🦋

منذ البداية، حين راقب مو رونغ سا نزال تشو بينغهوان مع أحد تلاميذ طائفة شانغ تشينغ، أدرك الفارق الشاسع بينه وبين تشو بينغهوان.

وبما أنهم جميعاً إخوة في الطائفة، لم تكن هناك حاجة للقتال حتى الموت؛ فجهد رمزي يكفي. 

غير أن مو رونغ سا، بعد أن فكّر قليلاً، تذكر أن تشو بينغهوان هو ابن يونتيان شويجينغ، وأنه هو نفسه الشاب السيّد لوادي فينغ مينغ. وحتى لو لم يكن لقاعه لينغ شياو دخل في الأمر، فإنه، حفاظاً على سمعة عائلته، لا بد أن يبذل قصارى جهده.

هكذا فكّر مو رونغ سا… ثم نال علقة قاسية.

تحت إرشاد هوا تشي، كان مو رونغ سا قد اكتسب ثقة كبيرة في مهارته بالسيف. 

وكانت هذه أول مرة يواجه فيها تشو بينغهوان في قتال، فظن أن النصر مضمون. لكنه لم يكن يعلم أن مهارة تشو بينغهوان في السيف كانت دقيقة، شرسة، وسريعة. فخلال بضع جولات، مزّق تشو بينغهوان تقنيته الباذخة والمكلفة 'عرض الطاووس' إلى أشلاء. وبينما كان مو رونغ سا ينوح في قلبه على تلك الشظايا، استخدم تشو بينغهوان تقنية حرق الروح ليقيده كأنه زلابية ملفوفة بإحكام.

تنهّد مو رونغ سا قائلاً:

“إذا تحدثنا عن الثراء، فـوادي فينغ مينغ ليس فقيراً. كمّ أكمامي السحرية قد يخلو من بعض الأشياء، لكنه مليء بالكنوز. لكن يا للأسف، هجمات تشو بينغهوان كانت سريعة وشرسة لدرجة أنني لم أحظَ بفرصة لإخراج أي من أدواتي السحرية.”

“نحن جميعاً إخوة في الطائفة، فلا داعي لأن تلعب بهذه القسوة، آي!”

قال تشو بينغهوان ببرود:

“اعترف بالهزيمة.”

بالنسبة للأخ السادس، أن يُهزم على يد الأخ السابع كان عاراً. 

لكن ماذا عساه يفعل؟ مهارته أضعف، ويستحق ذلك!

قال مو رونغ سا، وقد بدأت تراوده الشكوك في اختياراته في الحياة:

“انتظر، يا سيد تشو، هل أنت متأكد أنك مزارع طبّ؟”

كيف يمكن لطبيب، الذي يُعتبر الأضعف في عالم الزراعة، أن يكون بهذه القوة والعدوانية؟

قال تشو بينغهوان بوجه بلا تعبير:

“لا تقلق يا سيد مو، سواء فقدت ذراعاً أو ساقاً، أستطيع إعادة وصلها لك.”

مو رونغ سا: “…”

يا إلهي، هذا الرجل مخيف، أبكوا معي!

“ما الذي فعلته لأستفزك؟” قال مو رونغ سا بمرارة، “حتى وإن كنت مدللاً ومغروراً بعض الشيء، فأنا أحترم الكبار وأحب الصغار. ألا أُحسن معاملة الأخ هوا ويان الصغير؟”

عندها ضم تشو بينغهوان شفتيه قليلاً، وألقى نظرة ذات مغزى نحو هوا تشي أسفل المنصة، قبل أن يعود بصره الحاد إلى مو رونغ سا.

ارتجف مو رونغ سا.

اللعنة! لقد مرّت 365 يوماً وما زلت تحمل الضغينة؟ علاقاتك الملتبسة والمتقطعة مع هوا تشي لا علاقة لها بي! لستُ حبّ هوا تشي الجديد، أبداً!

كاد مو رونغ سا أن يتقيأ دماً:

“هذا الشاب بريء، والسماء والأرض تشهدان!”

ظل تشو بينغهوان بلا أي تعبير، وتقدم ببطء، مستعداً لركل مو رونغ سا خارج المنصة.

لكن مو رونغ سا، الذي لم يرغب في أن يتدحرج في ذلّ، أسرع قائلاً:

“لا، لا، لا، ثيابي غالية ولا يمكن أن تتسخ! أعترف بالهزيمة، أعترف بالهزيمة!”

لم يستطع مو تشي يان الاحتمال أكثر، فقال:

“ذلك الصغير… على الأقل يعرف متى يستسلم.”

أعلن أحد تلاميذ طائفة شانغ تشينغ:

“في المباراة قبل الأخيرة، قاعه لينغ شياو – تشو بينغهوان يفوز!”

أما المباراة التالية، فكانت بين مو رونغ سا ولو ياو للتنافس على المركز الثالث.

لم يثبط الخسارة عزيمة مو رونغ سا، بل زادته إصراراً. فصبّ كل إحباطه على لو ياو. اشتبك المبارزان بالسيوف قتالاً شرساً، ومع الحافز الإضافي المتمثل في 'جميع ثياب الطائفة المتسخة' التي سيتوجب عليه غسلها إن خسر، قاتل مو رونغ سا بكل ما أوتي من قوة. وفي النهاية، هزم لو ياو وانتزع المركز الثالث.

عند الغروب، بدأت المباراة النهائية.

تجمّع حشد أكبر حول منصة شانغ تشينغ، فهذه هي المعركة الفاصلة في مسابقه الفنون القتالية، حيث سيُتوج البطل.

ابتسم شيه وانتينغ بهدوء وسأل:

“برأيكم، من سيفوز أيها السادة؟”

قال مو تشي يان:

“على الأرجح سيكون تشو تيان يو، أليس كذلك؟ فهو من يونتيان شويجينغ وقد تدرب منذ طفولته. صحيح أن هوا تشينغ كونغ موهوب، لكن فترة تدريبه لا تزال قصيرة نسبياً.”

أجاب تشو تشانغ فنغ:

“من خلال المباريات الكثيرة التي شهدناها، يبدو واضحاً أن الاثنين متكافئان تماماً… من الصعب تحديد الفائز.”

أما مي كايلين، فلم تعد ترغب بالمشاهدة. 

فمجرد تذكّرها لما قاله تشو بينغهوان في تلك الليلة جعلها تشعر بالقلق.

ما الفائدة من مشاهدة هذين يتقاتلان؟ ربما لا تعرف نوايا هوا تشي، لكنها متأكدة أن تشو بينغهوان لن يطيق أن يقاتله بكل قوته. ألن يتعمد التهاون؟

عندما صعد هوا تشي إلى المنصة، كان تشو بينغهوان قد انتظره طويلاً. 

وقف على مسافة منه وناداه بصوت مرتفع:

“خذ الأمر بجدية! لا تُمسك نفسك!”

أجاب تشو بينغهوان بنبرة هادئة لكن بعينين جادتين:

“عمّ تتحدث؟”

ابتسم هوا تشي ابتسامة عارفة.

كيف يمكن لتشو بينغهوان أن يتهاون؟ فالنزال العادل هو قمة الاحترام، أما النصر الناتج عن تهاون الخصم فلا قيمة له.

أخرج هوا تشي سيفه النسيم الرقيق.

تفاجأ تشو بينغهوان:

“ستستخدم السيف؟”

أومأ هوا تشي:

“ألستَ ستستخدم الأستماع إلى الربيع؟”

تردد تشو بينغهوان:

“لكن… أنت مزارع موسيقى، من المفترض أن تستخدم هان شوي.”

ابتسم هوا تشي بسخرية وقال:

“وأنت مزارع طب، ومع ذلك لا أراك تسمّمني بالأدوية.” ثم سحب سيفه الطويل وأشار به نحو تشو بينغهوان:

“لنحسم الأمر بالسيوف.”

هذه الكلمات هزّت قلب تشو بينغهوان بشدة.

في حياتهما السابقة، عندما عاد هوا تشي بعد أن اختفى مئة عام، كان قد صار سيد شياطين مخيفاً. 

ذهب إلى يونتيان شويجينغ دون أن يؤذي زهرة أو ورقة عشب واحدة، ووقف أمام تشو بينغهوان في برج الخيزران.

ابتسامته كانت خافتة، بالكاد تُرى، وقال:

“يا مكعب الثلج، لن أستخدم هان شوي، وأنت لن تستخدم حرق الروح… فلنحسم الأمر بالسيوف.”

كانت أساليب السيف لطائفة شانغ تشينغ مشهورة في كل أرجاء العالم.

كانت مهارات السيف لدى هوا تشي وتشو بينغهوان قد صُقلت على يد طائفة شانغ تشينغ، ثم ارتقت بفضل فهمهما الخاص وابتكاراتهما حتى بلغت ذروة الإتقان.

لكن لاحقًا، تخصّص تشو بينغهوان في الطب، ونادرًا ما عاد يستخدم سيفه.

أما هوا تشي، فبعد أن سلك طريق السحر المظلم وأصبح مزارع شياطين، فقد تدرّج في ترك استعمال السيف تمامًا.

منذ ذلك النزال المميت الذي لم يُحسم، لم يتقاطعا بالسيوف مرة أخرى.

حتى بعد أن وُلدا من جديد، وانضما إلى الطائفة نفسها، وتتلمذا على يد المعلم نفسه، لم يطلب تشو بينغهوان أبدًا مبارزة سيوف مع هوا تشي، إذ لم يكن يريد استدعاء المشهد الموجع من حياتهما السابقة.

والأغرب أن هوا تشي لم يسعَ إليه هو الآخر.

هذا جعل تشو بينغهوان يشعر بالراحة والريبة في آن واحد.

فبشخصية هوا تشي ومهاراته الفائقة، كان من المفترض أن يبحث عن خصوم أقوياء لعرض قدراته، لا أن يفضل مواجهة مو رونغ سا على شخص مساوٍ له في القوة مثل تشو بينغهوان.

أمر غريب حقًا.

مع أمر من الشيخ غان يانغ، انتُزع تشو بينغهوان من شروده، ليجد هوا تشي قد هاجمه. 

فبادر بالمراوغة والرد سريعًا.

لكن ما زالت هناك أمور لم يفهمها. أثناء مواجهة هوا تشي مع لو ياو سابقًا، أحسّ تشو بينغهوان أن هوا تشي كان ينوي قتله في اللحظة الأخيرة.

لم يكن ذلك وهمًا! فقد كان في تلك اللحظة إحساس قاتل جارف، يمكن لأي مزارع قوي الإحساس الروحي أن يلتقطه.

ارتبك تشو بينغهوان تمامًا. أليس هوا تشي معجبًا بلو ياو؟

حتى لو لم ينضم هوا تشي في هذه الحياة إلى طائفة شانغ تشينغ لسبب غامض، فليس هناك ما يبرر كراهية عميقة إلى حد الرغبة في قتله أمام الجميع…

( ملاحظة المترجمة: في الحياه السابقه هوا تشي كان يحمي لو ياو ويخاف على حياته بسبب اللعنة وذا الشي اللي خلى تشو بينغهوان يسيء الفهم ويحسب حمايه هوا تشي للو ياو بسبب مشاعر بينهم )

قال هوا تشي فجأة:

“يا مكعب الثلج، هل تستطيع أن تأخذ الأمر بجدية؟”

ثم سحب سيفه فجأة، مما أربك تشو بينغهوان الذي أسرع بإيقاف هجمته.

قال هوا تشي:

“لقد تراجعت مهارتك في السيف.”

لهث تشو بينغهوان وهو يرد:

“وكيف تعرف مهارتي في السيف؟”

تجمّد هوا تشي لحظة، ثم بعد تفكير طويل قال:

“فقط… أسلوبك مختلف عن آخر مرة. أريدك أن تقاتلني بنفس الحدة التي قاتلت بها مو رونغ سا، فهمت؟”

مو رونغ سا من أسفل المنصة:

“… تبا، لا يتحمسون إلا بضربي، هذان الأحمقان!”

ثبت تشو بينغهوان ذهنه وقال:

“هيا إذن!”

ومع صفاء فكره من المشتتات، عاد أسلوبه الحاد، وصارت حركاته سريعة وضرباته لامعة، فأثار تصفيقًا مدويًا وإعجابًا من الشيوخ.

هتف تلاميذ يونتيان شويجينغ:

“الشاب السيد مذهل!”

كانت الهتافات الجارفة من تلاميذ يونتيان شويجينغ تجعل هوا تشي يبدو وحيدًا وبائسًا، فلم يستطع مو رونغ سا تحمّل الأمر، فجمع تلاميذ وادي فينغ مينغ لتشجيع هوا تشي، مردّدين الهتافات في مواجهة يونتيان شويجينغ.

رفضت الطائفتان التراجع، بل جرتا الحقد المتبقي من المباراة السابقة إلى هذه، وصرخ أتباعهما حتى بُحّت أصواتهم في دعم هوا تشي.

“هوا تشينغ كونغ! هوا تشينغ كونغ! الأول! الأول!”

“تشو تيان يو! تشو تيان يو! البطل! البطل!”

ذلك الضجيج لم يجلب لهوا تشي سوى صداع.

لكل مبارز بالسيف عاداته الخاصة، وأثناء تبادل الضربات بينه وبين تشو بينغهوان، تسلّل إحساس غريب من الألفة.

في الماضي، كانا يتبارزان كل بضعة أيام. فوق الأسطح، تحت الممرات، في الحدائق، وحتى داخل المكتبة — كانت آثار سيوفهما حاضرة في كل مكان.

على مر السنين، حفظ كل منهما أسلوب الآخر عن ظهر قلب.

وفي هذه اللحظة، عادت تلك الألفة فجأة. 

فحين يوجه تشو بينغهوان ضربة، يستطيع هوا تشي التنبؤ بالتي تليها، والعكس صحيح.

قال مو رونغ سا بدهشة:

“أمر غريب… هذان الاثنان لم يتقاتلا من قبل، لكن الأمر يبدو وكأنهما يفعلان ذلك كل يوم.”

رمق تشو تشانغ فنغ مي كايلين بنظرة، فوجد وجهها متجهّمًا.

تراجع هوا تشي باضطراب، ليشاهد تشو بينغهوان يرفع سيفه نحو السماء. 

دوّى الرعد في الأعالي، وانطلق ضوء أزرق يخترق السحاب!

انخفضت الحرارة فجأة، وبدأ الثلج يتساقط من السماء.

قفزت ميه كايلين واقفة:

“رياح جارية وثلج مصغٍ؟”

صُدم مو تشي يان:

“تقنية يوتيان شويجينغ العليا؟”

حيثما اجتاحت طاقة السيف، تجمّدت الأعشاب والأشجار، وانطبعت الأزهار داخل قوالب من الجليد، وبدأت الثلوج البيضاء تتساقط بهدوء، لتكسو المدينة بوشاح فضي.

ثم انطلقت طاقة السيف الفضية نحو السماء، مُعلنةً الانتقال من الشتاء إلى الربيع. 

ذابت أزهار الجليد، وتحول الصقيع إلى قطرات ندى؛ وحيثما مرّت طاقة السيف، عاد كل شيء إلى الحياة. تحولت الثلوج البيضاء إلى ندى صافٍ، وهطلت أمطار رقيقة من السماء.

سحب هوا تشي وضعية سيفه وهو يلهث من التعب.

وقف تشو بينغهوان تحت المطر، ينظر إليه بدهشة:

“مطر صافٍ ونسيم لطيف؟”

ألم تكن هذه التقنية قد توصّل إليها هوا تشي في سن الخامسة والعشرين فقط؟

مهارة سيف متقدمة اكتسبها قبل أوانها، التفاهم العميق أثناء القتال، الكراهية الغامضة تجاه لو ياو، وتجنّب طائفة شانغ تشينغ…

ارتجف قلب تشو بينغهوان.

هل يُعقل أن هوا تشي قد وُلِد من جديد أيضًا؟

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]