🦋

كانت عينا لين تشينغ يي تلمعان بخفة، كأن شيئًا ما يتحرك في داخله لم يكن موجودًا من قبل.

لا يعلم منذ متى تحديدًا، لكن مشاعره تجاه كي روان لم تعد كما كانت. 

لم يعد يكرهه كما في السابق.

في الحقيقة، كان في يوم من الأيام المعلّم الخاص لولي العهد. وعندما أمره الإمبراطور بمرافقة كي روان وحمايته، أراد أن يرفض، لكن لم يكن بوسعه ذلك.

أمر الإمبراطور لا يُرد، ولا طائل من مقاومته. 

ومع ذلك، حين نظر إلى ذلك الأمير المتغطرس والمتعال، لم يستطع إلا أن يزدريه في قلبه.

لكن…

منذ أن تخلّى كي روان عن تلك العادات السيئة، بدأ لين تشينغ يي يشعر بأنه ليس فاسدًا كليًا، ولا ميؤوسًا منه كما كان يظن.

سأله كي روان، وقد بدت الحيرة في نبرته:

“حقًا؟”

أومأ لين تشينغ يي بإيجاز، مؤكدًا.

وعلى الجانب الآخر من الباب، كان سي يوهان واقفًا منذ أن اقترب كي روان من غرفته، يتردد فيما إذا كان عليه أن يفتح الباب أو لا. 

كانت فكرة الخروج برفقة كي روان تدور في رأسه… ثم جاء لين تشينغ يي، ليبدد تردده، ويقلب كل أفكاره.

لقد سمع كل شيء.

سمع بوضوح أن كي روان جاء ليصطحبه في جولة تسوق.

وشعر بالازدراء.

كيف لأمير مملكة اللهب الأحمر، الذي يملك كل شيء، أن يهتم بالتجول في الأسواق بنفسه؟ 

أليس في ذلك ما يثير الريبة؟

لكنه لم يستطع كبح مشاعره… جزء منه كان ينتظر هذا.

لا يزال يتذكر وعد كي روان قبل أيام: “عندما نصل إلى مقاطعة يوليانغ، سأشتري لك كل ما ترغب به.”

ترى، هل لا يزال كي روان يتذكر كلماته؟ 

هل هذا السبب الذي جعله يجيء إلى غرفته الآن؟

كل اللوم يقع على لين تشينغ يي، الذي ظهر في الوقت الخطأ تمامًا. 

لولاه، لكان كي روان طرق الباب بالفعل.

كان كي روان يكنّ احترامًا كبيرًا للجنرال لين تشينغ يي، حقًا. لكنه لم يكن يرتاح لقضاء الوقت بمفرده معه. وجوده يضغط عليه، يجعله دائم الحذر في كل كلمة وحركة.

تردد لبرهة، يحاول أن يبدو متماسكًا.

ولكن، بما أن لين تشينغ يي قد عرض الذهاب معه بنفسه، كيف له أن يرفض؟

وفجأة… فُتح الباب المجاور لهم ببطء.

ظهرت من ورائه ملامح شاب صغيرة، لكنها غارقة في الكآبة.

لمع في عيني كي روان بريق فرح مفاجئ، كاد يخلّ بتماسكه.

أراد أن يدعو سي يوهان للخروج، لكن وجود لين تشينغ يي بجانبه جعله يشعر ببعض الحرج. 

فوقف صامتًا، مترددًا.

في تلك اللحظة، كانت راحتي سي يوهان تتصبّبان عرقًا.

ثم، وبعد لحظة صمت قصيرة، سأل كي روان أخيرًا، بصوت بدا وكأنه يخترق الجمود:

“هان… سنخرج قليلًا إلى السوق. هل تودّ أن تأتي معنا؟”

كان ينبغي له ألا يهتم بشيء سوى ترك انطباع جيد لدى البطل. 

حياته قد تعتمد على ذلك مستقبلًا.

رد سي يوهان بسرعة غير متوقعة:

“حسنًا!”

لم يكن في صوت سي يوهان أي أثر للعاطفة. 

نبرة جامدة، خالية من الدفء.

لكن بالنسبة لكي روان، كان ذلك الصوت أشبه بصوت ملاك.

ابتسم كي روان، وأمسك بيده بلطف وقال:

“إذًا، لنذهب سويًا.”

أومأ لين تشينغ يي برأسه، وتبع الاثنين. 

ومع كل خطوة يخطوها خلفهما، كانت الدهشة تزداد في داخله.

كي روان… ذاك الفتى الذي كان يحتقر سي يوهان إلى أقصى الحدود. لو كان هو في مكان سي يوهان، لما غفر له أبدًا ما فعله به.

فلماذا؟

لماذا أصبحا فجأة كأعز الأصدقاء؟

نظر سي يوهان إلى يد كي روان البيضاء التي تمسك بيده، وشعر بحرارة تنتقل من راحة يد الآخر إلى أعماق قلبه.

بدأ الدم يغلي في عروقه، وكأن شيئًا في داخله اشتعل.

عضّ على شفتيه بقوة، ومرّ في عينيه بريق قاسٍ خافت، كأن نصلًا صغيرًا ومخفيًا لمع هناك للحظة.

كانت ليلة جميلة في مقاطعة يوليانغ.

الأضواء تتلألأ في الشوارع، تعكس دفئها على وجوه الناس الذين ملؤوا الطرقات، يتجولون ويضحكون ويتسوقون.

كان كي روان يسير في هدوء، يتأمل المحلات والناس. دون أن يشعر، شدّ أصابعه أكثر حول يد سي يوهان، ثم انحنى قليلًا ليكون أقرب منه، وهمس بصوت دافئ:

“كن حذرًا… لا تبتعد عني.”

ثم شد قبضته أكثر، كأنه يربطه إليه، ويمنع عنه التيه وسط الحشود.

كان كلٌّ من لين تشينغ يي وكي روان يملكان وسامة لافتة للنظر.

رغم أن لين تشينغ يي كان جنرالًا معتادًا على ساحات المعارك، إلا أن في حضوره لمحة من النعمة والرقي، كأن جسده القوي يحمل بداخله روحًا هادئة وصلبة.

واحدٌ لطيف، والآخر صلب.

وبرغم تناقضهما الظاهري، فإن وقوفهما معًا لم يكن غريبًا، بل بدا طبيعيًا على نحوٍ عجيب.

كانت مقاطعة يوليانغ ما تزال تحتفظ ببراءتها. 

أهلها بسطاء، طيبو القلب. والنساء فيها يتمتعن بحرية كبيرة، يذهبن حيث شئن.

ومنذ لحظة خروجهم إلى الشارع، بدأت عيون الفتيات الجميلات تلاحقهم بخجل، وهن يختلسن النظر إليهم من خلف الحجاب أو من بين طيّات الحشود.

كانت النظرات حذرة، مترددة… لكنّها لا تخفى عن عين.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]