ارتجفت شفتا شي تشينغ قليلًا—فما يسعى دومًا لتجنبه، كان دائمًا يجد طريقه إليه.
تفحص المجموعة الواقفة أمامه.
كانت أرديتهم الأرجوانية تغطيهم كالعباءات، والتشابه في مظهرهم يدل بوضوح على أنهم ينتمون إلى منظمة واحدة.
ما كانوا يفعلونه لم يكن عشوائيًا، بل إجراءً روتينيًا مكرّسًا.
لقد عبر العشرات بوابة الولادة الجديدة برفقة شي تشينغ وتشين مو، لكن أقل من عشرين منهم فقط تمكنوا من الوصول إلى نقابة المرتزقة.
معظمهم تم اعتراضهم من قِبل هؤلاء ذوي الأردية الأرجوانية، الذين كانوا يطلبون من الجميع، دون استثناء، الخضوع لتقييم مؤهلات نظامهم.
كان شي تشينغ لا يزال يفكر في خطوته التالية،
حين اندلع جدال خلفه، إلى يساره.
“من أنتم؟! ما الذي يمنحكم الحق لتقييمي؟
أنا أعرف قدراتي تمامًا—لا حاجة لي بتدخلكم!”
ارتفع الصوت عاليًا، جاذبًا أنظار من حوله.
استدار الكثيرون لمتابعة ما يحدث.
أبدى الرجل ذو الرداء الأرجواني الذي يواجه الشاب ومضة ضيق خاطفة في عينيه، لكنه حافظ على ابتسامته الهادئة، وتحدث بصوت ناعم:
“أيها الوافد الجديد، هذا لمصلحتك.
تسجيلك في رابطة النظام يضمن لك الحماية، ويمنع عنك هجمات الصيادين.
الأمر مسألة حياة أو موت.”
كان الشاب وافدًا جديدًا بالكامل، يجهل تمامًا ما يُقال له.
بدا الحذر يملأ ملامحه.
“ما هذه الرابطة؟ ومن هم هؤلاء الصيادون؟
لم أسمع بهم قط!”
ضحك الرجل الأرجواني بخفة. “يا لسذاجتك.”
وما إن أنهى جملته، حتى لوّح بيده، فظهرت شاشة طافية بجانبه. وما عُرض عليها أصاب جميع الوافدين الجدد بالذهول.
ألقى شي تشينغ نظرة سريعة، ثم صرف بصره فورًا.
أما تشين مو، فقد شاهد كل شيء حتى النهاية،
دون أن يطرأ أي تغيير على تعابير وجهه الهادئة.
أظهرت الشاشة مجزرة وحشية—وجوه الصيادين المهووسة، نظراتهم المتعطشة للدم، وطرقهم العنيفة في التعذيب والقتل.
كانوا يمزقون الأجساد الأصلية لاستخلاص الأنظمة منها قسرًا، ثم يلتهمون الأرواح الهشة بأفواه مفتوحة على اتساعها، وجوعهم ووحشيتهم كأنهما خرجا من كوابيس البشر.
كان العرض الثلاثي الأبعاد واقعيًا بشكل مزعج،
حتى كأن الرعب ينفجر من حولهم في اللحظة ذاتها.
تلك الوفيات المأساوية، وذلك التهام لا رحمة فيه للأنظمة، جعلهم يشعرون وكأن الجحيم يتجسد أمام أعينهم.
وفي المشهد الأخير، اقتربت العدسة من وجه أحد الصيادين—فمه الفاغر، وجشعه الذي لا يُشبع، جعله يبدو كوحش مقزز.
تباينت ردود أفعال الوافدين الجدد تجاه ما رأوه.
الشاب الذي كان يصرخ باعتراضه قبل لحظات،
كان الآن عابسًا بوجه مشدود.
وحين لاحظ الرجل الأرجواني تعابيرهم، ارتسمت ابتسامة رضا خفيفة على شفتيه.
أوقف العرض، ثم تكلم مجددًا بعد صمت قصير، ونبرة غضب تتخلل صوته:
“الصيادون مجموعة من المجانين المنحرفين—لا عقل يحكمهم، ولا رحمة تكبحهم.
هدفهم الوحيد هو التهام الأنظمة، وبذلك يزعزعون توازن العالم الأصلي، ويغرقونه في فوضى لم يُشهد لها مثيل.
إنهم مجرمون، وسيواجهون العدالة حتمًا!”
ثم، وبعد توقف قصير، خفت نبرته، واكتسب صوته دفئًا وطمأنينة:
“أما رابطة النظام، فهم المنفّذون المعيّنون من قِبل الإله الأعلى.
مهمتنا حفظ استقرار العالم الأصلي، وصون عوالمه الصغيرة التي لا تُعد، والأهم من ذلك، حماية الأنظمة ومستضيفيها.
الصيادون أعداؤنا اللدودون—وسنظل نطاردهم حتى النهاية!”
ومع تصاعد هذه الكلمات، بدأت مشاعر الوافدين الجدد تتأثر بوضوح.
راقب الرجل الأرجواني ملامحهم، وابتسامته لا تفارقه، بينما صار صوته أكثر حنانًا:
“نقلكم إلى رابطة النظام وتسجيلكم هو لضمان حقوقكم. إن العالم الأصلي يقوم على النظام والمستضيفين، وبفضل جهدكم تستمر العوالم الصغيرة في التوازن والنمو.
أنتم تستحقون الحماية، ونحن من يتكفل بها.”
ظل الشاب الأول مترددًا، وشكوكه لا تزال مرسومة على ملامحه، لكن لهجته أصبحت أقل عنادًا من ذي قبل.
“لكن، لماذا نحتاج إلى تقييم مؤهلات نظامنا؟ أليس التسجيل وحده كافيًا؟ ما الجدوى من هذا التقييم؟ هل هو ضروري فعلًا؟”
ازدادت وداعة الرجل الأرجواني، ونظر إلى الشاب بجدية، وقال:
“الهدف الرئيسي من تقييم النظام هو مصلحتك الشخصية أولًا.”
عقد الشاب حاجبيه دون أن يرد، واكتفى بالنظر إليه.
ولأن صوته لم يكن منخفضًا، فقد سمعه الجميع بوضوح، وكان يقصد ذلك.
“كل نظام يملك قدرات مختلفة—بعضها قوي، وبعضها أقل، لكنها جميعًا تمتاز بخصائص فريدة وفوائد معينة.
تقييمنا المجاني يساعدك على فهم قدرات نظامك بشكل أفضل، كما أنه يُفعّل بعض الأنظمة التي لم تكتمل بعد.”
كان الجميع يعلم أن قدرات الأنظمة تتفاوت، وقد ورد ذلك في دليل الدخول إلى العالم الأصلي.
لكن الشطر الأخير من كلامه جعلهم يصغون بانتباه أكبر.
هل يعني هذا أن قدرات النظام ليست ثابتة؟
أنه يمكن تطويرها بوسائل أخرى؟
وحين لاحظ أن فضولهم بدأ يشتعل، تابع الرجل الأرجواني حديثه:
“صحيح أن رابطة النظام تتكفل بحمايتكم، لكن كل نظام ومستضيفه هما أيضًا محاربان.
من الأفضل أن تتمتعوا بالقوة لحماية أنفسكم، بل ومقاتلة الصيادين إن لزم الأمر!
بعد سنوات من البحث، طورت الرابطة برنامجًا ناضجًا لتفعيل الأنظمة.
أي نظام يملك القدرة سيتم تفعيله بدون أي شروط! ولهذا نحتاج لتعاونكم في التقييم.”
وفي ختام كلماته، شدد مجددًا:
“غايتنا أن نتطور سويًا—هدفنا المشترك هو القضاء على الصيادين!”
عندها تحدث رجل آخر من أصحاب الرداء الأرجواني، كان صوته أخفض وأجش، ما أكسبه مظهرًا أكثر ثقة وثباتًا:
“نتائج التقييم ستبقى سرية—فقط الشخص المعني سيعرفها.”
وبفضل هذا الطمأنينة، بدأت رغبة المشاركة تتسلل إلى نفوس معظم الوافدين الجدد.
نقابة المرتزقة لم تكن مكانًا مهجورًا، بل كانت من أكثر المواقع ازدحامًا في العالم الأصلي، حيث تتوافد الأنظمة والمستضيفون بلا توقف.
عدم اعتراض أحد من القدامى على ما تقوم به الرابطة، وعدم وجود أي معارضة معلنة، كان له دلالته.
فهذا يعني أن ما يحدث هو النظام المعتاد،
وأن رابطة النظام جهة رسمية وموثوقة.
أما شي تشينغ، فقد ظل يستمع لكل كلمة.
لقد عايش بنفسه وحشية الصيادين، لذا شعر بثقل الموقف أكثر من غيره. لكنه لم يكن من النوع الذي يثق بالواجهات البراقة بسهولة.
الرجل ذو الرداء الأرجواني كان يتحدث بنبرة تعج بالإيثار والاستقامة، لكن أفعاله جعلت شي تشينغ يشعر بعدم الارتياح.
وخاصة عندما كان الرجل الثاني يتحدث، لمح شي تشينغ في عيني الرجل الذي يقف أمامه لمحة سريعة من السخرية والاستهزاء.
ومضت تلك النظرة في لمح البصر، بالكاد تُلحظ، لكن شي تشينغ رآها بوضوح.
أما الآخرون، فلم يكونوا باليقظة ذاتها.
واحدًا تلو الآخر، بدأ الوافدين الجدد يتبعون أعضاء رابطة النظام بنظام ورتابة.
رفع أحد ضباط النظام، الذي كان يقف أمام شي تشينغ، عينيه بكسل وقال بنبرة متهاونة:
“هيا، أيها الوافد الجديد.”
لكن شي تشينغ لم يتحرك.
بل التفت فجأة وأمسك بيد تشين مو.
ألقى الضابط نظرة عليهما.
فما كان من تشين مو إلا أن شد على يد شي تشينغ بالمثل، وسار بخطوات واثقة إلى الأمام.
ابتسم الضابط بازدراء واستدار ليرشدهما، لكنه لم يتمكن حتى من اتخاذ خطوة واحدة قبل أن يمرّا بجانبه ببساطة، ويتجها مباشرة نحو نقابة المرتزقة.
تجمد الضابط في مكانه للحظة – هل تم تجاهله للتو؟ سرعان ما اشتعل الغضب في صدره، وهتف بصوت حاد:
“أنت! أنتما! قفا!”
لكن تشين مو لم يتوقف، بل تابع سيره بخطوات طويلة رشيقة، يمشي بثقة وأناقة تامة.
كما وصفه شي تشينغ ذات مرة – كان ببساطة
' رائعًا للغاية '!
كان اسم هذا الضابط هي شين.
وقد رُقّي سابقًا إلى رتبة نائب قائد، لكنه، ولأسباب مجهولة، تعرّض مؤخرًا للكثير من الضغوط وتم خفض رتبته.
والأسوأ أنه أُوكل إليه هذا العام مهمة مملة:
فحص الوافدين الجدد.
وكان يعاني بالفعل من إحباط داخلي، فما بالك عندما يواجه قادمين جديدين بهذه الوقاحة؟
لقد فاض به الكيل.
تقدم بخطوات غاضبة، وقطع طريقهما عن عمد.
خفض تشين مو عينيه قليلًا ونظر إليه.
كانت ملامحه هادئة، وعيناه السوداوان خاليتان من أي اضطراب. مجرد نظرة عابرة… لكنها كانت كافية لجعل هي شين يتردد.
غمره شعور غريب بالتوتر.
كان إحساسًا مألوفًا… مشابهًا لما شعر به عندما زار مؤخرًا قاعة لينغ يين الكبرى، والتقى باللورد شيا تشي – رهبة فطرية تولّدت من فارق القوة والمكانة.
لكن سرعان ما هزّ رأسه في سخرية:
ما هذه المهزلة؟ هذا مجرد مبتدئ من المستوى الخمسين! كيف يمكن مقارنته باللورد شيا تشي؟ تافه!
استعاد ثقته، رفع ذقنه (رغم أنه أقصر قامة)، وأجبر نفسه على التحديق في عيني تشين مو، محاولًا التظاهر بالتفوق:
“كفى مضيعة للوقت، تعال معي لتسجيل البيانات!”
“لا.”
كلمة واحدة، قاطعة، مباشرة… خالية تمامًا من أي مجاملة.
تجمدت ملامح هي شين.
لقد قال عبارته بصوت مرتفع لدرجة أن من حوله قد سمعوه.
كان جميع القادمين الجدد قد أُخذوا، باستثناء من تحت رعايته. وكانت نقابة المرتزقة تعج بالناس، وبدأ البعض ينظرون إلى المشهد بنظرات ساخرة.
أدرك هيشين أنه على الأقل يجب أن يحافظ على مظهره.
كتم غضبه، وخفّض صوته، وقال بنبرة مهادنة:
“لقد قلت ما قلت من باب الحرص عليكم… هيا، أسرعوا واتبعوني.”
لكن في نهاية جملته، لم يستطع إلا أن يُثقل نبرته بتهديد خفي.
“لا حاجة.”
لقد شعر هي شين أنه قد تحمّل ما يكفي.
بعض الناس لا يفهمون إلا عندما يتلقّون درسًا قاسيًا!
تبدلت ملامحه إلى عبوس قاتم، وسحب سلاحه بسرعة، وقال بصوت منخفض ينذر بالخطر:
“إن أبيت أن تشرب النخب، فسأجبرك على تجرّع العقوبة! لا تلمني على قسوتي!”
ومع هذه الكلمات، اندفع للهجوم.
كان يتقن فنون القتال الخارجية، وسيفه الطويل كان يتحرك بقوة لا يُستهان بها.
رغم أنه لم يكن من صفوة مقاتلي النظام، إلا أنه تجاوز المستوى الستين، وأكمل مهمة من الدرجة B بنجاح.
لم يكن خصمًا سهلاً، وكان التعامل مع قادم جديد يجب أن يكون لعبة أطفال.
لكن هذا اليوم، اصطدم بجدار فولاذي.
فجأة، وقبل أن ينهي حتى أول حركة له، سُمع صوت طقطقة حاد… صوت معدن يتحطم.
رفع هي شين نظره، ليرى سيفه الفولاذي الفاخر قد تحوّل إلى مسحوق فضي، يتساقط عليه كثلج ساخر يهين كرامته.
أمام ناظريه، كان تشين م واقفًا في مكانه، يديه لا تزالان بجانبيه، لم يتحرك مطلقًا.
لم يفهم حتى كيف حصل هذا.
تجمهر عدد من الناس حولهم، وضحك أحدهم بخفة. تلك الضحكة كانت كأنها الشرارة التي أشعلت بركان هي شين.
تمام! الجميع يضحك عليه! الجميع يحتقره!
حسنًا إذًا! إذا كان لا يستطيع حتى التعامل مع مبتدئ، فما جدوى وجوده؟!
تشوّهت ملامحه بالغضب، واندفع مجددًا بضربة قاتلة نحو صدر تشين مو.
امتدت أظافره فجأة، وانبعث منها ضوء بنفسجي قاتم مسموم – كانت ضربة تهدف إلى القتل!
قطّب تشين مو حاجبيه، وظهر بريق ازدراء في عينيه.
رفع يده، وأطلق رياحًا حادة كالسكاكين، انطلقت مباشرة نحو رأس هي شين، وأطاحت به فاقدًا للوعي في لحظة.
ضربة واحدة. قاضية.
ورغم أن بين المتجمهرين مقاتلين مخضرمين، إلا أن الدهشة تسرّبت إلى ملامحهم، وبدأت الهمسات تتعالى.
تقدّم شي تشينغ ببطء، ألقى نظرة على هي شين،
ثم نظر إلى تشين مو وسأله بتردد:
“آه… هو ليس… ميت، صحيح؟
أعني، صحيح إنّه مقرف، ولكن قتله امام جميع هاؤلاء الأشخاص… ليست أفضل فكرة.”
أمسك تشين مو بيده، ونظر إليه بجدية، وسأله:
“هل تظن أنني أُزهق الأرواح عبثًا؟”
شي تشينغ: “…” لا، أنت لا تقتل عبثًا… لكن حين تقرر أن تقتل، تكون النتيجة خارجة عن نطاق البشر تمامًا…
وبالطبع، لم يجرؤ على التفوّه بهذا الكلام، فاكتفى بالابتسام ابتسامة متكلّفة وهو ينظر إلى تشين مو.
بدا أن تشين مو راضٍ عن ردة فعله، فارتسمت عليه ملامح ارتياح. شدّ على يده وقال:
“تعال. هناك مهمة قد تهمك.”
سارا معًا، وكأن لا أحد سواهما في الوجود.
وفقط بعد أن تواريا داخل النقابة، دوّى صوت صراخ مفاجئ من بين الحشود:
“آآآه! هذا هو! هذا هو الوافد الجديد!
هو من قتل لي مي وسويا بيد واحدة!”