يرافق صوته المتكاسل، خرج رجل ذو وسامة استثنائية من الظلال.
كان يرتدي زيًا عسكريًا أزرق داكن، يلمع بتميز وسط عتمة القلعة الكئيبة.
عيناه طويلتان وضيقتان، أنفه مستقيم ومرتفع، وشفته رفيعة لكن بلونٍ داكنٍ عميق يمنحها جاذبية خاصة—لا سيما حين ترتفع بابتسامة باهتة تزيد وسامته روعة.
عندما يصمت، يضفي عليه حضوره سحرًا أنثويًا غامضًا. لكن ما إن يتكلم، حتى ينقلب صوته إلى رجولة حادة قاطعة.
تتعايش فيه صفتان متناقضتان تمامًا، بتناغمٍ أخّاذ، مما يجعله أكثر إثارة وجاذبية.
في تلك اللحظة، كانت عيناه مثبتتين على تشين مو، قبل أن تتحول نظراته نحو الكائن الصغير الذي يحمله في كفه.
مرّ في عينيه ومضة فهم، وقال بابتسامة لاهية:
“نظامك… مدهش حقًا.”
ضمّ تشين مو الباندا الصغيرة إلى صدره بحنان،
ثم رفع نظره إلى الرجل ببرود وقسوة:
“ليس من شأنك التحدّث عنه.”
ابتسم الرجل بلا مبالاة، ثم رفع عينيه مجددًا ليلتقي بنظرة تشين مو، وكانت ملامح الاهتمام واضحة في عينيه:
“مرحبًا، اسمي لان يوي. أنا من التحالف المستقل. آه، رغم أن البعض يطلق علينا اسمًا آخر…”
ابتسم بسخرية ماكرة: “تحالف الصيادين.”
ردّ عليه تشين مو، حاجباه مرفوعان، ونظراته الحادة تغلّفها نية قتل صريحة:
“أجئت لتثأر لتلك الحثالة؟”
وبينما تلبّد التوتر في الجو، رفع لان يوي يديه سريعًا بطريقة مبالغ بها، بدت فكاهية إلى حد ما:
“لا، لا، لا، لا تفهمني خطأ!
من الذي يضيّع وقته على الأموات؟
هذا سيكون إهدارًا تامًا!”
فقال تشين مو مباشرة:
“إذا، فالأمر بالمكافأة لم يصدر منكم؟”
جاءت الضربة في مقتل.
تجمّدت ملامح لان يوي للحظة، لكنه سرعان ما تجاوزها وضحك بتهكّم:
“التحالف لدينا فيه أقسام كثيرة.
ليس من الغريب أن يتصرف بعض الحمقى دون وعي. لا تقلق، سأتولّى الأمر عند عودتي. أعدك أن لا تتعرض لأي إزعاج.”
كلمات كاذبة تُقال بوجه لا يرفّ—لو كان شي تشينغ مستيقظًا، لكان أطلق سيلاً من التعليقات الساخرة دون توقف.
لكن الباندا الصغير كان غارقًا في النوم، أما تشين مو، فلم يكن في مزاجٍ للعبث.
قال مباشرة:
“إن جئت لتنتقم، فأهلاً بك. وإن جئت لتجنيدي في تحالف الصيادين، فلا تضيّع وقتك—لست مهتمًا.”
كان لان يوي قد أعدّ خطابًا طويلًا، لكنه لم يجد فرصة لبدايته حتى. فوجئ من حدة ردّ هذا الرجل، لكنه في قرارة نفسه شتمه:
اللعنة، هذا الوافد الجديد متعجرف أكثر من اللازم!
ومع ذلك، كبح غضبه وتابع:
“لا تكن متسرعًا في الرفض. نحن، على عكس منافقي رابطة النظام، صادقون بشأن ما نفعله.
أما عن قضيتهم العادلة؟ فهي أقذر من كل ما يفعله الصيادون.
يزعمون أنهم يحمون الأنظمة، لكن بمجرد انضمامك إليهم، تصبح أداةً بيدهم، أسيرًا لا مفر له—”
قبل أن يتمّ كلامه، رفع تشين مو يده اليسرى.
وانطلق من غمدها نصل أسود كالمداد،
ضغط طرفه الحاد مباشرة على عنق لان يوي.
تجمّد جسد لان يوي في لحظة.
لم يشعر بأي حركة، لكن النصل كان بالفعل يهدد حياته. لم يكن غير قابل للتفادي، لكن سرعة الضربة كانت كفيلة بأن ترعبه.
قال تشين مو بصوتٍ جليدي:
“قلتُ لك — لست مهتمًا.”
تخلّى لان يوي عن لهجته المرحة.
ورغم أن النصل لا يزال يهدد حلقه، لم يظهر عليه أيّ خوف.
تلاقت نظراته بنظرة تشين مو، وصوته اتخذ طابعًا غريبًا—هادئًا، لكنه مليءٌ بالإغراء الخطير:
“ألا ترغب في امتلاكه بالكامل؟
ألا تريد أن يكون لك وحدك؟
لا خيانة، لا فراق — أنتما لا تنفصلان أبدًا.
التهِمه… وستصبحان واحدًا حقًا.”
في اللحظة التي سقطت فيها آخر كلمة،
اندفع النصل للأمام قليلًا — يكاد يخترق حلقه.
لكن في لحظة، انحنى لان يوي إلى الوراء بحدة، متفاديًا الضربة القاتلة.
وفي اللحظة التالية، تلاشى شكله وظهرت صورة خادعة تحت قدميه. وفي طرفة عين، كان قد تراجع لمسافة تقارب المئة متر.
ومن بعيد، سُمعت كلماته تتردد في الهواء:
“فكّر بالأمر… أعلم — أنت تريده.”
ثم اختفى… بلا أثر.
وقف تشين مو بلا حراك وسط القلعة الخالية، كتمثال حجري.
وفي الوقت نفسه، كان شي تشينغ غارقًا في نومٍ عميق.
حين كانت عيناه مفتوحتين، لم يشعر بتعبٍ شديد. لكن ما إن أغلقهما، حتى اجتاحه سيل من الإرهاق.
في البداية، ظل يشعر بدفء كفّ تشين مو،
لكن شيئًا فشيئًا، اختفى كل شيء في الظلام.
كان السواد لا متناهٍ، بلا حدود.
جسده لم يكن يحمل وزنًا — كان خفيفًا، لكنه خاوٍ.
ظنّ شي تشينغ أنه يحلم، لكن وضوح التجربة الغريب جعله يستبعد الفكرة.
كأنه نسي كل شيء — ومع ذلك، تذكّر كل شيء.
لم يرَ شيئًا، ومع هذا شعر بأنه يرى كل شيء.
كان غارقًا في الظلمة، ومع ذلك، واقفًا فوق كل الوجود.
مشاعر، ذكريات، ديمومة الزمن…
فرح، حزن، صراع، سلام…
كلّها تعود إلى السطح أمام نظره البارد، تتكرّر بلا نهاية، ليلًا ونهارًا، مرارًا وتكرارًا، بلا توقّف.
كان ذلك رتيبًا. مملًا. ووحيدًا على نحوٍ خانق.
لم يسبق لشي تشينغ أن شعر بهذه الطريقة، لكن في تلك اللحظة، اندفعت هذه المشاعر إلى ذهنه وكأنها دائمًا كانت له.
لا يعلم كم من الوقت أمضاه في هذا الفراغ الشبيه بالحلم.
حتى…
انكسر كل شيء.
انفجرت الفوضى.
دماء، صراع، قوّة تدميرية لا مهرب منها.
تمزّق الظلام، لكن قبل أن يُشرق الفجر، عاد كل شيء إلى الخراب.
انهارت كل الحواس في العدم.
تبعثرت القوة.
سُلبت القدرات.
وحين انهار الأساس—
انهار كل شيء.
غاص قلب شي تشينغ في شعور مرير بالهاوية.
وفي تلك اللحظة—
اختفى الفراغ.
وجد نفسه في عالم آخر — عالم يفوق الخيال بهاءً.
كان فخمًا على نحوٍ لا يمكن وصفه، تموج فيه خيوط من النور اللامتناهي — كأنها الشفق القطبي نُسج في شبكة هائلة تتخطى الإدراك.
وقف شي تشينغ فوق هذه الشبكة، مترددًا في أن يتحرك، وكأن أي خطوة قد تلامس شيئًا لا يُعرف كنهه…
لكنّ سكونه لم يجلب السلام.
فجأة، اصطدم كرتا ضوء نقيّان ببعضهما بعنف وسط الأضواء الشمالية المتلألئة، فانفجرت موجة هائلة من النور، مزّقت الشبكة النورانية، أحدثت فيها تموجات، تشققات، وانهيارات متسارعة.
تصادمت الكيانان النورانيان بلا هوادة، بقوة لا ترحم.
كل ضربة كانت تُوجَّه بكامل العزم، كما لو كانا خصمين لدودين، عالقين في معركة أبدية لا نهاية لها، لا هدف لهما سوى تدمير بعضهما بالكامل.
كان شي تشينغ يراقب في صمت مذهول.
لم يكن يعرف أين هو.
ولا ما الذي يحدث.
لكنه شعر بالخطر.
أراد الهروب من هذا الحلم بأي وسيلة.
وفي اللحظة التالية، توقّف الكيانان المتقاتلان فجأة.
رغم غياب الأجساد، شعر شي تشينغ بذلك بوضوح —
نظرتان سامّتان، جليديّتان، ركزتا عليه مباشرة.
لقد تمّ رصده.
رأوه!
لم يكن يعلم ما هو، لكنه في تلك اللحظة، اجتاحه خوف بارد من الداخل، جعل جلده يقشعر حتى نخاعه.
“لا!” صرخ فجأة، مستيقظًا بعنف.
قطّب تشين مو حاجبيه. كانت الباندا الصغيرة في كفّه قد انتفخت من شدة الذعر، وعيناها المستديرتان يملؤهما فراغ باهت، بريق دمع خافت يلمع فيهما.
احتضنه تشين مو بلطف، وطبع قبلة خفيفة على جبينها، وقال بصوت ناعم:
“لا بأس، تشينغ تشينغ. لا تخف. أنا هنا.”
وبينما كان قلبه يرتجف كالمجنون، بدأ يهدأ تدريجيًا. وأخيرًا، تمكّن شي تشينغ من السيطرة على ارتجاف جسده.
رفع رأسه، والتقت عيناه بعيني تشين مو السوداوين المألوفتين.
وعندها فقط، شعر بالأمان.
ومع صوت خافت، تمدّد جسده الصغير باستسلام، وبطنه الطري ملامس لراحة يد تشين مو الدافئة. قال شي تشينغ بصوت خافت:
“لقد بدا… وكأنه كابوس، لكنّه كان حقيقيًا… حقيقيًا بدرجة مخيفة.”
تلألأت عينا تشين مو للحظة، ثم قال برقة:
“أخبرني.”
استجمع شي تشينغ ذاكرته، ثم بدأ يروي ببطء تفاصيل ذلك الحلم الغريب، الغامض، والمليء بالفوضى المنطقية.
⸻
رابطة النظام
عاد شيا تشي إلى المقر الرئيسي، حيث كان الوافدين الجدد يقدمون تقاريرهم.
باستثناء تشين مو وشي تشينغ، كان الجميع قد حضر لاختبارات الكفاءة.
تفحّص شيا تشب بيانات الأنظمة الجديدة بدقة،
ثم لوّح بيده إشارة للانصراف.
اقترب منه المثمّن، واقفًا بخشوع ويداه متشابكتان أمامه، وسأل باحترام:
“هل اجتازوا جميعًا؟”
أجاب شيا تشي بإيماءة خفيفة، ثم أصدر أمره:
“سجّلهم، وزّع عليهم المزايا، ورتّب عدّة اختبارات لقياس كفاءة المضيفين. وإن برز أحدهم، أعلمني فورًا.”
أومأ المثمّن قائلًا: “مفهوم.”
نهض شيا تشي وغادر، ملامحه يغلّفها الضيق.
كانت مستويات الأنظمة في الفترة الأخيرة مخيبة للآمال.
ورغم العدد الكبير من الوافدين الجدد، لم تظهر أي قدرة حقيقية تستحق الرعاية أو التطوير.
وتذكّر الفناء الخلفي الذي اكتظّ بالمضيفين المميزين ممن سُرقت أنظمتهم… يا لها من فوضى متعبة!
لو ظهر نظام واحد خارق، يستطيع الجميع تقاسمه، لانتهت هذه الأزمة فورًا!
لكن… لا أحد.
لا إراديًا، فكّر في ذلك الوافد الجديد العنيد.
لا حاجة لتقييم—هو متأكد أن كفاءة نظامه استثنائية. أن يتمكّن من تنمية مضيف بتلك القوة، فهذا بحد ذاته دليل على تفرّده.
المشكلة كانت في تشين مو.
حتى دون احتكاك مباشر، علم شيا تشي أن هذا الرجل أناني للغاية.
لن يسلم نظامه للآخرين طوعًا، أبدًا.
إلا إذا…
أظلمت عيناه للحظة. لو أرادوا الاستيلاء عليه بالقوة، فإن قتل ذلك المضيف لن يكون سهلًا.
لكن… هل يستحق الأمر العناء؟
فكر شيا تشي لبرهة، ثم انطلق نحو الجزء الخلفي من القاعة.
⸻
تحالف الصيادين
وفي ذات الوقت، كان لان يوي قد عاد إلى مقر التحالف المستقل.
وللمفارقة، كان كلاهما يسعيان للقاء الزعيم الأعلى لفصيلهما — للغرض ذاته.
⸻
لكن ما كان أكثر إدهاشًا… أنه وقبل أن يطرق الباب أو يستأذن، انفتحت الأبواب المغلقة منذ زمن من الداخل.
نظر شيا تشي بدهشة إلى الرجل الطويل أمامه،
ثم جثا على ركبته في الحال:
“مولاي.”
كانت عينا الرجل البنفسجيتان تلمعان بحرارة غير مألوفة. وجهه الوسيم، البارد عادةً، كان يحمل ابتسامة لا تخطئها العين.
استدار شيا شوان ونظر إلى شيا تشي، وارتفعت زوايا فمه دون إرادة:
“لقد عاد أخيرًا!”
تصلّبت ملامح شيا تشي، ثم ما لبثت أن امتلأت عينيه بالحماس.
حاول كتم رجفة صوته وهو يسأل:
“أ… أنت تقصد…”
“نعم!” قال شيا شوان بحزم.
“ما يخصّني… سيعود لي. لقد عادت القوة!”
وفي لحظة، اختفت كل تعابير المشاعر من وجهه، وعاد إلى بروده المعتاد. ثم أمر دون تردد:
“تشي شوان قد لاحظ ذلك أيضًا.
يجب أن نصل إليه قبله!”