🦋

لاحظ كي روان الدهشة في عيني لين تشينغ يي، ولم يستطع إخفاء شعوره بالزهو الطفيف.

“سموك.”

أومأ كي روان وقال: “لقد تأخر الوقت… ما الأمر؟”

قال لين تشينغ يي: “غدًا، سأغادر إلى مقاطعة يُوليانغ. 

وسأترك أحد أمهر رجالي لحمايتك. 

لا داعي للقلق.”

حمايتي؟

أدرك كي روان فجأة أن لين تشينغ يي كان يتبعه لحمايته.

لكن لماذا يحتاج إلى حماية وهو في أكثر الأماكن أمانًا؟ داخل القصر الإمبراطوري؟

انتظر… مقاطعة يُوليانغ؟!

“الجنرال لين، ماذا قلت للتو؟”

أعاد كي روان السؤال، ظنًا أنه ربما أساء السمع.

قال لين تشينغ يي بهدوء:

“حاكم يُوليانغ أرسل تقريرًا بوجود لصوص جبليين. أمرني الإمبراطور بالتوجه إلى هناك والتعامل مع الأمر.”

توقّف كي روان، وابتلع ريقه بصعوبة.

تذكّر أن الرواية قد ذكرت هذه الحادثة تحديدًا: عندما علم كي روان أن لين تشينغ يي سيتوجه إلى يُوليانغ، أصرّ على مرافقة الحملة، وأجبر بقية الأمراء على الذهاب معه، رغم اعتراض الإمبراطور والوزراء.

والأسوأ أن لين تشينغ يي… لم يعد حيًا من تلك الرحلة.

نُكّست الأعلام في أرجاء البلاد حزناً على وفاته.

لم يفهم الناس أبدًا كيف يمكن لمثل هذا الجنرال الفذ، المحارب القوي الذي لا يُقهر، أن يُقتل على يد مجموعة من قطاع الطرق، بينما لم يُصب الأمير كي روان بخدش، بل نُقذ لاحقًا على يد قوات أرسلها الإمبراطور.

بدأت الشكوك تنتشر في كل مكان. 

قال الناس إن الجنرال مات لأنه اضطر لحماية الأمير الصغير الساذج الذي أصرّ على مرافقة الحملة. لولاه، لعاد الجنرال حيًا.

كان كي روان يعرف الآن ما عليه فعله.

أومأ وقال: “حسنًا، اذهب لترتاح.”

نظر لين تشينغ يي إليه نظرة طويلة، شعر فيها بشيء غريب.

هل أتخيل؟ أم أن الأمير أصبح شخصًا مختلفًا تمامًا؟

بعد رحيله، استدعى كي روان خصيّه الخاص، وقال له:

“خذني إلى جناح الراحة الخاص بوالدي.”

كان تشين تشونغ يخدم في قاعة يانغشين. 

وحين رأى كي روان يدخل على عجل، تقدم وانحنى له:

“سموك.”

أومأ كي روان برأسه: “هل والدي نائم؟”

وقبل أن يُجيب، سُمع صوت الإمبراطور المرهق من الداخل:

“أهذا أنت يا بُني؟”

“نعم، والدي.”

“ادخل.”

فتح تشين تشونغ الباب، ودخل كي روان إلى القاعة.

رأى والده الإمبراطور كي تشان لا يزال جالسًا يقرأ المراسيم الرسمية.

شعر كي روان بالحزن. كان والده في الخمسينات من عمره، لكن شعره قد اشتعل شيبًا من كثرة القلق والعمل. أما هو، في الخامسة عشرة، ولا يعلم شيئًا عن معنى أن تكون إمبراطورًا في المستقبل.

قال بانحناء خاشع:

“أبي.”

كانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها الإمبراطور ابنه يتصرف بمثل هذه الرصانة.

قال بدهشة: “انهض. ما الذي حدث؟ 

لماذا أنت مؤدب هكذا اليوم؟ 

هل أعجبك المعلم الجديد لهذه الدرجة؟”

احمرّ وجه كي روان خجلًا.

لا بد أن كي روان الأصلي طرد العشرات من المعلمين سابقًا!

قال بعدها: “أبي، قال لي الجنرال لين إنكم سترسلونه إلى يُوليانغ للتعامل مع قطاع الطرق.”

أومأ الإمبراطور، ووضع الأوراق جانبًا:

“نعم، وقد تحدثنا بالفعل. اتفقنا أن يُرسل أحد الجنود الماهرين ليحميك في غيابه.”

لكن لا حاجة للحماية من الأصل!

هتف كي روان في داخله.

ثم قال:

“أبي، أرجو منك أن تسمح لي بمرافقة الجنرال، وأن ينضم إلينا الأمراء الآخرون أيضًا.”

في اللحظة التي قال فيها ذلك، تغيّرت ملامح كي تشان.

في الظروف العادية، كان يتسامح مع تصرفات ابنه الطائشة.

لكن هذه المرة، الأمر يتعلق بأمن الدولة… ولم يعُد بمقدوره أن يرضخ.

كان ملك البلاد، وكلمة منه قادرة على تغيير مصير أي أحد… حتى مصير ابنه.

شعر كي روان برجليه ترتجفان خوفًا، لكنه جثا بثبات وقال:

“أبي… أعلم أنني كنت متغطرسًا وأتّخذ قرارات طائشة، وأعلم أنني خيّبت ظنكم. لكنني جاد هذه المرة. فكّرت كثيرًا، وأتوسل إليك أن تستمع إليّ.”

قطّب الإمبراطور جبينه وقال:

“إن كان كذلك… تحدث، ما الذي في بالك؟”

ففي النهاية، كي روان هو الأمير الوحيد، ما يعني أنه سيكون الإمبراطور المستقبلي حتمًا.

ومن الطبيعي أن يسعد كي تشان إن رأى ابنه قد بدأ ينضج أخيرًا.

تنفّس كي روان الصعداء، ثم قال:

“أبي، لدي رأي مختلف بشأن هؤلاء الأمراء. 

إن كنت تريد أن تطيعنا الدول الأخرى، فليس من الحكمة أن نحتجز أبناء ملوكها، حتى وإن ادّعوا أنهم أرسلوهم طوعًا. 

هذا فقط لأنهم خائفون ولا يملكون الخيار الآن. 

لكن إن امتلكوا القوة مستقبلاً، سينتقمون بالتأكيد. 

لذا… إن كنا نريد طاعتهم، يجب أن نفعل ذلك بالطريقة الصحيحة.”

توقّف قليلًا، ثم لاحظ تغيرًا خفيفًا في ملامح وجه كي تشان، فتابع حديثه:

“بالطبع، لم أقصد أن نبلغ ذلك بالعنف، فأنت تحب السلام، وكذا الناس أجمعون. 

لذا أعتقد أنه من الأفضل بناء علاقات ودية وشاملة مع الدول الأخرى، بدلًا من إجبارهم على إبقاء أبنائهم هنا.

أبي… من يكسب قلوب الناس، يكسب العالم في النهاية.”

ابتسم كي تشان، وارتسم في عينيه نورٌ خافت من الفخر.

ابنه… حقًا، أمير يستحق أن يُراهن عليه.

قال الإمبراطور:

“أحسنت القول. 

من يكسب قلوب الناس، يكسب العالم.”

كانت الشمس في كبد السماء، ترسل أشعتها الحارقة فوق البلاط الذهبي.

بسبب حديث كي روان مع والده في الليلة الماضية، تأجلت رحلة لين تشينغ يي إلى يُوليانغ ليوم آخر.

كان وجه كي روان مشرقًا، يقف على النقيض تمامًا من وجه لين تشينغ يي المتجهم.

قضى الأخير الليل كله يناقش الإمبراطور حول سبل التعامل مع الدول الأخرى.

ولحسن الحظ، كان كي روان ضليعًا بالتاريخ. استحضر نماذج حية من سياسة ' الإصلاح والانفتاح ' التي عرفها التاريخ الصيني، وقدم حلولًا واقعية وممكنة التطبيق.

انبهر الإمبراطور من أفكاره، حتى أنه لم ينم من الحماس. وأول ما فعله في اجتماع الصباح، هو أن أخبر الوزراء بكل ما قاله كي روان.

ورغم اعتراض البعض، إلا أن معظمهم وافق على ما طُرح، واتفق الجميع على أن الأمير قد أحرز تقدمًا كبيرًا.

كما قال كي روان، الكل يفضل السلام… حتى أولئك الوزراء الذين طالما دعوا للحزم.

أما الذين كانوا يشتمون الأمير ويذمونه، فقد تمنوا لو يبتلعوا ألسنتهم الآن.

لكن لين تشينغ يي لم يكن من بينهم.

بالنسبة له، القضاء على قطاع الطرق ليس نزهة، بل مهمة جدية وخطيرة. كان قد تحدث مع الإمبراطور عن خطورة اصطحاب الأمراء، لكن الإمبراطور بدا حاسمًا.

أما الأمراء الآخرون، فقد امتلأت قلوبهم بالضغينة.

لماذا لم يمت وحده؟ 

لماذا علينا أن نُجرّ إلى الهلاك بسببه؟!

جلس كي روان على الكرسي، وفي يده المرسوم الإمبراطوري، بينما كان لين تشينغ يي واقفًا أمامه، مشوشًا لا يدري ما يشعر به.

ابتسم كي روان وقال:

“يا جنرال… أرجوك، أعد التفكير…”

رفع كي روان يده ليوقفه، وأسند ذقنه إليها وهو يرمقه بنظرة حارّة.

على عكسه، بدا لين تشينغ يي — الفتى الذي لم يتجاوز السابعة عشرة أو الثامنة عشرة — وكأنه تجسيد حيّ لإله الحرب في هذا العصر.

أربكته تلك النظرة، ولم يعرف كيف يتصرف.

“سموك…”

قال كي روان بهدوء:

“الجنرال لين، ثق بي. لن أكون عبئًا عليك، أعدك.

كل ما أريده هو أن أساعدك. وإن سبّبت لك أي متاعب، فلا تتردد في إعادتي فورًا… لن أشتكي، ولن أقول كلمة واحدة. أعدك.”

تجمّد لين تشينغ يي في مكانه. 

لم يصدق ما سمعه للتو.

من كان يظن أن هذا الأمير المتغطرس، الذي عُرف بالقسوة والأنانية، يمكنه أن يقول شيئًا كهذا؟

لكن كي روان كان صادقًا هذه المرة.

فهو يعلم تمامًا ما ستؤول إليه هذه الرحلة.

وكان أمله الوحيد أن يتمكن من إنقاذ حياة الجنرال… حتى لو كان ذلك عبر تذكيره المستمر بالحذر.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]