تصلب جسد شي تشينغ بالكامل.
في تلك اللحظة، اندفعت فكرة قاتمة إلى عقله، مزّقته تمزيقًا.
هل يعقل أنه مجرد نسخة؟ نسخة منه هو؟
وذلك الشخص… هو النسخة الأصلية؟
إذن، ما الذي يكونه الآن؟
وفي اللحظة التالية، اجتاحت أفكاره موجة من الاحتمالات المؤلمة، وكأن كل الندوب التي دفنها عميقًا قد تمزقت دفعة واحدة، كاشفة جروحًا نازفة لا تُحتمل.
فشل التواصل مع تشين مو—هل كان السبب أنه لم يكن شي تشينغ الحقيقي؟
لقد مضى أكثر من عشرة أيام دون أن يأتي تشين مو للبحث عنه.
أيمكن أن السبب… أنه لم يكن هو؟
لابد أن تشين مو وجد شي تشينغ بالفعل—الحقيقي.
ذلك ' هو ' الآخر، وليس هو، النسخة المقلدة.
نعم، عبر جميع العوالم التي انتقلوا خلالها، وحتى عندما كانت ذكرياته مختومة، دائمًا ما كان تشين مو يعثر عليه بسرعة.
لكن هذه المرة، مضى أكثر من نصف شهر، ولم يحدث ذلك.
شيء لم يحدث من قبل.
لو لم يكن تشين مو قد وجد شي تشينغ بالفعل، فهل كان سيتأخر كل هذا الوقت؟
لكن إن لم يكن هو شي تشينغ… إذًا، من يكون؟
هو موجود.
وعيه واضح.
ذكرياته كاملة.
لديه مشاعر.
يتذكر والديه، وأحباءه. يتذكر تشين مو.
عاش الحب، والصداقة، والأُسرة.
ليس كائنًا بلا حياة، ولا ضوءًا زائلًا.
لكنه الآن… كل ما حوله يصرخ بأنه لا وجود له.
وفجأة، أدرك شي تشينغ الألم الحقيقي لكونك نسخة.
كان للمستنسخين ذكريات بشرية.
ماضٍ.
علامات لوجودهم محفورة في ذاكرتهم—والدَين، أحباء، أصدقاء—كلهم واضحون في أذهانهم.
لكن فجأة، لم يعد شيء منهم يخصهم.
يشاهدون أنفسهم وهم يمتلكون كل شيء، بينما هم يُجردون من كل شيء.
الوالدان لم يعودا يحتضنانهم.
العاشق لم يعد يبتسم لهم.
الأصدقاء لم يعودوا يشاركونهم الحياة.
لأنهم مجرد نسخ—مصنوعة بالجملة، بتكلفة زهيدة، منتجات صناعية.
كل ما عاشوه، كل ما ظنوا أنه يُثبت وجودهم،
أصبح الآن دليلًا على أنهم لا يوجدون.
كل شيء… أصبح ينتمي إلى النسخة الأصلية.
أو بلغة ألطف، إلى النسخة السابقة منهم.
لكن إن كانت النسخة السابقة هي ' هم '… فمن يكونون هم الآن؟
شي تشينغ ظن أنه قادر على مواجهة هذا الواقع.
لكنه حين رأى تشين مو يقف بجانب نسخة أخرى منه—تحطم تمامًا.
لطالما آمن أن تشين مو لن يبتعد عنه.
كان يظن أن تشين مو بدوره، لن يستطيع التخلي عنه.
هو نظام تشين مو.
وتشين مو هو مضيفه.
كانا روحين مربوطتين إلى الأبد.
لكن الآن… تم استبعاده.
وخصمه… كان هو نفسه.
كم هو ساخر. كم هو مضحك.
شعر شي تشينغ وكأن قلبه توقف عن النبض.
إن لم يكن هو نفسه، فما الذي يستطيع فعله؟
والآن، فهم تمامًا لماذا بقي أولئك المستنسخون في المناجم.
لم يكن الأمر أنهم لم يرغبوا في المقاومة.
لكن… من كانوا سيقاومون؟
أنفسهم؟
أحباءهم؟
من السهل الحكم عليهم، لكن مجرد التفكير في أن يؤذي تشين مو جعله يشعر وكأن العالم انهار فوقه، وسُحب إلى قاع جليدي مظلم.
لم يستطع. كان مستحيلًا.
لذا، لم يتبقَ خيار سوى البقاء.
العمل.
والعمل دون توقف.
حتى يتعب. حتى يذبل. حتى يغرق في التكرار والروتين.
حتى ينطفئ من الداخل.
ثم يموت.
ارتجف شي تشينغ، خوفًا مريرًا تصاعد من أعماق روحه، دفعه نحو حافة الانهيار.
عشرة أيام من البحث، من استنزاف الوعي والروح والطاقة، كانت أكثر من أن يتحملها.
رغم قوته، لم يكن بلا حدود.
والآن، عند لحظة المواجهة، عند إدراك هذه الحقيقة…
كان على وشك الانهيار.
تأرجح جسده، لكن شي تشينغ أجبر نفسه على التماسك.
وجهه شاحب، لكنه حدق أمامه بثبات.
نظر إلى“شي تشينغ.
ثم إلى تشين مو.
كان تشين مو يربّت كعادته على عنق شي تشينغ.
والشاب التفت نحوه مبتسمًا.
ولأول مرة، شي تشينغ رأى نفسه من الخارج.
هكذا… كان ينظر إلى تشين مو دائمًا.
كما لو أن العالم كله هو تشين مو.
خفض شي تشينغ عينيه. أخفى ما في قلبه.
كان تشين مو قد لاحظه بالفعل.
لكنه لم ينظر إليه أبدًا.
نظرته كانت غريبة، باردة، باهتة.
كان يعرف هذه النظرة—نظرة تشين مو للجميع، ما عدا هو.
باردة.
باهتة.
فارغة.
شي تشينغ لطالما افتخر بأنه الاستثناء.
أنه وحده من يسكن قلب تشين مو.
وهذا وحده، كان يجعله سعيدًا.
لكن الآن؟
كل ذلك أصبح مزحة.
شي تشينغ لاحظه أيضًا.
اقترب الشاب منه، وأخذ يتفحصه بفضول.
وبعد دقيقة، ابتسم، استدار إلى تشين مو وقال:
“مذهل حقًا.
كنت أعلم بوجود نسخ، لكن أن تكون دقيقة إلى هذا الحد؟ مذهل.”
تشين مو لم يلتفت إليه.
نظره ظل على الشي تشينغ الآخر فقط.
استدار ذاك إلى شي تشينغ، وابتسم ابتسامة ناعمة وسأل:
“هل أتيت من أجلي؟”
شي تشينغ لم يعرف ماذا يرد.
نظر إلى تشين مو، دون وعي. لقد اشتاق إليه كثيرًا.
لكن تشين مو لم ينظر إليه، حتى الآن.
ابتسامة شي تشينغ الآخر خفتت.
“…أفهم.
أنت أتيت من أجل تشين مو.”
تجمد شي تشينغ في مكانه، عاجزًا عن الرد.
كيف يتحدث مع نفسه؟
بل… كيف يمكنه حتى التفكير في ما يجب أن يقوله؟
الإرهاق الشديد في جسده، إلى جانب الصدمة العنيفة في قلبه، شلّ تفكيره تمامًا.
الكثير من التفاصيل التي كان ينبغي أن ينتبه لها قد غابت عنه.
كل ما كان يريده… هو أن يعود إلى جانب تشين مو.
أن يتحدث معه، أو حتى فقط—أن يراه ينظر إليه.
لكنه لا يستطيع العودة.
كان هناك شخص آخر الآن إلى جانب تشين مو.
ذلك الشخص لم يكن شي تشينغ.
لم يكن نظام تشين مو.
ولم يكن الشخص الذي يسكن قلبه.
فما الذي يكونه هو إذًا؟
في حياته السابقة، كان معنى وجوده قد تبخر تمامًا.
لم يكن قادرًا على العودة لعائلته، ولا لرؤية أصدقائه مجددًا.
لقد مات—مات فعليًا.
ثم، أُتيحت له فرصة أخرى—حياة جديدة.
عالم لا يوجد فيه أحد سواه.
سوى تشين مو.
كان تشين مو كل ما لديه.
لكنه الآن… حتى نفسه لم يعد يمتلكها.
كانت أفكاره فوضى، مشاعره تتضارب بشدة.
الصراع بين ما كان وما هو كائن، ذلك الفارق المرعب…
الخذلان الساحق…
كلها اجتمعت داخله، حتى جاءه صوت حاد وواضح، اخترق ظلام قلبه في لحظة.
“تشعر بالضياع؟ بالعجز؟ أنت لم تعد أنا.
لقد فقدت كل شيء.”
“أتريد أن تعود لتكون نفسك؟ لا نسخة، لا عبء متروك، بل إنسان حقيقي؟”
“أن تعود لتكون شي تشينغ مرة أخرى، وتستعيد كل شيء كان لك.”
كان الصوت مألوفًا…
ثم، فجأة، انخفض نبرته، صار أجشًا ومريبًا.
“اقتل نفسك.
إن متّ، ستعود.
ستمتزج بي.
ستصبحني.”
الموت؟
إن مات… هل حقًا سيعود؟
هل سيستعيد كل شيء؟
أم… لن يبقى منه شيء أبدًا؟
الانتحار؟!
انقبض قلب شي تشينغ فجأة، ورفع رأسه بسرعة لينظر إلى الشخص أمامه.
شعر أسود. عينان سوداوان.
نسخة مطابقة له—كأنه ينظر إلى مرآة.
هذا هو. هو نفسه بالفعل.
لكن كيف؟
كيف يمكنه قول شيء كهذا؟
كيف يستطيع أن يطلب من أحد أن يقتل نفسه؟
كيف يمكن له أن تكون لديه فكرة بهذه القسوة؟
الصدمة التي شتّتت ذهنه بدأت تتلاشى.
وببطء، بدأت التفاصيل التي أغفلها تتضح.
هو مجرد نسخة.
لكنّه ما زال شي تشينغ.
هو نفسه.
وأفكاره—لم تتغيّر قط.
إن كان قد تم نسخه حقًا، فإن شي تشينغ الأصلي لم يكن ليطلب منه أن يموت.
لن يتخلّى عنه.
لن يطلب موته.
حتى لو كان مجرد نسخة سوداء كما يصنّفونه،
فإن الأصل لم يكن ليتركه لمصير مهمل.
مهما كانت فوضوية رحلته، مهما كانت تجربته مليئة بالمصاعب أو التكرار والملل، فإن لم يستطع احتمال تلك الذكريات…
فهل يستحق أن يُدعى إنسانًا؟
ببطء، عادت الوضوح إلى عينيه.
هذا ليس هو.
هذا الشخص… لم يكن هو.
وبمجرد أن بدأ يستعيد وعيه، بدأ يلاحظ المزيد من التفاصيل.
صحيح، لقد تم نسخه جسديًا.
لكن ماذا عن سوار التخزين الخاص به؟
ذلك الذي في معصمه، الذي اشتراه من متجر النظام؟
عنصر فريد لا يُمكن نسخه حتى داخل النظام.
لا يمكن لهذا العالم أن يُقلّده. مستحيل.
في تلك اللحظة، ارتدت نظرته مباشرة إلى تشين مو.
لقد تم خداعه.
يجب أن يخبره!
ذلك الشخص لم يكن شي تشينغ. هو الحقيقي!
فتح فمه لينطق—لكن فجأة، سقطت الظلمة على الفناء بأكمله.
تجمعت الغيوم، وعصفت الرياح، وهبّت العواصف الرملية.
ضوء الشمس اختفى، وغمر السواد كل شيء.
ثم… نزلت قوة مرعبة، طغت على كل شيء.
اهتز الثلاثة داخل الفناء—كلهم شعروا بتلك القوة.
شي تشينغ المزيف وتشين مو اتسعت أعينهم بالدهشة.
أما شي تشينغ—فقد ارتجف قلبه.
هذا لم يكن مجرد صدى لعقد روحي.
كان حضورًا يعرفه جيدًا.
قوة مألوفة، قوية، دافئة، حنونة، لا يمكن أن تُقلّد.
وفي اللحظة التي احتضنته فيها تلك الهالة العذبة، أدرك شي تشينغ الحقيقة.
هذا هو مضيفه.
هذا هو تشين مو الحقيقي.
قبل أن يتمكن حتى من الاستدارة، كانت ذراعا تشين مو قد أحاطت به، وضغط جسده بلطف إلى صدر مألوف.
العطر الذي افتقده كثيرًا غمره بالكامل.
شي تشينغ عانقه بقوة.
لم يكن بحاجة للنظر—لم يكن بحاجة لتأكيد.
لقد علم.
هذا هو مضيفه.
تشين مو.
احتضنه تشين مو من خصره، ومسح على ظهره ببطء، وصوته المنخفض الأجش الذي غمره الصمت طويلاً قال:
“لقد وجدتك.”