🦋



كانت ريبة تشي جوي وعداوته المستترة تجاه شو هويتينغ واضحة لا تحتاج إلى تفسير، فأيّ عين مبصرة تدرك ذلك 


ولم يكن من الصعب أن نُلقي عليه العذر في توتره 


قام السيد الشاب شينغ بتعديل ياقة قميصه، واختار كرسيًّا، ثم ألقى بجسده فيه بخطى واثقة متباهية 


ومجرّد نظرة في ذلك الاتجاه كانت كافية — آه يا للمصيبة، كان قد علم أنهم اشتبكوا قبل قليل، غير أنّ شو هويتينغ؟ لم تتأثر شعرة من رأسه، ذراع واحدة تطوق خصر الجميل الصغير بإحكام، ورأس مرفوع بزاوية متكاسلة، وتلك العينان الرماديتان مثبتتان عليه بوقع لا يُقرأ، أيّ شخص في موضع تشي جوي كان ليشعر بانقباضة عصبية في قلبه 


في الماضي، لم يكن شو هويتينغ ذاك الرجل الرصين الحضاري الذي يبدو عليه الآن 


ولو سألت شينغ عن رأيه، لأجاب صراحة: ذلك الرجل كلب في الجوهر، كلب حراسة على وجه الدقة، إما أن تبقى بعيدًا، وإما أن تُعضّ 


قبل أعوام، أرسله كبير آل شو إلى الجيش ليُصقل، قضى سنتين إضافيتين في خطوط القتال الأمامية، ثم أصيب، وبعدها فقط عاد إلى بكين ليتولى إدارة شؤون أسرة شو، ولم يستقر حقًّا إلا في العامين الماضيين 


أما قبل ذلك؟ فلا، لم يكن "متحضرًا" البتة 


حين أُعيد شو هويتينغ مع أخته وأمه من صقلية على يد والده شو، صاروا هدفًا رئيسًا لمتاعب دوائر بكين العليا: بعضهم من الشبان المدللين في آل شو، وبعضهم الآخر أزعجتهم ملامح الأخوين اللافتة الممزوجة بالدماء الأجنبية 


لكن لم يكن أحد يتوقع كم سيكون شو هويتينغ وشو تسيي قاسيين 


كانت أمه ذات طبع لطيف، في الأصل شابة صقلية، تُركت وحيدة بعد أن أُبيدت أسرتها، ثم أخذها والد شو لجمالها، في صقلية، كانت الحياة قاسية؛ فبقاء الثلاثة جميعًا كان معتمدًا على هذين الشبلين الصغيرين 


فكيف يتغلب الشبان المرفّهون في بكين على من نشأ في ذلك المحيط؟ كان شو هويتينغ يقاتل كأنه لا يعبأ بالحياة أو الموت، حتى كفّ كل من تطاولوا على التحرش عن الكلام 


ولولا تلك القسوة وذلك البأس، لما نال نصف صينيٍّ نصف أجنبيٍّ مقعد السلطة في أسرة شو، خصوصًا مع تحيز الكبير العميق ضد أمثالهم 


لقد اكتسب شو هويتينغ سمعته بجدارة 


ورغم أنّ أسرة تشي حققت قفزات ملحوظة في العامين الماضيين — بلغت حدّ المنافسة في مصافّ بكين العليا — إلا أنهم ما زالوا بعيدين جدًا عن أن يقارنوا بعملاق كالأسرة الشو 


فإذا كان "الابن المدلّل" الحقيقي لآل تشي محاطًا بذراع مشدودة حول خصره من قِبل ذئب آل شو الأكبر، مكوّنًا في حجره، وعيناه محمرّتان كعيني أرنب — فهل من المستغرب أن تظهر أسرته كأنها مستعدة للقتل؟ 


كان المشهد لا يختلف عن رؤية أرنب منزلي رقيق وقد وقع في فكي ذئب 


رمق تشي جوي يي مان بنظرة حادة وقال: 

"شياو مان، انزل عن السيد شو" 


ساد صمت للحظة في الغرفة، قبل أن يتردّد دويّ ثقيل طَخ طَخ من باب جانبي على اليسار 


كان يي مان ينوي حقًّا أن يهبط من حضن شو، فقد أمره تشي يان بالبقاء إلى جانب تشي جوي، وها هو قد تخلّف وتسرب إلى هنا ووقع في هذه الورطة، كان يعلم أنه مخطئ 


غير أنّ الضوضاء المنبعثة من الغرفة المجاورة أرعبته حتى انكمش أكثر واقترب من شو هويتينغ 


ومن مكان ما، خافتًا، انبعث صوت... ضحك؟ 


ثم — دوي! — انفتح الباب بقوة واندفع منه مينغ ياو مترنحًا، وجهه ملطخ بالكدمات 


"تشي جوي!" 


كان تشي جوي لا يزال يغلّي صدره من شو هويتينغ ومن يي مان، فتجمّد بضع ثوانٍ قبل أن يتكلم، وصوته مشوب بالتعقيد: 

"...مينغ ياو؟ ما الذي تفعله هنا؟" 


ارتجفت أذنا يي مان، تمهّل... مينغ ياو؟ 


إذًا حين احتاجه لم يكن موجودًا، والآن فجأة ظهر؟ 


النظام (مستاء): "لقد حُبس في غرفة جانبية على يد رجال شو هويتينغ! كنت واثقًا أننا لم نضلّ المكان! لكن يا للعجب، شو لا يرحم — ذلك ابن أخيه ومع ذلك لم يتردد في ضربه، كل هذا فقط ليُبعد تشي جوي عن مينغ ياو؟ يالها من قسوة!" 


انتعشت أذنا يي مان بما التقطه من نميمة الأثرياء المليئة بالعصارة 


ثم خطرت له فكرة 


يي مان: "أخي النظام... أيمكن أن تكون مشكلة علاقة تشي جوي ومينغ ياو أصلها في شو هويتينغ؟" 


لم يستطع النظام أن يجزم 


نعم، لقد جاء شو بأمر من كبير آل مينغ ليُفرّق بينهما... لكنّه لم يُبدِ أدنى رغبة في محادثة الطرف الآخر المعني 


حاول مينغ ياو أن يتكلم، غير أنّ شو هويتينغ أشار بيده فجرّوه ثانية إلى "الغرفة الجانبية" 


شحُب وجه تشي جوي، وانفرجت شفتاه 


ابتسم شو ابتسامة باهتة، وهو يحجب يي مان خلفه، وقال: 

"عمّ يؤدّب ابن أخيه... أترى السيد تشي في ذلك اعتراضًا؟" 


"...لا" أجاب تشي جوي بصعوبة، وملامحه مشدودة 


وبعد أن قبض رجال شو على بعض الذين كانوا يتعقبونه بسوء نية، استمع السكرتير تشين إلى رواية موجزة للأحداث من يي مان، ثم غادر بعدما أوصى تشي جوي بأخذه بعيدًا 


في مثل هذه الظروف، وبرغم أنهم عثروا على مينغ ياو، لم يكن في وسع يي مان أن يتابع مهمته 


فكما أشار النظام، الحبكة يجب أن تبقى منطقية 


ولو اقتحم الموقف الآن وجلس في حجر مينغ ياو، فلن يغير ذلك شيئًا؛ لن يشعر تشي جوي بالغيرة، بل سيظن أن يي مان قد جنّ 


وأثناء نزوله الدرج، مرّ يي مان بممرّ فسمع بوضوح صرير اللكمات وهي ترتطم باللحم 


"أنت من دسّ شيئًا في شراب السيد شو، أليس كذلك؟ أتريد الموت؟" 


دوي! 


وانطلق صراخ مبحوح: 

"نعم، لقد حوّلت أموال الشركة لأقرضها — لكنني قلت، أعطوني وقتًا، أستطيع أن أُعيدها عشرة أضعاف، عشرين ضعفًا! هل كان ثمة داعٍ لقتلي من أجل ذلك؟!" 


"شو هويتينغ! يا ابن الـ—" 


هبط السكرتير تشين من الطابق العلوي، صوته حادّ: 

"أكمِموا فمه، السيد شو يقول إنه صاخب" 


أطرق يي مان برأسه أكثر، وكفّ عن الإصغاء 


النظام: "تسك، تسك، لا يمكنك أن ترى، لكن شو هويتينغ؟ قاسٍ بلا رحمة" 


يي مان (بنبرة مسطّحة): "إنه يستحق ذلك" 


ارتبك النظام "...؟" 


يي مان: "أتدري من أين تأتي هذه الأرباح المزعومة ’عشرة أو عشرون ضعفًا‘؟ تأتي كلّها من سحق أشخاص مثلي" 


كانت تلك من نوع الديون التي لا يمكن سدادها أبدًا؛ الفوائد تتراكم بلا نهاية، ومهما عملت بجد، ستظل تعمل حتى تموت، ولن يكفي أبدًا 


لو لم تأتِ أسرة تشي لأخذه في ذلك الحين، لكان صبره قد بلغ مداه قريبًا 


ومع أنه كان يعرف أن بقاؤه في بيت آل تشي يعني أنّه سيصبح في نهاية المطاف مكروهًا من الجميع، وربما خسر حياته، لم يفكّر يومًا بالرحيل 


حديث النظام عن "قوة الحبكة تعني أنك ستموت" لم يمسّه في العمق، لكن الحقيقة أنّه بلا مال كان سيموت يقينًا 


فإن لم يحصل على مال أسرة تشي، وجب أن يضمن المبلغ الذي وعده به النظام 


لكن هذه المرة الثانية التي يفشل فيها في مهمته 


وقد ضبطه النظام متلبّسًا بالكذب، الآن لن يصدّقه، ولن يترفق به أو يغطي عليه مجددًا 


بدأ القلق يلتفّ كأفعى في أحشائه 


النظام: "يي مان..." 


فرك يي مان عينيه وضغط جفنيه بأصابعه الحادّة، ثم أجاب بصوت منخفض: 

"همم؟" 


النظام: "...لا بأس" 


أما فكرة الركوب... فطارت من الحساب 


انتزع تشي جوي يي مان من بين يدي شو هويتينغ، ومن غير أن ينطق بكلمة، دفعه مباشرة إلى السيارة وانطلق عائدًا إلى قصر آل تشي كأنّ النار تحت مقعده 


مع حلول المساء، كان يي مان قد عاد إلى البيت، جالسًا في الوسط، فيما تشي يان-رونغ وتشين فانغ روي ينظران إلى ابنهما الصغير المستعاد بعينين تخفيان القلق بصعوبة 


وبعد أن استمعا إلى رواية تشي جوي عن الحادث مع شو هويتينغ، عقد تشي يان-رونغ حاجبيه، متردّدًا: 

"ربما كان سوء تفاهم... أليس كذلك؟" 


ففي النهاية، شو هويتينغ ليس مينغ ياو، لا يُعقل أن يكون له ذلك النوع من الاهتمام بيي مان 


وأثناء حديثهم، قدّمت له الخالة تشو وعاءً من الحساء الساخن ليدفع البرد، همس يي مان بأدب: "شكرًا" 


وبالقرب منه، لاحظت تشين فانغ روي قطرة من الحساء عند طرف فمه؛ فمدّت يدها غريزيًّا بمنديل لتمسحها 


تجمّد يي مان للحظة، ثم قال بخفوت وارتباك: "شكرًا... أمي" 


وبعد قليل، شعرت تشين فانغ روي بثقل صغير دافئ يتسلّل ليقترب من جانبها، خجولًا كحيوان صغير يبحث عن الدفء، استقرّ بقربها، رأسه منخفض، يحتسي الحساء برشفات صغيرة 


فتفتحت في صدرها رقة غير متوقعة 


كانت حقًا لا تدري كيف تتعامل مع هذا الابن الجديد 


في ذهنها، كانت قد عقدت العزم: أن تكون منصفة، وألّا تفعل ما يثير المشكلات أو يجعلها موضع سخرية على ألسنة الآخرين 


لقد ربّت ولدين من قبل، أليس كذلك؟ وها هما قد نشآ صالحَين، كلّ ما عليها هو أن تعامل هذا الابن بالطريقة نفسها... 


لكن حين التقت يي مان وجهًا لوجه، أدركت أنّ الأمر لم يكن بهذه البساطة 


هل كان بوسعها أن ترتمي في حضنه وتبكي قائلة: "ابني!" منذ اللحظة الأولى؟ أن تغدق على غريب دفئًا وحنانًا لم يتأسسا بعد؟ لم تكن من هذا الطراز، لا سيما وهي لم تكن تعلم أصلًا أنّ طفلها قد استُبدل، كان تشي جوي دائمًا موضع فخرها، ومصدر فرحها الأمومي المستمر، ثم إنّه، وإن لم يكن من دمها، فقد كان هناك تشي يان، ابنها من صلبها، أمّا يي مان، فكان موضعه... حرجًا 


وبين الاثنين، كان لا بدّ أن تميل لتشي جوي، فيما لم يتعدّ شعورها تجاه يي مان سوى مزيج من اللباقة والمسافة 


كانت ترى أنه يحاول جاهدًا استمالة ودّها، وكانت تدرك أنّ برودها قد يجرحه، لكنها لم تستطع أن تتحكّم بذلك 


فصارت تتحجّج بالبقاء في المكتب... ثم خرجت في رحلة عمل طويلة 


وحين عادت، رأته أقل حضورًا في البيت، فظنّت أنه ربّما لم يكن يرتاح إليها 


غير أنّه... كان فتىً طيبًا، أكثر رهافةً ممّا توقّعت 


عاد تشي يان مسرعًا، لا يزال يحمل غبار السفر، وأصدر حكمه بلا مواربة: 

"من الآن فصاعدًا، تجنّبوا بكل وسعكم أي مناسبة قد يحضرها شو هويتينغ " ثم التفت إلى تشي جوي مضيفًا: "وأنت، اجعل تعاملاتك مع مينغ ياو في أضيق الحدود" 


مرّ ظلّ في عيني تشي جوي، قال بصوت خافت: "...مفهوم، يا أخي الكبير" 


ثم تكلّمت تشين فانغ روي: "شياو مان، في مثل سنّك ينبغي أن تكون في المدرسة، هل لديك ما تحب أن تفعله في المستقبل؟" 


كانت ترى أنه ما دام لم يتعمّد التورط في شؤون شو، فبمجرد أن تهدأ الأمور، فلن تكون هناك أيّ فرصة لالتقائه بمثل شو هويتينغ، رجل كهذا لا يمكن أن يتمسك بفتى أعمى — مستحيل 


لكن السؤال أربك يي مان 


فقد تربّى تشي يان منذ ولادته على خلافة الأسرة، أمّا تشي جوي، الذي تخطّى درجتين في الدراسة، فقد أصبح بالفعل يثير ضجة في مجال التقنية، مواهبه الفطرية ووسامته أدخلته دوائر النخبة منذ سنوات، محبوبًا ومطلوبًا من الجميع 


وأمّا هو؟ 


لو أجاب بصدق، لقال: أن يجني المال 


مال يكفي ليمحو ديونه، ليعيش بلا دائنين يلاحقون أنفاسه — كان سيفعل أي شيء لأجل ذلك 


أمّا أبعد من هذا؟ فلم يفكر قط، لم يكن له الحق أن يحلم بذلك 


لكنه كان يعلم أن أسرة تشي لن تستسيغ جوابًا فظًا كهذا، جوابًا عاديًّا مبتذلًا، لو قاله صراحة، لفقد احترامهم 


أخذ يي مان يقلّب حساءه، محاولًا بيأس أن يجد جوابًا أجمل 


كان عالمه صغيرًا، لم يرَ فيه سوى القليل 


أمين صندوق، نادل، عامل تنظيف، حتى بيع الكريب أو الفطائر على عربة في الشارع كان بالنسبة له حلمًا بعيد المنال 


ظل يتخبّط طويلًا، وجنتاه تزدادان توهّجًا بالحرارة 


همس يي مان بارتباك شديد: "أخي النظام، قل لي ماذا أقول؟ أعدك أنني سأؤدي مهامي كما ينبغي في المرة القادمة، لن أخذلك ثانية!" 


كاد النظام أن يصرّح له: لست بحاجة إلى مساومة منك كي أساعدك 


بل راوده تساؤل إن كان قد بالغ في شدّته معه، حتى جعله يسير على قشر بيض 


النظام (بصوت خافت): "يي مان... يمكنك ببساطة أن تقول إنك لا تعلم" 


وانسابت نبرة نادرة من الصدق في صوته 


النظام: "عدم معرفتك بكيفية الإجابة عن سؤال ليس جريمة، لن يكرهك أحد لمجرد أنك لا تعلم بعد ما الذي تريد فعله" 


"لك كلمتي في ذلك، فثق بي" 


---  

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]