بذلك الصراخ، عمّت الفوضى الخارج على الفور.
في وقت سابق، وبسبب كثرة الوافدين الجدد وتدفق الناس المستمر في نقابة المرتزقة، لم يولِ أحد اهتمامًا خاصًا بشخص واحد.
فهؤلاء الذين جابوا عوالم لا حصر لها اعتادوا رؤية العجائب والمخاطر، ولم يكن من طبعهم التوقف والتحديق في أحد دون سبب وجيه.
ولولا احتكاك تشين مو برجال النظام، لما لاحظه أحد.
لكن، لم يرفض أوامرهم فحسب، بل أسقط هي شين دون أدنى جهد. مستوى القوة هذا ليس شيئًا يمكن أن يمتلكه شخص عادي.
وسرعان ما ربط الناس الخيوط ببعضها.
فقبل ثلاثة أيام فقط، أصدر التحالف المستقل – قاعدة الصيادين غير الشرعيين – أمر قبض من الدرجة S.
لم يكن هناك حاجة للمزيد من الشرح حول هوية هذا الشخص.
ونظرًا لتنوّع الأنواع في العالم الأصلي، كان العديد من الكائنات يظهر بمظهر بشري، بينما يختلف تمامًا في تركيبته الروحية.
وبينما يعتمد البشر على ملامح الوجه للتعرف، قد تستخدم مخلوقات أخرى وسائل مختلفة تمامًا — ربما الرائحة، أو خصائص حسّية فريدة.
ولهذا، كان التعرّف على تشين مو صعبًا بعض الشيء بالنسبة لبعض الكائنات غير البشرية.
ولكن الآن، سارع الجميع إلى تفعيل أجهزتهم المحمولة، وارتبطوا بساحة المدينة المركزية، ثم حمّلوا أمر المطلوب، وحفروا تفاصيله في أذهانهم.
لم يرد أحد أن تفوته هذه الفرصة الثمينة.
فأجر المطلوب من الدرجة S كان خياليًا — أكثر من ضعف ما تُمنحه نقابة المرتزقة لمهامها الكبرى!
كانت فرصة لا تتكرر إلا مرة كل قرن!
ورغم أن تشين مو وشي تشينغ كانا قويّين بما يكفي لهزيمة اثنين من أخطر الصيادين، إلا أن المال يدفع البعض إلى التهور. لم يستطع بعضهم منع أنفسهم من التعلّق بخيط أمل رفيع.
ماذا لو — فقط ماذا لو — تمكنا من قتل لي مي و سويا بالصدفة؟
وأن قوتهما الحقيقية لم تكن مرعبة كما يُشاع؟
وماذا لو — فقط ماذا لو — تعاون عدد من المضيفين الأقوياء في العالم الأصلي ضدهم؟
حتى لو كان تشين مو قائد النظام الأعلى أو سيد التحالف الأسود، فقد لا يخرج سالمًا من معركة كهذه.
وإن حدث ذلك، ستكون الفوضى فرصة لضربة قاضية.
الحصول على هذه الجائزة الضخمة سيكون بمثابة ضربة حظ تغير مجرى الحياة.
لا مهام مملة بعد اليوم — ثروة فورية!
ولم تكن هذه الأفكار حكرًا على شخص واحد، بل اجتاحت جمهورًا بأكمله.
بالطبع، كان هناك أيضًا من احتفظوا برباطة جأشهم، يراقبون من بعيد ببرود.
إن تمكنوا من صبّ الزيت على النار، فعلوا؛ وإن لم يستطيعوا، اكتفوا بالمشاهدة والاستمتاع بالمشهد.
على أية حال، كانت الساحة تتدهور إلى فوضى متصاعدة.
كان شي تشينغ سريع الانتباه.
وما إن سمع الصرخة في الخارج حتى خفق قلبه بشدة.
لم يكن لديه أي علم بأمر المطلوب – فقد نُشر الإعلان في الساحة المركزية، وهي مكان لم يزوراه بعد.
حتى شين إر، على الرغم من عودته، لم يمرّ هناك.
كان مشغولًا بحراسة بوابة الوافدين الجدد، وفاته الأمر كليًّا.
كما أن مستواه لا يزال متواضعًا، ومعرفته ضحلة.
لم يكن يعلم أن للصيادين شبكة اتصال خاصة بهم، ولا أن عملية قتل لي مي و سويا قد تم الإبلاغ عنها فورًا للتحالف، وأن أمرًا من الدرجة S صدر في نفس اللحظة.
لكنّ قلب شي تشينغ لم يغرق بذلك الخوف لأنه علم كل هذا، بل فقط لأنه يدرك أن الشهرة المفاجئة لا تؤدي إلا إلى موت مبكر.
والأسوأ من ذلك أنهم تجرأوا على إسقاط أحد أفراد النظام، ليصبحوا أعداءً لذلك الفصيل.
وها هم الآن يتورطون ضد فصيل آخر.
أن تعادي الجهتين في آنٍ واحد – يا لها من تهوّرات لا تُغتفر!
في حياته السابقة، عاش شي تشينغ حياة عادية تمامًا. ولكن منذ أن أصبح تابعًا لهذا المضيف، اختفى مفهوم ' العادي ' من حياته نهائيًا!
احتدم الضجيج في الخارج.
وفي الداخل، أولئك الذين كانوا يختارون مهام المكافآت في نقابة المرتزقة، بدأوا يلاحظون التوتر.
لم يكونوا قد فهموا الوضع بعد، لكنهم استشعروا الخطر.
توتر الجو في لحظة.
ثم، ما إن اندفعت مجموعة من الخارج إلى الداخل، حتى كان الأمر أشبه بإشعال فتيل — وانفجرت الساحة بالفوضى.
صرخ أحدهم، متلهفًا لنشر النار: “أمسكوا بهذين الوافدين الجديدين! إنهما مطلوبان من الدرجة S!”
لم يكن هناك حاجة لشرح جرائمهما المزعومة، فقد كانت كلمتان فقط كفيلتين بإشعال الطمع: قادمان جديدان و مطلوبان من الدرجة S.
الرسالة واضحة: “أمسكوهما! هذان الساذجان يحملان ثروة بحجم جبل من الذهب!”
كانت كافية لجعل الدماء تغلي.
احمرّت العيون، وتحددت الأهداف، وبدأت الهجمات!
وفي اللحظة التي انطلقت فيها تلك الصرخة، فهم شي تشينغ أخيرًا — اللعنة، هل أنا مطلوب؟! هل تمزحون معي؟!
في الثانية التالية، شدّ تشين مو قبضته على يد شي تشينغ، واندفع بين الفجوات وسط الحشود نحو المخرج.
لم يعد لدى شي تشينغ وقت للشتائم.
ولكي لا يُبطئ من حركة تشين مو، دفع بأسلوب حركته إلى أقصاه.
ورغم أنهما كانا متشابكي الأيدي، إلا أن خطواتهما كانت متناغمة تمامًا. تحرّكا كجسد واحد، دون تأخير أو انفصال، بأقصى سرعة ممكنة.
كانت نقابة المرتزقة تعجّ بعدد لا يُحصى من مستخدمي الأنظمة والمضيفين، من بينهم نخبة من المحاربين، خبراء حقيقيون.
لكن بالمقابل، كان هناك العديد من المتفرجين عديمي الفائدة.
أما الخارج، وبعد أن سمع الناس أن مجرمين من الدرجة S بالداخل، فقد اندفعوا كالسيل الجارف طمعًا في نصيب من الجائزة.
وفي الوقت ذاته، رأى الموجودون في الداخل تشين مو وشي تشينغ يتسللان من الباب الجانبي، فاندفعوا بدورهم نحو المخرج.
لكن الباب الجانبي لم يكن يسع هذا الكم الهائل من الناس.
فاضطر من بالداخل إلى الاندفاع نحو المدخل الرئيسي — حيث كانت جموع من الناس ما تزال تتدفق للداخل.
فتلاقت الموجتان، وفي خضم الفوضى، ضاعت كل التفسيرات.
اصطدم أحدهم بآخر، ثم اصطدم الثالث، وفي لحظة، انفجر الغضب.
وسرعان ما اندلع شجار واسع النطاق.
لكنه لم يكن شجارًا عاديًا.
لم تكن اللكمات مجرد ضربات بشرية.
هؤلاء المقاتلون كانوا يستخدمون قدرات فتاكة.
ولم تكن هجماتهم موجهة لفرد واحد، بل كانت غالبًا تقنيات واسعة التأثير.
لذلك، أصابت إحدى الهجمات شخصًا آخر عن طريق الخطأ.
وفي البداية، ربما لم يهتم المتضرر كثيرًا.
لكن أن يُضرب فجأة دون سبب؟
من ذا الذي سيتجاهل ذلك؟ فكان الردّ فورًا.
ضربةً بعد ضربة، وهجمةً إثر أخرى، تحوّل المشهد بسرعة إلى فوضى عارمة.
لقد شهدت نقابة المرتزقة هذا اليوم كأشد أيامها جنونًا واضطرابًا منذ نشأتها.
ومع احتدام القتال، بدأت المشاعر تتأجج.
لم يعد أحد يميّز من هو العدو ومن هو الحليف — أي شخص تقع عليه الأعين، بات هدفًا لتفريغ الغضب.
أما المجرمون المطلوبون؟
فليذهبوا إلى الجحيم! سأُنهي حساباتي أولًا!
ولذلك، وبينما كان شي تشينغ يظن أنهم في مأزقٍ حقيقي، لم يكن يتوقع أنه بعد هروبٍ لمسافة قصيرة فقط… لم يكن هناك أحد يطاردهم تقريبًا.
يا لها من مفاجأة سارّة! هاها!
ورغم غياب الملاحقة، لم يُبطئ تشين مو خطواته، ولم يكن أمام شي تشينغ سوى مجاراته.
ركضا مسافة غير معلومة حتى وصلا إلى مبنى ضخم موحش، وهناك فقط توقّف تشين مو.
لم يكن شي تشينغ يعرف الموقع تحديدًا، لكنه كان يثق بتشين مو. فخريطة شين إر كانت بحوزته، ولابد أنه استخدمها للعثور على موقع آمن نسبيًا.
كان السّماء تزداد ظلمة — لا بسبب قدوم الليل، بل كما لو أن غيومًا ثقيلة كانت تتجمّع، وعاصفة هائلة تلوح في الأفق.
قاد تشين مو رفيقه إلى داخل المبنى.
وكما بدا من الخارج موحشًا، كان داخله كذلك — متداعيًا ومتصدّعًا.
ومع ذلك، ظلّت بعض البقايا تشهد على عظمةٍ ماضية.
كان المكان فيما مضى كنيسة فخمة، عظيمة تُشعر الداخل إليها بالرهبة.
ورغم الغبار المتراكم، كانت نوافذ الزجاج الملون لا تزال تعكس أنوارًا باهرة، تبثّ جمالًا خلابًا.
امتدّ المبنى في العمق، بطابقٍ واحد فقط،
لكنه شاهق السقف، كما لو أنه يلامس السماء، ويغمر القلب بخشوعٍ خفي.
يا له من مكانٍ جليل، والآن بات مجرّد أطلال منسية.
وسط الغبار والحطام، كان بالإمكان تمييز آثار صراعات قديمة — ربما حتى حرب دامية نشبت هنا ذات يوم.
“دمّر كل شيء. احرق الإيمان.
أنزلك، أيها المتعالي، عن مذبحك.
وأجعلك لي.”
تجمّد شي تشينغ في مكانه، قبل أن يستعيد وعيه فجأة، ويلتفت نحو تشين مو.
قطّب تشين مو حاجبيه بخفة، وبدأ يربّت برفق على عنق شي تشينغ ليهدّئه.
وعندما همّ شي تشينغ بالكلام، وضع تشين مو إصبعه على شفتيه، ثم أدار نظره إلى الزاوية الخلفية بشكل مائل.
تبع شي تشينغ نظرة رفيقه، فرأى ظلًّا يخرج ببطء من العتمة.
كان رجلاً يرتدي رداءً أرجوانيًا طويلاً، أكثر فخامة من تلك التي يرتديها رجال النظام المعتادون.
طُرّز ياقة ردائه بنقوش داكنة، وتدلّت من كتفه الأيسر زهرة سوداء مجهولة النوع، كانت تتفتح ببطء، لكنها تبثّ جاذبية قاتلة وهيبة لا توصف.
وفوق الزهرة، وجه ناعم بلون اليشم، بشرة فاتحة، عينان عميقتان، وابتسامة هادئة دافئة لا تفارق شفتيه.
نظرا إليه معًا، ولم يُبدِ الرجل أي انزعاج.
بل قال بأدب:
“مرحبًا، أنا شيا تشي.”
“لا أنوي إلحاق الضرر. جئت فقط لأقدّم دعوة.”
تأمل تشين مو وجهه، ثم أنزل نظره تدريجيًا حتى استقرّ على الزهرة السوداء على كتفه، قبل أن يتحدّث بهدوء:
“القائد الثاني لرابطة النظام، هوا شي شيا تشي؟”
ظهرت على وجه شيا تشي علامات الدهشة للحظة، لكنه سرعان ما ابتسم وقال:
“نعم، هو أنا.”
حوّل تشين مو بصره بعيدًا، وتعابيره لا تُقرأ.
ثم سأل:
“هل هذه دعوة للانضمام إلى رابطة النظام؟”
ردّ شيا جُه قائلًا: “آمل أن توافق.”
“للأسف، لا رغبة لي في ذلك.”
قالها تشين مو بهدوء وثقة.
لكن شيا تشي لم يبدُ عليه أي ضيق.
بل واصل الحديث بصوت ناعم:
“فكّر بالأمر. أعلم أنك تهتمّ به.” وأشار بنظره إلى شي تشينغ.
تقابلت أنظارهما، ولم يعرف شي تشينغ أي تعبير يجب أن يرتديه، لكن الرجل الآخر لم يفعل سوى أن يبتسم له بلطف.
“لابد أنك تشعر به — فأنا أيضًا نظام.
والمجموعة التي يقودها نظام، لا تؤذي نظامًا آخر.”
“أنت تهتم به. ونحن سنساعدك في حمايته.
أليس هذا أمرًا جيدًا؟”
“لا حاجة.” قالها تشين مو وهو ينظر إلى شي تشينغ. “إنه لي. وسأحميه بنفسي. لا حاجة لي بأحد آخر.”
ورغم هذا الرفض القاطع، لم يتغيّر مزاج شيا تشي. واصل حديثه بصوتٍ هادئ:
“لا بأس.
لقد قتلت لي مي وسويا، وهذا يعني أنك بالفعل في مواجهة مع الصيادين.
سواء انضممت إلينا أم لا، فلدينا مسؤولية في حمايتك.
لا تقلق، ستكون في أمان.”
لكن هذه الكلمات، رغم ظاهرها الحسن، جعلت كلًا من تشين مو وشي تشينغ يشعران بالقلق.
فمن السهل أن نفهم ما بين السطور:
“لقد أصبحت عدوًا للصيادين، شئت أم أبيت. والآن، شئت أم أبيت، أنت واحد منّا.”
لم يُطِل شيا تشي البقاء.
ألقى نظرة محيطة بالمكان، وكأنه تنهد، ثم استدار وغادر.
بعد رحيله، التفت شي تشينغ إلى تشين مو، وأبدى رأيه قائلًا إن هذا الرجل يبدو طيبًا من الخارج، لكنه في الحقيقة بالغ الخطورة — الأمر الذي جعل تشين مو يبتسم ضاحكًا.
ظلّا يتجولان قليلًا في أرجاء الكنيسة المهدّمة، قبل أن يسأل تشين مو:
“هل أنت متعب؟”
والواقع أن شي تشينغ كان مرهقًا بالفعل.
بعد جولة الهروب الطويلة، شعر وكأن قدميه ستنفصلان عن جسده، فهزّ رأسه بالإيجاب.
“عد إلى هيئتك الحيوانية. سأحملك.”
رأى شي تشينغ أن الفكرة رائعة. فتحوّل في لحظة إلى باندا صغير، وتمدّد داخل كف مضيفه.
بذأ تشين مو يمرر يده بلطف فوق فروه، بخطوات هادئة ومنتظمة.
وما إن تكررت الحركات لبضع مرات، حتى غفا الباندا الصغير في راحة تامة بين يديه.
انحنى تشين مو بخفة، وطبع قبلة خفيفة على جبينه الكثيف بالفرو.
ثم، حين رفع رأسه من جديد، كانت عيناه السوداوان غارقتين في برودة عميقة. صوته انخفض حتى أصبح أجش:
“اخرج.”
“يقظتك يا هذا، لا يُستهان بها، أيها الوافد الجديد…”