🦋

هوا تشي لم يجرؤ على التفكير أكثر، خشي أن يكون يواسي نفسه بأوهام.

إذن… هل كان تشو بينغهوان يهوى أمره حقًّا؟

وهل كان سبب رفضه الدائم له هو اللوتس الأحمر؟

تذكّر فجأة ذلك اليوم منذ سنوات، حين كان يشعر بشيء من الاضطراب، فشرب قليلاً حتى ثمل، وبدأ يمازح تشو بينغهوان بلمسة من السكر. وكعادته، بقي تشو بينغهوان نقيًّا، ساكنًا لا يتأثّر. أما هوا تشي، فاندفع بجرأة، وارتمى عليه وقبّله بعاطفة مشتعلة… لكنّه فوجئ بأن تشو بينغهوان قد أمسك بزمام الأمر فجأة، وألقاه بقوّة على السرير ليعاقبه بقسوة.

في ذلك الوقت، كان هوا تشي ثملًا لدرجة أنّ وعيه كان مضطربًا، فلم ينتبه كثيرًا إلى ملامح تشو بينغهوان. غير أنّه، حين استعاد الذكرى الآن، بدا وكأنّ تلك النظرة المشتعلة التي كانت في عينيه قد تركت أثرًا غائرًا في قلبه.

كانت عيناه ممتلئتين بالكبح والمرارة، كوحش جريح محاصر، يحتضر وهو يجهد نفسه في التحمّل.

وما إن تعمّقت العاطفة وشارفت الأمور على الانفلات، حتى صحا تشو بينغهوان فجأة، ودفعه بعيدًا بقسوة.

لم ينسَ هوا تشي ملامح وجهه في تلك اللحظة—لم تكن اشمئزازًا كما اعتاد، بل كانت هلعًا ورعبًا.

لقد ظنّ حينها أنّ تشو بينغهوان يتقزّز منه.

لكن الحقيقة أنّه كان يخشى أن يلمسه.

فرح وحزن، علوّ وهبوط، مشاعر متضاربة لا تنتهي.

لم يعرف هوا تشي كم طال به الأمر على هذا النحو، إلى أن ظهر تشو بينغهوان فجأة. 

لم يستطع أن يحدّد أيّ يوم أو شهر كان حين رآه يحمل آلة الكونغهواو على عجل، منطلقًا من يونتيان شويجينغ نحو جناح الخيزران خلف قاعه فين تشينغ.

كان المكان خاليًا تمامًا.

جلس تشو بينغهوان يعزف على الكونغهواو، مستخدمًا دمه وروحه قربانًا، غير مبالٍ بأيّ شيء، محاولًا جمع وتنقية الروح الممزّقة.

كرّر المحاولة مرارًا دون توقف، حتى نزفت أصابعه، وكاد جوهره الحقيقي أن ينفد.

وبعد سبعة أيام بلياليها، تمكّن أخيرًا من تكثيف بقايا روح ضئيلة وواهية.

قال وهو يحتضن الكونغهواو كمن يطمئن نفسه: 

“هناك دائمًا أمل… كل شيء سيكون بخير.”

لكنّ بقايا الروح لا تستطيع البقاء في عالم البشر؛ إذ تحتاج إلى وعاءٍ جسدي وإلّا تلاشت. فاختار تشو بينغهوان الكونغهواو، وجعل روح هوا تشي الباقية تستقر فيه.

وفجأةً، أدرك هوا تشي الأمر.

ليس كلّ من يعزف على الكونغهواو يحدث له هذا—إنما هو وحده.

لأنّ بقايا روحه من حياته السابقة كانت ملتصقة بها!

لهذا السبب أغمي عليه لمجرّد أن لمس الكونغهواو دون أن يعزف عليها.

وما إن خطرت له هذه الفكرة، حتى بدأ وعيه يتشوّش، وجذبه تيار غريب إلى الخارج، لينفتح أمامه نور ساطع في لحظة—

ما إن لمس هوا تشي ضباب الكونغهواو حتى فقد وعيه، مما أرعب تشو بينغهوان إلى حدٍّ هائل. وبفضل تهدئة تشو تشانغ فنغ، استعاد بالكاد بعض صفائه، وحاول العزف على الكونغهواو لاسترجاع وعي هوا تشي التائه. غير أنّ ارتباكه جعله يخطئ في نغمة واحدة، فإذا بكل شيء يغرق في السواد، ثم سرعان ما غاب عن الوعي هو الآخر.

وحين عاد إليه الإدراك، سمع ضحكات رقيقة من مكان قريب، ورجلاً ينادي بصوتٍ عالٍ، وامرأةً تداعبه بدلال.

فتح تشو بينغهوان عينيه، فوجد نفسه… في السوق!

الشارع كان مألوفًا له، ففي حياته السابقة، خلال القرون الثلاثة التي غاب فيها هوا تشي، اعتاد المجيء إلى هذا المكان كثيرًا، حتى حفظ كل حجرٍ على الأرض وكل شجرة صفصافٍ على جانبي الطريق.

نعم، كان هذا هانغتشو بالفعل.

لكنّ المكان كان بعيدًا عن قصر السكارى.

حلّل تشو بينغهوان الموقف بهدوء، فاستنتج بسهولة أنّ كل هذا من أثر الكونغهواو.

لقد تبيّن أنّ أسطورته نصفها صدق ونصفها كذب!

فهو حقًا قادر على قلب النهار ليلًا، وجعل الزمن يدور، بل وإرسال روح العازف عبر أيّ عصر.

لكنّه لا يستطيع تغيير الماضي أو تعديل المستقبل، بل يتيح للعازف أن يكون مجرّد شاهد.

كان تشو بينغهوان يدرك أنّه بارع في علم الموسيقى، لكنّه لم يبلغ حدّ التمكّن الكامل.

لذلك، تقلّصت فاعلية الكونغهواو كثيرًا. 

تمالك نفسه وتقبّل الأمر، فما دام للزمن دورات محدودة، فإن تقلب المكان والزمان ليس خاضعًا لإرادة العازف، بل يقفز من حينٍ لآخر إلى نقاط مختلفة بلا ترتيب.

وفجأة، سمع سبابًا ينطلق من مطعمٍ قريب:

“أيها الوغد الصغير! أتفعل هذا عمدًا؟!”

تبعته أصوات ارتطام، كأن أواني الطعام قد انكسرت وتناثرت على الأرض.

دون وعي، اتجه تشو بينغهوان إلى هناك. 

وما إن تخطّى العتبة، حتى تجمّد في مكانه.

كان الفتى الواقف قرب الطاولة صغيرًا، في ثيابٍ خشنة من القنب، مغطىً برماد الفحم والرمل، لكنّ تشو بينغهوان تعرّف إليه من النظرة الأولى.

ذلك الوجه الذي عذّبه عمرًا بعد عمر… كيف له ألا يعرفه؟

قال الفتى بعينين دامعتين: “لقد قلتُ إن الحساء ساخن، لِمَ وقفت؟! لم أفعلها عن قصد…”

صرخ الرجل في وجهه: “ماذا قلت أيها الوغد؟! أتتّهمني بأنني دبرت لك مكيدة؟!”

هرع صاحب المطعم وقال متوسّلًا: “ليهدأ الجميع، أنتم ضيوف مكرّمون، لا داعي للشجار مع طفل صغير. هوا تشينغ كونغ، اعتذر للزبون بسرعة!”

قال الرجل بفظاظة: “أريده أن يركع ويعتذر فورًا!”

تلفّت الفتى يمينًا ويسارًا بدهشة، ثم أشار إلى نفسه: “أنا؟”

صرخ الرجل: “كفّ عن التظاهر! أقول لك، إن لم تركع وتلحس الحساء المراق حالًا، فلن تنجو!”

لم يتمالك تشو بينغهوان غضبه أكثر، فاندفع بقبضة غاضبة، لكنّها بالطبع لم تصب أحدًا.

أما الزبون، فلمّا رأى الفتى لا يتحرّك، اندفع عليه بصفعة. 

غير أنّه قبل أن تهوي الكفّ، أطلق الفتى فجأة صرخة ألم، ووقع أرضًا ممسكًا فمه، يسعل بعنف.

فوجئ الجميع، من الرجال إلى صاحب المطعم، وحتى تشو بينغهوان نفسه.

واصل الفتى السعال بلا توقف، حتى بصق دمًا.

ثم تمتم بصوتٍ متهدّج:

“ثمة أمر يجدر أن أخبركم به، وإن لم تصدقوني… في الحقيقة، أنا صهر يونتيان شويجينغ.”

تشو بينغهوان: “…”

قال الفتى الصغير هوا تشي وهو ممدّد بكسلٍ على الأرض، شاحب الوجه:

“إن متُّ فلا بأس. بعد الموت سأذهب إلى يونتيان شويجينغ لأبحث عن خطيبتي، ثم أشكو لها أنني قُتلت ضربًا. لعلّها تتذكّر خطوبتنا وتنتقم لي بقوّة يونتيان شويجينغ.”

كان كلامه يبدو هذيانًا في ظاهره، لكن عند التأمّل اتّخذ مسحة منطقية كافية لتضلّل الزبائن. ففي نظرهم، العالم واسع، وعالم الزراعة أوسع، فإذا كان صبيّ في العاشرة يعرف عن يونتيان شويجينغ، فلا بدّ أنّه إمّا واسع الاطّلاع، أو أن له حقًا صلة بتلك الطائفة.

وفي النهاية، انصرف الزبون الغاضب، وبقي صاحب المطعم في حيرة: هل يأخذ هوا تشي إلى الطبيب؟

لكن في تلك اللحظة، قفز المشاكس فجأة على قدميه، ونفض التراب عن ثيابه، كأن شيئًا لم يحدث.

ضحك بخبث: “هيهي، لقد تعلّمت هذه الحيلة من الإخوة الكبار في الطريق. هم يستعملونها في خدع التأمين، وأنا أستعملها حين يحاول أحدهم خداعي!”

نظر تشو بينغهوان إلى مكره الصغير وهو بين الضحك والبكاء، ثم رمقه بعمق. كان في مثل عمره تقريبًا، لكنه أقصر بنصف رأس، وأنحف بكثير. غمره وجعٌ في صدره، وتمنّى لو أنّه يستطيع حمله بعيدًا في تلك اللحظة، ليطعمه أطيب الطعام، ويسقيه ألذ الشراب، ويغدق عليه حياة رغيدة، حتى يصبح صحيح الجسد ممتلئًا بالحيوية.

فجأة، جذبت قوّة خارجيّة تشو بينغهوان بعيدًا. وقبل أن يفقد وعيه، أخذ يردّد اسم هوا تشي بيأس داخل قلبه، محاولًا تحفيز عمل الكونغهواو بقوّة وعيه الروحي.

وبالفعل، كان عبوره عبر الزمان والمكان مرتبطًا بهوا تشي من جديد.

غير أنّه حين استيقظ هذه المرّة، وجد نفسه في بركة جليدية.

وفي لحظة، أدرك أين هو ومتى هو.

لقد كان في حياته السابقة، بعد أن انشقّ هوا تشي إلى طائفة شانغ تشينغ الخالدة!!!

أهذه إذًا قدرة الكونغهواو على قلب العالم رأسًا على عقب؟!

إنها لا تعيد الروح إلى الماضي فحسب، بل تعبر بها أيضًا إلى زمن آخر وعالم آخر!

هل عاد بالفعل إلى حياته السابقة؟

بسرعة، غادر تشو بينغهوان يونتيان شويجينغ.

فبما أنّ لو مينغ فنغ قد مات للتوّ، فأين هوا تشي الآن؟!

هل هو في طائفة شانغ تشينغ الخالدة؟

وأثناء تحليقه على سيفه، خطرت له فكرة.

بدل أن يتوجّه إلى طائفة شانغ تشينغ، غيّر مساره نحو عالم البشر، إلى هانغتشو، إلى قصر السكارى!

فالتاريخ الذي ادّعى أنّ قصر السكارى قد انتقل لم يكن سوى هراء؛ إذ إنه أُبيد!

في ليلة واحدة، لم يُترك فيها ديك ولا كلب!

خامره شكّ في قلبه، وكان كما ظنّ.

ففي بعض الأحيان، كان المزارعون الشياطين أكثر صراحةً؛ لا يخفون سفكهم، بل يعلنون عن قتلهم جهارًا، ويتعمّدون ترك توقيعٍ يذيع صيت إنجازهم في العوالم الستة.

أما طريق الخلود، فقد كان ملتوياً، يحرّف الحقائق باسم ما يُسمّى البرّ والعدل…

لقد كان حدس تشو بينغهوان صائبًا.

ما قابل عينيه كان مشهدًا من الدماء والدمار، جثث مكدّسة في كل مكان.

وعلى جدار الظلال، الكلمات المكتوبة بدمٍ جاف منذ زمن بعيد: طائفة شانغ تشينغ.

شعر تشو بينغهوان أنّ السماء تدور والأرض تنقلب، وكأنّ شيئًا انفجر في عقله، وشيئًا آخر انهار من إيمانه.

اندفع بكل يأس نحو طائفة شانغ تشينغ الخالدة، يركض في حالٍ يرثى لها، يخشى أن يتأخر لحظة واحدة!

وحين وصل أمام قصر شانغ تشينغ، ما رآه وسمعه كان كافيًا ليحطّم جسده من الداخل إلى الخارج.

لقد اجتمع خلق كثير، عشرات الآلاف، شيوخ من مختلف الطوائف كلّهم حاضرين.

وعلى منصّة شانغ تشينغ، كان هناك شخصان فقط:

أحدهما واقف، يواجه إدانة لا حصر لها من المزارعين.

والآخر جاثٍ، موثوق بالحبال بقوّة.

سمع مزارعًا يقول:

“حتى لو كان ما قلته صحيحًا، حتى لو كان يين ووهوي هو الفاعل، فماذا في ذلك؟! هل يثبت هذا براءتك؟! دين الأب على الابن، والخطايا التي ارتكبها يين ووهوي يجب أن تُكفّر بها أنت!”

وسمع شيخًا طاويًّا يضيف:

“بعوضة تطير من جوارك، لم تلسعك، ومع ذلك أردت قتلها.”

ثم سمع صوت هوا تشي نفسه، مفعمًا باليأس والمرارة:

“لقد فهمت الآن… لقد وُلدت مذنبًا، وُلدت لأموت! حتى لو لم تكن هناك قضية لو مينغ فنغ، حتى لو لم تكن هناك خمسة آلاف نفس، كان يجب أن أموت على أي حال!”

وأخيرًا… سقط الحبل الذي يربط حياته تحت وطأة النصل الحاد، فانفجرت الدماء تدفّق بلا نهاية.

“تـــوقفــوا!!!”

شعر تشو بينغهوان أنّه يصرخ، لكنه في الحقيقة لم يُصدر أيّ صوت.

لقد فقد صوته حقًّا…

وتحت غيوم سوداء تحجب الشمس، وأمطار غزيرة تهطل بغزارة، اندفع غير آبهٍ بشيء، مقتحمًا المصفوفة القديمة.

بكل يأس حاول أن يضمّ هوا تشي بين ذراعيه، لكنّه لم يجد سوى فراغٍ يعانقه بانكسار.

وكأنّ سحرًا سيطر عليه، فأخذ يحاول مرارًا أن يمسكه، أن يلمس وجهه، أن يواسي قلبه الممزّق، أن يحتفظ بهذا الشخص الجريح بين أحضانه.

لكنّه لم يستطع.

لم يملك سوى أن يشهد بعينيه المصفوفة القديمة وهي تنشط.

حتى لو صاح حتى بُحّ صوته، فلن يسمعه هوا تشي.

حتى لو أطلق تقنية نبع الاستماع، بقيت المصفوفة عصيّة لا تستجيب.

وأخيرًا، ابتلعت المصفوفة هوا تشي، فحطّمت زراعته، وأفنت روحه.

خارت رُكب تشو بينغهوان، وسقط جاثيًا بقسوة على الأرض.

كلّ شيء من حوله سكن، لم يعد يسمع أي شيء.

لقد أغلق هذا العالم بابه دونه… أو لعلّه هو من هجَر العالم كلّه.

أكان هذا الألم النافذ إلى العظم، الذي يمزّق القلب والروح؟

فجأة، شعر أنّه يريد أن يضحك.

لماذا تغيّر ذاك الذي كان مشرقًا نبيلًا؟

لماذا حين عاد اصبخ مزارعًا شيطانيًّا؟

لماذا أهمل نفسه طوعًا، واندفع نحو الانحطاط برضاه؟

لأنّه خُذل من قِبل معلمه، وخانه شقيقه الأصغر الذي أحبّه…

كلّ من غلا عنده في حياته اختفى واحدًا تلو الآخر!

لو مينغ فنغ، لو ياو، يين ووهوي، بل والعالم كلّه، عالم الزراعة بأسره… لم يقبله أحد!

لمــاذا؟!

وأين كان هو في ذلك الوقت؟

لم يكن يعلم شيئًا… لقد ترك هوا تشي يواجه كل ذلك وحده!!!

في ذلك الحين!

لو أنّ أحدًا فقط وقف بجانبه، لو أنّ أحدًا فقط أصغى إليه، وأومأ قائلًا: “لا تخف، أنا أؤمن بك”، لما بلغ هوا تشي تلك النهاية!

أيّ ذنبٍ جناه هوا تشي؟!

كم كان بريئًا، كم كان طاهرًا!

“استيقظ! استيقظ! بحق السماء، لا تُفزعني بما يُشبه ' صحوة على فراش الموت ' في معركة مصيرية كهذه!” 

كان مو رونغ سا متهلِّلاً، وفجأة جلس تشو بينغهوان منتصباً.

“ما الأمر؟ تتظاهر بالموت؟” بدت الحيرة على وجه مو رونغ سا، فمدّ يده ولوّح أمام عيني تشو بينغهوان الزائغتين. “هيه، ما بك؟”

ارتسمت على شفتي تشو بينغهوان ابتسامة باردة. 

“جيد… جيد جداً.”

شعر مو رونغ سا بخوف مبهم يتسلّل إلى قلبه. 

“جيد؟ ما الجيد في الأمر؟ هل استحوذ عليك شيطان؟”

مدّ تشو بينغهوان كفه، ملامساً الأرض الملطّخة بالدماء، مستشعراً برداً ينخر العظم. “بما أنّكم دمّرتم عالمي…”

تألّق بريق قرمزيّ بارد في عينيه، وفجأة تدفّق من حوله هالة سوداء مشؤومة.

“فسأدمّر عالمكم أنتم أيضاً!”

“ما اللعنة!؟” تفاجأ مو رونغ سا، وفي غمضة عين اندفع الضباب الأسود كجبل منهار، دافعاً إياه بعيداً. “يا إلهي!!”

تمزّق المعسكر بأسره بعاصفة طاقة حقيقية هائلة، ولم تتحمّل الجدران والأرض ذلك الأثر المدمّر، فانهارت كلياً.

أُصيب الجميع بالذهول، أمّا تشو تشانغ فنغ ومي كايلين اللذان هرعا إلى المكان عند سماع الخبر، فقد غمرتهما صدمة عارمة. 

حدّقا بذهول في تشو بينغهوان الذي غلّفته هالة الظلام.

وفي زحمة الفوضى، صرخ أحدهم: “لقد تَشيطن!”

كانت الكلمتان كالصاعقة التي دوّت في مسامع الحاضرين.

“السيد تشو وقع تحت نفوذ السحر الشيطاني!؟”

“كيف يحدث هذا؟ لا… يا سيدي تشو، أرجوك لا تفعل!”

صرخت مي كايلين بصوت مبحوح، كأن حنجرتها تتمزّق: “بينغهوان! أتعلم ما الذي تفعله!؟”

لكن تشو بينغهوان بدا غائباً تماماً، عيناه تائهتان بلا بؤرة، تحدّقان في العدم، فيما الاحمرار الدمويّ فيهما ازداد رهبةً.

وفي البعيد، اندفع أحد مزارعي السحر الشيطاني الذي جرفه الانفجار باتجاه تشو بينغهوان. دون أن يرمقه حتى، رفع تشو يده ببطء وقبض على عنقه بصلابة.

انطلقت صرخة حادّة، إذ جُرّد جسده من طاقته الشيطانية حتى آخر قطرة وهو حيّ!!!

بين ممارسي الشيطنة، كان امتصاص قوى الآخرين وأرواحهم ونواتهم الذهبية أمراً مألوفاً، فذلك هو سبيل الظلام!

“لقد استيقظ السيّد تشو!”

كانت هذه الكلمات الأربع كالشرارة التي أعادت تشو بينغهوان من غفلته، أشبه بأعمى صادف شيئاً نفيساً على غير توقّع. عيناه اللتان كانتا هامدتين كآبار جافة، أشرقت فيهما أخيراً لمحة حياة.

ومن بعيد، اندفعت شخصية بثوب أحمر.

“يا كتلة الجليد!!”

“هوا تشي، إنك تسعى إلى حتفك! عد فوراً!”

“هوا تشينغ كونغ، تراجع بسرعة! السيّد تشو قد أصبح…”

كلّما اقترب ذلك الشخص، اجتاح تشو بينغهوان مزيج عاصف من الحقد واليأس، لكن فجأة غمره شعور آخر اسمه الحزن.

همس دون وعي: “أحدهما الابن الأكبر لقصر يي يو، نبيلٌ وسامٍ، فريد في فنونه؛ والآخر عارُ يونتيان شويجينغ، خان إرثه وسقط في درب الشيطنة.”

ارتجفت يده وهو يمدّها، يلامس برفق الوجه الشاحب للوافد، كما لو كان يتأمل جوهرة مقدّسة، كل نظرة إليها تثير شعوراً بالإثم.

“هذه المرّة… لستُ أهلاً لك.”

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]