🦋

خلال درس الصباح، قام تشوانغ تيان بشرح بعض المعارف الأساسية، وكان من الواضح أنّها مُعدّة خصيصاً للطلاب الجدد.

لم يكن تشو بينغهوان ولا مو رونغ سا بحاجة للاستماع، إذ كان التركيز الأساسي في هذه الحصة التكميلية على هوا تشي ولين يان.

وبطبيعة الحال، لم يكن هوا تشي بحاجةٍ إليها أيضاً، وهكذا أصبح هذا الدرس موجهاً عملياً إلى لين يان وحده.

قال تشوانغ تيان بجدية:

"خصائص المزارعين في هذا العالم متنوّعة. ففي طريق الخلود، هناك مزارعو السيف، ومزارعو الموسيقى، ومزارعو الطب، ومروّضو الوحوش؛ وفي الطريق الشيطاني، هناك المزارعون الشياطين ومزارعو الأرواح، وهناك أيضاً فئة مزارعي الوحوش الشيطانية. إذا ما كرّسوا أنفسهم لطريق الخلود فهم من أهل الحق، أما إذا انغمسوا في سفك الدماء والقتل فهم شياطين.

الخير والشر لا يجتمعان، والفارق بين الخالد والشيطان ليس سوى فكرةٍ واحدة، لا يجوز تجاوز حدودها."

ثم تابع:

"في أيامنا هذه، يتخصص كل طائفة في مجالٍ مختلف؛ فطائفة الخلود شانغ تشينغ تركز على زراعة السيف، وطائفة يونتيان شويجينغ تتخصص في زراعة الطب، وقصر يي يو تُعنى بزراعة الموسيقى، ووادي فينغ مينغ يُعنى بترويض الوحوش."

وأضاف وهو يشير إلى نفسه:

"أما أنا، فأنا مروّض وحوش، أتحكم بالوحوش الروحية وأتواصل معها. ويُقال إن أعلى مرتبةٍ في هذا الفن هي القدرة على التواصل مع الوحوش الإلهية القديمة بالعقل، وعقد مواثيق الدم معها، والقتال جنباً إلى جنب."

ابتسم تشوانغ تيان وهو ينظر إلى تلاميذه وقال:

"ينبغي أن تفكروا مليّاً في الطريق الذي ستسلكونه، اختاروا ما يلائمكم لتسير مسيرتكم بسلاسة، وإلا فسيكون كلّ طريق محفوفاً بالصعاب. تيان يو يزرع طريق الطب، وتشاو يـاو يزرع طريق السيف، فماذا عن تشينغ كونغ وشياو يان؟"

(هذ اسمائهم الأدبيه)

أسند لين يان ذقنه إلى كفه وفكر قليلاً قبل أن يقول:

"الزراعة وحيداً تبدو مملة. أريد رفيقاً كما عند المعلم."

ابتسم تشوانغ تيان بلطف:

"أتريد أنت أيضاً أن تصبح مروّض وحوش روحية؟"

أومأ لين يان بجدية:

"لقد اعتنيتُ بإخوتي الصغار منذ كنت صغيراً، وأعتقد أنني أستطيع العناية بالقطط والكلاب أيضاً."

ضحك هوا تشي وربّت على كتف لين يان قائلاً:

"أيها الأخ التاسع، الحيوانات الروحية ليست كائنات عادية، فهي ذات طباع قوية، وبعضها يطير وينفث النار. هل أنت مستعد لذلك؟"

أجاب لين يان بثقة:

"أستطيع ذلك."

قال هوا تشي:

"بما أنّ لديك بيضتين، فعندما تفقسان يمكنك أن تعقد معهما ميثاق دم!"

سأله تشوانغ تيان:

"دعك من الآخرين، ماذا عنك أنت؟"

قال هوا تشي وهو يدير فنجان الشاي بين أصابعه بكسل:

"أنا؟ لم أقرر بعد."

فكّر تشوانغ تيان قليلاً وقال:

"يوان اير أخبرني أنّك أثناء قتالِك مع تشو تشي استخدمتَ ناي الحفرة، هل هو سلاحك الروحي؟

إن كان الأمر كذلك، فهل تسلك طريق الموسيقى؟"

في الحقيقة، كان هوا تشي ميّالاً أكثر إلى طريق السيف، فقد قضى عقوداً يتدرب عليه، وأتقن خباياه جيداً.

وفي هذه الحياة، وبخبرته السابقة، كان بوسعه أن يتجنب الطرق الملتوية ويركز على الجوهر مباشرة.

لكن طريق السيف كان بالغ المشقة، إذ يولّد في كل خطوة شياطين داخلية، ولأن حامليه لا يُهزمون في القتال، كانوا يحملون في قلوبهم بذور الشر منذ اللحظة التي يبدؤون فيها هذا الطريق.

أما طريق الموسيقى، فكان أكثر هدوءاً وسلاماً؛ يزرع العقل، ويهذّب الروح، ويعلو على الدنيا. وعلى مر التاريخ، كَثُر سقوط مزارعي السيف في الطريق الشيطاني، بينما كان مزارعو الموسيقى نادري السقوط.

صحيح، لو لم يكن مضطراً في حياته السابقة لمجاراة أسلوب طائفة الخلود شانغ تشينغ، لما اختار طريق السيف أصلاً.

وضع هوا تشي فنجان الشاي وقال مطيعاً:

"إن رأى المعلم أنني أصلح لطريق الموسيقى، فسأتعلم الموسيقى!"

ابتسم تشوانغ تيان بإعجاب:

"حسن، بعد اختيار الطريق الأساسي، يمكنك اختيار طريق ثانوي. مثلاً، تيان يو يزرع طريق الطب أساساً، لكنه أيضاً بارع في فنون السيف. فزراعة السيف هي الأقوى بين طرق المزارعين. عليك أنت أيضاً أن تتمرن على السيف يومياً لتقوية الجسد."

ثم أردف محذّراً:

"لقد بدأت للتو طريق الزراعة، وما زلت صغيراً، فلا تمارس سراً صوم البالغين. كُل جيداً لينمو جسدك."

وختم قائلاً:

"قوانين تلاميذ قصر لينغ شياو: توقير المعلم والطريق، ومعرفة فضل النعمة عند شرب الماء، وعدم مصاحبة الأشرار، وعدم خيانة الأمانة والحق. وبما أنكم أنتم الأربعة قد بدأتم للتو، انسخوا القوانين مئة مرة عند عودتكم لغرفكم، وانقشوها في قلوبكم."

قال هوا تشي متجهمًا باستغراب:

"هاه؟ يا معلم، ألا يمكن هذه المرة أن نتجنب نسخ الكتاب؟ أنا أحفظه عن ظهر قلب."

أجابه تشوانغ تيان بهدوء:

"كتابته مرة واحدة خير من قراءته عشر مرات. أتفهم هذه القاعدة؟"

تمتم هوا تشي بإصرار:

"هي عشرون كلمة فقط، أستطيع حفظها بلا نسخ."

لكن تشوانغ تيان ظل ثابتًا في رأيه:

"حتى لو كانت عشرين كلمة، فإن نسخها مائة مرة لن يستهلك الكثير من الورق."

فأردف هوا تشي مازحًا:

"ولماذا نهدر حبر الطائفة؟ أليس كذلك؟"

ضحك تشوانغ تيان بمرح:

"منذ أن عاد أخوك السادس من جمع الإيجارات أسفل الجبل، وهو عائد بالنصر، تغيّر حال قاعة لينغ شياو كثيرًا، وقطرة حبر لن تؤثر."

هوا تشي: "..."

وسواء كان ذلك وهماً أو حقيقة، فقد التفت هوا تشي على نحو عفوي، وكأنه لمح تشو بينغهوان يبتسم.

ظل تشوانغ تيان يتحدث طيلة الصباح، ولم يدخل في صلب الموضوع إلا بعد الغداء.

وبما أن لين يان لم يبدأ بعد زراعة طاقة الـ تشي، فقد أوصى تشوانغ تيان ون يوان أن يتولى تدريبه على انفراد، بينما تولى هو بنفسه تعليم باقي التلاميذ.

وأثناء نسخ القوانين، حاول هوا تشي مجددًا استدعاء سيفه النسيم الرقيق، لكنه لم يفلح، حتى بدأ يشك أن السيف ربما سمع عن اختياره لـ حضن الثلج وظن أن صاحبه لم يعد يريده، فجلس يتذمر في ركن بعيد.

(حضن الثلج انذكر وهو المزمار "ناي" سلاح هوا تشي الجديد)

وعلى مدى أسبوعين متتاليين، أدرك هوا تشي أخيرًا سبب المشكلة؛ مستوى زراعته كان منخفضًا جدًا، فلم يعد قادرًا مؤقتًا على استدعاء سيفه العتيق!

بعد ثلاثة أيام، استدعى تشوانغ تيان هوا تشي وبقية التلاميذ إلى جناح لينغ شياو وقال:

"للطائفة قوانين، لا يجوز عصيان أوامر زعيم الطائفة أو الخروج من الجبل من تلقاء أنفسكم. وحين تبدأون الزراعة، تتضاعف أعماركم. سأمنحكم إجازة سبعة أيام لزيارة عائلاتكم، فالزمن في الجبال يختلف عن زمن العالم الخارجي، ويوم هنا يعادل ألف عام هناك، وقد لا تلتقون بهم مرة أخرى. إذا أردتم السير رسميًا في طريق الخلود، عليكم أولاً قطع علائق الدنيا، وإلا فإن هذه العلائق ستولد شياطين داخلية مع تقدم الزراعة."

كانوا جميعًا يدركون وجاهة هذه الكلمات.

لكن في الواقع، لم يكن بحاجة لهذه الإجازة سوى هوا تشي ولين يان.

أماتشو بينغهوان ومو رونغ سا، فكانت عائلتاهما بالكامل من المزارعين، فلا داعي لوداع.

قال مو رونغ سا وهو يركض نحو لين يان:

"لا أريد العودة للمنزل لأتحمل ثرثرة والدي مجددًا، ما رأيك أن أذهب معك؟ أين تسكن؟"

رحب لين يان بحماس:

"لدي الكثير من الإخوة في المنزل، فلا تنزعج من الضوضاء."

ابتسم مو رونغ سا ابتسامة عريضة:

"كلما كثر الناس زاد الفرح!"

ثم أمسك بيد لين يان وجذبه معه. فجأة خطر له أمر، فسحب هوا تشي جانبًا وقال بصوت منخفض:

"أخي هوا، بشأنك أنت والأخ السابع… أنا لست إلا متفرجًا، لكن يجدر بك أن تحسم الأمر معه. إن كنت تريد الانفصال، فافعلها بوضوح، وإن كنت تريد البقاء معه، فافعلها بسرعة. لقد تهربت منه نصف شهر، وهذا مرهق."

أجابه هوا تشي بشرود:

"أعرف."

ثم تفرّق الجميع كلّ إلى وجهته.

دون أن يُعلم أحدًا، بادر تشو بينغهوان بدخول قاعة لينغ شياو، وكان عليه أن يزور أسرته أولاً.

وبعد نصف يوم من الطيران على سيفه، عاد إلى طائفة يونتيان شويجينغ، حيث استقبلته الخادمات باحترام وأدخلنه إلى جناح يونتيان.

وقبل أن يدخل، حذرته إحداهن بلهجة قلقة:

"سيدي، السيدة غاضبة أشد الغضب."

كما توقع تمامًا.

أخذ نفسًا عميقًا، وأطلقه ببطء، ثم دخل. وانحنى نحو السيدة الجالسة في المقعد الرئيسي قائلاً:

"أمي."

قالت مي كايلين بغضب، حتى تحركت حبات اللؤلؤ والجواهر على ملابسها:

"تذكرت أخيرًا أن تعود! دخلت قاعة لينغ شياو من دون أن تنطق بكلمة، ولم تبعث برسالة طوال نصف شهر. ماذا تظن نفسك فاعلًا؟"

جثا تشو بينغهوان على ركبتيه وقال:

"بِينغهوان تصرّف من تلقاء نفسه، أرجو من مي كايلين أن تغفر."

زفرت مي كايلين بغضب:

"هُمف، لو كنت تخشى حقًا أن تُغضبني لما انضممت إلى قاعة لينغ شياو! ألم تكن طائفة الخلود شانغ تشينغ جيدة بما يكفي؟ لماذا لم تذهب إليها؟"

أجاب تشو بينغهوان:

"طائفة الخلود شانغ تشينغ لا تملك ما أبحث عنه."

صرخت مي كايلين بغضب:

"حقًا! بدلاً من الانضمام إلى أرفع طائفة في عالم الخلود، ذهبتَ إلى مكان متدهور كهذا لتضيع وقتك، أجننت؟!"

وضربت الطاولة بيدها، ثم أضافت:

"لقد تركتَ الطائفة الأولى في عالم الخلود، من أجل ماذا؟"

عضَّ تشو بينغهوان شفته ولزم الصمت.

ابتسمت مي كايلين بسخرية فجأة وقالت:

"لا تظن أنني لا أعلم ما يدور في رأسك. يوم أن ذلك الذي يحمل اسم (هوا) فسخ خطبته وغادر، لحقتَ به. والآن، بما أنه يدرس في قاعة لينغ شياو، ذهبتَ أنت إليها، لا لأنها عظيمة، بل لأن هوا تشينغ كونغ هناك، أليس كذلك؟"

أطرق تشو بينغهوان رأسه وقال بصوت عميق:

"نعم."

شهقت مي كايلين، وقد بدأ وجهها الجميل يتلوى من شدة الغضب، وارتعشت يداها:

"اذهب، اذهب إلى قاعة الأسلاف واركع هناك، ليرَ أجدادك ما فعلته من أمور عبثية! من أجل رجل، تخلّيتَ عن مستقبلك وعن آمال العائلة!"

لكن تشو بينغهوان وقف، ولم يتوجه إلى قاعة الأسلاف، بل نظر مباشرة إلى مي كايلين وقال:

"أردتِ أن أنضم إلى طائفة الخلود شانغ تشينغ كي تجعلين طائفة يونتيان شويجينغ الأولى بين طوائف الخلود.

مي كايلين، أليس مركز طائفة يونتيان شويجينغ اليوم رفيعًا بما يكفي؟ أليست مكانتكِ نبيلة بما يكفي؟ أنا لا أدين لعائلة تشو بشيء.

فلا تظني أنكِ قادرة على التحكم بأفكاري."

لقد أوفى الدين في حياته السابقة! مجد العائلة ومكانة طائفة يونتيان شويجينغ، كل ذلك حققه بيديه.

أما في هذه الحياة، فلا يريد إلا أن يعيش كما هو.

إنه يريد فقط استعادة الكنوز التي فقدها في حياته السابقة!

"أنا بخير في قاعة لينغ شياو، المعلم تشوانغ لطيف وودود، وإخوتي الكبار طيبون ومحبون.

أنا حقًا أحب المكان هناك.

وقوانين الطائفة تمنع الخروج من الجبل بلا إذن، فاعتني بنفسك يا أمي."

ثم استدار ومضى.

شحبت ملامح مي كايلين وهي تصرخ:

"بِينغهوان! عد إلي! إذا لم تسعَ للتقدم وتستسلم، فكيف ستستعيد طائفة يونتيان شويجينغ من عمك؟

هل تريدنا، نحن الأرامل والأيتام، أن نظل نعتمد على الآخرين؟"

لكن العم تشو تشانغ فنغ لم يكن يومًا طامعًا في السلطة، وتشـو بينغهوان نفسه لم يكن يهتم بالطائفة على الإطلاق.

فقلبه كان في هانغتشو.

تلك المدينة العتيقة، المليئة بسحر الشعر، والمزدحمة بالحياة.

مارًا بجانب بحيرة الغرب الساحرة، وعابرًا الأسواق الصاخبة، وفي التفاتة مفاجئة…

كان الشخص الذي يشتاق إليه هناك، وسط أضواء الليل المتلألئة.

ارتشف هوا تشي جرعة من الخمر.

وتوقف تشو بينغهوان في مكانه.

في تماوج الضوء والظل، وبين ضوضاء الشارع، كان هوا تشي واقفًا عند نهاية الطريق مرتديًا رداءً أحمر، أنيقًا كالسحاب، عذب الحضور كالحلم.

أسرع تشو بينغهوان نحوه.

فرآه يمسك بجرّة خمر، وجهه محمر قليلًا، وكأنه فوجئ فسعل مرارًا، والدموع تلمع في أطراف عينيه.

اهتز قلب تشو بينغهوان، ومد يده ليمسح الدموع، لكن قبل أن يلمسها، كان هوا تشي قد مسحها بكمّه.

اضطر تشو بينغهوان إلى سحب يده، ونظر إليه بعمق قبل أن يسأله:

"لماذا لم تعد..."

إلى المنزل.

لكن أي منزل كان لهوا تشي أصلًا؟

ظهرت لمحة ألم في عيني تشو بينغهوان، فيما ارتجف قلب هوا تشي قليلًا، لكنه تظاهر باللامبالاة قائلًا:

"أليس جميلًا ألا يكون لي أقارب في هذا العالم؟ العالم بأسره ملكي وحدي، بلا ألم الفقدان والفراق، أليس ذلك رائعًا؟"

قال تشو بينغهوان:

"هناك."

"هاه؟"

"ألستُ أنا قريبك؟" قالها تشو بينغهوان وهو يخرج من جيبه قلادة من اليشب منقوش عليها كلمة تشينغ كونغ، وهي تذكار منحته إياها جدة هوا تشي منذ سنوات.

وتابع قائلًا:

"أنت لست وحدك."

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]