كان هوا تشي يطارد وهو يردد في قلبه:
"اهدأ… اهدأ… اهدأ…"
صحيح أن مستوى زراعته ما يزال ضعيفًا، لكنه وصل على الأقل إلى هذه المرحلة… أليس من المفترض أن النسيم الرقيق قد استيقظ الآن؟
في حياته السابقة، جاء مع آخرين إلى وادي القمر المشرق للتدريب. وهناك، بعد أن سقط بالصدفة في بركة جليدية بعمق مئة متر أثناء محاولته إنقاذ أحدهم، التقى بـ النسيم الرقيق الذي كان خامدًا لسنوات طويلة.
ورغم أن هذه المواجهة هذه المرة جاءت أبكر بعام كامل، إلا أن النسيم الرقيق كان سيفًا رافقه عبر معارك لا تحصى، انغمس معه في الدماء، وانطبعت روحه بروحه. فهل يمكن لهذه الرابطة أن تزول مع مرور الزمن؟
هبط هوا تشي على قمة الجبل، يلهث من التعب، وألقى نظرة حوله… لكن مشعل النار لم يكن في أي مكان.
حسنًا، إذا كان يريد الهرب، فلن يستطيع هوا تشي اللحاق به بجسده الحالي.
كان يفكر في العودة أو التوجه نحو البركة الباردة لاستعادة السيف، حين دوّى فجأة انفجار هائل في الوادي!
اهتزت السلسلة الجبلية بأكملها!
أسرع هوا تشي بالتمسك بجذع شجرة جراد قديمة ليثبّت نفسه.
كان هذا الاهتزاز غريبًا… بل مألوفًا أيضًا.
وقبل أن يفكر أكثر، انشق قاع الوادي، وانبثق منه نور فضي مبهر اخترق السماء!
ارتجف قلبه وهو يشعر بتلك الهالة المألوفة.
اندفع بلا وعي نحوها، وكلما اقترب، ازدادت تلك الطاقة العذبة اللطيفة قوة.
النسيم الرقيق كان مختلفًا عن كل السيوف الأخرى؛ لم يكن متعجرفًا وباردًا مثل القمر المشرق، ولا صافياً مثل ينبوع السمع.
كان فريدًا… دافئًا، رقيقًا كالنسيم الذي يمرّ في الربيع.
بضربة واحدة، يستطيع أن يحيي الشجر اليابس، وبضربة أخرى، يبدد الظلام ويكشف صفاء السماء.
ذلك هو النسيم الرقيق.
لكن هوا تشي توقف فجأة.
السيف، نقيّ كالثلج، كان في يد… شخص آخر.
في لحظة، تحولت نظرة هوا تشي إلى باردة وقاتلة.
هذا المشعل لم يأتِ لإحراق البلدة فحسب… بل جاء أيضًا ليأخذ السيف العتيق.
كان الشخص مغطّى تمامًا برداء أسود واسع، يخفي ملامحه من الرأس حتى القدمين، لكن هوا تشي كان واثقًا بنسبة سبعين بالمئة من هويته.
سأله بحذر:
"أأنت من أشعل النار في البلدة؟"
حتى لو كان وجهه مخفيًا، فإن مطاردته من قِبل فتى في السادسة عشرة كفيلة بإرباك أي شخص.
حدّق فيه المشعل صامتًا، ثم أخرج السيف مباشرة من غمده وانقضّ ليقتله.
أسرع هوا تشي بالمراوغة. فالسيوف التي تملك روحًا لها طباعها، والنسيم الرقيق الذي عاش معه قرنًا من الزمان يعرفه حق المعرفة.
ومع أن خصمه كان ذا زراعة عالية، تمكّن هوا تشي من تفادي ضربتين بالكاد، ما جعل المشعل يضيق عينيه بدهشة؛ فقد ظن أن قتل هذا الفتى قليل الخبرة سيكون سهلاً، لكنه وجد نفسه يواجه محاربًا ماكرًا ذا خبرة.
مرّ حد النصل قرب عنقه، ولو تأخر جزءًا من الثانية لطار رأسه.
اهتز بصره قليلًا، فمس الدم على رقبته، ثم رمق النسيم الرقيق بنظرة حادة:
"أتخونني أنت أيضًا؟"
سواء ارتبك السيف من نبرته أو استشعر رائحة الدم المألوفة، فقد اهتزّ وارتجف كأنه في قلق.
قبض المشعل على السيف بإحكام، وقال بصوت ثقيل:
"أنت سلاحي الروحي الآن… وتفكر في خيانتي؟"
ابتسم هوا تشي بسخرية:
"ومن هو سيده الحقيقي برأيك؟"
كانت نية القتل لدى المشعل واضحة، وضرباته بالسيف سريعة وقاتلة.
وحتى إن كان هوا تشي يرى مسار النصل، فإن جسده لم يكن قادرًا على مجاراة السرعة، وفي لحظة صار جسده مثقلًا بالجراح.
وعندما هبط النصل عليه مرة أخرى… لم يتفادَ، بل مد يده وأمسك بالشفرة مباشرة.
توقف طرف النصل على بُعد بوصات قليلة من قلب هوا تشي.
هذا التصرّف حتى المشعل نفسه أربكه.
قال هوا تشي وهو يمسك النصل بإحكام، منزلقًا بيده من المقبض حتى الطرف، ملوّنًا النصل كله بدمه الطازج:
"حين يعترف السلاح الروحي بسيده، فلن يخونه أبدًا، ما دامت الروح موجودة. لا يهم أين أو متى، في السماء أو في العالم السفلي، يكفي أن يناديه فيعود فورًا."
في لحظة، أشرق النسيم الرقيق بضياء باهر!
انعكس الضوء الفضي الساطع على وجه هوا تشي الشاحب بشدة، وعيناه المائلتان كعيون طائر الفينيق تحملان برودًا خفيفًا، بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة متعطشة للدماء:
"سلاح هذا السيّد… أتجرؤ على لمسه؟!"
شعر المشعل بحرارة حارقة في كفّه، وكأنها ألسنة لهب، فترك السيف غريزيًا.
وانقلب النصل، متجهًا مباشرة نحو جبينه!
وفي اللحظة نفسها، انطلق سيف آخر من بعيد.
ألقى المشعل نظرة في الأفق، ثم تراجع عن القتال وغادر بسرعة.
خفض هوا تشي عينيه، فعرف أنه ينبوع السمع، والتفت ليرى بالفعل أن القادم هو تشو بينغهوان.
قال هوا تشي: "أنت… كيف حال ساسا هناك…؟"
بمجرد أن رآه، تراخت أعصابه المتوترة فجأة، لكن هذا الارتخاء جعله يشعر بدوار وضعف في كل جسده.
"هوا تشي!" أمسكه تشو بينغهوان من الخلف في اللحظة المناسبة، وما إن أمعن النظر فيه حتى تغيّر لون وجهه تمامًا.
ولم يكن هوا تشي أقل ذهولًا؛ فقد كانت مقدمة ثوبه قد تشبّعت بالدم في وقت ما، وفي صدره الأيمن ثقب دموي.
ولم يدرك الألم إلا الآن.
قال تشو بينغهوان بصوت مرتجف: "لا تتحرك."
تركه هوا تشي يتولى الأمر، فحلّ ملابسه وبدأ يعالج الجرح بإسعاف أولي بسيط.
وتذكّر هوا تشي أنه أُصيب عندما لم يتمكن من تفادي السهام أثناء إنقاذه تلك الطفلة.
جلس متكئًا على شجرة، فاقدًا الكثير من الدم، يشعر بدوار شديد، بينما تابع تشو بينغهوان تجهيز قوارير وأدوية من كمّه على عجل، ويضخ له بين الحين والآخر قليلًا من الطاقة، ويطعمه حبوب جمع الروح خوفًا من أن يلفظ أنفاسه إن غفل عنه.
كان هوا تشي مسترخيًا، يتأمل القمر والنجوم بلا اكتراث، ثم التفت فجأة إلى تشو بينغهوان وضحك:
"يا طلبل تشو، هل أضفت المزيد من الأنجليكا والقرطم؟ أم أنك ترى أن نزيفي ليس كافيًا؟"
تجمّد تشو بينغهوان، وبهت وجهه.
حاول هوا تشي كتم ضحكه، ثم ابتسم بمرارة، مظهرًا ملامح حياتي شاقة، الأمل معدوم وقال:
"هل أنت متأكد أنك قادر على هذا؟ أم نبحث عن طبيب آخر؟ أنا لا أريد أن أموت…"
تشو بينغهوان ضغط جبهته بيده وقال:
"اصمت!"
قهقه هوا تشي بخفة.
أخذ تشو بينغهوان نفسًا عميقًا محاولًا طرد التوتر، فقد نسي تمامًا الوصفة التي يحفظها عن ظهر قلب.
ألقى بالدواء الذي كان يحضّره جانبًا، وبدأ من جديد.
عندما حمل هوا تشي زجاجة اليشم المملوءة بالسائل الطبي، نظر بعيدًا وسأل:
"كيف الحال هناك؟"
أجاب تشو بينغهوان: "أُخمد الحريق، وهم يعالجون ما بعده. لا تشغل بالك، اشرب دواءك."
هزّ هوا تشي الزجاجة، فانبثقت من الدواء بداخلها هالة مألوفة جعلت جسده يقشعر.
فقد ذاق الأمرّين من دواء تشو بينغهوان على مدى مئة عام معًا.
سيد الشياطين الذي لا يخشى السماء ولا الأرض، كان يخشى شيئًا واحدًا… دواء تشو بينغهوان.
ذاك الدواء كان من المرارة بحيث يهتز له الكون. وبمجرد أن تتذوقه، فلن تفكر أبدًا في المرة القادمة.
وكان تشو بينغهوان قد سمّاه: "لنرَ إن كنت ستجرؤ على المرض مرة أخرى"… وهو ما جعل هوا تشي يهرب منه رعبًا.
كان هوا تشي على وشك البكاء لمجرد سماع صوت الدواء وهو يتقلب في الزجاجة، وبدنه كله يقشعر.
"أمم… لنؤجل الأمر قليلًا ونتحدث…"
لكن تشو بينغهوان كان بلا رحمة:
"اشرب!"
جرعة واحدة!
سدّ هوا تشي أنفه مجبرًا وأخذ رشفة من زجاجة اليشم، فاختنق على الفور وانهمرت دموعه بغزارة.
سعل وبكى في الوقت نفسه، محتجًا:
"إذا أردت قتلي فقلها صراحة، لا تعذبني بهذه الطريقة!"
لكن تشو بينغهوان ظل ثابتًا كالجبل:
"اشربها كلها دفعة واحدة!"
ارتفع صوت هوا تشي بغيظ:
"أنت تحاول قتل زوجك بنفسك!"
تشو بينغهوان: "…"
وما إن خرجت تلك الكلمات من فم هوا تشي حتى جمد في مكانه.
لكن الجو في تلك اللحظة كان مثاليًا، ينساب بسلاسة مع ذكريات حياتهما السابقة، فتكلم بلا تفكير، وخرجت الكلمات من تلقاء نفسها.
حتى تشو بينغهوان توقف مذهولًا للحظة.
يا للمصادفة… نفس المكان، ونفس الأشخاص.
في حياتهما السابقة، بعد ستة أشهر من انضمامهما إلى طائفة الخلود السماوي، نزلا من الجبل للتدريب، وكان المكان هو وادي القمر المشرق. حينها، سقط هوا تشي في البركة الباردة أثناء إنقاذه أحدهم، فأصيب بإصابات داخلية وخارجية معًا.
حين حضّر تشو بينغهوان له الدواء، فرح هوا تشي في البداية، لكن بمجرد أن أخذ رشفة تغيّر وجهه تمامًا، ومع ملامح مشوّهة صاح:
"مُرّ جدًا! خذه بعيدًا، لا أريد أن أشربه!"
بدأ يتصرف كطفل في الثالثة من عمره يرمي نفسه أرضًا رافضًا الدواء، لا يجدي معه ترغيب ولا ترهيب.
أما تشو بينغهوان فلم يكن من الصبورين، فحسم الأمر: أغلق نقاط طاقته، وفتح فمه بالقوة، وسكب الدواء دفعة واحدة.
والنتيجة؟ هوا تشي ملقى على الأرض، والدموع تنهمر على وجهه من شدة مرارة الدواء، لدرجة أن من يراه قد يظنه يبكي على فقدان أعز الناس!
قال يومها:
"تشو بينغهوان، أنت تقريبًا تقتل زوجك! إن كنت تسعى للترمل، فقُلها وسأريحك فورًا!"
وفي النهاية، طارده تشو بينغهوان بسيفه تحت ضوء القمر، حتى لاذ بالصمت.
لكن مهما كانت مرارة الدواء، ففعاليته لا يمكن إنكارها.
شعر هوا تشي بالحرج الشديد بعد أن تفوّه بالكلمات، فأمسك الزجاجة وشرب ما تبقى في جرعة واحدة، يقاوم دموعه.
وفجأة، انتشرت في فمه حلاوة مفاجئة.
إنها فاكهة مسكّرة.
تطلّع بدهشة إلى تشو بينغهوان… الطبيب القاسي أظهر لمسة عطف غير متوقعة؟
ألم يكن هو أكثر من يستمتع بمعاناة الآخرين بعد شرب دوائه؟
لكن طعم هذه الفاكهة مألوف جدًا.
سأل وهو يشير إلى شفتيه الشاحبتين:
"من أين حصلت على هذه…؟ من أين اشتريتها؟"
فتح تشو بينغهوان صندوقًا أبيض، ليكشف عن أكثر من عشرة أنواع مختلفة من الفواكه المسكّرة بداخله.
قال ببساطة:
"أنا صنعتها بنفسي."
كان هوا تشي مولعًا بالحلوى، خصوصًا الفاكهة المسكّرة بطبقة سميكة من العسل، ويعشق منها التفاح والكمثرى والبرقوق الأخضر.
لقد جرّب هوا تشي الفواكه المسكّرة التي تُباع على أرصفة الطرق، وحتى تلك التي تُحضَّر في مطبخ القصر الإمبراطوري، لكن أياً منها لم يضاهِ ما يصنعه تشو بينغهوان.
تألّقت عيناه فرحًا، ولم يستطع مقاومة التهام كل قطعة بشغف.
لكن للأسف، كان تشو بينغهوان شديد البخل في تقديم هذه الحلوى، فلا يمنحه بسخاء سوى قطعتين فقط كلما شرب دواءه، ليتركه يعاني في صمت.
ومنذ أن غادر الطائفة وافترق عن تشو بينغهوان، لم يعد هوا تشي يتذوّق الفاكهة المسكّرة مرة أخرى.
وعندما التقيا مجددًا، كانا يقفان على طرفي نقيض بين الحياة والموت، ولم يتخيّل قط أن تشو بينغهوان سيقدم له الحلوى مجددًا.
بعد مرور مئة عام، حين ذاق هوا تشي الفاكهة المسكّرة مرة أخرى، كاد أن يذرف الدموع تأثرًا.
مدّ يده لقطعة ثانية، ثم ثالثة، رابعة، وخامسة، يتأمل كل نكهة بتلذذ.
قال مبتسمًا:
"لم أتوقع أن الشاب تشو بارع لهذه الدرجة. أي امرأة تتزوجك في المستقبل ستكون محظوظة حقًا!"
لم يرد تشو بينغهوان، بل ألقى نظرة نحوه ثم أشعل النار ببعض الحطب الجاف.
قال هوا تشي:
"يا مكعب الثلج الصغير، لماذا لم تنضم إلى طائفة الخلود العليا (شانغ تشينغ)؟"
تشو بينغهوان وهو يكسر غصنًا ليلقيه في النار:
"لم أشأ ذلك فحسب."
هوا تشي بتكاسل:
"وهل لديك رغبة في السعي وراء التنوّر والخلود عبر الزراعة الروحية؟"
تشو بينغهوان:
"لا أرغب."
ابتسم هوا تشي بدهشة:
"إذن أنت أيضًا متمسّك بعالم البشر؟ حسنًا، قل لي، أي نوع من المزارعات تحب؟ أنت بالتأكيد لن تتزوج من امرأة عادية، أليس كذلك؟"
ظل تشو بينغهوان صامتًا، بينما واصل هوا تشي الحديث وكأنه يكلم نفسه:
"أولًا، يجب أن تكون من عائلة عريقة، لا تقل مكانة عن طائفة يونتيان شويجينغ. ثانيًا، يجب أن يكون لها طبع لطيف، وتتحمل برودك الجليدي، وتكون رقيقة وطيبة، ومستواها في الزراعة الروحية ليس منخفضًا..."
تشو بينغهوان فجأة:
"هوا تشينغ كونغ."
هوا تشي غير آبه، وواصل:
"ولا يجب أن تكون شخصيتها ضعيفة أو حساسة أكثر من اللازم، بل قوية، قادرة على إدارة شؤون المنزل وفنون القتال معًا.
وأهم شيء… أن تكون بارعة في الطهي. فأنت، يا سيد تشو، مدلل منذ الصغر، شديد الانتقاء في طعامك، لا تأكل اللحم، وتفضّل الأطباق النباتية، ولا تحب البصل أو الزنجبيل أو الثوم أو الفلفل الحار. تحب التوفو والمعكرونة..."
شعر تشو بينغهوان بانقباض في قلبه وهو يحدق بهوا تشي:
"أأنت… تعرفني لهذه الدرجة؟"
هوا تشي بابتسامة ماكرة:
"تحب الزلابية بالحشوة المتنوعة، وتشرب فقط شاي 'غيوم لو شان'، وإن لم يتوفر، يفي شاي 'لونغجينغ' من بحيرة الغرب بالغرض.
لا تحب الكحول، وتشرب البايتجو فقط في المناسبات الخاصة. تعاني من وسواس النظافة، وتكره الاتساخ، وإذا لم تستحم بعد التدريب بالسيف وذهبت مباشرة للنوم، ستضرب أحدًا بالتأكيد..."
تلبدت عينا تشو بينغهوان بالضباب وهو يسأل بصوت منخفض:
"من أين عرفت كل هذا؟"
ضحك هوا تشي بخفة:
"تخمين فقط! وأيضًا، كل ليلة قبل النوم، يجب أن تشعل عود بخور 'شوان شوي'.
أفكر أن أدوّن كل هذا وأقدمه لزوجتك السماوية المقدرّة."
تجمّد وجه تشو بينغهوان وبرود صوته يقطع الجو:
"اصمت واسترح."
لكن هوا تشي ابتسم بصفاء رغم ملامحه المرهقة:
"لا، أخشى إن صمتُّ الآن، ألا أحصل على فرصة للكلام مرة أخرى."