لا تطلب من عائلة تشي أن يفحصوا عينيك مجددًا؟ بإمكانهم أن يجدوا أفضل الأطباء لك، ولن يضايقهم إنفاق المال" 


وبعد لحظة صمت، ترك يي مان النافذة وبدأ يجمع الهدايا التي تلقاها ليضعها في حقيبته 


قال ببرود: "لا حاجة" 


سأله النظام: "ولمَ ذلك؟" 


أجابه: "قال الطبيب إن أقصى ما يمكن فعله هو إبطاء التدهور فحسب، المصير محتم، ولا علاج له، فلا جدوى من إضاعة الوقت والمال، أنا بخير الآن، وسأتأقلم في النهاية" 


قال النظام بتردد: "مضيفي، عيناك كيف..." 


طَرق طَرق 


"سيدي الصغير، الإفطار جاهز" 


"آه! ها أنا قادم" 


خفض يي مان صوته قليلًا وقال: "أخي تونغ، ماذا كنت تقول؟" 


فأجاب: "لا بأس، اذهب لتناول الطعام أولًا" 


... 


خرج يي مان وهو يجر حقيبته 


كان هو وتشي جوي يقيمان في جناح عائلي يضم غرفتين للنوم وغرفة جلوس، ولكل غرفة حمامها الخاص، حتى بدا كأنه بيت صغير 


وعندما وصلا، أخذ النظام يصف له كم كانت الزخرفة راقية، والمرافق فاخرة، وكيف أنّ الستائر والأرضية والأريكة والصنبور... أي واحد منها يساوي عشرة من أمثاله 


لم يعرف يي مان أحدًا من تلك الأشياء ولم ير شيئًا بعينيه، لكنه كان يُصغي بحماسة 


كان تشي جوي قد سأله الليلة الماضية إن كان بحاجة إلى من يرافقه عند النوم، فالبيئة غريبة، وترك كفيف بمفرده في غرفة أمر يبعث على القلق؛ فقد يصطدم بشيء، أو يؤذي نفسه، أو يسقط، وحديث الفكرة جعل تشي جوي يشعر بالتوتر 


لكن يي مان رفض 


فغرفة الفندق ليست متسعة كثيرًا، وعلى الرغم من أنّ تحركات يي مان بطيئة وغير سلسة، فإنه لن يعرّض نفسه لمتاعب داخلها 


وعندما خرجا، ساعده شياو وو على حمل العصا، كان يي مان يمسك بذراعه بيد، ويجر الحقيبة باليد الأخرى، وقال: "أريد أن أرسل هذه إلى البيت أولًا" 


سأله تشي جوي: "وما هذا؟" 


رفع يي مان ذقنه بفخر وقال: "هدايا السيد شو من ليلة أمس، حقيبة كاملة!" 


"آه، إنّ السيد شو حقًا مميّز، لا يشتري الهدايا إلا لي دون أخي"، واصل يي مان مبالغاته، ثم أضاف: "لكن ماذا بوسعي أن أفعل؟ إنه فقط يصادف أن يُعجب بي!" 


إنّ الرجل الكبير لا يفضّل إلا هو! 


ذلك الضعيف الحقود يزدهر بقليل من الاهتمام، فيكاد يعلن الأمر للعالم بأسره! 


فالضعفاء الحاقدون، عادة، لا يحملون طموح الأبطال الرئيسيين، ويي مان من ذلك النوع الذي يتسلق السلم بقليل من اللطف 


وربما كان ذلك الرجل الكبير قد فعل الأمر على نحو عابر فحسب، أو لعل تبجّحاته السابقة كان لها أثر ما، فظنّ الرجل حقًا أن لسانه أصيب إصابة بالغة، فجاء يعوّضه ويواسيه، لم يكن الواقع دراميًا كما صوّره 


لكنه كان دائم المبالغة، وبما أن الطرف الآخر غير موجود، فهو يقول ما يشاء، وتشي جوي لن يذهب ليسأل عن تلك الأمور 


وكيف له أن يفوّت فرصة التباهي لإغاظة البطل؟ 


فالبطل يملك ولي العهد، أما هو فله الإمبراطور! آه، ما أعظم قوة المراتب! 


وضع تشي جوي حبة زلابية محشوة ببطارخ السرطان في صحن يي مان، ثم توقّف قليلًا، وهو يمسك عيدان الطعام 


وبعد لحظة تفكير قال بحذر: "حقًا؟ هذا مدهش، أنا أغار منك..." 


ابتهج يي مان 


أما تشي جوي فقد كاد يضحك 


قال: "هيا، تناول طعامك قبل أن يبرد ويفقد نكهته، انتبه، الطاولة الصغيرة عن يمينك، لا تصطدم بها" 


فأجاب: "أوه، شكرًا لك" 


ثم همس يي مان بحماسة: "أخي تونغ، شاهد كيف أزيد رصيدك بالنقاط!" ولسانه لا يكفّ عن تمجيد نفسه 


أجابه النظام ببرود: "أنت رائع" 


قلبي مات منذ زمن 


أحرق ورقة إذا احتجت شيئًا 


ثم قال: "أليس مرهقًا أن تحمل هذه الحقيبة طوال الوقت؟ ضعها جانبًا وتناول طعامك" 


كان في نبرة النظام شيء من الاستسلام واليأس 


وبعد الطعام، اضطر يي مان إلى مرافقة تشي جوي إلى الاجتماع 


وبعد عدة مواقف كادت أن تقع فيها حوادث، صار تشي جوي يتمنى لو كان بإمكانه ربط يي مان بحبل 


قال له: "اجلس بجانبي لاحقًا، قد أضطر إلى النهوض لتحية بعض الأشخاص أثناء الاجتماع، ابقَ في مكانك ولا تتحرك، سيكون شياو ليو وشياو وو معك، إن شعرت بجوع أو عطش، فاطلب منهما، لكن لا تتجول، وإلا أخبرتُ أخي الأكبر، وسيؤدبك" وقد ترك مساعده شياو ليو إلى جانب يي مان أيضًا 


تعمّد أن يستخدم اسم الأخ الأكبر ليخيفه، مستغلًا غيابه ليشوّه صورته قليلًا 


فالأخ الأكبر صارم، لكن الأخ الثاني عطوف رقيق 


وحين يتعلّق الأمر بالمكر، فإن يي مان لا يملك عُشر مهارة تشي جوي 


ثم أضاف: "الاجتماع ممل، فاصبر قليلًا، حالما ينتهي كل شيء، سأصحبك للتنزّه" 


أومأ يي مان إيماءة فاترة 


وكان تشي جوي يخشى أن يتيه يي مان، ومِـن دون مينغ ياو، فأين عساه أن يذهب؟ 


... 


وكان الاجتماع بالفعل مملًا 


فما كان من يي مان إلا أن ارتدى سماعاته ليستمع إلى دراما قصيرة 


وما لبث أن غفا وهو يستمع 


في الحقيقة، كان يي مان يحب النوم في الأماكن المزدحمة 


فالأصوات المتداخلة من حوله تبعث في نفسه شعورًا بالأمان، فيغفو مطمئنًا 


كانت قاعة الاجتماع مكتظة، وجهاز التكييف يعمل بأقصى طاقته، ولم يكن يي مان في حالة جيدة، كما أنه لا يملك الكثير من الدهون التي تحفظ دفء جسده، وبينما كان مستيقظًا لم يشعر بالبرد، لكن حين غفا بدأ جسده يقشعر بردًا 


فانكمش لا إراديًا في مقعده ليحافظ على دفئه 


ورأى شياو وو ذلك، فاستعد لنزع سترته ليغطي بها السيد الصغير، لكن أحد الموظفين أسرع نحوه وقدّم له بطانية جديدة لم تُفتح بعد 


وقال له: "لدينا أيضًا مشروبات ساخنة، عندما يستيقظ، ما عليك إلا أن تخبرنا، وسنحضرها له" 


شكر شياو وو الموظف، وقد أُعجب بمدى جاهزية المكان، ثم أعاد ارتداء سترته، وبسط البطانية، وغطّى بها سيده الصغير 


ومع البطانية، لانَ تجعّد جبين يي مان قليلًا، وأخذ يتدلّى داخلها، متكوّرًا حتى لم يبقَ ظاهرًا سوى عينيه وخصلات من شعره 


التفت شياو وو فإذا بالموظف لا يزال واقفًا، فاستغرب وقال: 

"هل من شيء آخر؟" 


ابتسم الموظف وهو يلقي نظرة على يي مان، ثم انصرف، تاركًا شياو وو في حيرة 


وما إن خرج حتى أجرى مكالمة سريعة، ثم أسرع إلى المطبخ 


وحين اقترب وقت الغداء، أيقظه تشي جوي، ففتح يي مان عينيه بتثاقل 


ولما انتبه إلى البطانية الإضافية، لم يُعطِ الأمر أهمية، وظنها أشبه بما يحدث في الطائرة 


طوال الاجتماع، تصرّف يي مان على نحو حسن، مما سمح لتشي جوي، الذي اضطر للخروج بين الحين والآخر، أن يتنفس الصعداء، إذ كان يطمئن مرارًا إلى أن يي مان ما زال في مكانه 


وأخيرًا انتهى الاجتماع، وكان يفترض في اليوم الأخير أن يقام حفل بسيط 


وكان يي مان قد تأكد مع النظام أن الهدف، مينغ ياو، قد سارع ولحق بالحافلة الأخيرة في مسار القصة، ووصل إلى تشونغهاي الليلة الماضية 


وإذ ظنّ أن الأمور ستكون على ما يرام هذه المرة، جاءهم الخبر في اللحظة الأخيرة بأن الحفل قد تغيّر مكانه، وسيُقام في عرض البحر 


قال حامل الدعوة مبتسمًا: "لقد استأجر المنظّمون سفينة سياحية ودعوا الجميع إلى الإبحار" 


تردّد تشي جوي عندما وقع بصره على اسم السفينة 


كان الآخر يتحدث وكأن الأمر فخم عظيم، لكن تشي جوي تذكّر أن هذه السفينة تبدو مملوكة لعائلة شو 


وبعد أن ودّع الرجل، التفت إلى يي مان وسأله: 

"شياو مان، هل سنشارك؟" 


فأجاب يي مان بحماسة شديدة، وهو يومئ برأسه مرارًا: "نعم، بالطبع!" 


... 


لم يستطع النظام ولا يي مان أن يفهما لِمَ خرجت القصة عن مسارها مجددًا هذه المرة 


فالحفل الآن في عرض البحر، فكيف يترك تشي جوي خلفه؟ 


سواء كان الأمر بحرًا أو جحيمًا، كان عليه أن يذهب! 


وبعد أن حكّ النظام رأسه قليلًا، استسلم وقال: "لا تشغل بالك، المكان مختلف فقط، تمسّك بالخطة" 


لم يقتنع بأن دواء يي مان سيفقد مفعوله لمجرد أنهم في البحر 


سأل يي مان بفضول: "أخي تونغ، ماذا لو أفسدتُ الأمر مجددًا هذه المرة..." 


لم يكن عدمًا للثقة بنفسه، لكن كثرة العثرات جعلته يتردد 


وأضاف بصوت قلق: "لن تقع في ورطة بسببي، صحيح؟" 


أربك السؤال النظام 


ثم قال يي مان بحزن: "لم أقصد ذلك، فلا تغضب" 


وما كاد النظام يشعر بالامتنان حتى رأى ذاك المحتال الصغير يغطي وجهه، ويتصنّع النحيب، متلصصًا من بين أصابعه بنصف وجهه الوسيم، قائلاً بأسى: "لقد وعدتَني من قبل ألا تدعني أكسر ساقي، وأن تمنحني الكثير من المال، أليس وعدك قائمًا بعد؟" 


النظام: "..." 


لقد أخفق إخفاقًا ذريعًا، ومع ذلك ما زال لديه الجرأة ليطلب امتيازات! 


فقال النظام: "الوعد قائم!" 


فالمكافآت قد خُصمت بالفعل، ولا فائدة من الندم الآن، ولن تُستردّ! 


ابتسم يي مان وهو لا يزال يخفي نصف وجهه بيده: "شكرًا لك، أخي تونغ، أنت رائع حقًا، أنا أحبك كثيرًا" 


وكانت ابتسامته متألقة 


فما كان من صوت النظام إلا أن رقّ، وزال أكثر غضبه 


ثم شتم في قلبه قليلًا 


وبعد طول مخالطة لذلك المدفع الحقود، تدهورت آدابه حتمًا بعض الشيء 


قال بغلظة: "كفّ عن هذا، لن أنخدع بتمثيلك مرة أخرى!"



.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]