لم يكن شي تشينغ يعرف تشين مو سوى ليومٍ واحد، لكن هذا اليوم وحده كان كافيًا ليعلم أن هذا الرجل غريب الأطوار.
ومع ذلك، حتى لو حُطِّم رأسه ألف مرة، لم يكن ليخطر بباله كم يمكن لهذا الرجل أن يكون غريبًا حقًا!
ما نوع الأفكار التي تدور في رأسه؟!
ما يجري داخل دماغه لا ينتمي إلى هذا العالم على الإطلاق!
إذاً، كنت تذهب في مواعيد عمياء من أجل أخيك طوال هذا الوقت؟
كنت تسأل كل تلك الأسئلة نيابةً عن يي تشين؟ أنت… أنت لم تكن تبحث عن أوميغا لنفسك؟
تجمّد شي تشينغ، لكن في الوقت ذاته، فاض في داخله شعور غريب بالبهجة.
وكونه لم يكن يومًا بارعًا في إخفاء مشاعره، بدأت زوايا فمه بالارتفاع، ترتفع أكثر… ثم أكثر…
وفي الطرف المقابل، كان لي شيا مصدومًا هو الآخر، لكن ما أحسّ به لم يكن الفرح… بل الإهانة!
الإحساس بأنه كان يُستخفّ به، يُسخر منه، يُلعب بمشاعره—كلها انفجرت في رأسه دفعة واحدة، حتى امتلأ غضبًا وقف معه فجأة من على كرسيه.
لم يكن ليشغل باله عادةً ببيتا غير ذي شأن، لكنه لمح تلك الابتسامة المرتسمة على شفتي شي تشينغ…
فساء فهمه تمامًا.
إذًا أنتم تتآمرون ضدي؟
حتى بيتا مهمَّش يأتي ليسخر منّي؟
بلغ غضبه ذروته، فصاح بصوت غاضب، لا يخلو من المرارة:
“ما معنى هذا كله؟!”
في المقابل، كان الألفا هادئًا ثابتًا، لا يبدو عليه أدنى تأثر.
تشين مو كان بكل بساطة يزيل حبّة فلفل حار من فوق شريحة السمك المخلل، ويضعها في وعاء شي تشينغ، وكأن شيئًا لم يكن.
عندها فقط، قال بصوت رصين:
“ستتزوج من يي تشين، وتحمل، وتنجب الأطفال بأسرع وقت ممكن.”
اشتعل لي شيا غضبًا من برودة هذا الرد، وانفجر قائلاً:
“من يريد أن يتزوج من ذلك المنحرف؟!”
ثم رمق الإثنين بنظرة احتقار، وألقى كلماته الأخيرة:
“لقد تجاوزت عائلة يي كل حدود الظلم!”
ثم ركل كرسيه الخشبي الغليظ بعنف، مما أحدث صوتًا مدوّيًا في الحديقة المفتوحة ذات الطراز الصيني التقليدي.
عبس تشين مو قليلًا، وقال ببرود:
“طبعه سيئ جدًا.”
شي تشينغ: “…”
لكنه لم يلبث أن أضاف:
“لكن لا بأس… طالما يمكنهم الإنجاب، فالأمر مقبول.”
شي تشينغ: “…”
لقد استسلم، تمامًا…
وعندما لاحظ تشين مو شروده، سأله:
“لم لا تأكل؟ ألم تكن جائعًا؟”
نظر شي تشينغ إلى الصحون الصغيرة أمامه، فوجد قطعًا مرتبة من طعامه المفضل: ضلع واحد من اللحم الحلو والحامض، ثلاث شرائح من السمك المخلل، قطعة صغيرة من الباذنجان المشوي، وقليل من لحم العجل الطري.
لم تكن الكمية كثيرة، لكنها كانت بعناية.
الأهم، أن تشين مو هو من وضع كل قطعة له، واحدة تلو الأخرى.
شعر شي تشينغ وكأن ذلك الإناء المملوء بالغيرة في صدره قد تحوّل إلى إناء من العسل.
مُمتن… وسعيد…
والسمك المخلل كان لذيذًا على نحو مذهل!
وحين بدأ شي تشينغ بالأكل، استأنف تشين مو انتقاء العظام والفلفل من شرائح السمك، وأخذ يضع له أطيب القطع وأطرى الأجزاء في طبقه.
كان شي تشينغ يأكل بشهية كبيرة.
كان يعشق السمك والبهارات، وقد ناسبته النكهة تمامًا، رغم أن المكونات من عالم مختلف.
السمك طريّ، والخضار مقرمشة، والمذاق حار ومخدّر، يبعث دفئًا ممتعًا في صدره.
في الحقيقة، لم يكن مجرد دفء، بل حرارة تتصاعد، تنتشر، وتغمره من الداخل.
بدأ يشعر وكأن شيئًا قد تحرر بداخله، كما لو أنه خلع ثوبًا ضيقًا بعد يوم طويل.
الطعام هنا مذهل بالفعل، كيف لوجبة أن تبعث شعورًا كهذا؟!
لكن فجأة…
أين السمك؟ لقد انتهى!
رفع بصره نحو من يُطعمه، لكنه شعر بشيء غريب.
طقطقة!
سقطت العيدان من يده على الطاولة، واصطدمت بالصحن الخزفي بصوت واضح.
ومع ذلك، لم يتحرك تشين مو.
كان يحدق فيه بثبات، عيناه السوداوان العميقتان تلمعان بلون أحمر خافت…
وفي لحظة، تسارعت إشارات الخطر في دماغ شي تشينغ، وغطى العرق البارد جسده.
تبًّا للطعام السحري! تبًّا للراحة! بالفعل، قد تحرّرت… لكن ما تحرّر هو غريزة الأوميغا التي كانت مكبوتةبالمثبطات!
كيف—لماذا؟!
المثبطات تستمر 24 ساعة، وهو قد تناولها صباح اليوم.
والآن، لم يمض سوى ست ساعات كحد أقصى.
فكيف فقدت فعاليتها بهذه السرعة؟!
لم يعد الوقت يسمح بالتفكير.
إذا لم تعمل المثبطات، فهويته كأوميغا ستنكشف.
وفقط التفكير بما مرّ به يي شين، جعله يشعر بالقشعريرة.
الأسوأ من ذلك… لم يكن يحمل مثبطات معه!
ظنّ أن أمامه عشر ساعات أخرى على الأقل!
اهدأ، اهدأ، عليك أن تبقى هادئًا…
حتى وإن لم يكن في فترة دورته، فإن عبق الأوميغا وحده قد يُغري أي ألفا…
لكنه لا ينبغي أن يشكّل خطرًا، خاصة مع وجود تشين مو… لا بد أنهم سيكونون بخير.
ولكن…
تحطمت كل تلك الأفكار بلحظة واحدة.
لأن الخطر الحقيقي، كان تشين مو نفسه.
فما إن سقطت العيدان، حتى مدّ ذراعه وأمسك بخصره، واقترب منه بشدة.
عيناه كانتا كدوامتين سوداوين تسحبانه، ثم انحنى بأنفه إلى عنقه، واستنشق بعمق…
قال بصوت تغلغل فيه الجنون:
“شي تشينغ… رائحتك… مذهلة.”
وفي اللحظة التالية، داعب لسانٌ رطب بشرته.
شعر شي تشينغ وكأن تيارًا كهربائيًا اخترق قلبه، وتفجرت داخله رغبات لم يتخيلها قط.
يا إلهي! لا! ليس الآن!
بذل جهده ليفلت من بين ذراعيه، وجهه احمرّ بشدة، وصوته ارتفع عاليًا رغمًا عنه:
“استفق، أخي! أرجوك… لا يمكننا…”
لكن اللسان الماهر كان قد انزلق إلى أسفل عنقه، حتى بلغ عظمة الترقوة.
شي تشينغ كان ينهار وهو يقاوم تلك الرعشة التي تسري في كل كيانه.
لطالما شعر شي تشينغ أن جسده ضعيف، لكنه في الوقت نفسه حساس للغاية.
لقد تمكّن من مقاومة تشين مو من قبل، لكن الآن، حتى وهو يبذل أقصى ما لديه من قوة، كانت النتيجة كأنما يرمي بيضة على صخرة.
ضعفه كان شديدًا لدرجة أنه لم يحرّك خصمه قيد أنملة.
يا إلهي… ما هذا التفاعل العنيف؟!
هذا غير طبيعي! نعم، يي تشينغ أوميغا، لكنه مجرد أوميغا عادي! فروموناته لم تكن أبدًا قوية مثل يي شين، ولاحتى مثل لي شيا قبل قليل!
تشين مو لم يتأثر قط بوجود لي شيا، بل على العكس، كان بارعًا في الحساب والتقدير البارد،
فكيف له أن يفقد صوابه هكذا أمامه هو؟
لقد خرج عن السيطرة تمامًا!
أنا لست في فترة دورة… بالتأكيد لست كذلك. فقط، فقدت المثبطات مفعولها.
لكن… كيف حدث هذا؟!
ما لم يكن يعرفه، هو أن أمورًا كثيرة كانت تجري خارج ذلك المكان المعزول.
فـ حدائق تشين جين لم تكن تحتوي على غرف خاصة، بل أماكن طعام متفرقة وسط حدائق طبيعية مصطنعة.
ورغم التباعد الواسع بين الموائد، وتعدد الزوايا والمناظر الطبيعية التي تفصل بينها، فإنها لم تكن مغلقة بإحكام، مما جعل انفجار الفيرومونات مستحيلاً أن يُحتوى.
تغطي الحديقة مساحة ثمانية آلاف فدان، وتضم مائة وعشرين طاولة طعام.
وفي ذلك الوقت بالتحديد، كان هناك ما يقرب من تسعين ألفا عازبًا في المكان، وكلّهم أصبحوا مضطربين فجأة.
رائحة غريبة، مجهولة، لا تُصدق في حلاوتها وفتنتها، أخذت تملأ الهواء وتفتك بعقولهم.
يا للهول… إنها عبقة للغاية، عطرة، فاتنة!
لم يسبق لهم أن استنشقوا فرومونات بهذا الجمال من قبل.
كان من المستحيل وصفها بأي لغة، أو حتى استيعابها عقلًا.
ومجرد خيطٍ بسيط منها كان كافيًا لإسقاطهم في سحرها.
لا شك أن من أطلقها هو أوميغا مذهل… من الدرجة الأولى… أوميغا قد يهزّ العالم بجماله.
ربما… إن ظفروا به، قد يذوقون لذّة الكمال.
وسيكون ذلك قمة النشوة بالنسبة لأي ألفا.
ولا حاجة للحديث عن الألفا فقط، حتى الأوميغا الآخرون أصابهم الاضطراب!
ومن أبرزهم… لي شيا، الأوميغا الذي التوى كاحله بعد ركل الكرسي، ولم يعد يستطيع المشي.
كان لي شيا قد خرج غاضبًا إلى حدّ الموت من يي مو، ثم أصيب إصابة بالغة، بالكاد تمكّن من الهرب من الأخوين.
والآن، كان يتكئ على جذع شجرة، عاجزًا عن الحركة، يهمّ بالاتصال بشخص ما ليأتي إليه، حينما استنشق رائحة الفيرومونات المتدفقة في الهواء.
تجمّد في مكانه، ثم سرعان ما أدرك الحقيقة،
فعاد زحفًا، متحمّلاً الألم، ليُبصر المشهد بأمّ عينيه:
يي مو، مسلوب الإرادة تمامًا، غارق في فتنة الرائحة…
ويي تشينغ، وقد انكشفت غرائزه الأوميغاوية المهينة!
علاقة محرّمة بين شقيقين!
تجمد لي شيا في مكانه، مصدومًا.
لكن ما لبث أن انسحب بهدوء، يخطو إلى الوراء متخفيًا.
كان في حوزته مثبط، لكنه تعمّد ألّا يُخرجه.
فليتركهما يتخبطان في غيّهما! من طلب منهما أن يذلّانه؟ الآن، سينالان العقاب الذي يستحقانه!
حين يستفيقان، ويدركان ما ارتكباه…
لن يدمّرا نفسيهما فحسب، بل سمعة عائلة يي بأسرها ستُسحق في التراب، ولن يعود بإمكانهم رفع رؤوسهم مرة أخرى!
كل الإهانة التي عاناها لي شيا لحظة بلحظة، وجدت أخيرًا طريقًا إلى الانتقام.
لم يسبق له أن التقى بألفا لا يهتم به، لكنه الآن لا يبالي.
ذلك الألفا قد انتهى أمره!
بما أنك احتقرتني، فاذهب إلى الجحيم!
أحكم قبضته على المثبط في جيبه، واختبأ في الظل، يرقب المشهد المحظور بعين باردة، تملؤها الشماتة.
في مكانٍ آخر…
كان شي يون يشعر بانزعاج شديد.
هل يعقل أن أقابل يي تشين بمجرد خروجي لتناول الطعام؟ هذا مزعج إلى حد الموت!
كانا في الماضي صديقين مقرّبين، لكن ذلك الأحمق فقد صوابه فجأة، وأخذ يطارده كالمجنون!
أمر لا يُصدَّق!
صحيح أن العلاقة بين ألفا وآخر ليست محظورة تمامًا، لكنها ليست بهذا العلن والجرأة، حسنًا؟!
ثم متى كان هناك وقت للعواطف أساسًا؟!
وفوق ذلك كله…
حتى لو ضُرب حتى الموت، لن يفعل هذا وذاك مع أي شخص كان!
وبينما كان غارقًا في تذمّره، استنشق فجأة رائحة مألوفة للغاية، فتجمّد جسده بالكامل.
إنها… إنها تلك الرائحة التي بحث عنها طويلًا حتى شارف على اليأس…
لم يصدّق أنه صادفها هنا، بهذه العشوائية المذهلة…