🦋

رفع سي يوهان ذراعه ببطء، وعيناه مركّزتان على الجرح في ذراع كي روان.

كان الظلام كثيفًا، لم يستطع رؤية تفاصيله، لكن رائحة الدم كانت كافية لتُذكّره بوجوده.

قبض على يده تدريجيًا حتى بدت مفاصله ناصعة البياض، وكأن صراعًا داخليًا يعصف به.

وما إن حوّل كي روان نظره عن الضفة وعاد تركيزه إلى الطفل الذي بين ذراعيه، حتى شعر بأن هناك شيئًا ليس على ما يرام.

اللعنة!

شتم نفسه في داخله. لربما قد اختنق يوهان لأنه ضمّه إلى صدره بقوة ولفترة طويلة…

فهو ليس مثله، إنه طفل صغير في نهاية المطاف.

ثم أدرك أن سي يوهان لم ينطق بكلمة واحدة منذ فترة.

وحين التقت عيناه بعيني كي روان، بدأت برودة قاسية تتسلل إلى نظرات يوهان.

ابتسم بخفة، ابتسامة بالكاد تُلحظ.

لم يكن هناك ما يدعو إلى التردد.

من كُتب له الموت… سيموت مهما حدث.

وفجأة، قبضتان باردتان، بشكل طفيف، أمسكتا وجهه.

يده اليمنى، التي كانت على وشك أن تؤذي كي روان، تجمدت في مكانها.

وفي اللحظة التالية، شعر بشفاه دافئة تلامس شفتيه.

اتسعت حدقتا سي يوهان في ذهول. 

كان يحدّق في وجهه عن قرب، وقد اختفت الشرارة الخبيثة من عينيه تمامًا، لتُستبدل بصدمة نقيّة.

قبل أن يتمكن من القيام بأي ردة فعل، نفخ كي روان هواءً داخل فمه.

تصلّب سي يوهان كليًا، لم يعد قادرًا على الحراك، ولا على التنفس… حتى نسي كيف يُقاوم أو يبتعد.

تحت ضوء القمر الخافت، لم يكن يسمع سوى خرير الماء، وزقزقة العصافير… ودقات قلبه التي تسارعت بجنون.

وبعد أن أنهى كي روان عملية التنفس الاصطناعي، لم ينسَ أن يتفقد سي يوهان ليتأكد من أنه استعاد وعيه.

لكن ما قابله كان وجهًا مكفهرًا… تجمّد في مكانه مصدومًا.

ما الذي حدث؟ تساءل في داخله، وقد ارتبك.

أجل… ما إن عاد سي يوهان إلى وعيه، حتى انفجرت داخله عاصفة من الغضب.

لكنه هذه المرة لم يحاول كبتها.

كانت قبضتاه مشدودتين، وأسنانُه تطحن بعضها بشدة، وعيناه تقدحان شررًا.

لم ينظر إليه، بل حدّق فيه كما لو كان على وشك تمزيقه حقدًا.

كيف تجرّأ؟ كيف يجرؤ؟!

بدأت مشاعر الذنب تنخر في صدر كي روان تحت تلك النظرات النارية.

“سيّدي، سيّدي الشاب!”

دوّى صوت لين تشينغ يي وجنوده من على الشاطئ، فتنفّس كي روان الصعداء سرًّا.

تجاهل عمدًا نظرات سي يوهان الحارقة، أمسك به، وقفز إلى اليابسة.

وما إن رأى لين تشينغ يي أن كي روان بخير، حتى شعر بارتياح كبير، وأسرع نحوه قلقًا.

“سيّدي، هل أصبت؟ هل أنتما بخير؟”

هزّ كي روان رأسه، وقال:

“أنا بخير، لا تقلق، يا جنرال لين.”

لكن لين تشينغ يي لاحظ فورًا الجرح في ذراعه اليسرى وقال:

“سيدي الشاب، إنك تنزف.”

وما إن أشار إلى الجرح، حتى شعر كي روان بألم حادٍ يمزق ذراعه فجأة…

بعد أن ركض كل تلك المسافة وهو مصاب، بلغ كي روان حدّ الإرهاق الشديد.

في البداية، كان الدافع الوحيد الذي يحركه هو عزيمته الحديدية، لكن ما إن شعر ببعض الارتياح، حتى خارت قواه تمامًا، ولم يعد قادرًا حتى على الوقوف بثبات.

أسرع لين تشينغ يي إلى جانبه، وسنده قبل أن يسقط.

قال كي روان بصوت واهن:

“أنا بخير…”

نظر لين تشينغ يي إلى سي يوهان بنظرة معقّدة، فيها الكثير من اللوم والشكوى.

كان يعلم تمامًا، لولا وجود هذا الطفل، لما تعرّض كي روان لكل هذه المعاناة.

ثم قال بلطفٍ فيه بعض الحزم:

“سيدي، أرجوك… دع السيد سي يستريح على الأرض لبعض الوقت.”

لكن كي روان لم يُفرج عن سي يوهان على الفور، بل خفض رأسه إليه، وابتسم ابتسامة دافئة وسأله برقة:

“هل تستطيع أن تمشي وحدك؟”

وقبل أن يتمكن سي يوهان من الرد، أشار لين تشينغ يي إلى أحد الجنود القريبين وقال:

“أنت، احمل السيد سي على ظهرك.”

تقدّم الجندي بسرعة، وركع على ركبته استعدادًا للحمل.

لكن سي يوهان ردّ ببرود:

“لا داعي لذلك.”

ثم ركّز نظره على وجه كي روان الشاحب، وعيناه تضيقان ببطء. 

قال بصوت خافت: “أنزلني.”

“هل أنت متأكد؟”

عقد سي يوهان حاجبيه بانزعاج. 

ما بال هذا الرجل؟ لماذا يصر على مضايقته؟

هل يظن أنه ضعيف إلى هذا الحد؟

“نعم، متأكد.”

نظر كي روان إليه مطوّلًا، وحين تأكد من أن جسده خالٍ من الإصابات، تنفّس الصعداء، ثم أنزله بلطف على الأرض.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]