“سيدي الشاب!”
كان صوت لين تشينغ يي مشبعًا بقلقٍ لا يمكن كبحه، ومدّ ذراعيه بسرعة ليمسك بـكي روان وهو يترنّح على وشك السقوط.
كان كي روان قد بلغ من الضعف حدًّا أفقده القدرة على الكلام. ومع ذلك، استجمع ما تبقى من طاقته، وقال ليطمئن لين تشينغ يي: “لا تقلق… أنا بخير.”
أحاطه لين تشينغ يي بذراعه، مساندًا كتفه بعناية، ثم التفت إلى الحارس بجانبه وأمره بنبرة باردة:
“دلّني على الطريق.”
ومع دعم لين تشينغ يي، شعر كي روان ببعض الطمأنينة، فاتكأ عليه كي يحتفظ بما تبقى له من طاقة.
كان سي يوهان يحدّق في ظهر كي روان، ونظراته تشعّ بتقلبات غامضة، فيها شيء لا يُفسَّر.
“تفضل يا سيد سي.” قال أحد الجنود باحترام.
عندها، سحب سي يوهان نظراته بصمت، وانخفض رأسه قليلًا وتقدّم في خطاه.
أما كي روان، فقد تبع لين تشينغ يي بخطى متثاقلة، كأنه لم يعد قادرًا على مقاومة شيء.
حمله لين تشينغ يي بعناية حتى أوصله إلى المعسكر، ثم أمر أحد الجنود أن يُحضر الأدوية من العربة.
“شددوا الحراسة!”
“أمرك، سموّ الأمير!”
“سيدي الشاب، سيدي الشاب…”
كان صوت لين تشينغ يي يرنّ في أذن كي روان، الذي كاد يفقد الوعي تمامًا.
لولا ذلك النداء، لربما فضّل الموت على أن يُجبر نفسه على البقاء مستيقظًا.
“اشرب بعض الماء.”
رفع لين تشينغ يي زجاجة الماء بلطف إلى شفتيه، وسقاه ببطء.
في تلك اللحظة، لم يكن سي يوهان بعيدًا.
كان واقفًا على مقربة، يراقب كل شيء بعينين ساكنتين، لكنه رأى بوضوح مدى الإنهاك الذي حلّ بـكي روان.
كان غارقًا في الماء لفترة طويلة، وثيابه مبللة تمامًا، وشعره مبعثر، ووجهه شاحبٌ إلى حدّ مقلق.
خفَت بريق عيني سي يوهان.
قبضته انغلقت قليلاً…
منذ ولادته من جديد، لم يعد قادرًا على فهم كي روان.
لم يعرف ما الذي يريده بالضبط.
ما هدفه؟
بعد أن شرب بعض الماء، شعر كي روان براحة نسبية، حاول جاهدًا أن يفتح عينيه، وحين نجح، تلاقت عيناه مع سي يوهان عبر المساحة التي تفصل بينهما.
“تعال يا يوهان.”
حدّق سي يوهان في وجهه الشاحب، تردد لحظة، ثم تقدّم بخطى بطيئة نحو كي روان.
“هل أنت بخير؟ هل أصبت في أي مكان؟”
كان وجه كي روان يفيض قلقًا حقيقيًا، لا تصنّع فيه.
لكنه لم يتلقّ أي جواب.
فانفجر لين تشينغ يي غاضبًا، غير قادر على كبت نفسه أكثر:
“سيدي، صدّقني، السيد سي بخير تمامًا.
الجرح الذي يحتاج للعلاج هو جرحك أنت.”
خفض كي روان رأسه، وألقى نظرة على ذراعه اليسرى، ثم أومأ وقال بهدوء:
“أعتذر عن الإزعاج.”
وما إن رأى أن ملابس سي يوهان مبللة بالكامل، حتى عبس وجهه، والتفت إلى أحد الجنود قائلاً:
“خذ السيد سي لمكان يمكنه فيه تبديل ملابسه.”
“أمرك! سيد سي، من فضلك، اتبعني.”
أدار سي يوهان بصره عن كي روان دون أن يردّ.
لم تكن الإصابة في ذراع كي روان اليسرى عميقة للغاية. وما إن تم تطهير الجرح وتضميده، حتى بدأت علامات الالتئام تظهر عليه شيئًا فشيئًا.
تنهد بدهشة وهو ينظر إلى الضماد المغطى بالمزيج العلاجي التقليدي:
“حقًا… هذه الأدوية القديمة فعالة على نحو مدهش.”
ما إن أنهى لين تشينغ يي لف الضماد بإحكام، حتى عقد حاجبيه وقال بنبرة صارمة:
“لا تتصرف بتهور مرة أخرى.”
توقف كي روان برهة، وكأن الكلمات علقت في حلقه.
الأمر لم يكن تهورًا بقدر ما كان مسألة حياة أو موت. لقد كان يقامر.
من جهة، ربما كان يحاول حماية الطفل.
ومن جهة أخرى، من يدري ما الذي كان سيحدث إن مات البطل؟
فسي يوهان لا يزال في الثامنة من عمره، لم يتقن بعد فنون القتال التي ستجعله لا يُقهر.
وإن واجه مكروهًا الآن، ستكون العواقب وخيمة.
كان سي يوهان يستمع بوضوح إلى الحوار بينهما، ومنذ أن سمع كلمات لين تشينغ يي، توقف في مكانه دون أن يشعر.
قبضتا يديه انغلقتا بإحكام.
كيف سيرد كي روان؟
سأل نفسه ذلك.
وجد قلبه يتوقع شيء ما بين الترقب والخوف، شعورٌ معقد لم يستطع أن يحدده بدقة.
لكن كي روان، ببساطة، ضحك ضحكة خفيفة، وهز كتفيه بلا اهتمام، ولم يجب.
ومع هذا الصمت، كان قد قال كل شيء.
قال دون أن ينطق: في المرة القادمة، إن تكرّر الأمر، سيظل يتصرف بتهور.
توقفت خطوات سي يوهان للحظة، ثم تابع سيره نحو العربة، دون أن يلتفت للخلف.