🦋

أربك هذا الخاطر تشو بينغهوان، بينما كان هوا تشي يحدّق فيه مباشرة.

تقنية الرياح الجارية والثلج المصغي التي استخدمها قبل ثلاث سنوات، والتفاهم الضمني في مبارزتهما… لم يعد ذلك الإحساس بارداً، بل صار يلاحقه حتى آخر الدنيا. 

لم يعد يركّز على الطريق فقط، بل وكأنه يدفعه أيضًا نحو الوفاء بخطبتهما.

هل يمكن أن يكون تشو بينغهوان قد وُلِد من جديد أيضًا؟

هذا السؤال ومض في ذهن هوا تشي.

لم يجرؤ على تأكيده، ولا استطاع أن يتجاهله تمامًا.

إن كان تشو بينغهوان قد وُلِد من جديد فعلًا… ماذا عليه أن يفعل؟

… أم أنه يبالغ في التفكير؟

— كلاهما، هوا تشي وتشـو بينغهوان، طرحا نفس السؤال في قلبيهما في اللحظة نفسها.

ربما هو مجرد وهم؟ فبِحكم شخصية تشو بينغهوان، لن…

وفوق ذلك، حتى لو لم يرغب في الزهد أو الصعود، فلن يربط نفسه بهوا تشي، أليس كذلك؟

ألم يكن يكرهه؟

كلمات قاسية مثل: “عديم الحياء”، “لا أمل فيك”، “لا يسعنا العيش في عالم واحد”، “المسني مجددًا وسأقطع مساراتكالروحية”… أليست مجرد تهديدات في الهواء؟

شعر هوا تشي ببعض الارتباك.

قال مو رونغ سا بدهشة:

“أنتما الاثنان…”

لقد كان يظن أن هوا تشي قوي بما يكفي، فهو من هزمه شر هزيمة داخل الطائفة، لكن ما رآه الآن فاق كل تصوره!

قبل قليل فقط، كان هوا تشي يصد جميع ضربات تشو بينغهوان واحدة تلو الأخرى… الأمر مذهل بحق!

“الرياح الجارية والثلج المصغي”، و*“المطر الصافي والنسيم اللطيف”*.

هاتان الحركتان لا تجتمعان أبدًا في الوقت نفسه، لأن تنفيذ إحداهما من قِبل تشو بينغهوان يعني أن هوا تشي لن يجد فرصة لإظهار مهارته، والعكس صحيح؛ فإذا بدأ هوا تشي الهجوم، فلن يحتاج تشو بينغهوان للتدخل.

المرة الوحيدة التي اجتمعتا فيها كانت حين أصبح هوا تشي سيد الشياطين وذهب إلى يونتيان شويجينغ ليبحث عنه.

حينها، اشتبكت سيوفهما في قتال شرس.

سأله تشو بينغهوان:

“الناس في الخارج يقولون إنك ذبحت ستًّا وعشرين أسرة، وأفنيتهم جميعًا… لم تُبقِ لا إنسانًا ولا حيوانًا.”

فأجاب هوا تشي بلا تردد:

“صحيح.”

“لماذا؟”

ابتسم هوا تشي ابتسامة خبيثة، ارتسم على شفتيه قوس متعطش للدماء:

“أقتل إذا أردت أن أقتل. كل ما تحتاج إلى معرفته هو أنهم ماتوا بيدي، دون أي دافع خفي أو تهمة باطلة. هذا… يختلف عن أولئك الخمسة آلاف من تلاميذ طائفة شانغ تشينغ الذين ظلموني. هؤلاء… لم أظلمهم.”

ضحك ببرود:

“سيد الشياطين هوا تشي، قاسٍ وسامّ، يذبح الناس بلا رحمة. ممتاز!

كانوا يريدون قتلي يومًا، وها هم الآن يخافونني. يكفي أن يُذكر اسمي حتى يرتعبوا حتى الموت. أينما ذهبت، يفرّ الخالدون والشياطين على حد سواء من على بُعد ألف ميل، خوفًا من لقائي.

وأنا… أستمتع بذلك كثيرًا.”

رمى هوا تشي سيفه جانبًا، وفتح ذراعيه وهو يتقدم نحو تشو بينغهوان، ضاغطًا صدره على حافة سيف الأستماع الى الربيع، وابتسامة ذات مغزى ترتسم على وجهه:

“يا سيد يونمياو، خلّص العالم من الشياطين، وخذ بثأرهم!”

في ذلك الوقت، كان هوا تشي صادقًا.

لقد أراد أن يموت على يد تشو بينغهوان.

على أي حال، بما أنه لم يعد يرغب في الحياة، كان من الطبيعي أن يمنح هذا الشرف لتشو بينغهوان، ليجعله بطلًا عظيمًا قتل سيد الشياطين وخلّص الناس من شره.

لكن… لاحقًا، فجأة لم يعد قلبه يحتمل ذلك.

لقد أحبّ تشو بينغهوان طوال حياته، فهل من العدل أن يعامله بهذه القسوة حتى في موته؟ بالطبع لا!

لذلك، حين باغته تشو بينغهوان، خطفه بدلًا من أن يتركه يقتله.

جلس مو تشي يان متكئًا على كرسيه:

“هذان الفتيان… مذهلان بحق!”

“لا… هل هما حقًا في السابعة عشرة؟!”

صاح كبير طائفة سيف ووجي بصوت مرتفع.

وللمرة الأولى، لم يعارضه كبير طائفة تشياو، بل فتح فمه مدهوشًا:

“هذه المهارة في المبارزة… مبالغ فيها تمامًا!”

غطّى ون يوان رأسه واتكأ على لين يان:

“الأخ التاسع… لا أستطيع التحمل، أشعر بالدوار… حالتي ليست جيدة.”

أما مو رونغ سا، الذي تجمّد نصفه بفعل العاصفة الثلجية ثم صُدم بعودة الدفء المفاجئة، فقد ارتجف وهو يشعر بالحرّ والبرد معًا: “كلنا من نفس العائلة، ألا تستطيعان أن تُرفقا ببعضكما؟”

كانوا من نفس الطائفة، ومع هذه العلاقة القريبة، فلماذا يقاتلان بجدية مفرطة؟

على أي حال، سواء فاز الأول أو الثاني، فكلاهما يبقى من أصول قاعه لينغ شياو.

آه، وبالمناسبة… هو نفسه جاء في المركز الثالث.

فكر مو رونغ سا بسعادة؛ هذه أول مرة يشارك في بطولة القتال لعشرة آلاف بوابة ويحقق نتيجة كهذه، فلم يستطع إخفاء فخره.

رأى تشو تشانغ فنغ الأمر بوضوح:

 “هذان الفتيان متعادلان في القوة، وإذا استمرّا هكذا، قد لا يُحسم النزال حتى الغد.”

تنهد الشيخ تشينغ يانغ بضيق، ومسح العرق عن جبينه بكمّه:

“في هذه الحالة، سيُحسم الفائز خلال ثلاث ضربات فقط! 

أول من يلمس نقطة الموت في رقبة خصمه… يفوز بالبطولة!”

وافق الجميع بصوت واحد، وأبدى المتنافسان على المنصّة موافقتهما أيضًا.

استلّ تشو بينغهوان سيفه أولًا، فلحقه هوا تشي مباشرة، يواجهه وجهًا لوجه.

تراقصت أزهار السيوف برشاقة تبهر الأبصار، فيما بثّت الحواف الحادّة قشعريرة في النفوس. اجتاح البرود الجليدي منصة شانغ تشينغ بأكملها، حتى صار من المستحيل تقريبًا على الحاضرين الاقتراب، فلم يجدوا سوى التراجع المستمر خشية أن تصيبهم شظايا قوتهما، فيُؤذى الأبرياء بلا قصد.

وأخيرًا، اغتنم هوا تشي الفرصة. تقدم خطوة، نقل سيف النسيم الرقيق إلى يده اليسرى، ومدّ يده اليمنى سريعًا خلف ظهر تشو بينغهوان.

لكن رد فعل تشو بينغهوان كان أسرع من البرق. مدّ ساقه ليعرقل هوا تشي، فأفقده توازنه. ومع سقوطه للخلف، أمسك هوا تشي بلا وعي بشيء طائر في الهواء، فإذا به عصابة الشعر التي انزلقت عن رأس تشو بينغهوان.

في الوقت نفسه، مدّ تشو بينغهوان ذراعيه هو الآخر دون تفكير، ليطوّق خصر هوا تشي بإحكام وهو يهوي.

ارتفعت القمر المضيء عاليًا في السماء، وسكن الريح، وتوقفت الغيوم. 

وكأن الزمن تجمّد في تلك اللحظة.

كان خصر هوا تشي أنحف بكثير وألين مما تصوّره تشو بينغهوان، لكن لا أنوثة فيه ولا ضعف مفتعل، بل صلابة رجلٍ حقيقية. كانت عظامه دقيقة، وبالأخص هوا تشي الذي بدا أضعف في حضنه، حتى خشي أن يضغط بقوة فيكسر عظامه الهشّة.

شعر هوا تشي بدوار، ثم فجأة شدّ أحدهم خصره. نظر إلى المشهد المقلوب أمامه، وبقي طويلًا حتى يستوعب ما يحدث.

كان النسيم الليلي عليلًا، فيما بدا أن تشو بينغهوان نسي أين يقف، مكتفيًا بالتحديق بجنون في الشخص بين ذراعيه.

تطاير شعره الأسود كالحرير مع الريح، لينسدل بخفة على صدر هوا تشي.

أضاء ضوء القمر المكان بصفائه، فانعكس المشهد في صمتٍ رقيق.

أحدهما يرتدي ثيابًا بيضاء نقيّة، ملامحه هادئة، عيناه غارقتان بعمق في الشخص بين ذراعيه، كأنه يريد الكلام لكن يتردد.

والآخر بثياب حمراء فاتنة، عيناه كعيني طائر الفينيق، تتلألآن بضياء مجرة درب التبانة، زاهيتان بالألوان.

الجميع: “…”

قفزت مي كايلين من مقعدها صارخة:

“تشو بينغهوان!”

وبعد لحظات طويلة تلعثم مو رونغ سا:

“ألا ترى أن ما تفعلانه وقاحة علنية؟!”

أسرع هوا تشي بالانسحاب من حضن تشو بينغهوان، وأعاد إليه عصابة الشعر الحريرية. وعلى عكس برود تشو بينغهوان وثباته، احمرّ وجهه بشدة، تسارعت دقات قلبه حتى شعر بتنميل في جسده كله: “آسف…!”

شحب وجه مي كايلين غضبًا:

“بينغهوان! ماذا تظن نفسك تفعل؟!”

التفت إليها تشو بينغهوان بهدوء، يواجه نظراتها الثائرة:

“كنت أساعده على النهوض.”

احمرّت عينا مي كايلين غضبًا:

“أتسمي هذا مساعدة؟!”

أجاب بثقة لا تهتز:

“وما العيب في ذلك؟ لدينا بالفعل اتفاق خطوبة. وحتى إن حدث بعض القرب الجسدي، فهذا ليس تجاوزًا للحدود.”

الجميع: “!!!”

مو تشي يان، مذهولًا:

“اتفاق خطوبة؟! أي اتفاق خطوبة؟!”

ارتبك شيه وانتينغ وقال بدهشة:

“الشيخ تشو، هل لديك خطوبة بالفعل؟ كيف لم أسمع بهذا من قبل؟”

تتابعت الأصوات من كل جانب:

“تشو تيان يو وهوا تشينغ كونغ مخطوبان؟”

“هل تم ترتيبها في الطفولة؟”

“خطوبة منذ الصغر؟”

“يا إلهي، لا عجب أن الشيخ تشو كان دائمًا متجهمًا وغير مبالٍ بالنساء المزارعات. 

اتضح أنه كان يخفي شخصًا في قلبه منذ البداية!”

“يا لها من قصة رومانسية.”

“هذان السيدان حقًا ثنائي مثالي!”

لم يكد مو رونغ سا يصدق أذنيه. كيف لِـ تشو بينغهوان، الذي اعتاد أن يكون صامتًا مثل القرع الفارغ، أن يفجر مفاجأة بهذا الحجم فجأة؟! لقد أعلنها جهارًا أمام جميع شيوخ الطائفة! هذا الأمر سيقلب الدنيا رأسًا على عقب!

أما هوا تشي، فقد كان مذهولًا أكثر من الجميع:

“تشو بينغهوان، ما الذي تقوله؟”

لكن الأخر أجابه ببرود وثبات:

“الحقيقة كما هي.”

هوا تشي: “…”

حتى هو نفسه لم يجد ما يحتج به!

فانفجر الجمع بأحاديث صاخبة، وساد الهرج والمرج.

أما مي كايلين، فكانت على وشك أن تبصق دمًا من شدة الغيظ!!!

أي خطوبة، أي زواج، هراء محض! لم تذكر الأمر على الملأ أبدًا لأنها لم تأخذ هذه الزيجة على محمل الجد أصلًا. بل شعرت بالحرج من مجرد التطرق لها! فالخطوبة قررها الشيوخ اعتباطًا، بلا مسؤولية، وكأنهم دمّروا حياة تشو بينغهوان بأيديهم.

هوا تشي بلا والدين، بلا خلفية عائلية، فبأي منطق يربطونه بطائفة يونتيان شويجينغ؟!

“أحم! أحم!” لحسن الحظ، تدخل لو مينغ فنغ بسرعة لضبط الموقف، ثم أعلن الشيخ غان يانغ بصوت مرتفع ليكسر الفوضى: “في المباراة النهائية من مسابقة الفنون القتالية لعشرة آلاف طائفة، يفوز بها هوا تشي من قاعه لينغ شياو!”

فجأة، دوّى صخب هائل أمام شانغ تشينغ!

وضرب الشيخ غان يانغ الجرس العتيق بنفسه، فطارت الطيور من كل صوب. 

ارتجّت جبال كونلون بصدى صوته العميق.

في مكان آخر…

“سيدي! هل استيقظت؟”

تهلل تشوانغ شيا إر فرحًا وهو يقدّم الشاي والماء بسرعة.

شعر تشوانغ تيان وكأنه استيقظ من حلم طويل. 

استمع لصوت الجرس يتردد عبر الجبال، فعاد وعيه تدريجيًا، وهمس مذهولًا:

“هل انتهت مسابقة العشرة آلاف طائفة؟”

شيا إر: “نعم!”

أطلق تشوانغ تيان زفرة طويلة من الراحة. فبالمقارنة مع قلقه قبل الإغماء، بدا الآن هادئًا على غير العادة.

مسح أوراق الشاي بغطاء الكوب، نفخ عليه برفق ليبرد، ثم ارتشف رشفة مطمئنة.

لقد انتهى الأمر، ولا داعي للقلق بعد الآن. كان راضيًا كل الرضا.

فقد حلّ تلاميذه ضمن الخمسين الأوائل من بين مئة ألف مزارع! الخمسون الأوائل!

إنجاز يكفيه للفخر مئة عام!

لكن سرعان ما اندفع ون يوان مذعورًا، يتعثر حتى قبل أن يبلغ الباب، ثم جثا على ركبتيه بجانب سرير معلمه وهو يصرخ: 

“سيدي، لقد انتهى الأمر! في الصف الثالث… الأول هو مو تشاوياو.”

“بففف—!”

رشّ تشوانغ تيان كل الشاي من فمه دفعة واحدة!

ارتجفت شفتا ون يوان طويلًا قبل أن يواصل بصعوبة:

“وفي الصف الثاني… تشو تيان يو.”

تجمّد جسد تشوانغ تيان، مذهولًا.

لكن ون يوان، رغم ارتجافه، أكمل:

“أما في الصف الأول… فهو هوا تشينغ كونغ.”

اسودّت الدنيا في عيني تشوانغ تيان، فسقط ممدّدًا، وقد مدّ ساقيه مستسلمًا يائسًا.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]