🦋

 سعل هوا تشي مرتين، قاطعًا الصمت المخيم على القاعة الكبرى الخالية.

ارتجف الحارس، الذي ظل جاثيًا على ركبتيه منذ وقت، قليلًا. كان وجهه شاحبًا، وخرزات العرق تتجمع على جبينه. وبملامح يعلوها الألم قال:

"سيدي… ما داموا لم يصلوا بعد، أرجوك، اهرب بسرعة!"

كان الضوء الساطع يزعج هوا تشي، فأطفأ فتيلة الشمعة بيده العارية. 

وبسبب بطء حركته وعدم استخدامه لقوته الروحية، لسع اللهب أطراف أصابعه فاحمرّت، لكنه لم يبالِ، وأرخى يده على ركبته قائلًا بهدوء:

"إلى أين أهرب؟"

قال الحارس على عجل:

"إلى أي مكان عدا قاعة فين تشينغ، يا سيدي."

هذه المرة، توحّدت مختلف فصائل طريق الخلود، بقيادة طائفة يونتيان شويجينغ (سحابة – سماء – مرآة الماء)، تدعمها وادي فينغ مينغ (صرخة العنقاء) وطائفة الخلود شانغ تشينغ (الصفاء الأسمى)، والهدف واحد: القضاء على سيد الشياطين.

انطلقت الحملة من كونلون جنوبًا، تذبح كل ممارس لفنون الشياطين في طريقها، دون أن تُبقي على أحد. 

ولم يبقَ سوى وقت قصير قبل أن تصل جحافلهم إلى قاعة فين تشينغ.

حتى الحارس نفسه كان يدرك ضآلة فرصة النجاة، لكنه مع ذلك لم يستطع إلا أن يبذل آخر محاولاته اليائسة:

"ما دامت فيك حياة، يا سيدي، اهرب إلى عالم الشياطين، أو وادي الأشباح، أو حتى تَخفَّ بين البشر. سأحميك مهما كلّف الأمر!"

أما هوا تشي، فقد تمدد على أريكة الجمال وكأنه بلا عظام، بلا أدنى إحساس بعجلة الموقف أو قرب الكارثة. 

نظر إلى الحارس نظرة مرهقة وقال:

"قاعة فين تشينغ تفككت بالأمس. آلاف من ممارسي الشياطين تفرقوا في كل اتجاه… لماذا لم تغادر أنت؟"

أجاب الحارس بثبات:

"لقد أقسمت على الولاء لك، يا سيدي!"

ومع أن عيني الحارس ونبرته كانتا تحملان إصرارًا لا يتزعزع، فإن هوا تشي لم يتأثر بولائه الأبدي.

في عالم ممارسي الخلود، كانت طائفة يونتيان شويجينغ هي القائدة، وتستجيب لها جميع الطوائف، فشنّت هجومًا واسع النطاق على عالم الشياطين، بهدف إبادة قاعة فين تشينغ وإنقاذ زعيمهم، تشو بينغهوان.

منذ القدم، كان عالما الخالدين والشياطين في صراع دائم. 

يراقب عالم الشياطين طريق الخلود عن كثب، بينما كان الخالدون يكنّون الريبة والخوف من عالم الشياطين، ويسعون إلى محوه تمامًا. 

وعلى مدى عشرات الآلاف من السنين، ورغم المعارك المتواصلة صغيرها وكبيرها، فإنهم – من أجل الحفاظ على حياة الناس – تجنبوا أن تتحول الأرض إلى أنهار من الدماء.

غير أن هذه الحملة الشرسة على عالم الشياطين كانت بسبب أمر واحد فقط: اختطاف شخصية خالدة مرموقة.

والأدق… زواج قسري.

فقد أقدم سيد الشياطين سيّئ الصيت، هوا تشي، المشهور بدمويته، على استخدام وسائل دنيئة ووضيعة، فنصب كمينًا أوقع خصمه، وأفقده قواه، ثم أسره وأجبره على أن يصبح رفيقَه الداووي. 

وما إن انتشر الخبر، حتى عمّت موجة من الغضب، وارتفعت الأصوات تطالب بالقضاء التام على هوا تشي. 

حتى شيخ طائفة الخلود شانغ تشينغ، وهو معلم تشو بينغهوان، انفجر غضبًا في الحال، وسبّ هوا تشي ثلاث مرات متتالية، واصفًا إياه بـ "الحقير"!

ومن يكون تشو بينغهوان؟

لقد نشأ تشو بينغهوان في أسرة عريقة المجد، وذاع صيته منذ صغره، تحيطه هالة من السمو الخالد، ويقف متعاليًا فوق شواغل الدنيا. 

بسيفه "الاستماع إلى الربيع"، كم من الأوغاد والسفلة أعدم؟ وبقلب بارد كالثلج، كم من الأرواح أنقذ تحت السماء!

وأما هوا تشي…

فوالدته كانت عاهره لآلاف الرجال، ووالده شيطان يستحق آلاف القتلات. 

وُلد في بيئة متواضعة، لكنه حظي بتعليم على يد معلم ذائع الصيت، ومع ذلك لم يرد له الجميل، بل ارتكب أفعالًا مخزية، خان معلمه وأجداده، وهجر طريق الخلود إلى الجحيم، لا يتردد في سفك الدماء متى نشب خلاف. 

مظهره قد يخدع العين، لكن داخله تعفن وقذارة وظلام ودَنَس لا يُحتمل!

ورغم أن الجميع لعنوه، فإنه لم يتخلَّ عن طمعه، كعلجوم يتمنى لحم بجعة، يشتهي الزعيم الممجد تشو بينغهوان، بل ارتكب أفعالًا لا توصف، غير مبالٍ بأي مبدأ أخلاقي!

وهكذا أثار هوا تشي غضب العامة، ليصبح أول سيد شياطين في تاريخ قاعة فين تشينغ تُجمع الأطراف كافة على إدانته.

الشياطين معروفون بعشقهم للحرب وسفك الدماء، وحتى إذا اجتمعت قوى طريق الخلود لمهاجمتهم، نادرًا ما أبدوا خوفًا. 

لكن في لحظة حاسمة، أمر هوا تشي بحل قاعة فين تشينغ. وبالرغم من أن معنويات ممارسي الشياطين كانت عالية، فإنهم، من دون القوة الفائقة لهوا تشي كعمود فقري لهم، كانوا لا محالة مهزومين.

ولهذا قرروا جميعًا الفرار ما دام ذلك ممكنًا.

لقد حيّرهم الأمر؛ فمهما كان ماضي هوا تشي مظلمًا وأصله وضيعا، ومهما وُجهت إليه الانتقادات، فإن قوته كانت بلا شك مهيبة.

حينها كان عالم الشياطين ممزقًا، يعج بالفوضى، تتنازع فيه الفصائل للسيطرة. 

لكن هوا تشي وحده تمكّن من الإمساك بزمام قاعة فين تشينغ المتداعية، ووحّد الفصائل تحت رايته، ليصبح السيد الأعلى لعالم الشياطين.

وحتى اليوم، ظل رأس الحربة في طريق الشياطين، لا يُبارى ولا يُقارن.

فلماذا يسلّم قائد كهذا نفسه دون قتال؟

لم يستطع الآخرون فهم السبب، لكن الحارس كان في قلبه يحمل حدسًا غامضًا. 

قبل أيام، أصيب هوا تشي في مكان ما، وكان من الصعب تصوّر من يستطيع جرحه في عالم اليوم.

كان وجهه شاحبًا، وطاقته الداخلية مضطربة، وتدفق جوهره الحقيقي متقطعًا. 

ولولا قوته الفائقة، لكان قد قضى نحبه منذ زمن.

الاستسلام دون قتال… حلّ القاعة مبكرًا لتجنّب المزيد من الخسائر… إصابة بالغة… وحافة الموت.

هذه الكلمات أشعلت في قلب الحارس شعلة سرعان ما تضخّمت. 

أخفى بمهارة البريق الطامع في عينيه، ورفع نظره ببطء ليلتقي بعيني هوا تشي.

ممارسو الشياطين قوم غادرون شرسون، قلوبهم خاوية من المشاعر الحقيقية. 

ولو أنه تمكن في هذه اللحظة من انتزاع روح هوا تشي…

وفجأة قال هوا تشي: "لديّ أمرٌ أريدك أن تنجزه."

تماسك الحارس وكبح اندفاعه، وانحنى سريعًا. 

فانطلق كيس صغير يطفو نحوه.

"خذه إلى السيد تشو، وأبلغه أن ينتظرني في جناح الخيزران."

كان يبدو متعبًا، لكن عينيه الساحرتين، المشبهتين بعيون طائر الفينيق، ظلّتا متقدتين بالضياء. ألقى على الحارس نظرة مواربة وقال:

"نفّذ الأمر، وكن مطيعًا، ولا تتدخل فيما لا يعنيك… وإلا…"

ارتجف قلب الحارس تحت ضغط خفي جثم عليه فجأة، فخرّ راكعا وهو يرتعش.

ابتسم هوا تشي بابتسامة دموية، وقال:

"روحي ليست شيئًا يمكن لأي أحد أن يطمع به."

تقطر العرق من جبين الحارس، ولم يكن ليتصور أن تنقلب الأمور على هذا النحو، فيما بدا هوا تشي وكأنه مرتاح تمامًا!

تحطمت في لحظة نزواته الطائشة، فسارع إلى ترديد عبارات الطاعة مرارًا، وساقاه ترتجفان وهو يهرع لإنجاز المهمة.

تمدّد هوا تشي على أريكة الجمال لحظة، بالكاد يتحمل الألم المبرح في أحشائه. 

ومن دون مرآة أمامه، كان من الصعب تخيّل مدى سوء ملامحه.

لقد كان بالفعل على شفا الموت.

لم تكن ضربة غادرة، ولا مؤامرة خفية.

منذ اللحظة التي خان فيها معلمه وأجداده، كان يعلم أن حياته على كف عفريت، لا يدري متى سيأتي من ينتزعها منه.

حشد ما تبقى من قوته، ومضى متجهًا نحو جناح الخيزران.

مرَّ هوا تشي عبر غابة القيقب المزهرة بألوانها الزاهية، ثم توقّف، وابتسامة ساخرة تتسلل إلى شفتيه:

"الشيخ غان يانغ هو من يقود الهجوم؟"

وما إن سقطت كلماته، حتى خرج الشيخ غان يانغ من مخبئه، وكان يتعقب هوا تشي منذ زمن. 

ذلك الرجل هو معلم تشو بينغهوان. 

وحين كان تلميذه المحبوب يعيش حياة أسوأ من الموت تحت قبضة سيد الشياطين، بادر المعلم – بصفته معلمه – إلى تولي زمام الحملة بنفسه.

ومع ذلك، وبسبب السمعة السيئة التي التصقت باسم هوا تشي، لم يتصرف الشيخ غان يانغ بتهور منذ البداية. 

لكنه حين لاحظ أن هوا تشي مصاب بجراح بليغة، غمره السرور، إذ ازدادت ثقته بأنه سيتمكّن من "قتل الشياطين واجتثاث الشر".

قال غان يانغ بصوت جاف وهو يعدد الجرائم الكبرى:

"لقد سلكت طريق الشياطين، وخنت معلمك وأجدادك، وسفكت الدماء بوحشية، واحتجزت السيد تشو رهينة، وقتلت زعيم طائفتنا."

لكن قبل أن ينتقل إلى تعداد الاتهامات الصغرى، ارتسمت على شفتي هوا تشي ابتسامة باردة:

"أتقول إنني قتلت لو ياو؟"

قال غان يانغ بصرامة:

"إزالة الأعشاب الضارة من الجذور، ما العيب في ذلك؟ سيد الشياطين لطالما تصرّف بجرأة، فلماذا لا تستطيع الاعتراف الآن؟"

كان لو ياو أخا هوا تشي في التدريب.

في أيام شبابه، كان كلٌّ من هوا تشي وتشو بينغهوان من تلامذة طائفة الخلود المرموقة شانغ تشينغ. 

في ذلك الزمن، كانت الطائفة في أوج مجدها، الأولى بلا منازع في عالم الزهد، تضم ثمانية آلاف تلميذ، كلّهم متميزون. 

ومع وجود موهبتين نادرتين كموهبة هوا تشي وتشو بينغهوان، كانت أيامًا يضرب بها المثل في الازدهار.

كان تشو بينغهوان تحت رعاية الشيخ غان يانغ، بينما كان هوا تشي يحظى بعناية زعيم الطائفة مباشرة، الذي اتخذه تلميذًا مقربًا. 

وكان للزعيم ابن وحيد هو لو ياو، الذي برع لاحقًا في فنون الزهد والقتال، وأصبح الأخ الأصغر لهوا تشي في الطريق.

لكن فيما بعد، قتل هوا تشي معلمه وأباد أسرة لو بأكملها. 

ومن بين ثمانية آلاف تلميذ في طائفة شانغ تشينغ، أبقى على حياة ثلاثة آلاف فقط. بعد تلك الكارثة، أصيبت الطائفة بجراح قاتلة، ولم تستعد مجدها أبدًا. 

واغتصبت طائفة يونتيان شويجينغ مكانتها الأولى.

كان ثأر قتل الأب، وحقد الطائفة، وتولّي لو ياو منصب الزعامة سببًا طبيعيًا في أن يصبح هو وهوا تشي أعداء لدودين.

وفي لحظة حاسمة، خشي معلم هوا تشي أن يدفعه غضب تلميذه للانتقام من ابنه، فقدم روحه قربانًا، وألقى تعويذة "المصير المشترك" بين هوا تشي ولو ياو.

لكنها لم تكن مصيرًا مشتركًا بحق، بل قيدًا أحاديًّا: إن مات لو ياو، مات هوا تشي؛ أما إن مات هوا تشي، فيبقى لو ياو حيًّا.

لذلك، فإن بقاء هوا تشي كان مرهونًا لا بعدم إيذاء لو ياو فحسب، بل بحمايته أيضًا. 

وكان يعلم منذ زمن أنه ما إن يكتشف لو ياو أمر هذه التعويذة، فسيسحبه معه إلى الهلاك.

ولهذا، ابتسم بسخرية من نفسه، وبنبرة هادئة قال:

"إذا انتحر لو ياو، فذلك لا شأن لي به."

نظر غان يانغ إليه وكأنه سمع نكتة العصر:

"أيعقل أن ينتحر لينتقم لوالده؟!"

فأجابه هوا تشي:

"اسأله بنفسك. لم تمضِ بعدُ سبعة أيام على حداد لو ياو، فانتظر حتى يعود إلى عالم البشر، أو إن شئت، علق نفسك الآن واذهب إلى عالم الأشباح لتسأله وجهًا لوجه."

أن يُستفَز في مثل هذه اللحظة… كان ذلك كفيلًا بإشعال غضب الشيخ غان يانغ سريع الانفجار. 

فجمع أحقاده القديمة والجديدة، واستل سيفه، واندفع نحو هوا تشي.

لحسن الحظ، لم يكن هناك سوى غان يانغ وحده. أطلق هوا تشي أداته الروحية المرتبطة بحياته، "جي فنغ" (النسيم الرقيق)، وكانت تتمتع بروح خاصة بها. فاندفعت من تلقاء نفسها لملاقاة شفرة غان يانغ، ليدور بينهما قتال يصعب فصله.

لكن هوا تشي لم يكن في وضع يسمح له بإضاعة الوقت. 

وبينما كانت أداته الروحية تشاغل غان يانغ، تسلل هو إلى أعماق غابة القيقب، متجهًا نحو جناح الخيزران عند سفح الجبل.

كان جناح الخيزران، من الداخل والخارج، نسخة مطابقة تمامًا لمسكن تشو بينغهوان في طائفة يونتيان شويجينغ. 

شيّده هوا تشي خصيصًا، بدافع القلق من شعور تشو بينغهوان بالغربة والحنين إلى موطنه.

لم يكن أحد بداخل الجناح بعد؛ فلم يصل تشو بينغهوان.

لكن الأمر لم يكن مهمًا… فهوا تشي كان سيموت هنا على أي حال. 

سواء أتى تشو بينغهوان باكرًا أو متأخرًا، فعندما تهاجم قوات الخالدين من أسفل، لن يروا سوى سيد الشياطين جثة هامدة في جناح الخيزران، وتشو بينغهوان واقفًا أمام جثمانه.

"تشو بينغهوان قتل سيد الشياطين، وأحرز منقبة عظيمة"… يا لها من خدمة جليلة للعالم!

ستتغنى باسمه الآلاف، وسيبقى إرثه خالدًا إلى الأبد.

لم يكن هوا تشي قد ألغى طاقة تشو بينغهوان تمامًا، بل ختمها مؤقتًا فقط. 

أما طريقة تحرير جوهره الذهبي، فقد وضعها داخل كيس حريري صغير.

ومنذ هذا اليوم، سيصبح تشو بينغهوان هو الزعيم المهيب لطائفة "تشو"، وسيظل "إمبراطور الخلود سحاب الأفق" الذي تضاهي قوته أسياد العوالم الستة.

استند بيده إلى حافة الطاولة، لكن مقاومته لتعويذة المصير المشترك مع استنزاف طاقته وصلت إلى ذروتها، كجبال انهارت فجأة. 

لم يعد قادرًا على التحمّل، فتهاوى وهو يسعل الدم.

في النهاية، كان الموت محتومًا. 

من الأفضل أن يُنسَب كل الفضل إلى تشو بينغهوان، كتسوية متواضعة لما سببه له من سنوات الأسر.

لقد كانا مخطوبَين بترتيب من أسرتيهما قبل أن يولدا حتى، وشدّت هذه الرابطة بينهما.

وعندما التقيا وهما شابان، وقع هوا تشي في غرام أناقة تشو بينغهوان ووسامته من النظرة الأولى، مأخوذًا بأخلاقه الرفيعة وأفعاله النبيلة في نشر الرحمة.

لكن تشو بينغهوان كان مكرسًا لطريقه الروحي وحده، غافلًا عن شؤون العاطفة، متجاهلًا مشاعر هوا تشي.

ومع ذلك، لم يندم هوا تشي على ما فعل. 

لقد كان سيد الشياطين الذي لا نظير له، حاكم أراضي الأرواح والشياطين. 

وما أراده، كان يأخذه بالقوة.

غير أنه لو مُنح فرصة البدء من جديد، لما تصرف بالطريقة نفسها. إرغام تشو بينغهوان، وتدمير طريقه نحو التنوير، وقطع طريقه إلى الصعود السماوي… لمَ؟ فلكل امرئ طموحه، وكان تشو بينغهوان مقدرًا له أن يسمو فوق عالم البشر، بعيدًا عن مغرياته.

بدأت رؤيته تتلاشى، واقترب منه طيفٌ بشري. 

قيلت كلمات، لكن حواسه الخمس كانت قد غادرت، فلم يفهم.

"أعتذر!" كان ذلك على شفير الموت، حين أطلق آخر ارتباط في وعيه الموشك على الذوبان. "لقد أخرتك عمرًا كاملًا."

مات هوا تشي بهدوء، دون ندم أو تردّد، وإنما بشعور من التحرر.

لكن يا للأسف… الموت كهذا نهاية أبدية، وإلا لكان أحب أن يعود كروح هائمة إلى قاعة فين تشينغ ليراقب ردة فعل تشو بينغهوان في جناح الخيزران.

لقد انتهى صراع العمر مع سيد الشياطين أخيرًا. مات، وكانت ميتة شنيعة… فلا بد أنها أثلجت الصدر وأبهجت القلب، أليس كذلك؟

كان هوا تشي يكاد يتخيله يضحك ملء فيه من النشوة.

-

"يا سيدي الشاب، يا سيدي الشاب."

تردد هوا تشي… من يناديه؟

"يا سيدي الشاب، استيقظ. لقد وصلنا إلى قصر الخلود يونتيان شويجينغ."

انتفض هوا تشي جالسًا، والضوء القوي أجبره على إغماض عينيه نصف إغماضة. 

وبعد أن اعتاد عليه، نظر بذهول إلى العجوز التي وضعت الكرسي الصغير خارج العربة.

قالت العجوز بجدية:

"أهذه أول مرة يزور فيها السيد الشاب السيد تشو؟ إن لعائلة تشو قواعد كثيرة، وقصر الخلود يونتيان شويجينغ يحظى بمقام رفيع في عالم الزهد. القوانين هناك صارمة، فعليك، يا سيدي الشاب، أن تكبح مشاغباتك وطيشك، حتى لا تترك فرصة لأحد أن يسخر منك."

ثم مدت يدها لتصلح شعره وثيابه المبعثرة، وبعد أن بدا لها مظهره مرضيًا، أخرجت شيئًا من صندوق صغير وسلمته له.

"إنه عقد الزواج المُرتَّب، رجاءً لا تفقده."

وبينما كان خادمان يقتربان، حثته العجوز قائلة:

"اسرع بالدخول، سأكون بانتظارك هنا."

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]