تجمّد هوا تشي في مكانه، شاعراً بدمه وطاقة تشي في جسده يغليان بعنف، قبل أن يتجمعا في عقله، فدار كل ما أمام عينيه في دوّامة متسارعة.
بأعجوبة تماسك، فأمسك بعظم معصم تشو بينغهوان بيدٍ، ورفع الأخرى عالياً، وصفعه صفعةً حاسمة.
“أيّ هراء هذا الذي تتفوّه به!”
مال رأس تشو بينغهوان مع أثر الصفعة، لكن بدا وكأنه لم يشعر بشيء البتة. تقلّصت ملامحه، وطفرت دموع مختلطة بالدم من عينيه.
“لقد رأيتُ كل شيء.”
كان هوا تشي يعلم يقيناً عمّا يتحدث، فهو نفسه خرج للتوّ من ضباب اليشم البنفسجي المائي.
“لماذا عاملوك على هذا النحو؟”
“لماذا اضطررت لتحمّل كل تلك التُّهم وأنت بريء؟”
“لماذا لم أكن إلى جوارك حين كنت في أقصى درجات الوحدة والعجز؟”
قبض تشو بينغهوان بشدّة على معصمي هوا تشي، وانعكس خياله في حدقتيه القرمزيتين.
“لقد رأيتُ كل شيء…”
ارتعشت روح هوا تشي من أعماقها.
خفض تشو بينغهوان جفونه الملطّخة بالدماء، وضحك ضحكة واهنة.
ذاك الذي لطالما أراد الاقتراب منه، ابتعد الآن بخطوة إلى الوراء بمحض إرادته.
استنزف كل قوته ليشيح بنظره بعيداً عن هوا تشي، ثم التفت بلطف نحو مي كايلين، وشبح ابتسامة ساخرة على شفتيه:
“لو أن شخصاً آخر انحدر إلى درب الشياطين اليوم، لو أنني أنا تحديداً كنت ذلك الشخص، فهل سيبقى من يتّهم هوا تشي بالخيانة والانحراف ينظر إلي بالطريقة ذاتها؟”
لم تستوعب مي كايلين قصده.
لكن هوا تشي عرفه، فقد قال بينغهوان كلمات مشابهة في حياته السابقة.
أفاق أحد المزارعين أخيراً من صدمته وصرخ:
“أيها السيّد الشاب تشو، لماذا… لماذا سقطت في درب الشياطين!؟”
“أنت النقيّ الطاهر، كيف يولد في داخلك شيطان قلبي؟”
“هذا مستحيل، مستحيل تماماً!”
“أأنت مثل ذلك اللعين لو مينغ فنغ، مجرد منافق يتظاهر بالفضيلة!؟”
“أسرعوا، قيّدوه أولاً!”
“أطلقوا قيد (تقييد الخالدين) حالاً!”
تقاطعت الأصوات ودوّت كالرعود، تضرب قلب هوا تشي واحدة تلو الأخرى. لم يعد يحتمل، فلوّح بيده بعنف، مطلقاً حاجزاً خالداً.
“لنرَ من يتجرّأ!”
ومع ذلك، لم يُلقِ تشو بينغهوان بالاً لأحد. أغمض عينيه، ورفع رأسه نحو السماء، وابتسم ابتسامة ساخرة.
“هذا هو الدرب الذي ضحّيتُ بكل شيء لأحميه! هذه هي طوائف الخالدين المئة التي تخلّيت عن حياتي من أجلها!”
“هوا تشي!”
“يا كتلة الجليد!”
“أحسنت القول!”
صوت مفاجئ دوّى كالصاعقة، فارتجف الجمع جميعاً، واندفعت أنظارهم لا إرادياً نحو السماء الغربية المشتعلة بالغيوم الحمراء—إنه يين ووهوي!
رفع تشو بينغهوان بصره نحو مصدر الصوت، فأدرك في الحال أنه ليس جسد يين ووهوي الحقيقي، بل مجرّد إسقاط لروحه البدائية.
قهقه يين ووهوي بجنون وغطرسة: “لم أتوقّع يوماً أن يتشارك صهري رؤى مماثلة لي! بحق السماء، إنك حقاً جدير بأن تكون صهري!”
ثم ضيّق عينيه متفحّصاً، قبل أن ينفجر ضاحكاً باستهزاء أعظم:
“رئيس طائفة يونتيان شويجينغ المستقبلي قد وقع في درب الشياطين!؟ يا لها من مهزلة! أنتم تصفون قاعه فين تشينغ بأنهم جرذان وقاذورات، فأخبروني إذن، ماذا عن طائفتكم؟”
أرسل نظراته الحادّة كالسيف نحو تشو تشانغ فنغ ومي كايلين.
“ابنك… ابن أخيك، أليس أيضاً جرذان وقاذورات؟”
شحبت ملامح مي كايلين، وصرخت بيأس:
“تيان يو! أوقف جوادك قبل الهاوية! لا تجلب الخراب الذي لا نهاية له!”
لكن تشو بينغهوان لم يُعرها انتباهاً، واكتفى بابتسامة مريرة، وأدار ظهره للجميع، ثم تحوّل إلى شعاع ضوء باهر، متابعاً يين ووهوي عن كثب وهو يبتعد.
صرخت مي كايلين: “تشو بينغهوان!”
وفجأة، تعالى صدى الهتافات من كل الجهات، مدوّياً بلا انقطاع، كأن الجبال تنهار، وكأن الأمواج تتلاطم بعنف، كل واحدة منها تصطدم بعقل هوا تشي بقسوة.
“هوا جي؟” بعد زمن لا يُدرى كم طال، التقط سمعه صوت مو رونغ سا الباهت.
“هوا جي، أرجوك لا تُرعبني! لقد أخذ يين ووهوي سابعنا العجوز بالفعل… أرجوك لا تنهَر!”
—لماذا عاملوك على هذا النحو؟
—لماذا، وأنت بريء، حُمِّلت كل تلك الآثام؟
—لماذا، حين كنت في أقصى درجات الوحدة والخذلان، لم أكن بجوارك؟
—لقد رأيتُ كل شيء…
هوى قبضة هوا تشي بقوة على جذع صفصاف معوّج، فانبعث منه رماد من القاعدة حتى الأعالي!
ارتجف مو رونغ سا رعباً: “هوا… هوا جي؟”
“ما الذي رأيته؟” جاء صوت هوا تشي منخفضاً وحادّاً، ونظراته كسيف يقطع: “كل ما رأيته يخصّ الماضي! أن تعاقب نفسك في هذه الحياة بسبب ما مضى… يا لك من وقح!”
تجمّد مو رونغ سا في ذهول: “ماذا؟”
لقد انتهى الأمر، زوج الأخ الأكبر الثامن وحماه قد هربا معاً… إنه يهذي.
استدار هوا تشي وغادر.
فاندفع مو رونغ سا خلفه مسرعاً: “إلى أين تذهب؟ لا تكن متهوّراً، هوا جي! أرجوك لا تيأس، لا تُقدم على شيء أحمق!”
“أحمق برأسك!” لوّح هوا تشي بيده ودفعه جانباً، ثم حلق في السماء مع تصاعد تشي من جسده—
“سأذهب إلى قاعه فين تشينغ… لأُلقّنه درساً قاسياً!”
-
“هناك طريقتان للسقوط في درب الشياطين: إمّا بالسير فيه عمداً والتدرّب عليه، أو بفتح المجال لشياطين القلب لتقودك إليه. وأنت بوضوح من الصنف الثاني.”
كان يين ووهوي في غاية السرور بجنراله الموهوب الجديد. سواء لأن قوة تشو بينغهوان جعلت قاعه فين تشينغ كالأسد المفترس، أو لأن هويّته كابنٍ لطائفة يونتيان شويجينغ منحت يين ووهوي لذّة التحدّي والاستفزاز تجاه طوائف الخالدين.
في كلتا الحالتين، غمرته البهجة، ولم يعد يصبر حتى يُصقِل تشو بينغهوان ليكون ساعده الأيمن، ثم يصطحبه لإبادة درب الخلود، وليُري تشو تشانغ فنغ ومي كايلين وتشوانغ تيان وشيه ونتينغ وغيرهم كيف يُسحقون.
يا لروعة الوجوه التي سيُرسم عليها الذهول حينئذ!
“دع شياطين قلبك تنمو، ولا تُعقها عن التمدّد.” وعظ يين ووهوي بصبرٍ: “وإن أردت تقدّماً سريعاً، فاذهب إلى زنزانة المياه لتمتص جوهر الدماء.”
لكن تشو بينغهوان لم يُجب.
خرج من القاعة الكبرى، ناظراً إلى غابة القيقب الأحمر المتّقد أمامه، غارقاً في شروده لوقتٍ طويل.
لم يتّجه إلى زنزانة المياه، بل أخذ يتجوّل متأملاً المشاهد المحيطة بالقصر. أطلق لخياله العنان، يستحضر ذكرياته من حياته السابقة، محاولاً أن يطابق بين قاعه فين تشينغ بعد ثلاثمئة عام وما يراه الآن.
تخيّل نفسه مكان هوا تشي؛ تخيّل كيف دخل هوا تشي، بصفته مزارعاً شيطانياً، إلى هذه القاعه، وطأ هذه الأرض، ووحّد عالم الشياطين، ثم اصبح سيد الشياطين المخيف الذي ترتعد القلوب لمجرد سماع اسمه.
مع امتداد خواطره، نمت شياطين قلبه شيئاً فشيئاً، وازدهرت وانتشرت.
شعر بتوعّكات شديدة في جسده، لكنه لم يُبالِ. أكان سينغمس أكثر في هذا الدرب، أم يكبح نفسه؟ لم يَعُد يهتم.
درب الشياطين كان غريباً عليه، لكنه لم يمقته.
أمّا درب الخلود، فلم يَعُد يرغب في امتلاكه، ولا حتى في العودة إليه.
فدرب الخلود لم يكن هو المذنب، بل أولئك المتشدّقون بالفضيلة هم الآثمون.
توقّف فجأة، وهبّت ريح عاصفة بلا سبب، فرفرفت خصلات شعره الأسود كالحبر، كاشفةً عن عينين باردتين كالجليد.
ومع حركة من يده، ارتفع لهب الروح المحترقة، مُصدراً “طقطقة” اخترقت الضباب الشيطاني الزاحف نحوه.
التفت بنظرة جانبية، تخلو من أي دفء.
“لم أتوقع حقاً أن يسقط شخص مثل تشو بينغهوان في درب الشياطين.”
كان القادم بخطوات ثابتة هو الحارس الأيسر، شانغ شيمي.
أجاب تشو بينغهوان بصوت بارد مهدّد:
“ولم أتوقع أنا أيضاً أن تظل قاعه فين تشينغ قائمه إلى اليوم.”
قهقه شانغ شيمي باستهزاء قاتم:
“سخيف. جلالة مولانا قوته لا حدّ لها، فكيف تنهزم مملكته أمام ثُلة من النمل التافهين؟ ثم إننا اليوم نملك السيّد الشاب تشو معنا، أليس كذلك؟”
ظلّ تشو بينغهوان صامتاً.
أضاف الحارس الأيسر بابتسامة ماكرة:
“ذاك الوغد شانغ وانغليانغ اختفى ولا يُعرف له أثر، ومكانة الحارس الأيمن ما زالت شاغرة. إن أظهرت كفاءة، فسيُعيّنك سيدي على الفور.” ومدّ يده بترحاب.
لكن تشو بينغهوان لم يُعره أدنى اهتمام، وقال ببرود:
“قوى درب الخلود تضغط عليكم من كل صوب، وأنت ويين ووهوي لا تفعلون سوى التخبّط في سكرات الموت. الانضمام إليكم؟ هاها… الانضمام إلى طائفة تحتضر، أي نفعٍ لي فيه؟”
تصلّبت ملامح الحارس الأيسر، واشتعل بريق حادّ في عينيه.
“أأنت تستخفّ بي؟ إن كنت تحاول عمداً استفزازي، فهنيئاً لك…”
وفجأة، سحب السيف المرن من خاصرته.
“لقد نجحت!”
لم يكن الاقتتال بين المزارعين الشيطانيين أمراً عظيماً في نظرهم، فالعالم الشيطاني قائم على قانون الغاب. حتى داخل الطائفة الواحدة، إن سقط أحدهم قتيلاً في نزال، فاللوم عليه وحده لعجزه وضعفه.
ردّ تشو بينغهوان بهدوء، مستدعياً سيفه (الأستماع الى الربيع) ليتصدّى لهجوم شانغ شيمي.
وفي لحظة، تلاحمت ومضات السيوف، حتى أبهرت الأبصار.
أشعّة السيف النقيّة شقّت السماء، وهبّت الرياح الهوجاء، فتطايرت أوراق القيقب الحمراء كرقصة نيران في الهواء.
قال الحارس الأيسر وهو يتراجع بخفة:
“أتدري ما أساليب تدريب المزارعين الشيطانيين؟ بخلاف انتزاع النواة الذهبية من الآخرين وامتصاص الهالات الخبيثة من ميادين القتال، فإن المبارزة نفسها تزيد من قوّتهم!”
ابتسم ابتسامة غامرة بالخبث وأردف:
“لكن هذا ينطبق فقط على أولئك الذين استسلموا لشياطين قلوبهم… مثلك أنت!”
ارتجف جسد تشو بينغهوان وهو يتصدّى بصعوبة لهجومه الكاسح.
“كلّما قاتلت وقتلت أكثر، ازداد نموّ شياطينك قوة!”
قفز الحارس الأيسر من الأعالي، وسيفه المرن يتلوّى كالأفعى البيضاء، مستهدفاً موضع الضعف بدقّة.
“هذه خبرة أسلافنا… تفضّل بها!”
وباغت تشو بينغهوان، فاخترق السيف صدره، وتناثر الدماء في أرجاء المكان!
اتّسعت عينا الحارس الأيسر بلهفة، ولما رأى خصمه مضرّجاً بدمائه ساقطاً أرضاً، انفجر ضاحكاً بجنون:
“في النهاية ليس سوى صبي غرّ لم يبلغ أشدّه بعد! من السهل جداً استثارته! هاهاها!”
لكن فجأة… اختفى الجسد الملقى أرضاً من أمامه، ولم يبقَ سوى فجوة دموية في صدره!
تجمّد الحارس الأيسر مذهولاً.
وفي البعيد، هوى أحد المزارعين الشيطانيين على الأرض ميتاً، بلا سبب ظاهر.
“الشفاء الإعجازي؟” تمتم الحارس الأيسر بصدمة.
استدار، فإذا بتشو بينغهوان وقد غلّفته هالة سوداء، ممسكاً بسيفه الذي تلطّخ نصله بدم الحارس الأيسر.
دماء شيطانيّة!
لو كان القاتل إنساناً عادياً لما حدث شيء يُذكر، لكن حين يكون القاتل قد غزته الشياطين، فإن دخول قطرة واحدة من هذا الدم الشيطاني إلى عروقه يُصبح أعظم مُحفّز قاتل!
اهتزّ السيف بقلق، إذ تدفّق الدم الشيطاني عبر الرابط بين السيف وصاحبه إلى عروق تشي الروحية.
شعر تشو بينغهوان بالذعر، فأسرع يسدّ مسارات طاقته بأصابعه.
قهقه الحارس الأيسر وهو يقترب متجاهلاً جرحه:
“ممّ تخاف؟ أتخاف أن تسقط في درب الشياطين؟”
أُصيب تشو بينغهوان بالذهول.
قال شانغ شيمي وهو يضحك كالمخبول:
“قتلي لن يُغيّر شيئاً. إن كان دمي قادراً على تدمير رجل، فسيكون ذلك ممتعاً للغاية! هاها… الوقوع في درب الشياطين، أيها السيّد الشاب تشو… أترى؟ لست تكره المزارعين الشيطانيين حقاً، أليس كذلك؟”
انقبض قلب تشو بينغهوان، وأطلق فوراً القوة الإلهية لسيفه، ليحطّم روح الحارس الأيسر ويسحق نواته الذهبية.
اضطرب تنفّسه وتسارع، وقلبه يخفق كالمجنون، وجسده يرتجف بفعل غزو الطاقة الشيطانية.
بالكاد أمسك بسيفه، قبل أن ينهار إلى الأرض.
وفجأة دوّى صوت أجش في داخله:
“ألستَ تكره المزارعين الشيطانيين أيضاً…؟”
قفز قلبه في صدره. من المتكلّم؟
“ابني العزيز، في حياتك السابقة كنت مزارعاً شيطانياً.
فلماذا لا تواصل في هذه الحياة؟”
انبثق ختم دمويّ على جبين تشو بينغهوان!
“تشو بينغهوان، لقد كنتَ بارّاً بالسماء والأرض، والوحيد الذي خذلته… هو هوا تشي.”
ثقلٌ غريب كالجبل جثم على قلبه، وصار كل ما لمسه بارداً كالثلج. رفع رأسه بحيرة، فرأى في ضباب بصره نسخة أخرى من نفسه—كله سواد، بوجه مسخٍ مرعب!
ابتسم ذلك الظل القاتم وقال:
“أخبرني… لو أنّك في حياتك السابقة عرفت كل ما عاناه هوا تشي، فماذا كنتَ ستفعل؟”
شهق تشو بينغهوان محاولاً أن يلتقط أنفاسه، وكأنه يختنق.
“تكلّم! ماذا ستفعل؟”
أمسك تشو بينغهوان صدره الذي يخفق بقوة، وصرخ بصوت مبحوح:
“سأنضم إليه… وأبيد جميع طوائف طريق الخلود!!!”
“جيد جداً!” ضحك شبيهه المتوحش ضحكة مجنونة. “إذن لم تتردّد؟ اتبع قلبك الحقيقي. يجب أن تتعاطف مع ألم هوا تشي. إن كان قد انغمس في السواد في حياته السابقة، فعليك أن تفعل الشيء نفسه في هذه الحياة. لقد قاد مملكة السواد في حياته الماضية، وعليك أن تقودها أنت في هذه الحياة. ستصبح الإمبراطور الأعظم للشياطين، واقفاً على قمة عالم الزراعة بأسره، ممزقاً كل من تجرأ وأذى هوا تشي!”
البقعة الحمراء على جبهته بدت وكأنها تنزف، وفجأة اندفع من تشو بينغهوان هالة شيطانية تضاعفت قوتها!
“لكن…” صر تشو بينغهوان على أسنانه بقوة، “هل سيقبلني؟ هل سيحبني وأنا على هذه الهيئة؟”
“سيقبل، بالتأكيد.” ضحك ذلك الكيان. “هوا تشي صاحب عقل صافٍ ورؤية واسعة، لطالما عامل الجميع على قدم المساواة. لم يزدرِ أبداً المزارعين الشياطين، ولم يتملّق مزارعي الخلود.”
“أهكذا هو…” أغمض تشو بينغهوان عينيه.
تساقط خط دموي من شفتيه، ودمعة حمراء انسابت من طرف عينه.
“أنا لا أريد سوى هوا تشي… لماذا هو صعب المنال إلى هذا الحد؟”
“تشو بينغهوان!”
“قل لي، إن سيطرت على عالم الشياطين، سأبني منزلًا صغيراً خلف جناح فين تشينغ…”
“تشو بينغهوواان!!”
“سأذهب إلى طريق الخلود، وأعيده بالقوة، ثم أحبسه في ذلك المنزل الصغير. أترى سيوافق؟ هل سيكون سعيداً؟”
“سعادة في احلامك!”
وصفعة مدوية هوت على وجهه، فانحرف رأس تشو بينغهوان جانباً، مذهولاً حتى العجز عن التفكير.
واختفى الوجه الشيطاني المرعب، ليحلّ محله دفء مشرق كالشمس – لون أحمر يبعث في القلب خفقاناً حاراً.
“هوا… تشي؟” نادى تشو بينغهوان بعينين زائغتين.
“إلى أين تحدّق؟” حدّق فيه هوا تشي بغضب. “رتّل تعاليم نقاء القلب في سرك! لا تتوقف، واصل التلاوة حتى يهدأ شيطانك الداخلي!”
لكن تشو بينغهوان لم يستطع أن يستوعب شيئاً، ظلّ مذهولاً. “هل… هل هو حقاً أنت؟”
“إن لم أكن أنا، فهل هو الملك العجوز في الدار المجاورة؟”
“هوا تشي…”
“اخرس!”
“كيف وصلت إلى هنا؟”
“هذا المكان التافه؟ أستطيع دخوله وأنا مغمض العينين.” أخرج هوا تشي بعض الحبوب من مكانٍ مجهول، وحشرها في فم تشو بينغهوان دون تردد.
ولم يُبدِ الأخير أي مقاومة أو شك، بل ابتلعها مطيعاً.
نظر إليه هوا تشي بعينين يختلط فيهما الغضب والشفقة، إذ بدا مظهره مثيراً للشفقة إلى حدّ مؤلم. لحظة واحدة فقط غاب عنه نظره، فغرق هذا الرجل في حالة يُرثى لها.
ألقى هوا تشي عليه تعويذة تطهير، وتنهد قائلاً بعجز:
“لقد كنا أعداء ألدّاء في حياتنا السابقة. وأنا الآن أسلك طريق الخلود، وأنت على درب الظلام. ماذا إذن؟ هل سنبقى أعداء لا نتعاون؟”
تشو بينغهوان: “!”
تابع هوا تشي بجدية: “أنا مختلف. في حياتي الماضية حين وقعت في الظلام، لم يكن لي عائلة أو أصدقاء، لم أكن مسؤولاً عن أحد، فكنت أتحمل كل شيء وحدي.
أما أنت؟ ماذا عن يونيتيان شويجينغ؟ ماذا عن والدتك؟ هل ستقضي أيامك في طريق الظلام جالساً في قاعه فين تشينغ تلعب الورق مع يين ووهوي؟”
تشو بينغهوان: “!!”
وأخيراً قال هوا تشي ببرود لا يرحم: “الأمور تغيرت في هذه الحياة. بما أنني ابن شيه وانتينغ، فقصر يي يو هي موطني، وكل خطوة أخطوها تعني أن أفكر بمصيرها. لذا، اعذرني يا قطعة الجليد، إن سلكت طريق الظلام، فلن يكون بيننا إلا السيوف، وسنصبح أعداء.”
تشو بينغهوان: “!!!”
بمثل هذه القسوة، الممزوجة بطاعة بريئة ووجه بائس، كيف يمكن لأحد أن يقاوم؟
تحت ضغط الترغيب والترهيب معاً، استسلم تشو بينغهوان، وحتى شيطانه الداخلي هرب مذعوراً.
في حياته السابقة، كان يؤمن أن اتباع طريق الزراعة هو الخيار الصحيح.
لكن الحقيقة… أن الطريق الذي تسلكه لا يهم، بل ما يهم هو المكان الذي يتجه إليه قلبك.
هوا تشي سلك طريق الخلود،
أما هو… فقد اختار أن يسلك طريقاً اسمه ' هوا تشي. '
⸻
ملاحظة المؤلفة:
كانت فكرتي الأصلية أن يصبح تشو بينغهوان سيد الشياطين، ويصبح هوا تشي سيد الخلود، ليعكسا حياتهما السابقة كلياً. ثم يستمران في علاقة الحب والعداء تلك…
لكن ذلك سيكون صراعاً بلا نهاية، وغير متزن بما يكفي.
لذا… هذا هو المسار الذي اخترته~
⸻