ربما كان السبب هو السكون الشديد الذي خيّم على المكان، لكن كي روان شعر بشيء من الحرج.
حاول كسر الصمت فقال:
“الجنرال لين، أولئك لم يكونوا مجرد قطاع طرق عاديين، أليس كذلك؟”
كان واضحًا أن من أُرسلوا لم يكونوا متمرسين في التمثيل، ويمكن كشفهم بسهولة.
أومأ لين تشينغ يي برأسه، مؤكدًا.
مرّ على وجه كي روان ابتسامة ساخرة خافتة، وقال بنبرة لا تخلو من السخرية:
“لم نخرج للتو من المدينة، ويبدو أن أحدهم قد نفد صبره تمامًا.”
“سأموت من أجلك.”
قالها لين تشينغ يي بصوت خالٍ من الانفعال، لكن كي روان التقط في كلماته نبرة حازمة، وجدية لا لبس فيها.
ربت كي روان على كتف لين تشينغ يي وقال بثقة:
“لا أشك في ذلك إطلاقًا.”
وفجأة، عطس كي روان.
سارع لين تشينغ يي إلى مساعدته على الوقوف، وقد بدا عليه شيء من الانزعاج، وقال:
“سيدي، من الأفضل أن تعود إلى العربة لتبديل ملابسك.”
هز كي روان رأسه موافقًا، ثم أسرع الخطى نحو العربة. وبشكل لا إرادي، ألقى نظرة إلى داخلها، فوجد سي يوهان قد غفا في أحد الزوايا.
بدقة وحرص، بدأ كي روان في تغيير ملابسه دون أن يصدر أي صوت. وبعد أن انتهى، مدّ ذراعيه بلطف واحتضن الفتى النائم.
كانت المساحة في وسط العربة تكفي بالكاد لاثنين. غطى كي روان نفسه وسي يوهان بالبطانية نفسها، ثم احتضن الصغير بحنان أكبر.
وفور أن شعر سي يوهان بأنفاس كي روان الهادئة تنتظم بالقرب منه، فتح عينيه فورًا.
تسللت أشعة القمر من خلال شقوق العربة، فسقط ضوءها الباهت على وجه كي روان. نظر سي يوهان إليه مطولًا، وكأن الأمر كله لم يكن حقيقيًا.
ما الذي ينويه؟
لأول مرة في حياته، راود سي يوهان شعور بالشك… ولكن ليس في كي روان، بل في نفسه.
لطالما كان واثقًا في أفعاله، لا تردد، لا تراجع.
إن كره أحدهم، قتله دون أن يرف له جفن.
والأسوأ من ذلك… الرجل النائم إلى جانبه الآن، كان الشخص الذي يريد أن يُدمّره أكثر من أي أحد آخر.
لكن… لم يستطع.
كي روان… كي روان…
ردّد اسمه في قلبه مرارًا، يتأرجح ما بين الكراهية والغضب.
أراد أن يمزّقه إربًا. أن يمحو وجوده تمامًا.
حسنًا. انسَ الأمر الآن.
الوقت ليس مناسبًا لقتله.
ربما حالفه الحظ اليوم… أما غدًا، فمن يدري؟
أغلق سي يوهان عينيه بامتعاض، لكن ما إن فعل، حتى انبعثت في ذاكرته صورة من تلك الليلة التي سقطا فيها سويًا في النهر.
لم يستطع طردها من رأسه.
تلك الأصابع الباردة… وتلك الشفاه الحمراء، الساخنة كالجمرة…
اللعنة!
فتح عينيه فجأة، وجلس مستقيمًا، يحدق ببرود في كي روان الذي كان نائمًا بسلام، وكأن العالم كله لا يعنيه.
قبض سي يوهان يديه تلقائيًا.
الغضب يتفجر في أعماقه.
ظل سي يوهان يتجنبه لأيام.
لم يكن كي روان يفهم السبب.
وخاصة في اليوم التالي لحادثة اللصوص، بدا وجه سي يوهان أكثر برودة من أي وقت مضى.
كلما حاول كي روان الحديث معه، كانت إجابته لا تتعدى:
“حسنًا.” أو “نعم.”
شعر كي روان بالإحباط.
كل الجهود التي بذلها، كل محاولاته لكسب وده، باءت بالفشل.
وكأن البطل لم يأبه لأي شيء.
وحين وصلوا أخيرًا إلى مقاطعة يوليانغ، خرج القاضي المحلي لاستقبالهم.
وما إن وقعت عيناه على لين تشينغ يي، حتى سارع نحوه، وانحنى احترامًا وهو يقول:
“الجنرال لين.”
كان لين تشينغ يي قائدًا حاسمًا لا يعرف التردد.
وما إن وصل إلى يوليانغ، حتى انخرط فورًا في التعامل مع قضية قطاع الطرق الجبليين.
أما كي روان، فلم يكن بإمكانه الكشف عن هويته حفاظًا على أمنه وسلامته.
لذا، تظاهر بأنه أحد مرؤوسي الجنرال، واقفًا إلى جانبه يصغي بكل انتباه لتفاصيل الوضع.
سأل لين تشينغ يي بصوته الرصين:
“متى بدأ ظهور أولئك اللصوص؟”
أجاب القاضي المحلي، وجهه المستدير يرتجف من الغضب:
“أيها الجنرال، بدأ قطاع الطرق في مقاطعة ليانغ بالظهور قبل بضعة أشهر.
لقد أرسلت بالفعل عددًا من الحراس إلى تلك المنطقة لتعقبهم، لكنهم قُتلوا جميعًا على أيديهم. لو كان لدي أي طريقة أخرى للتعامل معهم لما اضطررت إلى رفع الأمر إلى الإمبراطور.”
ثم تابع، وصوته يعلو تدريجيًا من شدة الغيظ:
“إنهم طغاة، يضرمون النار، ويسلبون الأبرياء كل ما يملكون، ويقتلون بلا رحمة.
والأسوأ من ذلك، أنهم تجرؤوا حتى على سرقة المسؤولين الحكوميين أنفسهم!”
كان وجهه قد تحول إلى كتلة من الاحمرار،
يهتز شحم خديه مع كل كلمة.
أما كي روان، فقد شعر بنفورٍ لا يدري له سببًا واضحًا.
ربما لأن مظهر القاضي لا يوحي بالطيبة.
بدا كمن التهم الدنيا وما فيها، حتى بالكاد تستطيع ثيابه أن تحتمل حجم جسده الضخم.
عقد لين تشينغ يي حاجبيه وسأل:
“هل لديك فكرة عن عددهم؟”
تردد القاضي برهة، ثم أجاب بصوت مرتبك:
“أرجو أن تسامحني، أيها الجنرال، على عجز حيلتي… لقد استولى أولئك اللصوص على جبل تشياوشان، وهو مكان يسهل الدفاع عنه ويصعب مهاجمته.
لم يتمكن أحد من اقتحامه حتى الآن.”
ارتفع حاجبا كي روان قليلًا، وشعر أن هناك شيئًا مريبًا في الأمر.
كيف يعجز مسؤول عن تقديم تقدير تقريبي لعدد المعتدين الذين يحتلون جزءًا من إقليمه؟
كيف يستحيل اقتحام جبل، مهما كانت طبيعته الجغرافية، دون حتى محاولة جادة؟
كان هناك ما يُخفيه هذا القاضي… بالتأكيد.