🦋

 ما هذا… ما هذه المزحة السخيفة؟!

اتسعت عينا شي تشينغ في دهشة حقيقية، وهو يحدق في تشين مو غير مصدق.

لكن ما لبث أن تمالك نفسه، وعاد إلى رشده، محاولًا ضبط تعبيراته. ضحك في داخله على أفكاره العجيبة، لكنه شعر أن طريقة تفكيره قد أخذت مسارًا غريبًا بالفعل.

الأخ الثالث قد بلغ من العمر ما يكفي ليبحث عن شريك حياة، فلم العجب؟

ثم إن والدهما سبق أن رتب مواعيد تعارف عدة ليي مو، واختار له أكثر من مرشحة، وكان كل من يي شين ويي تشينغ على علم بذلك منذ زمن.

وكان لي شيا هو الشخص الذي رآه يي شوان الأكثر مناسبة من حيث الشكل والنسب. سواء من حيث خلفيته العائلية أو أسلوب تربيته، كان يتمتع بمكانة جيدة. لكن الأهم من كل ذلك، أنه كان أوميغا يتمتع بصحة ممتازة، أي أن جسده كان صالحًا للإنجاب.

وهذه النقطة وحدها كانت كافية لتملأ قلب العجوز يي بالرضا. “حسنٌ، فليكن قادرًا على الإنجاب، فلا بد من أن تزدهر ذرية عائلة يي.”

ومع هذه الفكرة، شعر شي تشينغ أنه لا ينبغي أن يندهش، فالأمر ليس جديدًا…

لكن قلبه ظل يهتف، ساخرًا، بلا توقف: هاهاها، هاها، ها!

اللعنة! هذا الشعور سيئ! سيئ للغاية! ولماذا؟ 

لا أحد يعلم، حتى هو نفسه لا يدري!

وبعد أن حصل على عنوان اللقاء، التفت إليه تشين مو وقال:

“لا بد أنك تشعر بالجوع، فلنذهب معًا.”

جائع؟!

كلا، ما أشعر به هو هيهيهي! لقد امتلأت، شكرًا لك!

كان شي تشينغ على وشك أن يخبره بأنه يود البقاء مع يي شين، لكن قبل أن ينطق بكلمة واحدة، كان تشين مو قد سحبه معه بالفعل.

ولم يدرك أنه قد تم اختطافه إلا عندما جلس في المركبة الطائرة.

من ذا الذي يذهب مع شقيقه الأكبر إلى موعد غرامي؟! أهو بحاجة لمن يقيّم له الطرف الآخر؟ ليس لدي وقتفراغ لهذا النوع من المهام!

كان بإمكانه اصطحاب أي شخص آخر، فما علاقتي أنا بالأمر؟!

وفي الظروف العادية، كان تشين مو سيقرأ مشاعره بسهولة.

لكن تشين مو هو الآخر كان مشوشًا هذه المرة، إذ لم يعتد منذ قرون أن يفكر في مشاعر الآخرين.

منذ متى اصبح يراعي رغبات شي تشينغ؟

كان دومًا يعلم أنه يريد امتلاك شي تشينغ، لكن… متى بدأ يشعر بأنه يريد فهمه؟

لقد غيّر خططه من أجله، وبدأ بمحاولة التكيّف مع رغباته دون أن يدرك.

منذ زمن طويل لم يعرف طعم هذا الشعور.

لكنه مع شي تشينغ… شعر أنه مستعد ليحاول.

لأن بينهما عقدًا، ولأنهما لا يملكان إلا بعضهما البعض، ولأنه لو خان هذا الشخص ثقته، فسيملك العذر الأبدي ليحتجزه في حضنه إلى الأبد.

نسي منذ زمن كيف يترك الأمور تمضي.

كل ما يعرفه الآن هو كيف ينتزع ما يخصه بلا هوادة.

وارتسمت على شفتي تشين مو ابتسامة هادئة لا شعورية، نابعة من الأعماق…

ابتسامة كانت، في وقت آخر، كفيلة بأن تذيب شي تشينغ.

لكن اليوم، كلما نظر إليها، كلما شعر بالحنق يتصاعد في قلبه.

أهكذا فرحٌ أنت بهذا الموعد؟

أفرحٌ بهذا الشكل لأنك على وشك الظفر بأوميغا خاص بك؟

أليس من المفترض أن أهنئك من قلبي كأخٍ أصغر؟

كلا! هذا الأمر يستفزني بشدة! لا أريد حتى النظر إليك!

من تظن أنك تسحر بتلك الابتسامة؟ كائن فتان! مغرٍ! خطير!

ازداد الغضب في قلب شي تشينغ، وكلما حاول أن يهدأ، لم يجد مخرجًا.

عقله يصرّ على أن هذه المشاعر لا مبرر لها.

فهذا الرجل هو الأخ البيولوجي لجسده، وهو رجل في نهاية المطاف. ما الذي يدور في خاطره؟

حتى لو لم يكن هو، شي تشينغ، يمتلك أخًا يدعى يي مو، فإن يي مو يظل الأخ الأكبر لـ يي تشينغ، والجسد الذي يسكنه الآن يعود إلى يي تشينغ. فماذا بوسعه أن يفعل؟

ما يزيد الأمر سوءًا أنهم لا يعرفون بعضهم إلا منذ يوم واحد فقط.

فما الذي جرى لي حتى أعلّق آمالي على شخص بالكاد تعرفت عليه؟

وكلما فكّر في ذلك، شعر وكأن كل طاقته تنهار. الحزن يغمره من الداخل.

عندئذٍ، استشعر تشين مو تلك الكآبة المحيطة به، فاستدار إليه وأمسك بيده، ثم قال بخفه:

“ما بك؟ أأنت ما زلت قلقًا على يي شين؟”

كان قد أساء الفهم تمامًا.

تجمّد شي تشينغ للحظة، ثم استعاد تركيزه بعد قليل.

نعم، هذا العذر مناسب… يخفي مشاعري القبيحة تمامًا.

فأومأ برأسه موافقًا.

مدّ تشين مو يده ولمس عنقه الأبيض برقة، ثم جذبه إليه بلطف واحتضنه، وربّت على ظهره قائلاً:

“لا تقلق… إن كنت تريده أن يكون مع لين سو، فسأحقق لك ذلك. لا تشغل بالك، أنا هنا.”

لكن شي تشينغ لم يعد يسمع شيئًا.

عنقه كان يشتعل، ظهره يرتجف، وقلبه يكاد يقفز من بين أضلعه.

كل كلمة وكل لمسة كانت كالسحر عليه، تثير في داخله مشاعر لم يعرفها قط.

إنه يحبه. يا إلهي، إنه يحبه حقًا.

بل أكثر من ذلك…

إنه لم يعرفه إلا منذ يوم واحد.

إنه رجل، ويشاركه في الدم، ومع ذلك…

وقع في الحب كالمجنون.

هذا… هذا جنون.

توقّف عقله عن العمل تمامًا.

ولم يعد إلى وعيه إلا عندما ابتعد عنه تشين مو.

وما فائدة هذا الحب؟

إنه ذاهب للقاء شخص آخر، سيناقش مستقبله مع غيره، وقد يتفقان، فيحبّان، ويتزوجان…

خصوصًا في هذا العالم حيث يمكن لأوميغا أن يُنجب أطفالاً.

ومع هذه الفكرة، شعر شي تشينغ بألم يخترق صدره.

لقد أصيب بلوثة عقلية.

وقع في حب رجل، ثم انكسر قلبه في اليوم ذاته.

هل هناك شخص أكثر جنونًا منه في هذا العالم؟

ذاب قلبه وتبدد.

تبع تشين مو بصمت إلى حديقة تشين جين، وهو نادٍ فاخر صُمم على الطراز الشرقي القديم، يمزج بين الأجنحة الخشبية والحدائق الخضراء وأجواء الربيع.

وضعت الطاولات وسط تلك الزوايا الخلّابة.

لم تكن هناك غرف خاصة، لكن المسافات بين الطاولات محسوبة بدقة لتمنح كل مجموعة من الزوّار رؤية ساحرة وأجواء هادئة.

وكان كل خطوة كأنها تأخذهم إلى عصر مضى.

لكن شي تشينغ لم يكن في مزاج يسمح له بالاستمتاع.

كانت الأزهار تتفتح والعشب أخضر، لكن قلبه كان ممتلئًا بالمرارة.

وخصوصًا في ذلك الممر الضيق والوعر، حيث كاد يقع من فرط شروده، لولا أن التقطه تشين مو سريعًا من خصره ورفعه إلى الأعلى بخفة.

تجمّد شي تشينغ، ثم قفز مبتعدًا وكأنما لامسته الكهرباء.

أما تشين مو، فلم يُعر الأمر اهتمامًا، بل مدّ يده وربّت عليه برقة، وقال بهدوء:

“كن حذرًا… لا تفكر كثيرًا بشأن يي شين بعد الآن.”

أومأ يي تشينغ برأسه على عجل، لكن تشين مو لم يرضَ بذلك. أمسك وجهه الصغير بلطف وأداره نحوه، ثم قال بلهجة تهديد خفيفة:

“إن استمررت في التفكير بيي شين، فسأزوجه من قوه يان.”

شي تشينغ: “…”

أنا لم أكن أفكر به أصلًا، كنت أفكر بك أنت! 

أيها المثير للفتن! وتغويني أيضًا؟!

شعر شي تشينغ بالمرارة، لكن لم يكن بمقدوره أن يبوح بها. كل ما استطاع فعله هو أن يشيح بوجهه، وقد احمرّت وجنتاه خجلًا.

أقسم في نفسه بكل جدية أنه سيتوقف عن التفكير في ذلك، تمامًا.

سيصحبه في هذا الموعد وكأنه مجرد رفيق لا غير.

وعندها فقط، بدا الرضا على وجه تشين مو.

وحين رأى حمرة الخجل تعلو خديه، وشفتيه المرتويتين المتورّدتين، راودته رغبة قوية في تقبيله.

لكنه تمالك نفسه. لم يكن من اللائق أن يفعل شيئًا كهذا في وضح النهار، وبهذه الهوية التي يرتديانها الآن.

الأفضل أن يؤجل ذلك إلى وقت لاحق.

سارا معًا عبر الممرات الملتفّة، حتى وصلا إلى المكان المحدد.

وما إن جلسا، حتى أقبل شاب يافع باتجاههما.

كان ذا بشرة بيضاء وشعر أسود وعينين سوداوتين.

جسده نحيل، لكن ملابسه أنيقة، وتصرفاته تتسم بهدوء ورقيّ ينبعثان من أعماقه وكأنهما طُبعا في جوهره.

ولم يُبدِ أيّ دهشة لرؤية يي تشينغ هناك، بل حافظ على ابتسامة مهذبة، وقال بتأنٍ:

“تشرفت بلقائكما، اسمي لي شيا.”

لم يكن بوسع شي تشينغ أن ينظر إليه من دون تحامل.

ورغم ذلك، كان لا بد من الاعتراف بأن الشاب يبدو ممتازًا بحق.

صحيح أنه ليس بوسامة يي شين، لكنه أكثر لطفًا وأقلّ جموحًا.

على الأقل، لا يبدو عليه أنه ' مريض بعقد البطولة ' كما كان يي شين.

بكلمة مختصرة، لم يكن سيئًا… لكن المؤسف أنه لم يستطع الشعور بأي سعادة حيال ذلك.

قال شي تشينغ، بصوت ينضح بالضيق، “مرحبًا، أنا يي تشينغ.”

ثم جلس على مضض.

كان لي شيا أوميغا نقي النسب، من خلفية عائلية نقية.

وبما أن اللقاء كان موعد تعارف، لم يتناول أي مثبطات، لذا انتشر عبق الأوميغا من حوله… ذلك العطر الذي يُعدّ أقوى إغراء لأي ألفا. 

كان يدرك تمامًا ما الذي يحتاجه الطرف الآخر، وكان واثقًا من نفسه.

حتى وهو ليس في فترة الدوره، فإن رائحته وحدها كانت كافية لجذب أي ألفا.

وقد قرر أن يستخدم هذه الميزة الطبيعية لصالحه، ليظفر بألفا متميّز.

وكان يي مو هو المرشح المثالي لذلك.

ومن النظرة الأولى، بدا له أن يي مو قد بدأ ينجذب إليه فعلًا.

وبعد أن جلسوا وطلبوا الطعام، لم يتناول يي مو لقمة واحدة، بل انشغل كليًا في طرح الأسئلة على لي شيا، الذي لم يستطع إلا أن يشعر ببعض الزهو لهذا الاهتمام الواضح.

بل إنه وجد نفسه ينظر مليًّا إلى ذلك الألفا الوسيم.

الابن الثالث من عائلة يي كان آية في الجمال.

كلما تأمله، ازداد خفقان قلبه.

ألفا مثالي… جذّاب للغاية.

أما شي تشينغ، الجالس إلى الجانب، فقد شعر وكأنما سقط في هاوية جليدية لا قرار لها.

فهو لم يفق من صدمة قلبه بعد، وها هو يُجبر على مشاهدة مشهد تعارف مشتعِل أمام عينيه، وكأن الجراح لا تكفيه!

أما من سبيل لوقف هذا الألم؟ ظننت أني بلغت الحزن أقصاه، فإذا به يتسع أكثر فأكثر…

ألا يكفي ما أنا فيه؟

في وسط هذا الألم، كان في الوقت نفسه يشعر بالغضب.

فالغريزة البدائية لا ترحم، والألفا كائن مشتهٍ بطبعه.

انظروا فقط إلى أخي!

لا يستطيع أن يزيح نظره عن ذلك الأوميغا!

مزعج! مزعج! مزعج إلى أقصى درجة!

لم يعد بوسع شي تشينغ أن يواصل الجلوس، فقد شعر بأنه إذا بقي أكثر من هذا، فقد يرتكب حماقة.

ما الذي جاء بي إلى موعد شخص آخر من البداية؟! لقد جئت بقدمي إلى موضع العذاب!

يجب أن أرحل… يجب أن أغادر حالًا!

وقبل أن ينهض، فجّر تشين مو قنبلة لفظية فجائية:

“رائع. 

فهمت، أنت متميّز حقًا.”

احمرّت وجنتا لي شيا خجلًا، وخفَض رأسه في حياء.

ثم تناول تشين مو عيدان الطعام، ووضع قطعة من أضلاع اللحم المطهية في طبق شي تشينغ، وتابع قائلًا:

“أعتقد أن يي تشين سيكون مسرورًا للغاية كذلك.”

ساد الصمت على الطاولة.

يي تشين؟

كان هو الابن الثاني لعائلة يي، وذو شهرة كبيرة.

الألفا الذي طارد ألفا آخر بجنون…

ما علاقته بما يحدث الآن؟

رفع تشين مو كأسه بابتسامة ودودة:

“أتمنى لك ولأخي الثاني زواجًا سعيدًا مقدمًا.”

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]