🦋

جنَّ يين ووهوي مجددًا، فانبعث منه ضباب شيطاني كثيف اجتاح السماء، حاجبًا نور الشمس. وأيّ مَن يقع في مجال جوهره الحقيقي، سواء أكان مزارعًا خالداً أم شيطانياً، يُمزَّق أحشاؤه وتتفجّر أعضاؤه حتى الموت!

كان المشهد دمويًّا ووحشيًّا، مما بثّ الرعب في قلوب المزارعين جميعًا.

أمر لين يان طائر تشونغمينغ بالهبوط، فسارع تشو بينغهوان والآخرون لإنقاذ التلاميذ المحاصرين من وادي فينغ مينغ. وحين رأى حالهم المبعثر، تقدّم تشو بينغهوان يعالجهم واحدًا تلو الآخر، بينما سأل مو رونغ سا بلهفة:

“أين أبي؟ هل رأى أحدكم والدي؟”

أجابه أحد تلامذة وادي فنغ مينغ:

“أوصى سيد الوادي أخانا الأكبر أن يقودنا إلى الخلف، أما هو والسيدة مي فقد تسلّلا أولاً إلى قاعه فين تشينغ، بحثًا عن السيد الشاب تشو والسيد الشاب مو.”

عبس مو رونغ سا بضيق وقال:

“هل سلكا الطريق الخطأ؟”

ألقى تشو بينغهوان نظرة متفحصة حوله. كان تلامذة يونتيان شويجينغ بطبيعتهم يتولون المؤخرة، مسؤولين عن علاج الجرحى وتنظيم الصفوف، إذ هم مزارعون طبيون. أما طائفة الخلود الأعلى شانغ تشينغ وقصر يي يو فكانوا في المقدمة، مساندين من وادي فينغ مينغ، والجرحى يُنقلون حينًا بعد حين إلى المؤخرة حيث يتكفل الأطباء بعلاجهم سريعًا. وما إن يتعافى المقاتلون حتى يعودوا إلى ساحة المعركة وكأن دماءً جديدة أُريقَت في عروقهم.

غير أنّ وصول يين ووهوي قلب الموازين. فتجمّد كثير من المزارعين في أماكنهم، والذعر يقيّد حركتهم. ولولا أوامر لين يان السريعة لطائر تشونغمينغ، لهلك المزيد من الناس.

أمسك تشو بينغهوان بمو رونغ سا القَلِق وقال بحزم:

“سأذهب للبحث عنهما.”

فكّر مو رونغ سا لحظة ثم أومأ موافقًا:

“حسنًا، ثم إنك بحاجة للقاء أخي هوا أيضاً.”

وبينما كان تشو بينغهوان يستعد للانطلاق، أوقفه شيه وانتيغ، وقال بصرامة:

“عليك أن تعثر على ون يوان.”

تساءل تشو بينغهوان متعجبًا:

“ون يوان؟ ما المميز فيه؟” 

لقد كان مرتابًا منذ البداية من دعوة شيه وانتينغ لوَن يوان إلى وليمة الميلاد. “كن صريحًا معي.”

تردّد شيه وانتينغ لحظة، فبقي تشو بينغهوان هادئًا وقال:

“حتى لو لم أسألك أنا، فسيسألك هوا تشي عاجلاً أم آجلاً.”

تنهد شيه وانتينغ قائلاً:

“لديّ تخمين بشأن هوية ون يوان، لكنه مجرد ظن. لا أجرؤ على الكلام بلا دليل، فإن جرّ ذلك الويلات على ون يوان، فسيكون ذنبي. دعوتُه إلى قصر يي يو لأتأكد من شكوكي، لكن يين ووهوي بعثر كل شيء، ولم أحصل على الفرصة…”

سأله تشو بينغهوان بحذر:

“هل هو ابن أحد معارفك القدامى؟”

أجاب شيه وانتينغ نافيًا بجدية، وقد حدّق بعينيه بصرامة:

“بل أظنّه… ليس بشريًا…”

ولم يكمل كلماته، إذ دوّى انفجار مدوٍّ من بعيد!

ارتفع السيل الشيطاني إلى السماء، فإذا بوحش يشبه النمر ذي جناحين أحمرين كالدم يحطّم ثلاثة أجنحة متتالية من المباني. وحيثما مرّت أجنحته العاتية، انهار كل شيء وتيبّست الأشجار والنباتات.

أُصيب الجميع بالذهول.

قال مو رونغ سا مذهولًا:

“ما ذلك؟”

فأجاب آخر:

“أهو وحش ربّاه يين ووهوي؟”

وثالث صاح:

“إنه ضخم! أكبر من السيد نفسه!”

ورابع ارتعد:

“اهربوا وإلا سُحقنا كالعجين!”

تغيّرت وجوه المزارعين شحوبًا، وركضوا هاربين في فوضى عارمة. أمّا المزارعون الشيطانيون، فظنّوا في بادئ الأمر أنّه حليفهم، فانتعش حماسهم.

اندفع القادة الثلاثة للشيطانيين إلى الأمام وهم يهتفون:

“أترون؟ ذلك هو سلاحنا الأقوى، يجب أن نفني به أولئك المزارعين الخالدين…”

غير أنّ الوحش لم يمهلهم حتى يكملوا كلماتهم، إذ هبط فجأةً وسحق جماعة من المزارعين الشيطانيين تحت جسده المهيب!

لقد كان يهاجم بلا تمييز!

ومن على بُعد، رأى تشو بينغهوان المشهد بوضوح وهتف مذهولًا:

“تشيونغتشي!؟”

حتى شيه وانتينغ، على الرغم من شكوكه السابقة، لم يسعه إلا أن يُصدم قائلاً:

“إنه حقًّا… الوحش الأسطوري القديم!”

انقضّ تشيونغتشي بسرعة خاطفة، طاويًا مسافة عشر أميال في بضع رفّات من جناحيه الداميين.

ولتفادي المصير الذي لقيه المزارعون الشيطانيون، قبض تشو بينغهوان على سيفه وانطلق لمواجهته!

أشرق السيف بضياء جليدي، قاطعًا الفضاء بهالة جوهر حقيقي تمزّق الهواء ذاته، مصوّبًا ضربته نحو جناح تشيونغتشي!

حتى الشيخ غان يانغ، سيّد السيف، لم يملك إلا أن يُبدي إعجابه بموهبة الفتى:

“يا لها من براعة مذهلة في هذا العمر المبكر. لو أنّه التحق بطائفة الخلود الأعلى ليتدرّب على السيف منذ البداية… لكان أمرًا جللاً! يا للخسارة، أن يُعاق مساره بالزراعة الطبية!”

وبينما اعتقد الجميع أنّ ضربة تشو بينغهوان ستصيب تشيونغتشي، وإن لم تُزهق روحه فستُعطب جناحه على الأقل، إذ بسيفٍ آخر ــ “جسيف النسيم الرقيق ــ يشقّ الهواء وينحرف بضربة تشو بينغهوان جانبًا!

تجمّد بينغهوان في مكانه، ثم التفت إلى القادم، وما إن أبصره حتى هتف بفرح غامر:

“هوا تشي!”

هبط هوا تشي وهو يلهث، لولا عون تشوانغ تيان لتمزّق جسده بفعل الختم المضروب على نواته الذهبية. وصاح قائلًا:

“لا تؤذِه.”

تساءل تشو بينغهوان بارتباك:

“لماذا؟”

قال تشوانغ تيان بجدية، وقد بدا صوته أجشًّا متهدّجًا:

“إنه… ون يوان.”

قال الجميع بدهشة:

“ماذا!؟”

هرع مو رونغ سا مذهولًا وهو يظن أنّه لم يسمع جيدًا:

“ذلك الوحش… هو أخونا الأكبر!؟”

أما تشو بينغهوان، فقد لمح مي كايلين جريحة، فاندفع لمساعدتها، لكن أحد تلامذة يونتيان شويجينغ سبقه، إذ أسرع إليها وداواها بمختلف الأدوية الروحية، فلم يبقَ لتشو بينغهوان ما يفعله.

لاحظ تشو بينغهوان أنّ ثمة ما يريب في حال هوا تشي، فأمسك بمعصمه ليتفحّص نبضه، لكن قبل أن يتمكّن من التشخيص، قبض هوا تشي على يده وسحبه في اتجاه آخر.

وفي اللحظة ذاتها، تحركت قدم تشيونغتشي العملاقة في السماء، مظلِّه ما فوقهم.

ورغم أنّهما بالكاد تفاديا الضربة، لم يعد تشو بينغهوان بحاجة إلى تحسّس النبض ليدرك حقيقة حال هوا تشي.

ذلك الركض اليائس لم يكن إلا جهد إنسان عادي؛ وهذا يعني أنّ النواة الذهبية لهوا تشي قد أُغلقت بختم يين ووهوي.

لم يقل تشو بينغهوان شيئاً آخر، إذ إنّ إغلاق النواة الذهبية ليس داءً يمكن لطبيبٍ ممارس لفنون الطب الروحي معالجته.

والحلّ واضح وبسيط: إمّا أن يُقتل يين ووهوي، أو أن يتدخل مَن هو أرفع مرتبة منه ليكسر الختم بالقوة.

ساند تشو بينغهوان هوا تشي الذي كان يلهث بشدّة، وقال بصرامة:

“لا تبرح ناظري.”

في مثل هذه المعارك الفوضوية، من العسير أن يحمي المرء غيره. لذا لم يرد هوا تشي أن يشتّت تشو بينغهوان، فقال:

“النسيم الرقيق و هان شوي بجانبي، أستطيع حماية نفسي.”

لكن حتى مع وجود قوة روحية، كان البقاء على قيد الحياة أمراً عسيراً، فكيف به وهو بلا قوة؟ لقد أصبح عُرضة للخطر.

اشتدّ قلق تشو بينغهوان، ولم يعد يبالي بالمسافة أو حدود النظر، بل قبض مباشرة على معصم هوا تشي ليُبقيه ملازماً له.

ومن بعيد، كان شيه ونتين ينظر إلى هوا تشي، فارتجف قلبه ألماً. إلا أنّ الحرب المشتعلة أمامه كانت تضيق الخناق شيئاً فشيئاً، فأدرك أنّ هذا ليس وقت اللقاءات ولا عواطف الشوق.

وفجأة دوّى صوت تشوانغ شياوَ إر الحاد قائلاً:

“تشيونغتشي، كيف يمكن أن يكون هذا الأخ الأكبر؟!”

هبط زعيم سيف ووجي بخفة، ثابتاً في وقفته، وقال بسخرية:

“قاعة لينغ شياو حقّاً عشّ للتنانين الخفية والنمور الرابضة! لم يكفِ أن تحتضن ابن سيد الشياطين، حتى ظهر أيضاً نسل وحشٍ أسطوري عتيق!”

صرخ تشوانغ تيان باندفاع:

“ذلك الصغير ليس وحشاً أسطورياً عتيقاً! إنّه مجرّد نسلٍ لتشيونغتشي! حين التقيت به أوّل مرة كان أصغر من كفّ اليد، وبعد أن تجسّد كان رضيعاً بحاجة إلى رعاية. 

ليس وحشاً ولا شيطاناً، بل طفلٌ عادي!”

فقال أحد ممارسي السيف وهو يطير مقترباً مشهراً سلاحه:

“عادي؟ أين العادي في الأمر؟ افتح عينيك، يا تشوانغ تيان، وانظر! أهذا عادي؟!”

صر تشوانغ تيان على أسنانه وقال:

“لابد أنّ يين ووهوي هو من أثار طبيعته الوحشية…”

تنهّد هوا تشي قائلاً:

“دماء شيطانية؟”

فالتفتت الأنظار كلها نحوه.

شرح تشو بينغهوان قائلاً:

“الوحوش الأسطورية تخشى الدماء الشيطانية بقدر ما تفتن بها، فهي تدفعها إلى الجنون. بعض المزارعين الشياطين يربّون الوحوش ويطعمونها الدماء لتحفيز وحشيتها.”

وفجأة تذكّر مو رونغ سا ما حدث في وادي القمر المشرق، حين قُتل أحد أتباع الحامي الأيسر، وتناثر دمه على ون يوان. يومها بدا ون يوان مذعوراً، يمسح الدماء بجنون، ولم يلتفت مو رونغ سا كثيراً للأمر، ظنّاً منه أنّ الفتى إمّا خائف أو مهووس بالنظافة.

وفجأة دوّى صوت غاضب قادماً من أحد تلاميذ طائفة شانغ تشينغ:

“حسناً! يا تشوانغ تيان، أن تقبل بابن سيد الشياطين كتلميذ كان أمراً عظيماً بذاته، والآن نكتشف أنّك أخفيت نسل وحشٍ أسطوري كل هذه السنين؟! ما نواياك؟ وما الذي خططت له؟!”

قال أحد المزارعين الآخرين:

“التهديدات الخارجية أمر، لكن الخيانة الداخلية هي الخطر الحقيقي. ما الفائدة من فضح قاعه فين تشينغ إن كان بيننا خونة؟”

صاح آخر:

“تشوانغ تيان، عليك أن تقدّم لنا تفسيراً!”

وأضاف ثالث:

“لقد اكتشفت ون يوان، وبدلاً من أن تقتله على الفور، ربيته حتى كبر! أأنت تنوي إلحاق الضرر بنا جميعاً؟”

فجأة دوّى صوت هوا تشي صارماً وهو يصرخ:

“اصمتوا!”

ولسببٍ مجهول، تسلّل بردٌ إلى قلوب الحاضرين جميعاً مع تلك الصرخة.

تقدّم هوا تشي واقفاً أمام تشوانغ تيان، وقال ببرود:

“نحن نعرف خُلق ون يوان أكثر من أيٍّ كان. من لا يعرف القصة كاملة، فليخرس!”

فغضب ممارس السيف وقال:

“هوا تشينغ كونغ، أنت…!”

لكن أحد المزارعين الجوّالين قاطعه قائلاً:

“كلامك جميل، لكن وقد جنّ جنونه على هذا النحو، ماذا ستفعلون الآن؟”

ظلّ تشوانغ تيان محتفظاً بجديّته، إلا أنّ صوته جاء هادئاً على غير العادة وهو يقول:

“إنه تلميذي، ولي طريقتي في التعامل معه. فلا تقلقوا.”

دار تشيونغتشي دورة في السماء، ثم عاد مسرعاً، لكن دون أن يهاجم. أخذ يحلّق بعشوائية، مضطرباً. وعندما دوّى جرس تشوانغ تيان الذهبي، هبط تشيونغتشي إلى الأرض متأوّهاً بعواءٍ موجع.

ومع تكاثف الهالة الشيطانية، بدأ جسد تشيونغتشي الضخم ينكمش تدريجياً، ليتحوّل في النهاية إلى هيئة بشرية.

وعندها، صُعق الجميع: فقد كان حجمه الضخم يحجب عن أنظارهم شخصاً كان مخفياً تحت إبطه!

وما إن عاد الوحش إلى شكله البشري، حتى انكشف ذلك الشخص.

صرخ مو رونغ سا بدهشة لا تُصدّق:

“أبي!؟”

لكن ون يوان لم يكن قد استعاد وعيه؛ كانت عيناه محمرّتين كالجمر، وعلامات النمر لا تزال مرتسمة على وجهه. كان يرمق الجميع بنظراتٍ متوحشة، ثم أطلق زئيراً يصمّ الآذان.

بعض ضعاف المراتب من المزارعين لم يحتملوا الضغط، فتقيأوا دماً وسقطوا فاقدي الوعي.

صاح تشوانغ تيان والبقية وهم يهرعون:

“ون يوان!”

أمّا تشو بينغهوان، فلم يقترب، بل استخدم تقنية إحراق الروح لتقييد مو تشي يان، ثم فحص روحه. التفت بعدها إلى مو رونغ سا الذي كان قلقاً حتى الموت، وقال:

“لا تقلق، هو بخير. مجرد إصابات طفيفة.”

تنفّس مو رونغ سا الصعداء، ثم هرع يوقظ والده بصوت عالٍ:

“أبي، ما الذي حدث بالضبط؟ كيف اختُطفت على يد الوحش… لا، على يد ون يوان؟”

لم يكن مو تشي يان قد استعاد أنفاسه بعد حين أجابه هوا تشي بدلاً عنه قائلاً:

“لم يُختطف.”

هزّ مو تشي يان رأسه تأكيداً.

“هاه؟” نظر مو رونغ سا في حيرة.

فهمس له هوا تشي:

“أما ترى؟ ون يوان كان يحميه طوال الوقت. وإلا لتمزّق جسد والدك إرباً على يد مزارعي قاعه فين تشينغ الشياطين وهو على هذه الحال.”

ارتجف قلب مو رونغ سا، وامتلأت عيناه بالدموع، وكاد ينهار باكياً.

كان تشوانغ تيان ينصت، وقد غمر قلبه دفء عجيب. 

اقترب من ون يوان وبابتسامة رقيقة قال:

“طفلٌ صالح.”

شحب وجه لين يان وقالت بقلق:

“سيدي، هذا خطر!”

لكن تشوانغ تيان شكّل الأختام بيديه، وإذا بمصفوفة عظيمة تنبثق من تحت قدميه. قطع معصمه، وجعل دمه يتقطّر على المصفوفة، فأشرقت بأنوارٍ بهية.

رفع يده ورسم في الهواء بخطوطٍ حمراء لامعة اسم ون يوان.

صاح مو تشي يان مذهولاً:

“تقنية ترويض الوحوش؟!”

ثم هزّ رأسه بعنف:

“لا، لا! يا معلم تشوانغ، أتريد أن تتحكّم في ون يوان بعهد دم؟ هذا جنون! تشيونغتشي وحش شيطاني قديم، كيف يخضع لك؟!”

أطلق ون يوان صرخة مدوية قبل أن يهوى على الأرض، مكبوتاً بقوةٍ لا يقوى على مقاومتها. أعيد قسراً إلى هيئة الوحش، لكن التوحش في عينيه خبا، وكأن وعيه عاد إليه. تقدّم خطوة إثر خطوة نحو تشوانغ تيان.

وفي اللحظة التي خشِيَ فيها الجميع أن ينقلب عليه ويهاجم طائفته، إذا به ينحني برأسه، ويداعب يد سيده بحنو.

ذهل الجميع بلا استثناء.

قال تشوانغ تيان هامساً وهو يربّت على فرائه:

“أيها الصغير الطيب.”

وبنظرة صارمة من سيده، عوى تشيونغتشي نحو السماء، نشر جناحيه، وانطلق محلقاً نحو المزارعين الشياطين المشتبكين في ساحة القتال!

لم يصدق مو تشي يان عينيه، فارتجف قائلاً:

“هو… هو… هو…”

قال تشوانغ تيان بشرود وهو يراقب الوحش الطائر:

“منذ العهد الدموي، لم أستدعِه قط.”

وكأن ذاكرته عادت إلى اليوم الذي عثر فيه على ذلك الطفل صدفة، ليكتشف أنه الوحش الأسطوري القديم تشيونغتشي. يومها، وبعد صراع طويل، لم يجد سوى أن يبرم معه عهداً دموياً.

شهق مو تشي يان بدهشة:

“إنه وحشك المتعاقد؟!”

ابتسم تشوانغ تيان قائلاً:

“مثير للإعجاب، أليس كذلك؟”

قبل وقتٍ قصير فقط، كان مو تشي يان يسخر من تشوانغ تيان لاحتفاظه بروح أليفة عديمة الفائدة تُدعى جي شيانغ، وهي طائر كركي لا يفعل شيئاً. 

ولم يكن يعلم أنّ لدى تشوانغ تيان ورقة رابحة كهذه!

استغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يستوعب لين يان ما جرى، ثم صاح بحماس:

“يا معلمي، أنت مذهل!”

وبعد ذهوله الأولي، لم يملك مو تشي يان إلا أن يتمتم:

“مع وحش روحي بهذه القوة، لِمَ لم تستخدمه من قبل؟”

أجاب تشوانغ تيان:

“له مكانة خاصة. أولاً، لو استخدمته أمام الجميع، ألم تكونوا لتتهموني بممالأة الوحوش الشيطانية وتوسموني بالشرير؟”

ثم رمق بنظره ذلك المزارع الذي كان يثرثر طوال الوقت.

“ثانياً، ون يوان مميّز للغاية. صحيح أن طبيعته بسيطة وطيبة، لكنه في النهاية تشيونغتشي، وحش شيطاني قديم. لو روّضته بتقنية ترويض الوحوش، لأيقظتُ طبيعته الوحشية.”

تنهد تشوانغ تيان بخوفٍ ما زال عالقاً في قلبه:

“لذا، حين اختطفه يين ووهوي، كنت قادراً على استدعائه من بعيد باعتباري سيده. لكن لو استُثيرت طبيعته الوحشية كما رأيتم آنفاً، لكان مرعباً.”

أومأ مو تشين يان وقد بدأ يفهم:

“صحيح، لو أفلت إلى عالم البشر من العالم الشيطاني، لجلب كارثة، ملوّثاً الأنهار والبحيرات بالدماء.”

كان يين ووهوي قد اختطف ون يوان بنيّة ترويضه ليصبح سلاحه. لكنه لم يعلم أنّ ون يوان مرتبط أصلاً بسيده بعهد دم وروح لا يُكسر. حتى قتل تشوانغ تيان لن يحرره، لأن موت السيد يعني هلاك الروح الأليفة كذلك.

لكن يين ووهوي كان عنيداً بطبعه؛ فهو لا يرغب أبداً في شيء لمسه الآخرون من قبل. ولهذا لم يتعلّق بون يوان كثيراً، إذ كان قلبه مشغولاً فقط بقتل شيه ونتينغ وتشو بينغهوان وكل من يقف عائقاً بينه وبين إعادة لمّ شمله مع هوا تشي.

قاتل يين ووهوي بجنون، غير آبه حتى مع اقتراب تشيونغتشي. غلّفه بيده اليسرى بهالة شيطانية سوداء، وأمسك بقرنيه بيمينه كي لا يُلقى بعيداً بفعل ضخامة جسده.

ثم استدعى سيف القسوة، واخترق به فرو تشيونغتشي السميك بقوةٍ هادرة كالرعد، طاعناً من صدره حتى ذيله، شاقّاً جسده شقاً أفقياً!

أطلق الوحش الشيطاني زئيراً يهزّ الجبال. 

شحب وجه تشوانغ تيان وهو يأمره بالانسحاب.

وبينما كان ون يوان جريحاً بجراحٍ بليغة، اندفع تشو بينغهوان فوراً لمعالجته. وفي خضمّ الفوضى العارمة لم يستطع أن يولي هوا تشي عناية، فاضطر أن يودعه لدى شيه ونتينغ البعيد قليلاً.

قبل أن يغادر، صاح هوا تشي محذّراً:

“قطعة الجليد، احذر!”

استشعر هوا تشي نظرة من خلفه، فالتفت دون وعي، ليقع بصره في عيني شيه ونتينغ المليئتين بالشفقة الزائدة.

ارتبك هوا تشي، غير قادر على فهم مغزى تلك النظرة في الحال. لكن اهتزازات المعركة البعيدة قطعت تفكيره، فاشتد قلقه على تشو بينغهوان.

فكأن شيه ونتينغ أدرك مخاوفه، فابتسم مطمئناً:

“لا تقلق على تيان يو. إنه يخفي أكثر مما تخيّلت.”

كلمات عابرة، لكنها وصلت لهوا تشي كما لو كانت مقصودة. فمنذ مسابقة الفنون، وهو يشعر أنّ ثمة ما ليس على ما يرام.

والآن، ازداد شعوره غموضاً وقلقاً، ولم يملك إلا أن سأل بغير وعي:

“يُخفي أكثر؟”

ابتسم شيه ونتينغ بدفء قائلاً:

“أنتم من طائفة واحدة، تعيشون معاً ليلاً ونهاراً. الا تعرفه؟”

أجاب هوا تشي:

“يقصد سيد الطائفة شيه براعة تشو بينغهوان المذهلة في فن السيف؟”

فأجابه شيه ونتينغ:

“ليس السيف فقط، بل مهارة طبية مدهشة تثير الدهشة. أتدري ما قمة إنجازات الطب الروحي؟”

قفز قلب هوا تشي، وراودته فكرة مرعبة:

“الشفاء الإعجازي؟”

أومأ شيه ونتينغ:

“إذن أنت تعلم. هل أخبرك تيان يو بنفسه؟”

ارتجفت أنامل هوا تشي.

تنهد شيه ونتينغ قائلاً:

“لقد تجاوز كل التوقعات في سن صغيرة كهذه. 

لو لم أرَ بعيني، لما صدّقت.”

كيف يمكن أن يكون هذا ممكناً!

من لم يكن يعلم الحقيقة سيشاركه فقط الدهشة: أمر لا يُصدّق! الأمواج الجديدة في نهر اليانغتسي تدفع الأمواج القديمة أمامها بالفعل!

لكن هوا تشي كان منذ زمنٍ طويل يساوره شكّ رهيب لم يجرؤ على الاعتراف به. والآن وقد تجلّت الحقيقة بوضوح، لم يعد أمامه مهرب.

ليس بارعاً في السيف وحسب، بل أيضاً في الشفاء الإعجازي.

أي صدفة هذه؟!

واحدة قد تُعزى إلى الحظ. 

أما اثنتان؟!

حتى مع أعظم المواهب، من المستحيل بلوغ هذه القمم في عمر الثامنة عشرة، قممٍ عجز المزارعون عن بلوغها عبر آلاف السنين.

فهل يمكن أن يكون تشو بينغهوان قد وُلد من جديد حقاً؟!

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]