🦋

اشتعلت عينا هوا تشي بحرارة، وارتفع في صدره سيل من المشاعر حتى ضاق عليه التنفس. 

دون وعي، دفن وجهه في عنق تشو بينغهوان.

وبالنسبة للآخرين، بدا المشهد وكأن الاثنين يتهامسان بحميمية، حيث اتكأ هوا تشي على كتف تشو بينغهوان الذي أحاطه بذراعين قويين حاميين.

لم يستطع تشوانغ تيان الاحتمال أكثر، فتنحنح بحدة:

“أهمم، سيد الشياطين ما زال هنا، فالْتزموا بالجدية قليلًا!”

رد مو رونغ سا على الفور بحماسة:

“صحيح تمامًا! هوا تشي هو أخي، وحتى لو أراد سيد الشياطين أحدًا، فعليه أن يستأذن مني أولًا!”

قطب يين ووهوي حاجبيه غاضبًا:

“يا له من نفاق، هوا تشي. هل تصدّق فعلًا هؤلاء الذين يقولون كلامًا أمامك، ثم يطعنونك من خلفك؟”

كبح هوا تشي مشاعره المندفعة، وعندما رفع نظره إلى يين ووهوي، كان بصره باردًا حادًا خاليًا من أي دفء:

“إن لم أصدّقهم، فهل تتوقع مني أن أصدّقك؟”

تغير وجه يين ووهوي بشكل مخيف، وانبعثت منه هالة شريرة خانقة.

“أصبحت أكثر استفزازًا… تتمرد عليّ كما فعلت أمك! حشرات تجرؤ على العصيان! ملعونون… ملعونون جميعكم!”

مزاجه المتقلب واندفاعاته الجنونية جعلت هوا تشي، لا شعوريًا، يقترب أكثر من تشو بينغهوان، الذي هو الآخر تحرك بغريزة حامية، يحيط به ويحميه.

وبينما ظن الجميع أن يين ووهوي على وشك أن يشن مذبحة، فجأة تحوّل إلى كتلة من الضباب الشيطاني الكثيف، غطّى السماء وأغرق المكان في عتمة حالكة.

تشبث تشو بينغهوان بيد هوا تشي بقوة، وكأنه يخشى أن يضيعه في هذا الظلام الساحق. ومع تلاشي الضباب شيئًا فشيئًا وانكشاف الرؤية، أدرك هوا تشي فجأة أن ون يوان قد اختفى!

صرخ لين يان بصوت مرتعش:

“الأخ الأكبر! الأخ الأكبر أُخذ!”

تصلب وجه تشوانغ تيان إلى أقصى درجات القتامة، وأسرع ليشهر سيفه مزمجرًا:

“تلميذي خُطف، يجب أن ألحق به!”

لكن مو تشي يان أوقفه بحزم:

“ذهابك وحدك، ما نسبة النجاح؟”

قال تشوانغ تيان بقلق متوهج:

“تلميذي أُخذ! كيف لي أن…”

قاطعه مو تشي يان بصرامة:

“فلنفكر أولًا: ما المميز في ون يوان؟ لماذا غادر يين ووهوي، لكنه أخذ هذا الشاب بالذات؟”

تجمدت ملامح تشوانغ تيان لحظة، ومضة ذعر عابرة في عينيه سرعان ما حاول إخفاءها، لكنه رمق شيه وانتينغ بنظرة قلقة.

في تلك اللحظة بالذات، التفتت شيه وانتينغ ونظر إليه، وعيناه العميقتان تعكسان مشاعر لم يستطع تشوانغ تيان إدراكها. تسلل إلى قلبه شبهة غامضة بشأن السبب الحقيقي لدعوته ون يوان منذ البداية.

ارتبك تشوانغ تيان للحظة، لكن قبل أن ينبس بكلمة، قالت شيه وانتينغ بهدوء حازم:

“لا بد من إنقاذ ون يوان، لكن الاعتماد علينا وحدنا لا يكفي لمواجهة قاعه فين تشينغ.”

تردد تشوانغ تيان قليلًا، ثم أجاب بغير وعي:

“الحرب بين الخالدين والشياطين حتمية، فهل نجعلها فرصة لتوسيع حملتنا ضد عالم الشياطين؟”

لكن الأمر أعظم من أن يُقرر على عجل؛ فهو يحتاج إلى اجتماع شيوخ الطوائف الخالدة كافة. وحتى لو استدعوا قادة الطوائف وجمعوا المزارعين من أرجاء الأرض، فلن يستغرق الأمر أقل من نصف شهر.

فهل يستطيع ون يوان الانتظار كل هذا؟

إن أراد يين ووهوي قتله، فهل يحتاج لأكثر من إشارة بإصبعه؟

وفوق ذلك، هل يُعقل أن تُستَنفر جميع الطوائف الكبرى لمجرد إنقاذ مزارع صغير؟ كم من المزارعين أُسروا من قبل قاعه فين تشينغ، ولم يتدخل أحد بهذه القوة من قبل؟

تساءل احدهم بفضول مشوب بالريبة:

“يا رئيس الطائفة تشوانغ، ما الذي يجعل هذا التلميذ استثنائيًا إلى هذا الحد؟”

لكن هوا تشي سبق تشوانغ تيان وأجاب بنبرة باردة:

“ربما أخطأ يين ووهوي في الإمساك. كان في الأصل يقصد اختطافي أنا.”

تبادل الجميع النظرات، ولم يجد احد ما يرد به، فحديث هوا تشي كان منطقيًا تمامًا.

جمع تشوانغ تيان أفكاره، وضرب قبضتيه بتحية رسمية للجميع قائلًا:

“ون يوان ليس إلا شخصًا عاديًا، مغمورًا لا قيمة له. من غير الواقعي أن نصدر أمرًا إلى جميع الخالدين ونشن حربًا على عالم الشياطين من أجله. الحرب بين الخالدين والشياطين ليست أمرًا هينًا؛ أرواح لا تُحصى ستُزهق آنذاك. أيها الزملاء، بما أنه تلميذي، فسوف تبذل قاعه لينغ شياو قصارى جهده لإنقاذه. لا حاجة لكم أن تقلقوا.”

كلمات تشوانغ تيان جعلت الجميع عاجزين عن الرد.

فهم جميعًا مزارعون في ذات الطريق، واللامبالاة بمحنة أحدهم كانت مخجلة، فضلًا عن أن الكثير منهم سعوا سابقًا للتقرب من قاعه لينغ شياو. فلو تراجعوا الآن، لتلطخت سمعتهم.

لكن، ما هي قاعه فين تشينغ؟ مكان يُخشى دخوله بلا عودة.

تسخير قوى الطوائف لمساندة قاعه لينغ شياو بدافع السمعة فقط، مع المجازفة بحياة التلاميذ، خطأ فادح قد يجلب كوارث على الطائفة كلها. وحينها، لن ينفع الندم.

جوهر القضية كان أن ون يوان لا يزن أكثر من حبة سمسم؛ لا يستحق شن حرب من أجله.

لم يكن تشوانغ تيان غبيًا؛ كان يدرك تمامًا هواجس الجميع. لذا لم يزد كلمة، واكتفى باستدعاء هوا تشي ولين يان للرحيل معه.

أما تشو بينغهوان، فانحنى بأدب أمام مي كايلين ثم همّ بالانصراف.

لكن صوتها ارتفع فجأة بحدة:

“بينغهوان!”

“غضضت الطرف عن مشاغباتك السابقة، لكن هذه المرة، لا يجوز لك أن تتورط مع قاعه لينغ شياو!”

ظل تشو بينغهوان ثابت الملامح، وأجابها بهدوء بارد:

“ون يوان أُسر. سيدي وهوا تشي قد عزموا على الذهاب إلى قاعه فين تشينغ لإنقاذه. لذا لا بد أن أذهب. أرجوكِ يا أمي، احرصي على ألّا يورَّط يونتيان شُويجينغ في الأمر، كي لا يُصيبها البلاء.”

صرخت مي كايلين:

“توقف!”

لم تستطع كبح انفعالها، تقدمت بخطوات مسرعة، وأمسكت بابنها لتبعده، وصوتها مختنق بالغصّة:

“أجننت؟ أفقدت عقلك؟ ألا ترى الوضع من حولك؟ تشو تشانغ فنغ مصاب بجراح خطيرة وهو في عزلة للعلاج، ويونتيان شُويجينغ كلها بين يديك الآن. لمَ لا تستغل الفرصة وتستولي على القيادة؟ هذه وصية أبيك وإرثه، فكيف تتركها في يد تشو تشانغ فنغ؟”

احتقن وجهها بالدم، وواصلت بنبرة مشحونة:

“إن ذهبت إلى قاعه لينغ شياو، فلن يكون لك مصير إلا الموت. أما إن بقيت في يونتيان شُويجينغ، فسيكون منصب سيد الطائفة ملكك عاجلًا أم آجلًا! لماذا لا تفهم؟ لقد ضحيتُ حتى بـ (تشو ييو شيان) لأمهّد لك الطريق، فلماذا تجهل كيف تصعد؟”

رد تشو بينغهوان ببرود:

“هل أساء إليك العم يومًا؟”

تجمدت مي كايلين في مكانها.

“ماذا؟”

قال تشو بينغهوان بنبرة قاطعة:

“أمي، لا تظني السوء في المخلصين، ولا تقيسي الآخرين على نواياك. العم لم يُبدِ يومًا حذرًا منا نحن الأم والابن، ولم يطمع في السلطة.”

“هاه! أنا صاحبة النوايا الدنيئة؟ أفكّر بك في كل وقت، وأخطط لمصلحتك، وفي النهاية تُتّهم أمك بأنها ضيقة الأفق؟”

شعرت بغُصة تمزق صدرها، أخذت نفسًا عميقًا تلو الآخر محاولةً ضبط نفسها:

“ما أظلم هذا! ظننتك مطيعًا، ظننتك رزينًا، لكنك تعاندني مرة بعد أخرى! لم أسمح لك بالارتباط بهوا تشينغ كُونغ، فخالفتني. واليوم، أمنعك من الذهاب إلى حتفك، فتعاندني مجددًا!”

مدّ تشو بينغهوان يده ليُسندها، لكنها صفعت يده بعنف.

تصلب جسده، وانفرجت شفتاه بابتسامة مرة:

“أمي، هل تريدين ابنًا يطيعك برضا قلبه، أم دمية تنفذ أوامرك بلا (لا)؟”

ارتجفت مي كايلين، وسألت مذهولة:

“ماذا تقول؟”

قال بصوت مبحوح:

“ألستِ قد آذيتني بما فيه الكفاية؟ أوقعتِ بي الألم… وأوقعتِ به الألم أضعافًا.”

حدّقت به في ذهول، لا تفهم مراده.

متى جرحت ابنها؟ أليس هو من ظل يتصرف كما يشاء، لا يستمع إليها أبدًا؟ كم مرة منعته، لكنه أصر أن يتورط مع هوا تشي؟

من الذي آذته؟ صحيح أنها أرادت موت هوا تشي، لكن في النهاية، ألم تفشل؟

إذ قطع صوت تشو بينغهوان المبحوح حيرتها، وهو يناديها:

“أمي…”

ثم أردف ببطء:

“لم تعرفي يومًا ما الذي أريده حقًا.”

جلس مو رونغ سا على ركبتيه داخل الجناح، وقد مضى ما يقارب نصف ساعة. كان يراقب والده مو تشي يان وهو يدور في دوائر بلا توقف. وأخيرًا لم يعد يحتمل، فسأل بصوت خافت:

“أبي، ألن تضربني؟”

انتفخت شوارب مو تشي يان غيظًا وحدّق به:

“هل الضرب سيغير شيئًا؟ إن ضربتك، هل ستتراجع عن قرارك؟”

أجاب مو رونغ سا ببراءة وهو يقطب شفتيه:

“لا، لن أتراجع. ما زلت أريد الذهاب. فالذي أُسر ليس أي أحد، إنه أخي الأكبر! كيف أبقى مكتوف اليدين؟”

انفجر مو تشي يان غضبًا، كالعادة كلما تطرق الحديث إلى الأمر:

“من البداية وأنا أعارض ذهابك إلى لينغ شياو!”

لكن حين خطر بباله أن هذه ربما تكون آخر مرة يرى فيها ابنه، تلاشى غضبه فجأة، ولم يبقَ سوى الألم والحرقة.

قال بمرارة:

“يجب أن تبقى في وادي فينغ مينغ ولا تذهب إلى أي مكان. إن نجحوا في الإنقاذ، فبها، وإن لم ينجحوا… ستكون في موقع مثالي لتخلف تشونغ تيان. أليس هذا ما تحلم به دائمًا؟ أبوك يعدك أن تحل محله.”

لكن مو رونغ سا أصابه القلق فجأة وصاح:

“أي أمر غير متوقع؟ تفو، تفو، تفو! سيدي يحظى بحظ عظيم، وسيُنقذ أخي الأكبر لا محالة! وحتى إن وقعوا في فخ، ألن يكون هناك أنا؟ الشاب السيد الذكي الداهية؟”

كاد الغضب يخنق مو تشي يان حتى إنه شعر بالدم يصعد لفمه.

“هل عَزمتَ على الذهاب إلى الموت بقدميك؟!”

ناداه مو رونغ سا بنبرة متوسلة:

“أبي… سيدي وإخوتي جميعهم في خطر، أأبقى مختبئًا خلفهم؟ أيعقل ذلك؟ أنا، مو تشاويـاو، لست سلحفاة جبانة! ثم إني أريد أن أكون قائد قاعه لينغ شياو. عليَّ أن أُظهر براعتي أمام سيدي ليختارني وريثًا له. كيف لي أن أحقق رغبتك أنت… كأني أريد خداع سيدي وخيانة أسلافي؟!”

صرخ مو تشي يان غاضبًا وهو يضربه على رأسه بقبضته:

“أيها الصغير الوقح!”

“آي!” صرخ مو رونغ سا، ممسكًا رأسه.

زمجر والده:

“كفى هراءً! أي خداع للمعلم وخيانة للأسلاف؟! إن واصلت هذا الكلام الفارغ، سأقطع لسانك!”

غطّى مو رونغ سا فمه بيديه وفرّ خلف أحد الأعمدة، يطل بوجهه من ورائها ضاحكًا بمكر:

“أبي، أنا ذاهب الآن!”

وقف مو تشي يان مذهولًا.

ذلك الابن المشاغب الذي طالما أحب الفوضى والطيش تحت حماية اسمه… كبر فجأة دون إذنه. 

كبر في لحظة، وبات رجلًا في غمضة عين.

أما تشوانغ تيان، فلم يرد أن يورّط تلاميذه.

لا هوا تشي، ولا لين يان، ولا حتى تشو بينغهوان ومو رونغ سا.

أرسل تشو بينغهوان عائدًا إلى يونتيان شُويجينغ، وأمر مو رونغ سا بالعودة إلى وادي فينغ مينغ، آملًا أن يفلح مي كايلين ومو تشي يان في ردعهما.

لكن النتيجة… في أقل من يوم واحد، عاد الاثنان إلى قاعه لينغ شياو!

أما هوا تشي، فلم يكن أفضل حالًا. كان تشوانغ تيان يظن أن المربية جيانغ ستفلح في إقناعه بعاطفة القرابة، لكن النتيجة جاءت عكس المتوقع—

المربية جيانغ صاحت فيه:

“أخوك الأكبر أُسر؟ إذن أسرع وأنقذه! أيها السيد الشاب، لا داعي لكثرة الكلام. هذه العجوز تعرف كيف تعتني بنفسها، وهناك شياو شانغ أيضًا. لا تقلق عليّ. اذهب بسرعة وارجع بسرعة، وكن بخير!”

لم يخبرها هوا تشي أن الذي اختطف ون يوان هو سيد الشياطين نفسه. 

وهي لم تفهم، فلم يشأ أن يشرح.

باختصار… ما إن عاد إلى هانغتشو وقبل أن يدفئ المقعد، حتى ركلته الجدة جيانغ إلى الخارج!

تشوانغ تيان: “……”

أما لين يان… فقد كان أكثر تهورًا بدوره!

كان حال لين يان أشبه بحال هوا تشي. فما إن شاع خبر ذهابه إلى عالم الشياطين للقتال، حتى ضجّت القرية كلّها بالاحتفال—أُطلقت المفرقعات، وذُبحت الخنازير، وقال الناس إن ذلك لتوديع لين يان كي يمضي في مجد، يذبح ألفًا وثمانمئة رأس شيطاني، ويصنع لنفسه اسمًا خالدًا.

أما والده ووالدته، فلم يكتفيا بعدم منعه، بل كانا أكثر المشجعين حماسة من الجميع:

“اذهب يا بني! الرجل الحقيقي يسعى وراء طموحاته في الآفاق. تذكّر أن تقاتل بشجاعة، وترفع اسم العائلة عاليًا!”

“ابني، نحن نثق بك. أبْلِ بلاءً حسنًا!”

عاد لين يان أيضًا إلى قاعه لينغ شياو كما هو مخطط، حاملاً معه هدايا من منتجات بلدته المحلية.

تشوانغ تيان: “……”

أما بالنسبة لتشوانغ شيا إر والبقية، فقد كانوا يتامى جمعهم تشوانغ تيان تحت جناحه. 

فأينما ذهب سيدهم، تبعوه بلا سؤال، ولا حاجة لترتيبات تخص مستقبلهم.

قال مو رونغ سا بحماس:

“سيدي، أنا مستعد. متى ننطلق؟”

لين يان: “أليس التسلل سرًا أفضل؟”

هوا تشي: “أنا أعرف ذاك المكان جيدًا. هل أرسم لكم خريطة؟”

تشو بينغهوان: “يمكننا أن نتسلل من هذا الطريق، مباشرة إلى زنزانة المياه في قاعه فين تشينغ.”

تشوانغ تيان: “……”

اللعنة!

كيف لتلاميذي أن يكونوا بهذا التفكير العميق والمتكامل!

اغرورقت عينا تشوانغ تيان بالدموع، تأثر حتى سالت دموعه ومخاطه معًا.

وبينما كان هوا تشي يبدّل الشموع على الشمعدان، قال مقترحًا:

“الأكثر إزعاجًا سيكون يين ووهوي. أنتم تسلّلوا خفية، أما أنا فسأذهب مباشرة من الباب الأمامي لأشغله. ما رأيكم؟”

تشو بينغهوان رفض في الحال بلا تردد:

“هذا خطير جدًا.”

هوا تشي جادل:

“وأين الخطر؟ هل يستطيع أن يقتلني؟”

حدّق فيه تشو بينغهوان ببرود:

“لقد حاول قتلك فعلًا في قصر يي يو.”

دافع هوا تشي بإصرار:

“كان يخدع فقط، يتظاهر لا أكثر.”

أغمض تشو بينغهوان عينيه وقال بثبات قاطع:

“لن أوافق!”

ارتبك هوا تشي من تصلب موقفه، فتنهّد مستسلمًا:

“أيتها الجليد، هل يمكن أن نركز على المهمة بدل أن نتشاجر؟”

أعاد تشو بينغهوان بوجه جامد:

“أنا. لا. أوافق!”

لم يناقشه هوا تشي أكثر، بل ألقى الأمر على عاتق تشوانغ تيان كطفل يشتكي:

“سيدي، انظر إليه!”

اختنق تشوانغ تيان برشفته من الشاي وكاد يشرق بها، ثم مسح صدره مرتبكًا:

“أمم…”

قال هوا تشي بثقة:

“طالما أنني لا أتشاجر معه، فلن ينفجر غيظًا، ولن يقتلني. النمر لا يأكل أشباله. لا أحد أنسب مني لهذه المهمة. حين يحين الوقت، سأستغل منزلتي الأدنى لجذب الانتباه، وبذلك أسهّل لكم الدخول إلى قاعه فين تشينغ.”

صفق مو رونغ سا بفرح:

“رائع! هوا تشي جي مذهل!”

تلألأت عينا لين يان وهو يصرخ:

“أن تكون ابن سيد الشياطين أمر عظيم حقًا!”

هوا تشي: “……”

ضرب لين يان على الوتر الحساس مباشرة… فيما ظل وجه تشو بينغهوان يزداد تعكيرًا.

ابتسم هوا تشي ابتسامة عارفة:

“سريع وحاسم، ننقذ ون يوان ثم نغادر دون أي إبطاء.”

تمتم تشو بينغهوان بصوت منخفض، كما لو كان يحدث نفسه:

“لا يزال أمامنا عامان.”

رفع هوا تشي حاجبيه:

“ماذا قلت؟”

أجاب تشو بينغهوان بجدية:

“حينها سنكون قد بلغنا سن الرشد أنا وأنت معًا.”

توقف هوا تشي عن الحركة، مبهوتًا:

“ثم ماذا؟”

وضع تشو بينغهوان الكوب من يده وقال بصرامة:

“عليك أن تتبع أوامر الكبار… وتتزوج.”

تجمدت يد هوا تشي، وبردت أطراف أصابعه، ولم يستعد إحساسه إلا بعد فترة. قبض لاشعوريًا على الكوب البارد، وقال بصوت منخفض:

“إن كان الأمر مجرد تنفيذ لوصية الأسلاف، فهو حقًا بلا داعٍ.”

ثم ابتسم هوا تشي فجأة، ابتسامة هادئة مسترخية، وانعكس الدفء في ملامحه:

“لم أكن يومًا ممن يتبعون القواعد. أن نكون معًا يتطلب التفاهم والرغبة المتبادلة. أما أن تُقيدنا رابطة زواج بالإكراه، فذلك لا معنى له.”

تحرك تشو بينغهوان وكأنه يريد أن يفسر، لكن هوا تشي سبقه بكلمات متأنية:

“أنت رجل مستقيم، تحترم أسلافك، ولن تعصي رغباتهم. ثم إنني أنا من فسخت الخطبة حينها. فلمَ تعقد الأمور على نفسك؟”

كان هذا الزواج الموعود ظلًا غامضًا بين الاثنين، لا هو مؤكد ولا هو منفي. تشو بينغهوان يميل إلى الإصرار، فيما هوا تشي دائم الانسحاب. كلاهما لم يشأ أن يكون أول من يكسر هذا الغموض.

لكن الآن، ومع اقتراب حملة النزول إلى عالم الشياطين، بدا أن اللحظة مناسبة للغاية، وربما الفرصة الأخيرة قبل أن تضيع إلى الأبد.

توهجت ألسنة الشموع بلون برتقالي محمر، فانعكست على وجه تشو بينغهوان، وأبرزت ابتسامة خفيفة جعلت ملامحه تبدو أكثر لينًا ودفئًا:

“أنا لا أفرض شيئًا، ولا علاقة لهذا بالأسلاف. أنا… أريد أن أكون رفيقك في الطريق (داو تشي).”

دوّى صوت أشبه بالبرق في ذهن هوا تشي، وتجمدت ابتسامته الهادئة في لحظة.

وفجأة، وقف تشو بينغهوان، والتف حول الطاولة المنخفضة، ثم جثا نصف جثو أمام هوا تشي الجالس. بدا وجهه الوسيم كقطعة من اليشم المصقول يتألق في ضوء الشموع الخافت.

“هوا تشي، قلبي… يريدك.”

ملاحظة المؤلفة:

دخلنا أخيرًا الزنزانة الأخيرة! بدأ العد التنازلي نحو النهاية!

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]