عند سماعه كلمات كي روان، أصيب لين تشينغ يي بالذهول، ولم يعد إلى وعيه إلا بعد برهة طويلة.
لولا تذكير كي روان، لكانت السمكة التي كان يشويها قد احترقت تمامًا.
ناول لين تشينغ يي السمكة المشوية إلى كي روان وقال:
“سموك، تفضل.”
تناول كي روان السمكة، وعبق رائحتها المشوية بدأ يملأ الهواء من حوله.
ضحك وقال:
“شكرًا، أيها الجنرال لين. ولا تنادني بـ سموك بعد الآن. يمكنك مناداتي بـ سيدي فقط.”
تردد لين تشينغ يي قليلًا، ثم قال:
“حسنًا… سيدي.”
وفي تلك اللحظة، شعر كي روان فجأة بنظرات باردة تسقط على جسده، فارتجف قليلًا وشعر بشيء من الانزعاج.
التفت بنظره نحو العربة، فرأى سي يوهان واقفًا إلى جوارها، رأسه منحنٍ، وكأنه غارق في أفكاره.
عندها، شعر كي روان بغصّة في حلقه.
رغم أن سي يوهان سيكون إمبراطورًا في المستقبل، إلا أنه الآن لم يكن سوى طفل صغير.
لقد ذاق مرارة الجسد والروح، ولم يعرف طعم الحنان قط.
في هذا العمر، كل طفل يتمنى أن يُحبّه أحد، لكن سي يوهان… لم يعرف هذا الشعور من قبل.
حتى الخادمة الوحيدة التي كانت تُحسن إليه… من المرجّح أنها قد ماتت.
تنهد كي روان، وهمّ بالوقوف.
اتجه بخطى ثابتة نحو سي يوهان، وحين اقترب منه، مدّ يده الدافئة وأمسك بمعصمه بإحكام.
تفاجأ سي يوهان من هذا التصرف المفاجئ، وحاول بشكل تلقائي أن يُبعد نفسه، وهو يصرخ:
“أنتَ…”
لكن كي روان اكتفى بابتسامة لطيفة، ثم ناوله السمكة المشوية وقال:
“هل أنت جائع؟ كنت نائمًا عندما تناول الحرّاس طعامهم، ولم أشأ أن أوقظك.
لا بد أنك تشعر بالجوع الآن، طفل مسكين… هيا، كل شيئًا.”
رغم أن سي يوهان كان بعيدًا بعض الشيء عن كي روان ولين تشينغ يي، إلا أنه سمع حديثهما بوضوح.
فقد علم أن هذه السمكة شُويت خصيصًا من أجل كي روان، لأن لين تشينغ يي خشي أن الأمير لا يُحب الطعام البسيط.
لم يتوقع أن يُعطيه كي روان تلك السمكة، بدافع القلق عليه.
“لا حاجة… أنا… لستُ جائعًا.”
قالها سي يوهان، بينما ومضة ضوء مرّت في عينيه، كانت خاطفة لدرجة أن أحدًا لم يلحظها.
قال كي روان وهو يربّت على شعره:
“ما هذا الهراء؟ كيف لا تكون جائعًا وأنت لم تأكل شيئًا طوال اليوم؟
هيا، كل السمكة.”
كان شعره ناعمًا كالحرير، تمامًا كما تخيّله كي روان.
تجمّد سي يوهان في مكانه فورًا.
شعر كي روان هو الآخر أن تصرفه لم يكن لائقًا، فسحب يده بسرعة، وحاول أن يبدو طبيعيًا، ثم ابتسم وقال:
“كلها.”
حدّق سي يوهان في السمكة التي بين يديه.
ربما بسبب شرود لين تشينغ يي للحظة، احترق جزء صغير منها واسودّ.
ساد بينهما صمت ثقيل.
وفي ضوء الليل الخافت، لم يستطع كي روان أن يرى ملامح سي يوهان بوضوح.
تساءل كي روان في نفسه:
ربما يرى أنه من غير اللائق أن يأكل واقفًا، أو… ربما لا يحب السمك من الأصل.
ضمّ يديه إلى صدره، ثم سأل بصوت خافت:
“ألا تحب أكل السمك؟”
لكن سي يوهان ظلّ صامتًا.
خفق قلب كي روان بعنف، وبدأ التوتر يسري في جسده.
“سمو الأمير يُكلمك! أأنت أصم أم أبكم؟!”
صرخ يو شين في وجه سي يوهان.
ازداد قلق كي روان، وارتج قلبه في صدره.
أيها الأحمق… أتمهد طريق موتك بنفسك؟
لعنه في نفسه.
لكن سي يوهان ظلّ صامتًا، ولم يُحرّك ساكنًا.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه،
ها هو كي روان يسخر مني مجددًا… لكن بطريقة جديدة.
ربما ملّ من تعذيبي بالطريقة القديمة، فأراد أن يُغيّر الأسلوب.
رغم أن كثيرًا من الإشارات كانت توحي بأن كي روان هذا لم يكن ذاته الذي عرفه في حياته السابقة،
إلا أن سي يوهان لم يهتم بذلك.
ليمت فحسب. لن أسامحه أبداً.
قال كي روان فجأة، وقد نفد صبره:
“تعال معي.”
ثم أمسك بمعصم سي يوهان، ولم يعطِ يو شين فرصة للمقاطعة.
فهو لم يكن مهتمًا بغير هدفه الحقيقي: البطل.
أخفض سي يوهان رأسه ونظر إلى اليد التي أمسكت بمعصمه.
كانت يد كي روان بيضاء البشرة،
أنامله طويلة ورفيعة،
وفي ضوء القمر، كانت تُصدر لمعانًا خفيفًا يُشبه ضوء اللؤلؤ.
من الصعب أن تتخيّل أن شخصًا قذرًا إلى هذه الدرجة… يمتلك يدًا بهذا الجمال.
ظلّ يُحدّق في تلك اليد، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة.
بدأ يلعق أسنانه ببطء…
وفي عينيه، برقٌ من نية خفية.