كانت ذروة مسابقه الفنون القتالية لعشرة آلاف طائفة في الجولة الثالثة، حيث يقوم مئتا ممارس بفنون الزراعة بسحب القرعة لتحديد خصومهم، وكل ذلك يعتمد على الحظ.
فإذا كان الخصم قوياً وأُزيح المرء من الجولة الأولى، فذلك لا يعدو كونه سوء حظ… أو بعبارة أخرى، لقصورٍ في القوة.
أما إن كان المرء قوياً بما يكفي، فلن يخشى شيئاً.
عثر مو رونغ سا على هوا تشي وسط الحشد وسأله بلهفة:
“أين كنت طوال الصباح؟”
أجابه هوا تشي بمواربة:
“كنت أتجول في الخارج لا أكثر.”
بعد ثلاثة أيام من التصفيات في الجولة الأولى بين المئتي مزارع، كان قلب تشوانغ تيان يرتجف من التوتر. وعندما علم أن لين يان قد تأهل أيضاً، كاد أن يبكي من شدة التأثر.
وحين تقلص العدد من مئة إلى خمسين، أصيب تشوانغ تيان بنزيف أنفي في الحال، وتشوشت رؤيته، فحمله تلاميذ طائفة شانغ تشينغ إلى قاعة جانبية، يهوِّنون عليه بالمراوح ويعطونه الدواء.
أما تلاميذ قاعه لينغ شياو، فلم يكونوا قد فعلوا الكثير بعد، لكن سيدهم الأعلى كان قد أخذ قسطاً من الراحة مسبقاً، مما جعل الطوائف الخالدة الأخرى لا تعرف كيف تقيِّمهم.
لم تُجرَ المنافسات القتالية على شكل نزالات فردية متعاقبة، بل كان أربع مجموعات تتبارى في وقت واحد.
وحين لم يكن لدى المزارعين مباريات، كانوا ينظمون الحاضرين للمراهنة، وهم يشاهدون الحلبة ويهتفون للمقاتلين.
“طائفة السيف اللامحدود، اندفعوا للأمام! أخونا الأكبر لا يعرف الخوف ولا يُقهر، اسحقوا طائفة آكلي الدواء!!”
“طائفة تشي ياو، تقدموا بشجاعة، واقتلوا الأعداء وحققوا المجد! يا أخانا الأصغر، ابذل جهدك، واسقط طائفة السيف!!”
كلمة من هنا وأخرى من هناك، واللعاب يتطاير أمتاراً، حتى أن التلاميذ المشجعين في الأسفل بدأوا يتشاجرون قبل أن يبدأ من في الحلبة مبارزتهم.
كان المشهد فوضوياً، والمزارعون الخالدون المهيبون قد أصبحوا في هيئة بائعات سوق، شعورهم مبعثرة، ووجوههم محمرة أو شاحبة. ولولا وصول رئيسي الطائفتين في الوقت المناسب، ومعاقبتهما لهم بالركوع، لما هدأ هذا الميدان المشحون برائحة البارود.
سرعان ما جاء دور لين يان، وكان يحمل سيفاً طويلاً يشعّ باللون الأخضر، اسمه ليو شيا (السحابة المتدفقة)، هدية من تشوانغ تيان.
وكان خصم لين يان تلميذاً تحت إمرة الشيخ غان يانغ دوان شيانشي، ذو الأنف الطويل.
لم يشعر لين يان بالكثير من الضغط، فكما قال له سيده: الفوز أو الخسارة ليسا المهمين، بل الأهم هو اكتساب الخبرة.
لكن لين يان ما زال يرغب في بذل قصارى جهده. فمع أنه خسر أمام دوان شيانشي في مهارة السيف، لم يفت ذلك في عزيمته. وعلى الفور، استخدم دمه الخاص لرسم تعويذة، مستدعياً وحشاً روحياً ليعينه في القتال.
وما إن ظفروا أخيراً بمروض وحوش، حتى كان مو تشي يأن أول من تهلل قائلاً:
“هذا الفتى صغير السن، لكن موهبته ليست سيئة أبداً.”
قال شيه وانتينغ:
“لقد استدعى بالفعل ثعلب الروح ذي الذيول الثلاثة. رغم أن مستواه في الزراعة ناقص بعض الشيء، فهذا إنجاز جيد جداً.”
وأضاف تشو تشانغ فنغ:
“من بين تلاميذ قاعه لينغ شياو في هذا الجيل، يزخر المكان بالمواهب.”
كان دوان شيانشي يسعى لتحقيق النصر بسرعة وجني المكاسب الفورية، لذا كان هجومه أكثر قسوة. وبعد أن طرح لين يان أرضاً عدة مرات، ورآه لا يُبدي أي علامة على الاستسلام، أصبح أكثر شراسة.
قال ون يوان بقلق:
“يا تاسع أخ، ألم يقل لنا المعلم إن حياتك أهم من أي شيء؟”
أما مو رونغ سا فاشتعل غضباً:
“إن تجرأ ذلك الدوان على إيذاء يان الصغير، سأجعله يقضي ما تبقى من عمره عاجزاً عن رعاية نفسه!”
ظل هوا تشي صامتاً، يضغط شفتيه.
كان لين يان ذا طبع هادئ، لكنه عنيد في بعض الأمور إلى حدٍّ لا يتيح لأحد أن يثنيه عن قراره.
وبعد أن طرحه دوان شيانشي أرضاً مرات لا تُحصى، نهض لين يان مجدداً بوجه منتفخ وأنف دامٍ، يتنفس بصعوبة، ويمسح الدم عن زاوية شفتيه.
نظر دوان شيانشي إليه بازدراء وقال:
“لولا هوا تشينغ كونغ، لأرسلتك منذ زمن لتقابل ملك الجحيم.”
في الجولة النهائية من مسابقه الفنون القتالية لعشرة آلاف طائفة، كانت هناك قاعدة تنص على أنه قبل النزال، يُبرم المتنافسان عقد حياة أو موت. وإذا حدثت وفاة، فإن العاقبة يتحملها الفرد نفسه، ولا يحق لطائفته أو أقاربه أو أصدقائه طلب الانتقام.
“أما زلت لا تعلن استسلامك؟” بدأ صبر دوان شيانشي ينفد. “هل تظن أنك تستطيع هزيمتي؟”
قال لين يان وهو يسعل:
“كلا، فزراعة الشيخ دوان عميقة، وأنا لا أستحق المقارنة.”
سرّ هذا الكلام دوان شيانشي المتعالي، فتلطف صوته قليلاً وهو يقول:
“إذن، لماذا…”
“أنا فقط أريد أن أبذل قصارى جهدي. صحيح أنني صغير الشأن وغير لافت في الطائفة، لكن معلمي يعاملني بلطف شديد، وإخوتي الكبار في الطائفة أيضاً طيبون معي. لا أريد أن أخيب ظنهم. أريد أن أفعل شيئاً من أجل الطائفة، ومن أجل الوقوف إلى جانب معلمي وإخوتي الكبار!”
وقف لين يان معتدلاً، وإذا بجسم مستدير يسقط على الأرض.
أضاءت عيناه قائلاً:
“يمكن للشيخ دوان أن يركلني خارج المنصة إن شاء، لكن من المستحيل أن أستسلم طوعاً.”
وما إن تساقطت قطرات الدم على ذلك الجسم المستدير، حتى دوّى صوت تشقق مفاجئ، جعل عيون الحاضرين تتألق.
تأخر لين يان في النظر للأسفل، وإذا بالبيضة التي اعتنى بها لعام كامل تنشق فجأة!
كان كامل الجسد أحمر متقداً، لا يتعدى حجم الكف… طائر؟
تجمّد لين يان في مكانه، يراقب الطائر الصغير وهو يرفرف بجناحيه بارتباك، حتى أن حركاته بدت غير متقنة. وبحلول الوقت الذي حط فيه على كتف لين يان، كان يلهث من الإعياء، لكنه أخذ يفرك رأسه الصغير المكسو بالزغب على خدّ لين يان، مطلقاً زقزقة صافية.
قال هوا تشي وقد صُعق:
“هذا…”
وأردف تشو بينغهوان مذهولاً:
“طائر تشونغمينغ!؟” (ملاحظة: طائر تشونغمينغ أو عنقاء البعث طائر أسطوري يرتبط بالخلود والقيامة)
وقف كلٌّ من تشو تشانغ فنغ وشيه وانتينغ مبهوتين من الدهشة، وكادت مقلتا مو تشي يأن أن تبرزا من مكانهما.
ثم رأى الجميع لين يان يُركل ليسقط خارج المنصّة.
صاح أحد تلاميذ طائفة شانغ تشينغ بصوت عالٍ:
“في المباراة الخامسة والثلاثين، فوز تلميذ طائفة شانغ تشينغ دوان شيانشي!”
الجميع: “…”
هل يمكن أن تتوقعوا أن يكون طائر تشونغمينغ الذي فقس للتو ذا قوة مهيبة؟
جلس مو تشي يان على كرسيه وهو يضحك:
“في مسابقه الفنون القتالية لعشرة آلاف طائفة القادمة، ذلك الصغير المسمى لين يان… سيكون هو المهابه حقاً.”
كان لين يان غارقاً بالكامل في فرحة “المولود الذي رعيتُه بعناية لعام كامل قد وُلد أخيراً”، دون أن يشعر بأي إحباط لخسارته في البطولة.
في أول معركة له، خرج لين يان من بين المئة الأوائل.
ومع أنه هُزم، فقد ترك انطباعاً عميقاً لدى عدد كبير من الشخصيات المرموقة في الطوائف الخالدة المختلفة.
حين جاء دور مو رونغ سا للصعود إلى المنصة، جذب أنظار الجميع بملابسه الصارخة الألوان، وكأنها اختيرت على نحو عشوائي: أحمر مع أخضر ولمسة من الأصفر، بنفسجي وأزرق مع لمحة بيضاء.
واقفاً على المنصة، بدا كطاووس ينشر ريشه.
لم يحتمل هوا تشي النظر.
حتى مو تشي يان شعر بالإحراج، فانسحب خلف الحشد متظاهراً بأنه لا يملك ابناً كهذا.
كان خصم مو رونغ سا تلميذاً من قصر يي يو، بارعاً للغاية في عزف العود.
تنقّل مو رونغ سا بين المراوغة والانحناء، وقد تشعث شعره واتسخت ملابسه، ولم يعد يملك شيئاً من البهرجة التي ظهر بها أولاً. ولحسن الحظ، كانت قوته أفضل بكثير من ألوان ثيابه الفاقعة. وعلى الرغم من بعض الارتباك، فقد تمكن من إظهار مهارات ممتازة في السيف، محققاً عودة جزئية في النزال.
غير أن تلميذ قصر يي يو لم يكن خصماً سهلاً. فبعد قتال دام ساعتين، ومع أنه لم يكن نداً لمو رونغ سا، فإن ضربات الأخير كانت فوضوية، يخطئ الهدف في كل مرة، مما جعل هوا تشي يغلي من الغضب وكاد أن ينفث النار.
قال بصوت حاد:
“أكنتَ تُضرب طوال الأشهر الستة الماضية بلا فائدة؟ لا تختار الموضع الذي يجب أن تختاره، ولا تضرب حيث يجب أن تضرب! هل حركات السيف البهلوانية الفارغة هذه مبهرة؟ هل هي نافعة؟”
بعد أن تلقى هذا التوبيخ من المعلم هوا، سكت مو رونغ سا.
ثم ضربه هوا تشي بخفة وهو يقول:
“لا تنسَ، من الآن فصاعداً، إذا لم تصل إلى المراتب الثلاث الأولى، فستكون مسؤولاً عن غسل كل الملابس المتسخة في الطائفة!”
“اللعنة!؟” فجأة اشتعل حماس مو رونغ سا.
ومن أجل كرامته، ومن أجل ثمانية عشر عاماً من الدلال، قاتل بكل قوته!!!
بهذا النزال، تمكّن من دخول قائمة العشرة الأوائل.
وبجهد آخر، بلغ الأربعة الكبار.
وكانت المجموعتان كالتالي: مو رونغ سا وتشو بينغهوان، هوا تشي ولو ياو.
لا بد من القول إن أداء طائفة شانغ تشينغ الخالدة في هذه مسابقه الفنون القتالية لعشرة آلاف طائفه كان مذهلاً بحق. فقد كان تلاميذ المعلم لو مينغ فنغ والشيخ غان يانغ دائماً سيئي الحظ، إذ تصادف أن يواجهوا تشو بينغهوان واحداً تلو الآخر، فيُهزمون على يده ويخرجون من المنافسة.
أما لو ياو، فقد تقدم بسلاسة في البطولة، ودخل الخمسة الأوائل بسهولة.
وعندما بلغ هوا تشي الأربعة الكبار، واجه التلميذ الأكبر في قصر يي يو، وهو تلميذ تلقى تدريبه على يد شيه وان تينغشخصياً، وقد برع في عزف آلة القانون ذات الأوتار السبعة، مظهراً موهبة فريدة.
بدوره، لجأ هوا تشي أيضاً إلى إيقاع الموسيقى في المواجهة، عازفاً على الناي الخيزراني بلحن متقلب عذب النغم.
ولولا تدفق الطاقة الحقيقية في العزف، ولولا نية القتل الكامنة في النغمات، لكانت هذه المواجهة بمثابة وليمة سمعية وبصرية فاتنة، تأسر قلوب الحاضرين.
قانون وناي… ثنائي متكامل عبر العصور.
أثنى تشو تشانغ فنغ قائلاً:
“حقاً، تلاميذ قصر يي يو أهل للمدح، وتعاليم المعلم شيه رائعة بحق!”
ابتسم شيه وانتينغ بخفة وهو ينظر إلى هوا تشي قائلاً:
“من حيث المقام الموسيقي، ذلك الفتى أكثر تميزاً.”
وبينما كان الأربعة الكبار يتواجهون، أمسك الجميع أنفاسهم، فقد بلغت المنافسة ذروتها.
قال أحدهم:
“لم أكن أتوقع أن ثلاثة تلاميذ من قاعه لينغ شياو سيصلون إلى الأربعة الكبار.”
ورد آخر:
“من كان يظن! لقد كانت هذه البطولة مثيرة بحق.”
وتابع ثالث:
“لطالما رأيت أن هوا تشينغ كونغ وتشو تيان يو موهوبان، وكنت أظن أنهما سيبلغان بالكاد المراتب العشر الأولى، لكن من كان يتوقع أن يصلا إلى الأربعة الكبار!”
وأضاف آخر بحماس:
“بعد اليوم، مكانة قاعه لينغ شياو في عالم الزراعة سترتفع لا محالة.”
وقال آخر:
“اذهبوا وأبلغوا الشيوخ، وأعدّوا بعض الهدايا، فبعد انتهاء بطولة وانمن، سنكون أول من يزور قاعه لينغ شياو.”
ورغم أن موهبة لو ياو لم تكن عالية، إلا أن مثابرته عوّضت عن ذلك، فقد تدرب على الفنون القتالية منذ طفولته ليل نهار تحت ضغط والده، وكانت لديه بالفعل مهارات حقيقية.
ولو كان أكثر حدة في شخصيته، لكان مثالياً.
كانت هناك ثلاث مباريات متبقية، فتقرر إجراؤها واحدة تلو الأخرى ليشاهدها الجميع بوضوح.
وقف تشو بينغهوان ومو رونغ سا أسفل المنصة، بينما قاد ون يوان تشوانغ شيا إر والبقية للهتاف بحماس. لم تكن قاعه لينغ شياو أقل اندفاعاً، إذ علت هتافاته بقوة.
وقف هوا تشي على المنصة بملامح هادئة، دون أن يُظهر ما يجول في ذهنه.
فجأة قال تشو بينغهوان من أسفل المنصة:
“لا تتردد.”
ارتبك هوا تشينغ كونغ:
“أتردد في ماذا؟”
وفي الوقت نفسه، وصل لو ياو وهو يبتسم بود:
“تشينغ كونغ.”
سأله لو ياو:
“أتريد استخدام السيف؟ سمعت أنك وجدت سيفاً كنزاً في وادي القمر المشرق، وأنه من نفس أصل سيفي لانغ يوي.”
ابتسم هوا تشينغ كونغ واستدعى من روحه ناي الخيزران البنفسجي:
“أنا مزارع موسيقى، فلماذا أحتاج إلى السيف؟”
“صحيح.” انحنى لو ياو وأضاف:
“إذن أرجو أن تنيرني.”
انسلَّ لانغ يوي من غمده، وجسد سيفه نقي لا يُضاهى، بينما كان لو ياو يرقص به ملوحاً، فيثير ريحاً باردة.
أما هوا تشي فلم يتغير تعبيره، ورفع ناي الخيزران ببطء إلى شفتيه.
ومع تدفق النغمات، انبثق خيط من الضوء القرمزي، ليتلاقى مباشرة مع نصل لانغ يوي، مما جعل تقدم لو ياو صعباً للغاية.
فجأة تغيّر اللحن، فاهتز عقل لو ياو بعنف، وكأنه رأى مشهداً مرعباً، فتراجع مترنحاً وهو يتمتم:
“آسف يا أبي… أنا… لن أجرؤ بعد الآن…”
انعقد حاجبا هوا تشي بصرامة وبرود، ولم يتوقف، بل شدد لحن الناي أكثر.
فركع لو ياو على الأرض، يبكي بلا تحكم.
تبادل الحاضرون النظرات بدهشة، فيما نهض لو مينغ فنغ فجأة من مقعده.
ارتسمت في عيني هوا تشي ابتسامة باردة خاطفة، سرعان ما اختفت.
في حياته السابقة، لم يتمكن من قتل لو ياو يوي، بل جُرّ معه إلى الهلاك. أما الآن، فها هو يملك فرصة لرد الدين القديم. وبما أنهما وقعا عقد حياة أو موت قبل البطولة، حتى لو قُتل لو ياو على يديه، فلن تتمكن طائفة لينغ شياو من فعل الكثير.
ارتفعت في قلبه نية القتل، ونظر دون وعي إلى لو مينغ فنغ القلق.
كان ابنه على وشك أن يموت أمام عينيه، فهل سيتحرك؟
اهتز قلب تشو بينغهوان وهو يقول:
“هوا تشينغ كونغ.”
صحيح أن الأمر يمكن اعتباره انتقاماً، لكن لو جنّ لو مينغ فنغ وتجاهل كل العواقب، فمن يدري أي فوضى قد يثيرها؟
فسمعة لو مينغ فنغ ما زالت سليمة، وكذلك مكانة لو ياو، وحتى لو أثارت طائفة شانغ تشينغ هذا الغضب، فماذا يمكن لقاعه لوينغ شياو أن تفعل؟
لم يرغب هوا تشي في جلب المتاعب لـ تشوانغ تيان، ولا في وضع قاعه لينغ شياو في موقف حرج.
… فلينسَ الأمر.
توقف هوا تشي عن العزف، وفي اللحظة نفسها بذل لو ياو كل قوته لاختراق الحاجز الموسيقي، لكنه كان في حالة مزرية، وتقيأ دماً قبل أن يهجم بسيفه على هوا تشي.
لكن إذا قال هوا تشي لا سيف، فالأمر كذلك.
قبض على ناي الخيزران البنفسجي ذي اللون الحبر، وتفادى الضربة القاتلة، ثم ضرب كتف لو ياو بالناي. كان صوت تكسّر العظام حاداً، جعل الجميع يقشعرون. ولم يمنحه فرصة لالتقاط أنفاسه، بل سدد ضربات سريعة نحو يديه، ثم ساقيه، فخصره، وأخيراً صوب حنجرته.
صرخ لو مينغ فنغ:
“ياو إير!”
وشعر الحاضرون جميعاً أن فروة رؤوسهم قد وخزتها القشعريرة.
أدار هوا تشينغ كونغ ناي الخيزران بخفة، وضغط به على رقبة لو ياو كأنه هراوة:
“هل تستسلم؟”
كان لو ياو قد أُجبر على التراجع حتى حافة المنصة، وإذا دفعه هوا تشي دفعة خفيفة، سيسقط فوراً. وإدراكاً منه لفارق القوة الهائل، أي استمرار في القتال لن يجلب له إلا الخزي.
تنفس لو ياو وقال:
“أستسلم.”
عمّت الضوضاء في أرجاء المشاهدين.
وبهذه الهزيمة، فإن النجم الصاعد من قاعه لينغ شياو سيحتل إما المركز الأول أو الثاني!!
كان قلب مو رونغ سا على وشك أن يقفز من صدره.
—“حتى وإن كنت أسلك طريق الموسيقى، لا يزال بإمكاني أن أطرح هؤلاء المزارعين بالسيف من قصر لينغ شياو أرضاً. أتصّدق ذلك؟”
“العد التنازلي للمباراة الرابعة، فوز هوا تشي من قاعه لينغ شياو!”
ارتعش مو رونغ سا.
أما رئيس القصر تشوانغ تيان، فلم يكن على علم بشيء من هذا كله، فقد كان ما يزال في غيبوبته في القاعة الجانبية، غارقاً في نشوة وصول أحد تلاميذه إلى الخمسين الأوائل، غير قادر على الخروج منها.