🦋

“كرريك!”

تجمّد كي روان في مكانه، ثم نظر لا شعوريًا نحو الأغصان اليابسة تحت قدميه.

يا لسوء حظه… لقد وطأ على بعض الأغصان، وأحدث صوتًا كاشفًا!

“سمعتم؟ هناك صوت من ذلك الاتجاه!”

“إلحقوا به!”

دون أن يمنح نفسه فرصةً للتفكير، انطلق كي روان بسرعة. قبل لحظات، كان يسير بخطى سريعة، أما الآن فقد بدأ يركض بكل طاقته.

وفي خضم هذا الوضع الطارئ، تخلّى عن سيفه، وألقاه في الاتجاه المعاكس لمسار هروبهما. 

هكذا يستطيع أن يحرر إحدى يديه لحمل سي يوهان، وفي الوقت ذاته يُضلّل المطاردين عن وجهتهما الحقيقية.

“سيدي القائد، يوجد سيف هنا… هل من الممكن أنهم اتجهوا من هذا الطريق؟”

ساد صمت قصير، ثم انبعث صوت أجش يقول:

“قسّموا أنفسكم وفتّشوا!”

“أمرك!”

استمر كي روان في الركض حتى أنهكه التعب تمامًا. بدأ يشعر أن نهايته تقترب، وإن لم يصل الجنرال لين بسرعة، فربما يموت هنا فعلًا.

لم يعد يقوى على مواصلة الهرب…

جلس على الأرض منهكًا، يحتضن سي يوهان بين ذراعيه، وأنفاسه المتقطعة تتلاحق.

“أنا آسف…”

مزّق صوته الصمت الذي خيّم على المكان، ناطقًا بكلمات اعتذار خافتة.

شعر سي يوهان بضغط ذراعي كي روان حوله يزداد، ثم دفن كي روان وجهه في صدره، وكأنه يلوذ به من هذا العالم القاسي.

حدّق سي يوهان به للحظة، مذهولًا، فلم يدفعه بعيدًا على الفور.

“كل ما حدث… بسببي أنا.” تمتم كي روان بصوت خافت، متقطع، بالكاد يُسمع. 

لم يكن يتصور أنه سيموت بهذه السرعة بعد أن انتقل إلى هذا العالم الذي يشبه الرواية… ولم يكن يتوقع أن يجرّ سي يوهان معه إلى هذا المصير.

كان يعرف جيدًا أن هؤلاء القتلة جاؤوا لأجله هو… ومع ذلك، ها هو قد زجّ بـسي يوهان في هذا الجحيم.

“هان، سامحني…” قالها مجددًا، وهذه المرة كانت نبرته مشبعة بالحزن العميق.

تحركت أصابع سي يوهان قليلًا، وعيناه المعتمتان بدا فيهما بريق أعمق من سواد الليل نفسه.

فجأة، انتصب كي روان واستقام في جلسته، وعيناه تتلألآن ببصيص من الأمل. رفع إصبعه إلى شفتيه، مشيرًا لـسي يوهان بالصمت. 

ثم حمله بين ذراعيه بخفة.

ظل سي يوهان يحدّق فيه بصمت، بينما كانا يتحركان بهدوء. وبعد برهة، أخذ صوت خرير الماء يتصاعد، شيئًا فشيئًا، حتى اصبح واضحًا.

عندها تغيرت ملامح سي يوهان قليلًا.

قال كي روان بثقة ممزوجة بالعزم:

“لا تخف… أنا معك!”

كان يثق تمامًا بمهارته في السباحة. 

حين كان في الجامعة، أُنشئ مسبح جديد في الحرم الجامعي، وكان يذهب إليه كثيرًا للترفيه والتباهي بجسده الرياضي، ولم يكن يفوّت الفرصة في جذب الأنظار.

وهكذا، أصبح سبّاحًا ماهرًا.

“خذ نفسًا عميقًا!”

همس بها قبل أن يضع سي يوهان بلطف في الماء، ثم تنفّس بعمق، وغاص خلفه مباشرة في أعماق النهر.

لم يجرؤا على الاقتراب من ضفة النهر، خشية أن يكون القتلة قد قرروا تتبع مجرى الماء بحثًا عنهما…

ما إن غاصا في الماء، حتى احتضن كي روان، بلطف، سي يوهان بين ذراعيه، وانطلق به نحو منتصف النهر.

كما توقعا، وما إن ابتعدا قليلًا، حتى دوّى صوت من على الضفة:

“هل وجدتموهما؟”

“سيدي، فتّشنا كل مكان… ولم نعثر عليهما.”

“هل جننتم؟! كيف يمكن أن يختفيا هكذا؟ 

ابحثوا عنهما، أحياءً أو أمواتاً!”

“أمرك!”

تنفّس كي روان الصعداء، وقد بدا وكأن السماء نفسها قد قررت أن تمد له يد العون.

أو لعلها… تمدّ يد العون لبطل الرواية.

رغم الظلمة، ورغم أنهما في قلب النهر، لم تزل عينا سي يوهان مثبتتين على كي روان.

لقد أنهك الركض وجه كي روان، فاحمرّت وجنتاه قليلًا. وكان هذا الاحمرار يسطع بخفوت في العتمة، كأن الليل لم ينجح تمامًا في إخفائه.

ازدادت نظرات سي يوهان عمقًا، وهو يحدّق في وجهه.

تحركت أصابعه من جديد لا إراديًا، وكأنها ستلامس ذلك الوجه في أية لحظة.

أما كي روان، فكان تركيزه منصبًا بالكامل على القتلة على الضفة، ولم يلحظ إطلاقًا النظرات الغريبة التي كانت تتراقص في عيني سي يوهان.

وبالتدريج، بدأت الأصوات من الشاطئ تخفت شيئًا فشيئًا، وشعر كي روان بشيءٍ من الطمأنينة تسري في صدره.

في تلك اللحظة تحديدًا، عاد سي يوهان إلى وعيه فجأة.

ارتسم ظلامٌ كثيف في عينيه، ونظراته ازدادت برودةً وغموضًا.

ما الذي أفعله؟ تساءل داخله.

ارتفعت موجة من البرودة في عينيه شيئًا فشيئًا.

إنه محكوم عليه بالموت… لماذا أتردد؟ 

لماذا أفكر بهذا الشكل؟

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]