🦋


لم تكن مخاوف عائلة تشي بشأن طبع يي مان بلا أساس تمامًا 


قد يجهل الآخرون ذلك، لكن يي مان كان يعرف نفسه حقّ المعرفة 


منذ صغره، كان يدرك أنّه وسيم، وكلما خرج إلى الخارج، لم يكن عليه سوى أن يرفع رأسه ويبتسم ابتسامة عذبة في وجه العمّات والأعمام المارّين، حتى ينهالوا عليه بالمديح، وأحيانًا يحصل على مكافأة صغيرة، كقطعة جيلي أو شوكولاتة 


وبعد أن ذاق طعم الفائدة، أتقن منذ سنّ مبكرة فنّ استغلال ملامحه وكلامه على أكمل وجه 


في ذلك الوقت، كانت تسكن بجوارهما جدّة مع حفيدتها الصغيرة، والدا الطفلة كانا نادرًا ما يزورانها، لكن جدّتها كانت تحبّها كثيرًا، كانت طفلة نشأت في بيئة مدلّلة، بريئة، ترتدي فساتين جميلة، وتحمل دائمًا مصّاصة ملوّنة مغلّفة بورق أجنبي لم يكن يي مان قادرًا على قراءته 


وكانت الحلوى في يديها تبدو في نظره لامعة وجميلة على نحو خاص، حتى الغلاف كان آية في الجمال، وقد سمع يي غووين ذات مرة يقول إنّها حلويات مستوردة لا يمكن الحصول عليها هنا، ومن ذلك استنتج أنّ والديها ميسورا الحال، ولا أحد يعلم لماذا كانا يعيشان في ذلك المجمع السكني القديم المتهالك 


كان يي غووين قد أدمن القمار حين كان يي مان في الثالثة من عمره، ورفض العمل تمامًا، تاركًا عبء المصاريف كلّه على والدته التي كانت تعمل بجدّ في مصنع نسيج مقابل راتب لا يتجاوز ألفي يوان شهريًا، كانت الحياة ضيّقة، ولم يتذوّق يي مان طوال حياته شيئًا فاخرًا كهذا، فكانت نفسه تتوق لأيّ فرصة تمنحه تلك الحلوى 


وفي أحد الأيام، لمّا لمح الطفلة وحيدة في الحديقة القريبة تلعب بالرمل، ارتسمت على وجهه أبرأ وألطف ملامح ممكنة، واقترب منها عرضًا، متظاهرًا برغبته في صداقتها، خدعها لتبادل حلوى معها مقابل "أرنب رملي" صنعه لها 


وبالطبع، لم يكن أرنب الرمل يساوي شيئًا مقارنة بحلواها المستوردة 


فنسج لها يي مان قصة؛ قال لها إنّه في الحقيقة ساحر متنكر، وإنّ الأرنب الذي صنعه ليس عاديًا، وعندما تكتمل قواه السحرية في المستقبل، سيحيا هذا الأرنب 


لم تكن الطفلة ذكية كثيرًا، أما يي مان فقد كفّ عن تصديق مثل هذه الأمور منذ كان في الخامسة، لكنها – وكانت في السابعة – كانت ساذجة بما يكفي لتسلّم له المصّاصة على مضض 


وهكذا أبرما "اتفاقًا" يقضي بأن يعلّمها يي مان سحر الأرنب كل مساء في تلك الحديقة، على أن يكون أجر الدرس مصّاصة واحدة 


وبذلك صار "الساحر العظيم يي" صاحب تلميذة صغيرة تجلب له الحلوى كل يوم 


وفي دفء أشعة الغروب، كان يي مان يتأرجح بخمول على الأرجوحة، يتلذّذ بحلواها بينما يأمرها ببناء تلال من الرمل، ويضحك في سرّه على غبائها 


غير أنّ أمرًا وقع ذات ليلة؛ إذ ظهرت سيارات الشرطة أمام المبنى، وجاء والدا الطفلة وأخذاها مع جدتها على عجل، ولم يعودوا قط، وحتى وهي ترحل، كانت تلك الصغيرة تبكي بحرقة على دروس "سحر الأرنب" التي لم تُكملها 


كان هناك أيضًا صاحب محل معكرونة "لُووسيفن" الذي لم تكن رغبته في البداية أن يوظّف شخصًا صغير السن مثله، لكن ما إن سمع يي مان بالأمر حتى نسج له حكاية مؤلمة تبعث على الشفقة، جعلته يبكي حتى أنهى علبة مناديل كاملة، فاحتفظ به بدافع الإحسان 


وبخلاف هذه الحادثة، كانت هناك عشرات المواقف المماثلة 


مسلّحًا بهذين السلاحين – براءته المصطنعة ولسانه البليغ – كان يي مان دائمًا يحصل على ما يريد، لم يكن هناك ما يعوقه 


وبذلك القناع اللطيف الخالي من الأذى، كان يخفي حقيقته – طبيعته الضيقة الأنانية المليئة بالأكاذيب 


كان يرغب في أشياء تشي جوي – لا لقيمتها، بل بدافع الغيرة والحقد البحتين، ففي نظره، أي شيء يملكه تشي جوي كان ينبغي أن يكون ملكه هو، وأي شيء يحصل عليه تشي جوي من عائلة تشي كان يي مان يسجّله في دفتر أحقاده 


نعم، تبديل الطفلين لم يكن باختيار تشي جوي؛ وبعبارة أخرى، كان بريئًا، لم يكن هناك مذنب حقيقي في تلك الحادثة، فقد كانت مجرّد صدفة، وأي شخص عاقل لم يكن ليحقد على تشي جوي 


لكن يي مان لم يكن عاقلًا 


لقد قُدّر له أن يكون "الوقود الشرير للمدفع"، فهل يمكن لشخص كهذا أن يكون عاقلًا؟ لقد اختار النظام بالفعل الرجل المناسب للدور 


لطالما تظاهر بالحكمة فقط ليكسب ودّ من حوله، أمّا في الحقيقة فلم يكن كذلك 


... 


عند الباب 


حين سمع تشي جوي ردّ يي مان العذب المطيع، رفع حاجبيه قليلًا وأخفى أفكاره 


قال: "سأختار لك إذًا، حتى لو لم يعجبك، لا يُسمح لك بالانزعاج، لقد كان يومك شاقًّا اليوم، فارتَح قليلًا ولا تسهر حتى وقت متأخر، حسنًا؟" 


قفز قلب يي مان 


هل يمكن أنّه اكتشف أمره وهو "يسبح" في حوض الاستحمام الضخم حتى منتصف الليل؟ 


كانت غرفة النوم التي أعطته إيّاها عائلة تشي ضخمة – أكبر من بيته القديم بأكمله، أما الحمّام وحده فكان فسيحًا وفيه حوض استحمام مذهل، لعدّة أيام بعد انتقاله، كان يي مان يقضي ساعات كل ليلة يمرح فيه بالماء 


لحظة… لا، هذا مستحيل، لقد كان دائمًا ينظّف كل شيء بعد الانتهاء، لم يكن أحد ليعرف 


اعتدل في جلسته، وهزّ أذنيه متأكدًا من أن لا أحد بالجوار، وبدأت تلك البركة الصغيرة من السمّ في قلبه تغلي مجددًا 


حتى مع علمه بأن حيله الحقيرة هذه ستؤدي في النهاية إلى موته، فإن الطبيعة البشرية يصعب تغييرها 


كان مجرد أن يرى تشي جوي بهيئته كنجل نبيل وأخ لطيف "حسن الخلق" يجعله يرغب في العبث به 


إن شعر تشي جوي بالتعاسة، فسوف يشعر هو بالسعادة 


لذا، ومع تصاعد نواياه الخبيثة، ارتسمت على وجهه ابتسامة خجولة محرجة: "لا حاجة لأن تنفق مالك يا أخي الثاني، فالساعة التي أهداك إيّاها والدي قبل أيام جميلة، وأنا بالمصادفة أفتقد لساعة... لمَ لا تهديني تلك الساعة كهدية عيد ميلادي؟" 


تردّد النظام قليلًا 


وربما لأن يي مان كان قد ذكر سابقًا حبّه لتلك الدراما القصيرة المبالغ فيها، شعر النظام أن طريقة إلقائه لطلبه آنفًا كانت شديدة… "الوقاحة اللطيفة" نكهة "الوقود الشرير للمدفع" كانت قوية جدًّا 


النظام: "يي مان..." 


يي مان: "لا تقلق يا أخي النظام، إن تجرّأ على الصراخ في وجهي، فسأذهب غدًا إلى الأخ الأكبر وأبكي له، وأخبره كيف أنّ الأخ الثاني يظلمني ويصعّب الأمور علي!" 


النظام: "ليس هذا ما–" 


تشي جوي ردّ بتردّد: "شياو مان، ليس أنّي لا أريد أن أعطيك إيّاها..." 


توقّف قليلًا ليختار كلماته، ثم قال: "سأشتري لك واحدة جديدة" 


وما إن سمع يي مان وقع خطوات على الدرج، حتى ارتدى قناع التمثيل على الفور، وبوجه متأثّر قال: "من الطبيعي ألّا ترغب في إعطائي ما هو لك، كان ذلك تصرّفًا طفوليًّا منّي، من فضلك تظاهر وكأنني لم أقل شيئًا، تصبح على خير" 


انسحاب، وإغلاق باب، في حركة واحدة 


تُركت العمة تشو، وهي تحمل صينية الحليب الدافئ، في الممر بحيرة 


"السيد الثاني؟" 


ضغط تشي جوي على جسر أنفه، وأخذ منها الحليب، ثم طرق باب يي مان ووضع الصينية أمامه، وقال بلطف: "شياو مان، العمة تشو أحضرت لك الحليب، لا تنسَ أن تأخذه قبل أن يبرد" 


وبعد أن انتظر قليلًا دون أن يلقى ردًّا، غادر أخيرًا 


بعد لحظات، دوّى صوت قفل يُفتح، وامتدّت يد بسرعة لتسحب الحليب إلى الداخل 


وحين أُغلق الباب مجددًا، أكمل النظام ما كان ينوي قوله من قبل: "أيها المضيف، أنت أعمى، ما الذي ستفعله بساعة ميكانيكية؟ أنت حتى لا تستطيع رؤيتها" 


يي مان: "..." 


احمرّ وجهه خجلًا 


وبينما كان يمسك كوب الحليب بيد والهاتف بيد أخرى، حاول استخدام ميزة "الاتصال السريع" التي علّمه إيّاها تشي يان في وقت سابق، لكنه، لعدم اعتياده على ميزات تسهيل الوصول، انزلقت أصابعه عند تعليق النظام، ففتح تطبيقًا آخر عن طريق الخطأ 


فجأة، امتلأت الغرفة بإيقاع طبول سريع وموسيقى درامية مثيرة 


وانطلق صوت رجل ساخر: "لا حاجة لأن تنفق مالك يا أخي الأكبر، فالساعة التي أهداك إيّاها جدي... لمَ لا تعطيني إياها؟" 


وردّ رجل آخر بغضب عارم: "لي ليو، لقد تماديت! تلك كانت تذكارًا من والدتي!" 


يي مان: "..." 


النظام: "..." 


اشتدّ احمرار وجهه أكثر 


مرتبكًا، حاول إغلاق الصفحة، لكن أصبعه انزلق مجددًا إلى مشهد آخر 


هذه المرة، دوّى صوت امرأة مكلومة تصرخ: "طلاق! أريد الطلاق! لي جوي، لقد كنتَ تعرف أن جدّتي مصابة بالزهايمر وتحتاج من يعتني بها، ومع ذلك تركتها وحدها في المنزل لتحتفل بعيد ميلاد قمرَك الأبيض، والآن هي في المستشفى بسبب انفجار غاز! إنّها عائلتي الوحيدة! وإن أصابها مكروه، سأجعلكما تدفعان الثمن حياتكما!" 


النظام: "..." 


أغلق يي مان الهاتف بسرعة 


واختفى أخيرًا ذلك الإيقاع الدرامي الصاخب 


حلّ صمت ثقيل في الغرفة 


يي مان: TAT 


"أخي النظام، أعزّ أنظمة العالم… امنحني فرصة أخرى!" 


النظام: 🙂 


"أخي النظام، لا تتجاهلني، قل شيئًا!" 


دفعه الهلع إلى تعرّق كفّيه، فأطلق آهة تمثيلية وهو يقول: "آه!" ثم جلس أرضًا بقوّة، محتضنًا يده اليمنى هذه المرّة، وقد احمرّت عيناه في الحال، ليبدو أشدّ بؤسًا من بطلة مشهد الطلاق في الدراما 


"أ... أنا خائف فحسب! كسر الساق مؤلم جدًّا... وبدونها لن أستطيع المشي، ولا العمل، ولا إيجاد شريك... ولن يرغب بي أحد... يا لي من مسكين..." 


أطلق النظام شخيرًا ساخرًا 


لقد رآه على حقيقته؛ لم يكن يي مان يختلف عن أيّ مضيف آخر من نوع "الوقود الشرير للمدفع" الذين تعامل معهم من قبل 


"يكفي هذا، أوقف تمثيلك، سأعود إلى المقرّ الرئيسي، سنتحدث غدًا" 


تجمّد يي مان، واتّسعت ملامح الذعر على وجهه، وانخفض صوته ليصبح أكثر ضعفًا وشفقة: "أخي النظام، أرجوك لا تذهب... أنا أخاف من الليل حين أكون وحيدًا..." 


ضحك النظام ضحكة باردة 


أكاذيب، أتحدّاك أن تكذب مرة أخرى، من يصدقك فهو أحمق 


"... أخي النظام؟" 


ظلّت الغرفة صامتة 


وظلّ عقله خاليًا من أي صوت 


لقد… رحل أخي النظام 


عضّ يي مان على شفتيه، وأدار رأسه بحذر، فاتحًا عينيه غير المركّزتين إلى أقصى اتساع، محاولًا جاهدًا أن يرى ما حوله 


لكن الظلام والصمت كانا يطبقان عليه مثل المدّ 


كانت الغرفة واسعة وفارغة، وخارج النافذة الممتدة من الأرض إلى السقف، هبطت ورقة شجر وحيدة، فارتطمت بخفّة، فأفزعته وجعلت كتفيه ينتفضان 


تمتم لنفسه وهو ينهض على قدميه: "أنا حقًّا خائف..." 


ظلّ واقفًا هناك قليلًا، محدّقًا في السرير الضخم وسط الغرفة، يشعر بالعزلة، وقطّب حاجبيه 


ثم لمح خزانة الملابس في زاوية عينه، فابتسم بسرور، وجرّ بطانيته ووسادته إليها، لاهثًا ومتعبًا، حتى أنه تعثّر في شيء لم يره وسقط أرضًا بقوّة في منتصف الطريق 


فرك أنفه المؤلم، وحاول أن ينادي على أخي النظام مرّتين بين شهقات أنف، لكن دون أيّ رد، فعاد ونهض ليكمل خطة الانتقال بعزيمة 


وأخيرًا، انكمش تحت بطانيته في ضيق زاوية الخزانة المظلمة، مسندًا ظهره إلى الجدارين على جانبيه. عندها فقط أطلق زفرة ارتياح، وانفرجت عقدة حاجبيه 


لقد كان يظنّ أنه لن يضطرّ للنوم في الخزانة بعد الآن 


لكن أخي النظام حقود حقًّا – مجرّد حيلة صغيرة، وجعلته يغضب أكثر من "الوقود الشرير للمدفع" نفسه 


وهو يغمغم في قلبه متذمّرًا من بخل النظام، غرق يي مان سريعًا في النوم

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]