بعد أن قال كي روان كلماته، غمز للجنرال لين تشينغ يي، ثم تابع:
“الجنرال لين، رجاءً احمني جيدًا… لا أعرف من ذلك الأحمق، ظننته مجرد شاب مدلل.
وإذا سأل والدي عن الأمر… أرجوك أوضح له الصورة.”
عند سماع ذلك، بدا الذهول واضحًا على وجه لين تشينغ يي.
تحركت شفتاه، وكأنه أراد قول شيء، لكنه لم يتفوّه بكلمة، ثم أومأ برأسه بعد لحظة من الصمت.
انزلقت عيناه نحو جبهة كي روان المتورّمة، وقال:
“سموك، عليك معالجة الجرح في جبهتك. هناك مستشفى صغير قريب من هنا… دعنا نذهب.”
أومأ كي روان بالموافقة.
في مثل هذا الموقف، لا حاجة للذهاب إلى النزل أولًا.
فقال للحاضرين:
“جميعكم، اتبعوني إلى المستشفى.”
“سـ… سموّك؟”
نطقت الفتاة الصغيرة أخيرًا، وقد علمت بهوية كي روان.
كانت مصدومة تمامًا، وتجمدت مكانها.
ربت كي روان على رأسها بلطف وقال:
“يا صغيرة، يمكنك العودة إلى منزلك الآن.
أنتِ بأمان.”
وما إن أنهى كلامه، حتى هربت الفتاة بسرعة الريح.
شعر كي روان ببعض الإحراج.
هل أنا مرعب إلى هذا الحد؟
كما قال لين تشينغ يي، لم يكن المستشفى بعيدًا.
وبعد لحظات، وصلوا إليه.
وعندما رأى المرضى هذا العدد من الناس يقتحم المكان، فرّوا جميعًا فزعًا.
قال كي روان للطبيب:
“أعطني مرهمًا جيّدًا لتحفيز الدورة الدموية وإذابة الكدمات.”
غادر الطبيب لإحضار المرهم، وحينها لم يتبقَ غرباء في المكان.
كان عددٌ من الرجال يحرسون الباب من الخارج.
جال كي روان بنظره بين الأمراء، ثم قال بصوت منخفض:
“من أراد العودة إلى بلاده، فليعد.
لا حاجة لبقائكم هنا. عودوا إلى أوطانكم.”
سقط الصمت على الغرفة كالصخرة.
حتى لين تشينغ يي بدا مندهشًا، ولم يفهم ما الذي يخطط له.
في الواقع، إرسال هؤلاء الأمراء إلى بلادهم لم يكن أمرًا صعبًا.
بإمكان الإمبراطور أن يُصدر أمرًا بذلك في لحظة.
لكن المشكلة أن فكرة إرسالهم للدراسة هنا كانت اقتراحًا منه شخصيًا.
فلو قام الآن بإرجاعهم فجأة، وبدأ يتودد إليهم، سيبدو ضعيفًا في أعين الجميع.
وببساطة، كان يخشى أن يفقد هيبته.
ولهذا، خطط كي روان لهذه الحيلة.
هو من سيأمر بعودتهم، ثم يرسل الإمبراطور مبعوثين إلى دولهم، يُظهر من خلالهم رغبته في السلم والصداقة.
بهذه الطريقة، لن يُعتبر الإمبراطور ضعيفًا… بل رحيمًا.
أما اللوم، فسيقع كله على ' الأمير الطائش '.
وستبقى سمعة الإمبراطور محفوظة.
قال كي روان بصبر:
“لا أحد يريد العودة؟ لا تقلقوا… رجالي سيرافقونكم بأنفسهم.
وبحمايتهم، لن يُعاملكم أحد كفارّين أو هاربين.”
عقد لين تشينغ يي حاجبيه وقال:
“سموك… هل يعلم والدك بهذا؟”
يا للمصيبة! بالطبع يعرف!
هتف كي روان في نفسه.
لكن… لا يمكنني قول ذلك.
فاكتفى بابتسامة، ولم يجب.
لكن لين تشينغ يي، بفطنته، فهم ما وراء الصمت، فالتفت إلى البقية وقال:
“أيها الأمراء، يمكنكم المغادرة الآن.
سأكلّف رجالي بمرافقتكم إلى أوطانكم.”
فكر كي روان في نفسه:
يا له من رجل ذكي… لم أقل شيئًا، لكنه فهم كل شيء.
“حقًا؟”
“هل هذا حقيقي؟”
“ستدعونا نرحل؟”
…
لم يتمكن الكثير منهم من إخفاء حماسهم، كانوا على وشك الانطلاق فورًا.
قال كي روان:
“عودوا إلى حيث أتيتم.
أعلم أن العيش تحت سقف غير سقفكم أمر صعب.”
امتلأت أعين عدد من الفتيان بالدموع، وقالوا بصوت مليء بالامتنان:
“شكرًا لك، سموّ الأمير.”
أومأ كي روان برأسه، ثم لمح نظرة سي يوهان… نظرة ذات مغزى خاص.
وسرت رعشة في عموده الفقري.
هل يعقل أنه أدرك شيئًا؟
مستحيل… لا يتجاوز الثامنة من عمره.
حتى وإن كان ذكيًا، فلن يتخيّل أبدًا أنني لست نفس كي روان.
ربما فقط يشعر بأنني… مختلف قليلاً.
هذا كل شيء، لا أكثر.
هكذا حاول إقناع نفسه.
ثم صرف نظره، وقال:
“بالطبع، من لا يريد العودة يمكنه البقاء في بلادي.
سأرسل من يعيدكم إلى القصر.
ولا حاجة لأن ترافقوني أنا والجنرال لين إلى يُوليانغ.”
عندها قال لين تشينغ يي:
“سموك… ما رأيك أن…”
وقبل أن يُكمل لين تشينغ يي كلامه، كان كي روان قد أدرك بالفعل ما الذي كان ينوي قوله، فقطع عليه الحديث قائلًا:
“الجنرال لين، لقد أوضحت موقفي.
لن أسمح له بالرحيل.”
توقف لين تشينغ يي عاجزًا عن الرد.
“حسنًا، طالما لا اعتراض لديك، فقد حُسم الأمر.
سأتوجه إلى العربة أولًا… والباقي أتركه لك يا جنرال لين.”
قال كي روان وهو يتهيأ للمغادرة.
أومأ لين تشينغ يي وأجاب باقتضاب:
“كما تأمر، سموك.”
وقبل أن يبتعد كي روان، تقدّم سي يوهان خطوة وسأله:
“سموك، هل يمكنني مرافقتك؟”
كانت هذه الجملة تمامًا ما كان كي روان يتمنى سماعه.
فاض قلبه بالفرح، لكنه تمالك نفسه، وأخفى انفعاله.
انحنى برأسه نحو سي يوهان الذي لم يتجاوز طوله صدره، وقال برقة:
“هذه الرحلة… قد تكون خطيرة… أنت…”
لكن سي يوهان قال بصوت ناعم، له تأثير ساحر يُربك السامعين:
“سموك، أريد أن أرافقك.”
ارتجف كي روان عند سماع تلك النبرة.
ليس لأن الصوت كان مُقرفًا، بل لأنه تذكّر وصف الرواية:
هذا الفتى حين يكبر، سيصبح شيطانًا حقيقيًا…
لا يقتل أعداءه مباشرة، بل يعذبهم بطرق بشعة تُفقدهم صوابهم.
إنه شخص مرعب إلى أقصى حد.
“سموك، هل أستطيع؟”
سأل مجددًا، بينما التقطت عيناه نظرة الفزع التي مرت على وجه كي روان.
وارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة.
“إذا أردت، فتأتي معي.”
قال كي روان في النهاية.
الآن، سي يوهان لا يزال في الثامنة من عمره، ولم يتعلّم بعد فنون القتال الأسطورية.
ما زال طفلًا لطيفًا لا يُشكّل خطرًا.
فما الداعي للذعر؟
ارتاح كي روان بعد هذه الفكرة، وزفر بعمق.
ثم مدّ يده ليمسك بمعصم سي يوهان، وسار به إلى الخارج.
في منتصف الطريق، جال كي روان ببصره في الشارع، ثم تمتم بكلمات غير مفهومة،
وفجأة، انحنى وحمل سي يوهان بين ذراعيه.
انتفض سي يوهان بغتة، واتسعت عيناه بدهشة.
شعور بالفراغ اجتاح عقله، كأنّ الزمن توقف للحظة.
لكن كي روان لم يلحظ ذلك.
وضعه داخل العربة بلطف وقال:
“ابقَ في الداخل وانتظرني.”
ثم التفت وغادر.
جلس سي يوهان داخل العربة، محاطًا بعبيرٍ منعش ودفءٍ غريب، لا يزال عالقًا في جسده من حضن كي روان.
خفق قلبه فجأة، لعدة ثوانٍ.
وبعد لحظات، ارتفع الستار، وظهرت ملامح كي روان المشرقة.
كان يلهث قليلًا، وقد بلل العرق جبينه، وازداد لون شفتيه حمرة.
أدار سي يوهان رأسه بسرعة بعيدًا، وانكمشت أصابعه ببطء.
دخل كي روان العربة، ونظر إليه بلطف، ثم قال مبتسمًا:
“خمن، ماذا جلبت لك؟”
نظر إليه سي يوهان دون أن يرد.
أدرك كي روان أنه ارتكب حماقة.
كيف سأل سؤالًا كهذا؟ من الطبيعي أنه لن يرد…
لعن نفسه سرًا على ذلك.
ثم ابتسم، ومدّ يده التي كانت خلف ظهره.
فجأة، ظهرت في يده قطعة من حلوى المسكّرة، تلمع بلونها الأحمر البرّاق تحت ضوء الشمس المتسلل من النافذة.
تلألأت عينا سي يوهان، وقال بارتباك:
“لي أنا؟”
ضحك كي روان ضحكة خفيفة.
لقد سعد كثيرًا لأنه بدأ يبادله الحديث أخيرًا.
“نعم، لك. جربها… طعمها لذيذ.”
فالأطفال عمومًا يحبون هذه الأنواع من الحلوى.
لكن سي يوهان عقد حاجبيه وتردد، لم يتناولها.
لم يكن طفلًا تافهًا ينخدع بأشياء بسيطة كهذه،
ثم… لم يأكل شيئًا كهذا في حياته.
وفوق ذلك، هذه الحلوى من يد كي روان نفسه.
من يدري؟ ربما دس فيها سمًا.
ومع كل هذه الأفكار، كان جزءٌ صغير منه… يريد أن يتذوقها.
ومع أنه تمالك نفسه، كانت يداه على وشك أن تمتد.
لكن كي روان لم يُفكر كثيرًا.
ببساطة، دفع بها إلى يده وقال ضاحكًا:
“هيا! جربها، مذاقها بين الحامض والحلو… لذيذة جدًا!”