🦋

رأى كي روان حلمًا عجيبًا. 

حلمَ أنه قد جُرِّد من جلده وسُمِّر على الجدار. 

تحت سياط العذاب ولهيب الشمس الحارقة، عانى حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وتحول إلى هيكلٍ عظمي. 

لكن الأسوأ لم يأتِ بعد، إذ كان هناك من يستعدّ لطحن عظامه وتحويلها إلى رماد!

كان كي روان يعلم أنه يحلم. 

حاول أن ينهض، أن يفتح عينيه، أن ينتزع نفسه من براثن الكابوس، لكن مهما بذل من جهد، لم يستطع الاستيقاظ.

“سموّك! سموّك!” دوّى صوتٌ عجوزٌ في أذنيه.

استفاق كي روان من نومه فزعًا، وجسده مبللٌ بالعرق البارد.

“هل أنتم بخير، يا سموّ الأمير؟” 

سأل الشيخ العجوز بقلق.

مسح كي روان جبينه بأنامل مرتعشة وقال: 

“أنا بخير.”

لقد حلم مجددًا بأن البطل قتله.

كان الشيخ معلمه ومربيه. 

وحين سمع جوابه، هزّ رأسه بتعبيرٍ غريب وقال: 

“إن كان كذلك، فالشكر للآلهة.”

بعدما غادر المعلّم، أسند كي روان رأسه على الطاولة وأطلق تنهيدة طويلة تنمّ عن يأسٍ عميق.

كل ما حدث بدأ منذ البارحة. 

بعد أن غفا واستيقظ، فوجئ بأنه لم يعد في عالمه المعتاد. 

بل وجد نفسه داخل رواية تُدعى «إمبراطور مينغ»، في جسد شخصية شريرة تُدعى كي روان.

في الرواية، كان البطل يُدعى سي يوهان. 

فقدَ والدته يوم وُلد، واعتقد والده أنه نذير شؤم، خصوصًا لأن عينيه تشتعلان بلون الدم حين يبكي. لذلك قرر والده قتله، لكن خادمة توسّلت إليه أن يصفح عنه، فأنقذته من الموت. 

لم يُقتل، لكن تم طرده من القصر.

نشأ سي يوهان في حياة من التشرد والبؤس، يتنقل من مكان لآخر مع الخادمة التي رعته. 

وحين بلغ السادسة، أرسل والده من يبحث عنه، وأُعيد إلى القصر. 

دبّت في قلبه شعلة أمل، لكنه سرعان ما اكتشف أن تلك الشعلة وُئدت سريعًا؛ إذ لم يمضِ عام حتى أُرسل رهينةً إلى مملكة ' اللهيب الأحمر '.

وهنا دخل كي روان المشهد.

كان كي روان أمير مملكة اللهيب الأحمر، ابن الإمبراطور المدلّل، لا يعلو فوقه أحد إلا والده. 

نشأ متغطرسًا، لا يرى فوق نفسه أحدًا، ولم يكتسب أية خصال تليق بأمير. ازداد كرهه لسي يوهان الذي كثيرًا ما أثنى عليه المعلمون، وكان لا يفوّت فرصةً للسخرية منه واحتقاره.

لكن أبشع ما ارتكبه كي روان في حق سي يوهان كان حبسه من دون سبب مشروع، وحرمانه من الطعام والشراب، بل وأمر خصيّين أن يتحرشا به!

بينما كان كي روان الحقيقي يقرأ هذه الأحداث، لم يستطع كبح رغبته في اقتحام الرواية بنفسه ليُبرح كي روان الموجود فيها ضربًا. 

في نظره، فإن هذا الكي روان يستحق تمامًا النهاية المأساوية التي حبكها له المؤلف. 

بل إن جميع القرّاء، بمن فيهم كي روان نفسه، هلّلوا لذلك بفرح غامر.

لكنّ المعضلة الآن، أن كي روان قد أصبح هو ذاته داخل عالم هذه الرواية. 

وهو… على وشك أن يموت!

لقد تورّط في أسوأ وضعٍ ممكن، خصوصًا بعد أن كان قد أساء بالفعل إلى سي يوهان، وتبعه في ذلك الرهائن من الدول الأخرى الذين اشتركوا معه في التنمر عليه. 

كان في ورطةٍ حقيقية.

«لماذا أُبتلى بهذا؟ ماذا عساي أن أفعل؟»

تمتم كي روان في سره. 

لزم غرفته يومًا كاملًا محاولًا تهدئة نفسه ليستطيع مواجهة الكارثة المحدقة به.

وبعد انتهاء الحصة الدراسية، جال ببصره بين الطلاب الآخرين، باحثًا عن شخصٍ يحمل ملامح سي يوهان كما وردت في الرواية، لكنه لم يعثر عليه.

وفي هذه اللحظة، تهافت عليه العديد من الأشخاص ليتقرّبوا إليه ويتملّقوه. عبس وجهه وشعر بأن رأسه يكاد ينفجر من الانزعاج. 

سأل أحد الطلاب بفتور: “أين سي يوهان؟”

كان بجانبه شابٌ يرتدي ثوبًا أخضر مائل إلى الزرقة، ويبدو في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة من عمره. لم يُبدِ أي تعبير على وجهه، لكنه حين نظر إلى كي روان، رآى الأخر بوضوح علامات الضيق واللا مبالاة في عينيه.

“في الزنزانة.”

كانت الكلمة كصفعة على وجه كي روان، تركته مذهولًا. لم يتوقع أن سي يوهان قد سُجن بالفعل! وهذا يعني أنه لم يعد بعيدًا عن اللحظة التي يُقتل فيها ضمن مجريات الرواية.

اللعنة!

“أسرع! خذني إلى الزنزانة فورًا.”

عندما سمع الرجل أمر كي روان، عقد حاجبيه دون أن ينبس بكلمة، ثم استدار واتجه نحو الزنزانة، يتبعه كي روان بخطى متسارعة.

في الواقع، لم يكن كي روان الحقيقي ابن عائلة ثرية. 

بل لم يكن سوى طبيب عادي تخرّج من كلية الطب، يعيش حياة مستقرة، بوظيفة هادئة، وكان على وشك أن يبدأ بتكوين أسرته قبل أن توافيه المنيّة في حادث سير.

كان لطيفًا بطبعه، يحب الآخرين، ويحبه زملاؤه وأصدقاؤه. لم يعرف يومًا طعم الغيرة أو الحقد كما يتصف به كي روان في الرواية. 

بل لم يكن يفهم أصلًا كيف يستطيع ذلك الكي روان أن يكون قاسيًا إلى هذه الدرجة.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]