🦋

بعد جولاتٍ متتالية من المنافسات، كان هوا تشي منهكًا تمامًا. وما إن أعلن الشيخ غان يانغ نهاية المباريات، حتى أسرع عائدًا إلى غرفته ليستسلم للنوم.

وبعد يومين، اجتمع مزارعو عشرة آلاف طائفة مرة أخرى على منصة شانغ تشينغ لمشاهدة بريق الثلاثة الأوائل المتفوقين.

قيل إن تشوانغ تيان بعد تلك المنافسات، نام يومًا وليلة كاملة، وحين استيقظ بدا تائهًا مشوش الذهن، كمن فقد صوابه.

استغرق الأمر منه ساعات طويلة حتى تمكن من التحدث، وذلك بعد أن أعطاه تشو بينغهوان دواءً مهدئًا.

قال متلعثمًا:

“إذن، أنت، أنت أنت أنت… أوه! لقد عضضت لساني! أ-أنت والسادس والثامن، جميعكم ضمن الثلاثة الأوائل؟”

أومأ تشو بينغهوان برأسه.

قال موضحًا:

“الثلاثة الأوائل، الأول، الثاني، الثالث… أما السادس والثامن والسابع والتاسع فهم بعد ذلك. 

إنها جيا (甲) أي المرتبة العليا، لا، أقصد جيا بمعنى الترتيب الأول!”

لكن عجزه عن تصحيح نسيانه للـ سادس وثامن جعل تشو بينغهوان يكتفي بالصمت: “…”

قال تشوانغ تيان مذهولًا:

“حقًا؟ قلها ثانية، قلها ثانية!”

لم يجد تشو بينغهوان بدًا من تكرار العبارة ثلاث مرات أخرى، ببطءٍ ووضوحٍ شديدين.

ومع ذلك، ظل تشوانغ تيان غير مصدق، فأمسك بأحد تلاميذ طائفة شانغ تشينغ ليؤكد له الخبر، وحين تأكد أخيرًا، اغرورقت عيناه بالدموع.

“أنتم مذهلون! لقد رفعتم رأس معلمكم عاليًا!” قال وهو يمسح دموعه، ثم أضاف باكٍ: “وجعلتم عائلاتكم تفخر بكم أيضًا!”

وبالفعل، كان يُقال إن مو تشي يان قد غمرته السعادة إلى درجة أنه أخذ يرقص ويشير بحركات غريبة من الفرح. ذلك الشيخ العجوز لم يبدُ عليه هذا القدر من البهجة منذ عقود طويلة.

وعلى النقيض من وادي فينغ مينغ المفعم بالحياة، ظل يونتيان شويجينغ، المعروف في كتب التاريخ ببروده وصرامته، مهيبًا كما كان دائمًا. أما تشو تشانغ فنغ، فكان يرى أن وصول تشو بينغهوان إلى المراتب الثلاث الأولى أمر طبيعي، فلم يُبدِ اندهاشًا أو فرحًا مبالغًا فيه.

لكن أكثر من امتلأ قلبها بالغضب، فهي مي كايلين.

لقد خسرت طائفتها المركز الأول الذي كان قريبًا جدًا منها، والأسوأ من ذلك أن تشو بينغهوان أعلن على الملأ ارتباطه بـ هوا تشي! أي جنون هذا؟

حاول تشو تشانغ فنغ تهدئتها قائلًا:

“يا زوجة أخي، إن فوز هوا تشينغ كونغ بالمركز الأول دليل على أنه ليس شخصًا عاديًا. 

موهبته كانت بارزة في هذه المنافسة. لماذا تحتقرينه إلى هذا الحد؟”

أجابت ببرود:

“وُلد بلا أب، فكيف ينال احترام الناس؟”

قال تشو تشانغ فنغ بهدوء:

“لا ينبغي قياس مكانة المرء بخلفيته العائلية. نظرتك ضيقة يا زوجة أخي. ثم إن لم تَعصف به تقلبات القدر، لما كانت مكانته متواضعة.”

نظرت إليه مي كايلين باستهزاء، فأكمل جادًا:

“إن والدته كانت بالأصل امرأة شريفة، من فتيات الأشراف، تكاد تُشبه الملوك في عالم البشر.”

لكنها رفعت ذقنها وقالت ساخرة:

“همف! قلتها بلسانك، ذلك كان في الماضي. أما الواقع، فهو أنها انتهت في بيتٍ للدعارة، تبيع جسدها، بعدما تحولت من شريفة إلى أرذل النساء. العنقاء الساقطة أسوأ حالًا من الدجاجة.”

وبإصرارٍ على معاندتها حتى النهاية، عادت مي كايلين إلى الفناء حيث تقيم طائفة يونتيان شويجينغ.

أما تشو بينغهوان، فجلس راكعًا أمام باب غرفتها، يردد اعتذارًا فاتراً لا يجد صدىً في قلبها.

في الليل، ارتدى هوا تشي ثوبًا أسود، وتسلّل بخفةٍ حتى بلغ به الطريق إلى مدخل قاعة شانغ تشينغ. وبعد أن تأكد من خلوّ المكان من العيون، انحرف إلى القاعة الجانبية، متسللًا بهدوء.

لكن فجأة، ومضة ظل عبرت من الخارج.

فانتبه هوا تشي على الفور، فاختبأ خلف أحد الأعمدة، يحبس أنفاسه مترقّبًا.

وحين اقتربت الخطوات، أطلّ هوا تشي بمهارة ليلمح ظهر الرجل.

ثوب مطرّز بخيوط ذهبية، تتفتح عليه صورة ' العنقاء باسطة جناحيها '، بنقش الأقحوان المشهور… لم يكن ليُخطئه أحد: إنه مو رونغ سا.

(ملاحظة: نقش الأقحوان يرمز إلى طول العمر، والنبل، والسلام).

تبع هوا تشي أثره، وحين تأكد من أنه وحده، ربت بخفة على كتفه.

ارتجف مو رونغ سا كالطائر المذعور، وهاجم غريزيًا في لحظة دفاعية. 

لكن هوا تشي تفادى حركته بسهولة، وأمسك بمعصمه، قائلًا بصوتٍ منخفض:

“ماذا تفعل هنا؟”

تنفّس مو رونغ سا الصعداء حين رآه:

“لقد أرعبتني حتى الموت! ولماذا تتعقبني في هذا الوقت المتأخر؟”

ضحك هوا تشي ساخرًا:

“أتبعك؟ بل أنت الذي كسرت الحظر الليلي وتسللت. ما حكاية هذا العبث؟”

قهقه مو رونغ سا وقال:

“أخي هوا، ألسنا في القارب نفسه؟”

وكان هوا تشي لا يُهزم أبدًا في باب المزاح، فابتسم على الفور وقال:

“تتسلل ليلًا في ساعة حظر، كل هذا الكتمان… لعلّك وقعت في غرام إحدى الخالدات المعلّمات من شانغ تشينغ؟ إلى أين موعدك السري؟”

ضحك مو رونغ سا وشتمه مازحًا:

“اخرس! هؤلاء المزارعون من شانغ تشينغ، كل واحدٍ منهم أكثر تكبرًا من الآخر، ينظرون للناس جميعًا باحتقار. لن أنزل إلى مستواهم أصلًا!”

ابتسم هوا تشي موافقًا:

“ذوقك حسن.”

لكن ابتسامة مو رونغ سا سرعان ما اختفت، وقال بجدية:

“لكن حديثًا جديًا… لقد اكتشفت أمرًا غريبًا.”

لم يأخذ هوا تشي كلامه على محمل الجد في البداية:

“وما هو؟”

اقترب مو رونغ سا منه أكثر، يخفض صوته:

“أثناء احتفال إضاءة الفوانيس، كنت قد دخلت إلى المكتبة، وهناك سمعت لو ياو يهمهم في الطابق الثالث. كان يتمتم بأشياء غير مفهومة. في البداية لم أعطِ الأمر أهمية، لكن سرعان ما بدأ يقول عبارات مثل: ليس أنا، بل والدي… النواةالذهبية… التلميذ… وأشياء مبعثرة. 

بدت هراءً، ففكرت أن أصعد وأسأله ما به.”

تجمّد وجه هوا تشي فجأة.

تابع مو رونغ سا:

“وحين صعدت، لم أجد في الطابق أحدًا سواه. كان يحدث نفسه طوال الوقت! يا أخي هوا، أما زال ذهنه متأثرًا بصوت الناي في منافسة الأمس؟ لم يتعافَ بعد، ويبدو شارد العقل تمامًا.”

قال هوا تشي بجدية:

“وما الذي تشك فيه إذن؟”

أجاب مو رونغ سا:

“لقد واجهته، فشحب لونه وقال لي: اسأل والدي. ثم ذكر اسمًا غريبًا… آن يو، واعتذر قائلًا إنه لم يكن يقصد. أخي هوا، هل تعرف من هو هذا (آن يو)؟”

( ان يو مزارع الشبح اللي قتل تشو تشي وهو تلميذ لو مينغ فنغ )

فتجمّد بصر هوا تشي، وبردت نظرته كالثلج.

تابع مو رونغ سا بحماس:

“أظن أن هذا الـ آن يو قد يكون هو الآخر تلميذًا في طائفة شانغ تشينغ، ولا بد أن بينه وبين لو ياو سرًا لا يمكن البوح به. أليست قاعة شانغ تشينغ تحتفظ بسجلٍّ يضم أسماء التلاميذ؟ أريد أن ألقي عليه نظرة!”

لكن في الحقيقة، كان آن يو تلميذًا للـ لو مينغ فنغ، وبالتالي فإن اسمه مدوَّن في سجلّ خاص محفوظ في مقرّ إقامة لو مينغ فنغ وحده.

عندها اخترق صوت هوا تشي البارد كل تكهّناته:

“ابتعد عن هذا الأمر. الفضول يقتل القط، ألم تسمع؟”

قال مو رونغ سا باستهزاء، عاقدًا ذراعيه بتكبّر:

“أبتعد؟ هل تمزح معي؟ هل تعرف من أكون؟ وهل تعرف من أبي؟ أنا لا أخشى أحدًا!”

تردّد هوا تشي قليلًا، ثم سأله بصوت منخفض:

“أتريد حقًا أن تعرف؟”

أجاب مو رونغ سا بحماس:

“بالطبع!”

ابتسم هوا تشي ابتسامة ماكرة، وقد بدأت الخطة تتشكّل في ذهنه:

“إذن… ساعدني في أمرٍ ما.”

وبعد أن صرف مو رونغ سا، اتجه هوا تشي إلى جناح شانغ تشينغ، فدخل إحدى الغرف الداخلية، وسار نحو رفٍّ مليء بالكتب.

هناك، أمسك بإناءٍ خزفي أزرق وأبيض موضوعٍ فوق الرفّ، وما إن أدارَه حتى تحركت المكتبة بأكملها إلى الجانب، كاشفةً عن غرفة سرية مخفية.

لم يضيّع هوا تشي وقتًا، بل خطا إلى الداخل سريعًا. كانت الغرفة السرية صغيرة وبسيطة الأثاث. وفي زاوية غير ملفتة للأنظار، وُضع مذبحٌ صغير.

جثا هوا تشي أرضًا وزحف أسفل المذبح، ثم رفع بلاطة من الأرضية، فإذا بممرٍّ سري ينفتح، يقود إلى باطن الأرض.

كان مدخل ذلك الممر محميًا بحاجز لا يمكن فتحه إلا بفنون الخلود الخاصة بـ شانغ تشينغ. 

ولأجل هذا، كان هوا تشي قد أغلق على نفسه غرفته ليومٍ وليلة، ليس فقط للتعافي من إصاباته الخفية بعد المسابقة، بل أيضًا ليسترجع أساليب الزراعة الروحية لفنون شانغ تشينغ الخالدة.

وما إن فتح الحاجز، حتى تنفّس الصعداء، وأشعل مشعلًا للإنارة، ثم قفز إلى الداخل.

كان الطريق ملتويًا، كثير التفرعات، أشبه بمتاهة لا تنتهي. جال هوا تشي مرارًا محاولًا التقدّم، لكنه سرعان ما أدرك أنه ضاع تمامًا، فلم يعد يعرف طريق الخروج، بل حتى العودة إلى نقطة البداية باتت مستحيلة.

ففي الماضي، لم يزر هذا المكان سوى مرة واحدة، ومن الطبيعي ألا يتذكر مساره بدقة.

لقد نُصبت هنا تشكيلة القصور التسعة والتريغرامات الثمانية؛ ومن لا يجيد التعامل مع مثل هذه التشكيلات، فلن يلقى إلا مصير الفناء في أعماقها.

لكن لحسن الحظ، كان هوا تشي قد عاش قرونًا طويلة، وقرأ الكثير من الكتب واطّلع على شتى الفنون.

جلس بهدوء في مكانه، وبدأ بفكّ رموز المتاهة تدريجيًا. وفي أقل من نصف الوقت الذي تستغرقه عصا بخور للاحتراق، كان قد وجد بوابة الحياة الوحيدة.

إلا أنه لم يدخلها.

ذلك أن كسر التشكيلة سيُنبّه صانعها.

لم يحن الوقت بعد.

وفي تلك الأثناء، اقتحم مو رونغ سا غرفة لين يان على حين غرة، فأفزع الأخير الذي كان في حوض الاستحمام، ليصرخ بأعلى صوته.

ضحك مو رونغ سا مازحًا:

“ما هذا؟ أأصبحت عذراء خجولة؟”

أجاب لين يان مرتبكًا:

“لا، لا! أيها الأخ السادس، هل جئت بحاجة؟”

اقترب منه مو رونغ سا وهو يتحدث بغموض:

“أخوك الثامن يريدك أن تلتقي بشخص ما. 

قبل الفجر غدًا، خذ هذا الشخص إلى بوابة شانغ تشينغ الخالدة، وتسلل به إلى أي طائفة تختارها.”

سأل لين يان بحيرة:

“ومن يكون هذا الشخص؟”

أجابه مو رونغ سا:

“الأخ هوا لم يخبرني بتفاصيل كثيرة، فقط قال إن الرجل ينتظر عند سفح جبل كونلون. طوله تقريبًا هكذا… وهو شيخ تجاوز الستين.”

وكان لين يان بسيط الذهن، قد اعتاد طاعة الأوامر دون جدال. 

فما إن سمع ذلك حتى انطلق فورًا لتنفيذ المهمة.

مع بزوغ الفجر، اجتمع شيوخ الطوائف الخالدة مع تلامذتهم في منصة شانغ تشينغ. 

وكان لزامًا أن يحضر المتسابقون العشرة الأوائل في منافسات الفنون القتالية.

وبعد انتظار نصف ساعة، تبرم أحد المزارعين وقال بعبوس:

“حقًا، قاعه لينغ شياو تبالغ في التصرّف، أيعقل أن تجعل الجميع ينتظرونهم هكذا؟”

سخر آخر:

“لو كان تلامذتكم ضمن الثلاثة الأوائل، لجعلتم الجميع ينتظر أيضًا.”

تدخل ثالث معترضًا:

“نحن قادرون على التحمل، لكن أن يُجبر شيخ لو على الانتظار كل هذا الوقت من أجل قاعه لينغ شياو، فهذا كثير!”

وأضاف آخر بازدراء:

“لقد حصلوا فقط على مركز في الثلاثة الأوائل، وها هم يتعالون! فكيف سيكون حالهم في المستقبل؟”

وما إن بدأ واحد بالشكوى، حتى انضم إليه آخرون يغتنمون الفرصة للسخرية:

“هاها! إن تكلمنا بدقة، فإن الفائز الأول وحده من قاعه لينغ شياو، أما الثاني فمن يونتيان شويجينغ، والثالث من وادي فينغ مينغ. فلا داعي لإعطاء قاعه لينغ شياو أكثر من قدره!”

“صحيح! ومن يدري كيف ستكون نتائج المنافسة المقبلة!”

وفي مقدمة القاعة، وقف لو مينغ فنغ ينظر إلى لو ياو بجانبه. فمنذ مباراته مع هوا تشي، صار لو ياو في حالٍ سيئة، تائه النظرات أغلب الوقت.

فهو في النهاية لم يتجاوز السادسة عشرة بعد!

مجرد طفل… ومن الطبيعي أن يُصعق هكذا.

قبض لو مينغ فنغ يديه داخل كمّيه بقوة. أي ذكريات أيقظها هوا تشي في عقل لو ياو أثناء تلك المواجهة؟ وماذا رآه يا ترى؟

تدفقت في صدره موجات من القلق وهو يتذكر وادي القمر المشرق واسم آن يو، فازداد اضطرابه أكثر فأكثر.

لا يمكن السماح لـ هوا تشي بالبقاء.

وذلك الـ آن يو الذي اختفى فجأة، أينما كان مختبئًا، لا بد أن يُعثر عليه ويُمحى من الوجود.

وبينما كان لو مينغ فنغ غارقًا في هذه الأفكار، دوّى ضجيج مفاجئ من الأسفل.

“أيها الوغد! أتختبئ هنا؟ أسرع وسلمنا هوا تشي، وإلا جعلتك تدفع الثمن!”

كان مو رونغ سا قد اقتحم منصة شانغ تشينغ، يتبعه جمع من تلامذة قاعه لينغ شياو بوجوه شرسة.

تجمد تشو بينغهوان من الدهشة؛ لم يغب عن مقر قاعه لينغ شياو سوى يومين فقط… فكيف انقلبت الأمور رأسًا على عقب بهذه السرعة؟

أما وجه لو مينغ فنغ فقد اسودّ وهو يزمجر:

“ما الذي يحدث هنا؟!”

ارتاع مو تشي يان وسارع إلى محاولة تقييد مو رونغ سا، فيما تبادل الجميع النظرات في حيرة، لا يدرون ما الذي يجري.

لكن مو رونغ سا انتزع نفسه من قبضته، وصاح بصوت يجلجل:

“يا لو ياو! كفّ عن الاختباء كالجبان، وأخبرنا أين تحتجزه! سلّمه فورًا!”

ما إن سمع تشو بينغهوان هذا حتى تغير وجهه تغيرًا عظيمًا:

“ماذا جرى لـ هوا تشي؟”

تألّق بصر مو رونغ سا بلمعة ماكرة — هذا الرجل غيور، ويمكن التلاعب به بسهولة!

فتظاهر بالعاطفة الجيّاشة، وصاح مدّعيًا:

“ماذا غير ذلك؟ ذلك الوغد لو ياو هو من اختطفه!”

انقبض قلب تشو بينغهوان، وحدّق بنظراته الحادة في وجه لو ياو.

ارتجف لو ياو، ورفع رأسه مرتجفًا أمام الأنظار، مشيرًا إلى نفسه بذهول:

“أ-أنا؟”

زمجر مو رونغ سا بغضب:

“ومن غيرك؟ الرجل الشريف لا يسرق محبوب غيره! هوا تشي وتشو بينغهوان مخطوبان منذ زمن، وقد أعلنا ذلك أمام الجميع أمس. واليوم تختطفه أنت؟ أليس لديك ذرة حياء؟”

آلاف الأعين انصبت على لو ياو، الذي كاد يموت غيظًا وذعرًا، يتمتم بتلعثم:

“ل-لا! لم أفعل… لست أنا!”

احمرّ وجه مو تشي يان من الخجل، فسارع يوبّخه:

“كفّ عن نشر الأكاذيب يا مو رونغ سا!”

لكن الآخر ردّ متحديًا:

“أنا لا أكذب! البارحة كنت أتحدث مع الأخ هوا. قلت له إنني رأيت لو ياو يتصرف بغرابة في المكتبة، ربما تأثر بموسيقى الناي في المنافسة. شعر الأخ هوا بالذنب، وقال إنه سيذهب إلى جناح شانغ تشينغ ليعتذر له ويعزف له مقطوعة مهدئة. لكن حين ذهبت إلى غرفته هذا الصباح، لم أجده. سألت زملاءه من التلاميذ، فأكدوا أنهم لم يروه طوال الليل!”

انتهز تشوانغ شياو إر الفرصة ليصيح:

“إن الخالد لو موضع شبهة كبيرة!”

وأضاف ون يوان:

“أيها الخالد لو، أعِد لنا السيد هوا!”

وارتفعت الهمهمات بين الحاضرين، عيونهم تتسع في دهشة وعدم تصديق.

تردد الشيخ غان يانغ قائلًا:

“هذا…”

لكن لو مينغ فنغ قطب حاجبيه بشدة، وزجر بغضب:

“لو ياو! اشرح ما الذي يحدث!”

كان لو ياو بطبيعته ضعيف القلب، فزاد الموقف ثقلاً عليه، ولم يستطع سوى أن يكرر نفيه، محمر الوجه كمن أوشك على البكاء.

صاح مو رونغ سا مدّعيًا:

“وما غير ذلك؟ إنه يشتهي جمال أخي الصغير ويضمر نوايا سيئة! أتذكرون في اختبار قمة لينغ شياو؟ لم يرفع عينيه عن الأخ هوا! ثم في وادي القمر المشرق، كان كثيرًا ما يجره على انفراد، بل وأراد ضمّه إلى طائفة شانغ تشينغ ليبقى بجانبه ليلًا ونهارًا! وبعد أن أعلن تشو بينغهوان خطوبتهما بالأمس، غلبه الحسد، فاستسلم لغريزة الحيوان بداخله، وهكذا—”

“كفى!” قاطعه تشو بينغهوان بصوت قاطع.

ثم اندفع طائرًا إلى مقدمة قاعة شانغ تشينغ، عيناه الباردتان مثبتتان على لو ياو، وقال بصرامة:

“أعده فورًا!”

ولو تأمل قليلًا، لوجد أن في الأمر تناقضات كثيرة.

كيف لرجلٍ كفؤ مثل هوا تشي أن يُختطف بيد لو ياو؟

لكن تشو بينغهوان لم يرد التفكير في شيء الآن.

كل ما أراده هو أن يرى هوا تشي أمامه، سليمًا معافى، لا ينقصه شعرة واحدة.

أما المنطق والعقل… فليذهبا إلى الجحيم!

كان لو ياو قد بلغ مرحلة لا شفاء منها، فجاءت هذه الحادثة لتزيده تيهًا وضياعًا:

“لم أفعل شيئًا… لم أرَ الأخ هوا أصلًا!”

ثم رفع بصره برجاء نحو لو مينغ فنغ، وقد اعتاد منذ صغره الاعتماد على غيره:

“أبي!”

لكن مو رونغ سا صاح ساخرًا:

“الاستنجاد لن ينفعك! حتى لو كنتَ خالداً من شانغ تشينغ، فما شأن ذلك؟ أيعني أنك ابن شيخ الطائفة فلا يجوز التحقيق معك؟”

جرف تشو بينغهوان المكان بنظراته الباردة، وقال بصرامة:

“هوا تشي يخصني. أيها الشيخ لو، لا تتحيز لابنك.”

وصل تشوانغ تيان متأخرًا، وما إن سمع بالخبر حتى صُعق، لدرجة أنهم اضطرو لجرّه إلى الداخل.

التقط أنفاسه بعمق وقال لـ لو مينغ فنغ:

“يا شيخ الطائفة لو، نرجو أن تسمح لنا بتفتيش غرفة ابنك. وإن تأكد أن هوا خاصتنا ليس هناك، فسأعتذر بنفسي أمام لو ياو.”

ارتجف لو ياو وهو يتمتم في خوف:

“لا… لا يجوز! جناح شانغ تشينغ هو مقرّ شيخ الطائفة، لا يمكن للغرباء دخوله.”

لكن مو رونغ سا اعترض بحدة:

“القوانين ميتة، أما البشر فأحياء. وفي مثل هذه الظروف الخاصة، لن نتعدى سوى بنظرة خاطفة ونرحل. لن نلوث الأرض المقدسة لشانغ تشينغ!”

أثار لفظ الأرض المقدسة رعشةً في قلوب شيوخ الطوائف الحاضرين.

فطائفة شانغ تشينغ تتربع على قمة طريق الخلود، وتلامذتها يتباهون بتسمية أنفسهم سادة الخلود، فيما تلامذة باقي الطوائف يُجبرون على معاملتهم وكأنهم بشر أدنى. ولماذا هذا التفاضل أصلًا؟

تقدّم تشو تشانغ فنغ محاولًا التوفيق:

“ما رأيكم أن يدخل شيخ الطائفة تشوانغ مع تشو تيان يو فقط، فيما ينتظر الآخرون بالخارج؟ أليس هذا أنسب؟”

لكن مو رونغ سا جال بنظره بين الحشد، حتى وقعت عيناه على لين يان، فصاح متعمدًا:

“وأنا أيضًا أريد الدخول!”

عندها تنفّس لو مينغ فنغ بعمق، وحرر يده من قبضة لو ياو بقوة، ثم تقدّم بخطوات ثابتة وقال:

“جناح شانغ تشينغ هو مكان تأمل شيخ الطائفة، ولا شيء يستحق الإخفاء. ثم إن هوا تشينغ كونغ هو بطل المنافسة الكبرى، ذو شأنٍ رفيع. وبما أنه اختفى في نطاق شانغ تشينغ، سواء كان لابني علاقة بذلك أم لا، فإن من واجبي أن أساعد في البحث عنه.”

قال تشوانغ تيان ممتنًا:

“نشكر تفهّمك يا شيخ الطائفة.”

لم يتفرق الحشد، بل ظلوا مجتمعين على منصة شانغ تشينغ يتطلعون لمشاهدة ما سيجري. 

بينما تبع فريق صغير تشوانغ تيان والبقية نحو جناح شانغ تشينغ.

كان الجناح مقسمًا إلى قاعتين، شرقية وغربية؛ الشرقية هي مسكن لو مينغ فنغ، والغربية لتلامذته. دخل تشوانغ تيان إلى الجانب الغربي، بينما وقف تشو بينغهوان في القاعة الرئيسية. أما مو رونغ سا فقد تملكه الغيظ، وهو يتساءل كيف يصل إلى الجهة الشرقية.

وفجأة دوى صوت طائر.

أضاءت عينا مو رونغ سا، فالتفت بلمح البصر نحو لين يان المنتظر خارج القاعة. وفي تفاهم عجيب، أصدر لين يان أمرًا بالتخاطر إلى طائر تشونغمينغ، ليحلق مطيعًا نحو القاعة الشرقية.

صرخ مو رونغ سا متظاهرًا بالجزع:

“هيه! أيها الجد الصغير! عد إلى هنا! لا تتجرأ وتبول في غرفة شيخ الطائفة!”

واندفع يركض خلف الطائر بجنون. 

تبعه تشو بينغهوان بنظرات خاطفة إلى وجه لو مينغ فنغ المتجهم خارج القاعة، ثم لحق به.

ارتبك الطائر تشونغمينغ وهو يرفرف في أرجاء القاعة، وواصل مو رونغ سا تمثيل مطاردة محمومة. عندها فقد لو مينغ فنغصبره، فأطلق تعويذة حصر، محاصرًا الطائر في مكانه.

قال بصرامة:

“الجميع رأى أن لا أحد هنا سوى طائر مشاكس. وبذلك يتضح أن هوا تشينغ كونغ ليس…”

لكن تشو بينغهوان كان قد خطا عدة خطوات واسعة حتى بلغ رفًّا خشبيًا.

جثا على ركبتيه، وبعينين متسعتين من الذهول، حدّق إلى بقعة دمٍ داكنة اللون، حمراء قاتمة، تتسرب من أسفل الرفّ:

“هذا… هذا دم هوا تشي!؟”

(ملاحظات المترجمة:

يحمل نقش الأقحوان، وخاصة في الثقافات شرق الآسيوية مثل الثقافة الصينية، رموزًا ومعاني غنية ومتنوعة:

1. طول العمر والحيوية: غالبًا ما يُرتبط الأقحوان بطول العمر والحيوية الدائمة. وذلك لأنه يزهر في فصل الخريف، في الوقت الذي تذبل فيه معظم الأزهار الأخرى، مما يجعله رمزًا للصمود والقدرة على الازدهار حتى في الظروف القاسية.

2. النُبل والأناقة: في الثقافة الصينية، يُعد الأقحوان واحدًا من “الأربعة النبلاء” (四君子) بين الزهور، إلى جانب أزهار البرقوق، والأوركيد، والخيزران. وتمثل هذه النباتات الفصول الأربعة وتُعجب الناس بخصالها النبيلة. الأقحوان يمثل فصل الخريف، ويرتبط بفضائل الرجل النبيل مثل الأناقة والتواضع.

3. التأمل والسلام: يُرتبط الأقحوان أيضًا بالتأمل والحياة الهادئة. في الثقافة الصينية، خلد الشاعر تاو يوان مينغ (陶淵明) الأقحوان كرمز لحياة العزلة والتأمل، بعيدًا عن فساد المناصب الرسمية.

وطبعاً كلمه اقحوان لها معنى خاص في روايات الدانمي عشان كذا حبيت اوضع انو اقحوان مو يعني ذاك المكان بس😭)

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]