🦋

 في طريقه إلى قصر لين سو، كان ما يزال يشعر بالندم.

ياللأسف، لم تُتح له الفرصة لتقييم أداء يي شين عن قُرب.

لكن في قصر عائلة يي، كان يي شين لا يزال واقفًا أمام باب غرفة والده.

جمع شجاعته بكل ما أوتي من قوة، ثم طرق الباب أخيرًا.

كان السيد يي قد تقدم في السن. ورغم أنه يخلد إلى النوم مبكرًا، إلا أن نومه كان خفيفًا للغاية،

يكفي أدنى حركة ليوقظه.

وحين رأى من خلال الكاميرا الأمنية أن الطارق هو ابنه الرابع، عبس على الفور،

ارتدى رداءه وخرج من السرير، ثم سمح لـ يي شين بالدخول.

ثم بدأت الصدمة تتسلل إلى كيانه.

طوال حياته، لم يكن يي شوان فقط رجلاً مسنًا، بل كان أيضًا رجلاً تقليديًا في كل شيء، خاصة في شؤون القلب.

حتى عندما تعلق الأمر بأبنائه،

لم يخطر بباله مطلقًا أن يي شين قد يحمل مشاعر تجاه شخص ما.

ورغم أن فكرة ترتيب زواج له كانت بمبادرته، إلا أنه اعتبرها ضمن مسؤولياته كأب.

لكنه لم يتوقع أن يرفض يي شين الخطبة،

كما لم يتوقع أن يركع ابنه الرابع، المتعالي دومًا، على الأرض بهذه الطريقة!

كانت الجملة الافتتاحية لـ يي شين من تعليمات شي تشينغ.

وخرجت منه بتلقائية تامة:

“أبي، لقد أخطأت، أنا ابنٌ عاق، وأنا غير صالح.”

خفض رأسه، وسارع إلى لوم نفسه بشدة.

ألقى بالذنب كله على نفسه، واعترف بكل شيء بتواضع،

ليُليّن قلب العجوز على الفور.

ذلك المشهد الذي يُذيب أقسى القلوب ويجعل الوالد يتنهّد:

“آه، يا بني، ما الذي تفعله؟!”

ثم يُسامحه على كل شيء.

ثم تابع يي شين جهوده، وبدأ بترديد الخطاب الذي حفظه عن ظهر قلب.

ورغم أنه شعر في البداية بأنه لا يستطيع قول تلك الكلمات،

ظنّ أنها ستبدو مصطنعة وبلا روح،

لكن ما إن بدأ الحديث،

حتى انسابت الكلمات من فمه بلا تردد،

وكأنها كانت مختزنة في قلبه منذ زمن طويل.

خرج كل ما قاله من أعماق مشاعره،

لم تكن هناك أي مبالغة أو تصنع.

“أبي، لم أكن أعرف ماذا أفعل، لم أجرؤ على البوح لأحد،

ولا حتى لك.

قضيت خمس سنوات أحاول نسيانه، ولم أستطع.

أعلم أن علاقتي به مستحيلة.

نعم، عمره، مكانته، علاقته بك وبعائلتنا… كل هذا يجعل الأمر غير ممكن.

أنا أفهم ذلك،

لكنني لا أستطيع السيطرة على قلبي،

لا أستطيع نسيانه،

وأنا حقًا لا أعلم ماذا أفعل…”

وبينما يتحدث يي شين،

انهمرت دموعه دون سابق إنذار.

لم يشعر بالإذلال في حياته كما شعر به الآن،

لكن لم يكن هناك أي ندم في قلبه.

كما قال له شي تشينغ:

“هذا والدك، من يحبك. 

فماذا لو أظهرت ضعفك أمامه؟”

كان يي شوان مذهولًا بالكامل.

كل قناعاته وقواعده تهاوت في لحظة واحدة.

كان يشعر بالغضب،

لكنه شعر بالشفقة أكثر تجاه ابنه.

شي تشينغ كان يعرف تمامًا:

لو أن يي شين اختار المواجهة العنيدة،

لكان يي شوان انفجر غاضبًا.

ربما لم يكن ليضربه، لكنه كان سيشتمه بشدة،

وربما يجبره على الزواج!

لكن يي شين الآن… لم يكن يترك له مجالًا للغضب.

لقد جاءه بكل ضعفه، بكل حيرته، بكل ألمه.

ركع يي شين على الأرض،

دموعه تسيل، لكن دون بكاءٍ صاخب،

وصوته لم يكن مختنقًا، بل كان ضعيفًا فقط،

وقال:

“أبي، أعلم أنك تفعل كل هذا لمصلحتي،

وقد اخترت لي الأنسب.

لو لم يكن في قلبي أحد، كنت سأقبل مصيري،

وأعيش حياتي كما يجب.

لكن الأوان قد فات،

ماذا أفعل يا أبي؟

لو صمت، وتزوجت كما تريد،

سيكتشف قوه يان في النهاية ما أخفيه.

لن أستطيع مواجهته،

ولا عائلته،

ولا حتى نفسي…

خمس سنوات، ولم أستطع نسيانه.

لا أعلم إن كنت سأنساه بعد خمس سنوات أخرى،

أم أنني لن أنساه أبدًا…”

هذه الكلمات كانت كالسهم الذي أصاب قلب يي شوان،

هزّته بقوة وأيقظته من غفلته.

هو ألفا،

حتى وإن لم يستوعب ألم الأوميغا بالكامل،

فهو يدرك تمامًا معنى أن تكون لقلب شريكك رغبة في آخر.

يا له من إهانة… لا تُغتفر!

ولو زوّجه رغمًا عنه،

فسيكون المصير مأساويًا لكليهما.

تنهد يي شوان تنهيدة طويلة،

ثم مدّ يده وساعد ابنه على النهوض،

وأخيرًا قال أولى كلماته:

“أنت… أيها الطفل.”

أجهش يي شين بالبكاء بصمت.

يي شوان، الذي يشعر بالألم والحيرة،

لم يتمالك نفسه،

وتذكّر لين سو،

فصاح غاضبًا:

“لين سو! ذلك الوغد!

كنت أعمى حين وثقت به!”

وكان شي تشينغ قد أوصاه:

إذا شتم والدك لين سو، فلا ترد، بل استمع فقط.

وفي الحقيقة، يي شين كان غارقًا في مشاعره

إلى حد أنه لم يفكر في شيء آخر.

لقد كان يظن أن والده لن يفهمه أبدًا،

وأن الحديث معه لن يُجدي،

لكن اليوم… رأى بعينيه ما لم يتخيله قط.

لم يضربه.

لم يُهِن كرامته.

بل رأى الألم في عيني والده،

وشعر بحنانه لأول مرة بهذا العمق.

كان غير بارٍ، وكان مخطئًا.

أما شي تشينغ، فرغم أنه لم يشهد المشهد كما تمنى،

لكنه لم يقلق أبدًا.

ففي نظره،

ما حدث بين يي شوان ويي شين في الأسبوع الماضي

لم يكن سوى غياب للتفاهم وغلبة للغضب.

والأدهى أن كليهما عنيدٌ ويعتزّ بكبريائه.

لكن،

سواءً كان أبًا أو ابنًا،

أخًا أو حبيبًا،

إذا افتقروا للتفهّم والتسامح،

فإنهم سيخسرون بعضهم في النهاية.

“فقط حين تتراجع خطوة في البداية، يمكنك أن ترى الموقف بوضوح.”

إلى حد كبير، هذه هي فلسفة شي تشينغ في الحياة. مفهوم يسمح له أن يعيش بهدوء… بجانب تشين مو.

شي تشينغ تبِع تشين مو، ودخلا معًا قصر لين سو. رغم أن الوقت كان منتصف الليل، إلا أن الجنرال لين كان لا يزال مشغولًا بأعماله العسكرية.

ثم، شهد شي تشينغ تمثيل تشين مو البارع عن كثب.

بمجرد دخولهما إلى غرفة المكتب، أمسك تشين مو بياقة لين سو، ونظراته تشتعل بالغضب، وصرخ:

“لين سو! أيها الوحش!”

لم يكن لين سو وحده من صُدم، حتى شي تشينغ الذي كان بجانبه فتح فاه بدهشة (⊙-⊙).

وقبل أن يتمكن لين سو من الرد، تلقى لكمة ثقيلة على جبينه. 

والمفاجئ أكثر أنه لم يستطع تفاديها.

لكن غريزته القتالية استيقظت، فتراجع إلى الخلف وصدّ الضربة التالية.

أما تشين مو، فوجهه بقي جامدًا وهو يدور على جانبه ويوجه لكمة أخرى.

تبادلا الضربات بسرعة مذهلة يصعب تتبعها بالعين المجردة.

فتح شي تشينغ فمه مندهشًا للحظة، ثم أغلقه بصمت.

فهو الآن خبير في القتال، وبوسعه أن يرى أن تشين مو لا يقاتل بجدية، بل كأنه يلهو مع هذا الصخر الجامد.

بالطبع، لين سو لم يكن يقاتل بكامل قوته أيضًا. 

كان يشعر بالذنب.

صحيح أنه لم يرتبط فعليًا بيي شين، لكنه كان يكن له مشاعر تكفي لأن يشعر بتأنيب الضمير لبقية عمره.

لكن، لم يكن من الحكمة أن يستمر القتال.

أوقف لين سو هجومه، وقال بصوت مضطرب:

“يي مو، أنت… ماذا تفعل؟”

“ماذا أفعل؟” كانت قبضات تشين مو لا تزال تتحرك، ونبرة صوته باردة كالجليد:

“تملك الجرأة على الفعل، لكن لا تملك الشجاعة للاعتراف؟!”

تجمد لين سو للحظة، ولم يحاول تفادي اللكمة التالية.

وجهه الوسيم تلقى ضربة مباشرة، سال منها الدم على الفور.

لكنه لم يكن يملك الوقت للتفكير. فقط صرخ:

“أنا، لين سو، لا أتهرب من أفعالي! أنا لست جبانًا!”

توقف تشين مو أخيرًا، نظر إليه بازدراء، زاوية فمه ترتجف بسخرية، والغضب لا يزال يشع من عينيه:

“تقول إنك لست جبانًا؟ حسنًا! إذًا غدًا، ستذهب فورًا إلى قصر عائلة يي وتطلب يي شين للزواج!”

“ت… تزوج؟” بدا على وجه لين سو أنه ضاع في متاهة.

“ماذا… ماذا تعني؟ أنا… لا يمكنني…”

“ماذا؟ جبنت من جديد؟ ألا تعلم أنك دمّرت يي شين؟!”

عند سماع اسم يي شين، تغير تعبير لين سو فورًا:

“يي شين؟ ماذا به يي شين؟!”

نظر إليه تشين مو ببرود، تصرفه كان حاميًا ومملوءًا بالغيرة الأخوية الصارمة.

“يي شين بالغ، ووالدنا كان يستعد لتزويجه.

لكن، عندما بدأت مفاوضات الزواج، كل العائلات المرموقة رفضت.

الجميع يقول إنه ملك للجنرال لين.

يقولون إنك حجزته لنفسك، ولا أحد يجرؤ على التقدم إليه!”

عندها، أصيب لين سو بالذهول.

“مستحيل! مستحيل! لم يحدث شيء بيني وبينه! نحن… لا شيء بيننا!”

ضحك تشين مو بسخرية، وقال:

“لا شيء؟ إذًا أخبرني، ماذا كنت تفعل طوال العامين الماضيين؟ مع من تقضي الأعياد؟ من كنت تعود إليه كل عطلة؟ 

إذا لم يكن بينكما شيء، فلماذا تمضي كل يوم بجانبه؟ إذا لم تكونا معًا، لماذا لم تتزوج حتى الآن؟!”

تدفق الأسئلة حوّل وجه لين سو إلى اللون الأبيض.

لم يكن قادرًا على الرد.

هو يحب يي شين. وكل مشاعره له.

كلما طلب رؤيته، لم يستطع أن يرفض.

يعلم جيدًا أنه لا يستحقه، لذا كان يحاول البقاء بعيدًا،

لكنه لم يكن يتوقع أن هذا البعد سيعود عليه بهذا الشكل!

كان محطّمًا.

كان يعرف أن نقطة التحول في حياة الأوميغا هي الزواج.

وحتى إن لم يتزوج هو، فقد شاخ…

أما يي شين، فكان يستحق الأفضل، ألفا شاب يعشقه، ينجبان أطفالًا،

يدعمان بعضهما، ويعيشان في هناء.

أما هو، فسيحرسه من بعيد، يكفيه أن يراه.

لكن هذا المستقبل…

لقد دمّره بنفسه.

وقف لين سو مذهولًا،

رجل عسكري جسور على ساحة المعركة،

لكنه في هذه اللحظة، كان تائهًا بلا حول ولا قوة.

نظر إليه تشين مو، وقد هدأ صوته، لكنه بقي كالسيف.

“كفى أعذارًا.

ما تسميه من أجل سعادته، ليس إلا جبنًا.

أنت جنرال، لكنك جبان!

أنت تخاف من شبابه، من تقلبه، من حبّه المتهور.

تخشى من التقدّم في السن، تخشى أن يكرهك يومًا، أن يتركك، أن يهجرك.”

“تخاف أن تخسر بعد أن تمضي خطوة.

ولا تجرؤ حتى على المحاولة.

تظن أن هنالك من هو أفضل ليحبه؟

هل فكرت إذا ما كان يي شين، الذي يحبك بصدق، يمكن أن يتقبّل غيرك؟

أنت فقط تُفكر بنفسك، وتُسمّيها تضحية.”

“أليس كذلك؟”

رفع تشين مو حاجبيه، ونظر إليه بازدراء.

“أنت جبان أناني بلا كرامة!”

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]