نظر سي يوهان إلى سيخ حلوى الزعرور المغطاة بالسكر في يده، ثم لم يتمالك نفسه وسأل بصوت خافت:
“لماذا؟”
“هاه؟”
لم يفهم كي روان في البداية، فأجابه متسائلًا:
“لماذا ماذا؟”
“لماذا اشتريتها لي؟”
توقف كي روان لحظة، وشعر بالذهول.
بالطبع، لم يكن بوسعه قول الحقيقة — أنه فعل ذلك لإرضائه.
فاكتفى بالابتسام وقال:
“لا سبب. فقط رأيتها، وقلت في نفسي إن الأطفال لا بد أنهم يحبون مثل هذه الأشياء.”
شعر كي روان ببعض الارتباك من نظرات سي يوهان،
وهمّ أن يضيف شيئًا ليُبرر موقفه أكثر، لكن سي يوهان أنزل عينيه فجأة.
“شكرًا لك.”
إذًا… لقد قبلها فعلًا؟
تنهد كي روان براحة وقال:
“على الرحب والسعة… كلها.”
ثم جاء صوت لين تشينغ يي من خارج العربة:
“سموك، تم ترتيب الأمراء جميعًا.
هناك أمير آخر قرر الانضمام إلينا، هو…”
وقبل أن يُكمل، قال كي روان:
“دعه يدخل.”
“أمرك، سموك.”
لكن كي روان لم يكن يتوقع أن من دخل كان يو شين.
انحنى يو شين وقال:
“سموك.”
لوّح له كي روان بيده قائلاً:
“لا داعي. اجلس.”
“شكرًا، سموّ الأمير.”
جلس يو شين في الجهة المقابلة لسي يوهان.
نظر إليه سي يوهان بنظرة كأنها طلقة جليدية، عينيه مليئتان بالكراهية الحادة التي جعلت يو شين يرتعش لا إراديًا.
وعندما استجمع يو شين شجاعته ونظر إليه مجددًا، لم يجد شيئًا غير عادي.
هل خدعتني عيناي؟ أم أنني… أتخيل؟
كان الجو مشحونًا بتوتر وكراهية بين الصبيين، وقد شعر كي روان بذلك.
لكنه فكّر: إنهما مجرد طفلين، ماذا يمكن أن يحدث بين طفلين؟
كانت العربة مغطاة ببطانية فاخرة، مريحة إلى أبعد حد.
تنهد كي روان بارتياح،
هؤلاء الناس حقًا يعرفون كيف يعيشون الرفاهية. العربة مجهزة بالكامل.
منذ دخول يو شين، توقف سي يوهان عن أكل حلوى الزعرور، واكتفى بالإمساك بها في يده.
لاحظ كي روان ذلك وسأله:
“لن تأكلها؟”
هزّ سي يوهان رأسه.
تنهد كي روان بخفة وقال:
“في هذه الحالة، أعطني إياها… أو أعطها لـ يو شين.”
كان سي يوهان على وشك أن يعطيها له، لكنه ما إن سمع الجزء الثاني من الجملة، حتى تجمّد.
انعقد حاجباه، وبرودة قاتلة تدفقت من عينيه.
قال بصوت غاضب، شبه زاجر:
“سآكلها!”
ثم عضّ من أعلى السيخ، وراح الطعم الحلو الحامض ينساب على لسانه في رقصة متجانسة من السكر والزعرور.
كان كي روان يراقبه.
“كيف طعمها؟ لذيذة؟”
أومأ سي يوهان برأسه، لكنه ظلّ يحدّق في كي روان وكأنه يحاول النفاذ إلى أعماق قلبه.
ثم نظر إلى قطعة الحلوى في يده، ومدّها نحو كي روان.
أشار كي روان إلى نفسه وسأل:
“لي أنا؟ تريد أن أتذوق؟”
أومأ سي يوهان مرة أخرى.
كاد كي روان يطير من الفرح، وتمنّى لو يطبع قبلة على خد سي يوهان.
ليس صعبًا أبدًا إرضاء هذا الصبي، فقط يحتاج إلى طريقة مناسبة.
ضحك وقال:
“لا، لا، أنا بخير. كلها أنت. وإذا أحببتها، سأشتري لك المزيد في يُوليانغ… أي شيء تريده.”
“أي شيء أريده؟”
كرر سي يوهان كلمته، وكأنه يتأمل معناها العميق.
“هاه؟”
قال كي روان، لم يسمعه جيدًا، إذ نطقها سي يوهان بخفوت.
“لا شيء.”
وفجأة، صرخ يو شين بحدة:
“من تظن نفسك؟ كيف تجرؤ أن تتحدث مع الأمير بهذه الطريقة؟ هل تبحث عن الموت؟! انظر إلى نفسك…!”
حدّق به كي روان وقال:
“آه…”
يا إلهي، هل أرسلك الآله خصيصًا لتحطيم كل ما كنت أبنيه؟
كنت على وشك كسب وده، وأنت أفسدت كل شيء!
لماذا؟! لماذا الآن بالذات؟!
وعندما رأى يو شين نظرات كي روان تتجه نحوه، ابتسم بتملّق وقال:
“سموك… إنه مجرد صعلوك.
كيف له أن يتحدث إليك بهذا الشكل؟
هذا لا يُغتفر إطلاقًا!”
لكن كي روان التفت إلى سي يوهان سريعًا، فوجده هادئًا تمامًا، كما لو أن يو شين لم يكن موجودًا أصلًا.
نعم، هذا هو البطل بحق، ليس كشخصيات هامشية.
شعر كي روان بالراحة.
جلس مستقيمًا، وحدّق في يو شين بنظرة باردة وقال بصرامة:
“طالما أنك تعرف أنني الأمير… فلتغلق فمك إذًا.
أنا حرٌّ في من أكرمه، ومن أدلّله…
وليس من شأنك شيئًا.”
أُخرس يو شين ولم يستطع الرد.
ثم ابتسم كي روان لسي يوهان ابتسامة أشبه بابتسامة خادمٍ يترقب الرضا من سيده.
كانت عينا سي يوهان مغمضتين، لكنه لم يستطع أن يهدأ في داخله.
يدلّل… من يشاء…
هذه الكلمات الثلاث ظلت تتردد في ذهنه، كما لو أن أحدهم شقّ جمجمته وأقحمها بداخلها، ثم أغلقها بإحكام بحيث لا سبيل لخروجها.
كانت مقاطعة يُوليانغ بعيدة جدًا.
سيستغرق الوصول إليها يومين أو ثلاثة على الأقل، ولم تكن هناك نُزُلٌ في الطريق، لذا لم يكن أمامهم إلا أن يخيموا في العراء.
كانت تلك المرة الأولى التي يعرف فيها كي روان معنى التخييم الحقيقي.
فحتى في أيام دراسته الجامعية، حين ذهب في رحلات تخييم مع زملائه، كانت مجرد نزهات خفيفة لا تُقارن أبدًا بهذه التجربة.
في تلك الليلة، نظر سي يوهان من بعيد إلى كي روان، الذي كان يجلس قرب النار.
كانت ألسنة اللهب تتراقص، تُضيء وجهه تارة وتغرقه في الظل تارة أخرى، ما جعل ملامحه تتغير تحت وهجها المتقلب، وعيناه بدا عليهما الشرود، كأن لا شيء فيهما يُخبرك بما يفكر به.
كان سي يوهان قد غفا داخل العربة، ويكاد يُقسم أنه شعر بشيء يُلقى عليه.
ولمّا استيقظ، اكتشف أنه كان غطاءً دافئًا.
لا أحد غير كي روان يمكن أن يكون قد وضعه عليه.
على مدار هذه الأيام، كان سي يوهان يُمارس سرا فنون القتال التي تعلمها من حياته السابقة.
لكنها كانت عبئًا ثقيلاً على جسد طفلٍ صغير، فكان يشعر بالضعف الدائم، ويغفو في أي وقت وفي أي مكان.
ومع ذلك، لم تكن الأمور بهذا السوء في هذه الحياة كما كانت في السابقة.
وسرعان ما سيسترد كل ما سُلب منه.
والآن، نظر إلى كي روان بنظرة باردة.
مهما كانت نوايا هذا الرجل، فلن يسمح له بأن يُعطل طريقه.
هل يظن كي روان أن بضع تصرفات لطيفة كفيلة بأن تُصلح ما فعله به في حياته الماضية؟
لن يغفر له أبدًا.
أبدًا!
في النهاية، كي روان كان الأمير. لم يكن أحدٌ يجرؤ على الحديث معه مباشرة.
جلس وحيدًا قرب النار، تحيطه دائرة من الجنود عن بُعد.
تنهد كي روان بصمت، وبدت على وجهه الأبيض ملامح خفوت وانكسار.
كان سي يوهان على وشك أن يقترب منه، لولا أنه لمح ظلًا بلون السيان.
“سموك.”
رفع كي روان رأسه، وأومأ قائلاً:
“الجنرال لين، لا داعي لأن تناديني بذلك ونحن خارج القصر.”
بدا الاندهاش على وجه لين تشينغ يي، لكنه أومأ وقال:
“حسنًا.”
ثم اقترب جندي منهما، وانحنى احترامًا وقال:
“جنرال، هذه هي الأسماك التي اصطدناها من النهر.”
كان الجنود فظّين بطبعهم، أما الأمير فقد نشأ في النعيم، محاطًا بأصناف الطعام الفاخرة.
ولأن لين تشينغ يي كان يعرف أن كي روان لن يحتمل طعامًا رديئًا، أمر الجنود بالصيد خصيصًا.
أخذ لين تشينغ يي الأسماك منهم، وقال:
“يمكنكم الانصراف.”
ثم ثبت إحدى السمكات على غصنٍ بطريقة ماهرة، وجلس مقابل كي روان.
ولما رأى كي روان يحدق به، شعر بشيء من الحرج، وقال:
“كان يومًا طويلًا، وما يزال الطريق أمامنا طويلاً أيضًا. النوم في الخيام، والأكل وسط الرياح… سيكون هذا هو نمط حياتنا في الأيام القادمة.”
ضحك كي روان وقال:
“لا بأس عليّ. ما نعيشه الآن لا يُقارن بما مررتم به أنتم الجنود والقادة.
لقد اعتنيتم بي كثيرًا، وهذا… في الحقيقة، يجعلني أشعر بالخجل.”