في الواقع، كان الفارق بينهما ثلاثين عامًا كاملة.
صحيح أن الألفا يتمتعون بعمر أطول من غيرهم، لكنهم ليسوا خالدين.
يبدأ تأثير الشيخوخة بالظهور منذ بلوغهم سن الثامنة عشرة، وحتى سن الثامنة والستين، يشعر كل ألفا بآثار التقدم في السن، مهما كانت قوته الجسدية.
حتى إن لم يظهر ذلك على مظهره، فإن خصوبته تبدأ بالتراجع تدريجيًا حتى تتلاشى.
عادةً ما تبقى قدرة الألفا على الإنجاب فعالة حتى عمر الثالثة والسبعين كحد أقصى.
بعد ذلك، لا يستطيع أن يُنجب الأوميغا.
رغم أن الكثير من القادة السياسيين يستمرون في العمل حتى سن الثامنة والثمانين، إلا أن العسكريين—بسبب سنوات التدريب الشاق—يتقاعدون عادةً في سن الثمانين ليقضوا ما تبقى من أعمارهم في استراحة طويلة.
خذ البطريرك يي على سبيل المثال، فهو يبلغ الآن 78 عامًا، ويقضي أيامه الأخيرة في منزله، يسدد ديونه القديمة من خلال ' عقاب ' أولاده.
( أي أن جزاء ذنوبك في شبابك هو ما يفعله بك أولادك لاحقًا. )
أما يي شين، فقد بلغ لتوّه العشرين من عمره، أجمل سنوات العمر وأكثرها ازدهارًا.
بينما لين سو… قد بلغ الخمسين، أي أنه أكثر من ضعف عمره، وكان بإمكانه بسهولة أن يكون والده!
ومع ذلك، فقد وقع يي شين في حبّه.
حبٌ أعمى أخرج البطريرك يي عن طوره، حتى كاد أن ينفجر من الغضب.
نعم، ألفا في الخمسين من عمره قد يظل في ذروة عطائه، خاصة إن كان مثل لين سو، الذي وصل إلى مرتبة جنرال رفيع.
مكانته، هيبته، وسجله اللامع تجعله من نخبة النخبة.
لكن الفارق الشاسع في العمر بينه وبين يي شين كان أشبه بكارثة على أعصاب البطريرك الواهية.
لو لم يكن يي شين من أبناء عائلة يي، بل مجرد أوميغا عادي، لما اهتم أحد كثيرًا بزواجه من لين سو.
قد يتهامس الناس قليلًا، وقد يشعر البعض بالغيرة—فمن ذا الذي لا يحسد شيخًا ظفر بشاب وسيم؟ لكن لا بأس.
لكن يي شين لم يكن عاديًا!
كان الابن الرابع لعائلة يي! ذلك الطفل المُدلل، المُعتنى به بعناية منذ الصغر! خطّط له الأب زواجًا مثاليًا، ورتب له ألفا رائعًا، ورسم له مستقبلًا مشرقًا… لكن النتيجة؟
وقع في حب رجل في الخمسين من عمره!!
بطريرك يي لم يكن يملك حتى شاربه ليعبّر عن احتقاره كما كان يفعل في شبابه، بعد أن حلقه كما طلب منه شريكه الراحل. لو كان لا يزال لديه، لنفخ فيه غيظًا وقطّب حاجبيه باحتقار!
في الواقع، كان هناك سبب خفي آخر وراء غضبه.
لين سو نفسه خرج من رحم هذه العائلة.
كان يومًا ما فتىً متواضعًا، يافعًا، وتدرّج حتى أصبح جنرالًا عظيمًا.
والآن… هو أحد كبار النبلاء في الاتحاد المجري، يحمل اسمًا لامعًا يوقّر في كل مكان.
لطالما كان ممتنًا للبطريرك يي، وعبّر عن احترامه له، وكان مهذبًا دومًا في حضرته.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت العلاقة بينهما تبهت. فمع فقدان الابن الأكبر لعائلة يي، وبقاء مجموعة من الأبناء ' غير المُرضين '، بدأت سلالة العائلة العريقة بالتدهور.
في ظل هذا الانحدار، ازدهرت مكانة لين سو.
وهذا ما كان يعصر قلب البطريرك يي.
كان يريد أن يرسم خطًا واضحًا يُبعد فيه نفسه عن لين سو… لكن من كان يتوقع أن يتلقى الطعنة من ابنه نفسه؟!
ماذا سيقول الأخرين عنّا الآن؟!
أنني أقوم ببيع ابني لنيل مجد سياسي؟!
هذا… هذا لو حدث، فسيشتري البطريرك تابوتًا بيده ويدفن نفسه حيًا!
حتى وإن لم يهتم بالشائعات، كيف له أن يرمي بابنه إلى النار؟!
لهذا، لم يكن قادرًا على ترك يي شين يتلاعب بمصيره بهذه الطريقة.
حينما دخل تشين مو وشي تشينغ، كان البطريرك يي قد بدأ صراخه بالفعل.
يي شين، بطبعه، كان صعب المراس.
لم يكن لينًا مع أحد إلا لين سو.
لذلك، عندما توجّه إليه والده بالصراخ، لم يتراجع، بل رفع رأسه وقال متحديًا:
“أنا أحب لين سو! فما المشكلة؟!”
كان البطريرك يي في ذروة الغضب، فقال:
“تحب كما تشاء! لكن هل تظن أنه سيقبلك؟”
فجأة، شحب وجه يي شين.
وساد الصمت أرجاء الغرفة.
أدرك البطريرك يي أنه تجاوز حدوده.
نادرًا ما تحدث مع أبنائه بقسوة، فقد كانوا دائمًا أعزاء عليه.
فقط الغضب أعمى لسانه تلك اللحظة.
ولكن… يي شين كان عنيدًا حتى العظم.
عنيد لدرجة أنه لو ربطت به عشرة ثيران، لما حركته.
وبينما كان وجهه لا يزال شاحبًا، عض على شفتيه وقال:
“إن لم يردني… سأموت!”
في تلك اللحظة، انفجر البطريرك يي مرة أخرى. حتى الندم الذي كان قد بدأ يتسلل إليه، تبخر من شدة الغضب.
ارتجف، وأشار إليه مرتجفًا:
“أنت… أنت… أنت…!”
وهنا، تقدم شي تشينغ سريعًا، يربّت على ظهره، وقال:
“لا تغضب، أبي… انتبه لصحتك، أرجوك.”
وبعد بضع أنفاسٍ ثقيلة، استطاع البطريرك يي أن يتمالك نفسه، بفضل صحته الجيدة نسبيًا.
ومع ذلك، لم يجرؤ شي تشينغ على تركه هناك أكثر، وساعده للعودة إلى غرفته.
لم يعارض البطريرك، بل استلقى على السرير وتنهد بعمق.
نظرًا لحاله، شعر شي تشينغ بالحزن.
فمهما كان، هو أبٌ يريد الأفضل لابنه. منظر البطريرك المتعب أعاد له ذكرى والده الحقيقي… مما دفعه للعناية به بصدق أكبر.
وبينما كان يهدأ، قال البطريرك بنبرة ناعمة:
“أنت طفل جيد، شياو تشينغ…”
ابتسم شي تشينغ بحرج ولم يرد.
تابع الأب:
“أنا بخير الآن.
أنت دائمًا كنت الأقرب إلى يي شين… حاول إقناعه، أرجوك.
لين سو… مستحيل. لن أسمح بذلك أبدًا!”
رأى شي تشينغ أنه على وشك الدخول في نوبة غضب أخرى، فسارع للقول:
“حسنًا، سأحاول التحدث معه.
الآن استرح فقط.”
خرج شي تشينغ من الغرفة، وما إن أغلق الباب، حتى وجد شقيقه الثالث أمامه.
“أخي الثا—” سرعان ما لاحظ تعبيره الغريب، فصحّح نفسه بسرعة:
“أعني، أخي.”
أومأ تشين مو برضى، واقترب منه، وأمسك بيده قائلًا:
“هل تشعر بالجوع؟ هيا، لنتناول شيئًا.”
لكن ذهن شي تشينغ كان لا يزال مشغولًا، فسأله بقلق:
“هل شقيقي الرابع لا يزال في غرفة الجلوس؟”
عبس تشين مو، وقال بلهجة غير راضية:
“ولم تهتم به أساسًا؟”
شي تشينغ، “…!”
أي نوع من الأسئلة هذا أصلًا؟!
فقال بهدوء:
“سألقي نظرة فقط.”
كان تشين مو على وشك منعه، لكنه غيّر رأيه فجأة وقال:
“حسنًا، سأرافقك.”
كان هناك مسافة بين غرفة النوم وغرفة المعيشة، لذا مشى الاثنان جنبًا إلى جنب، ويداهما متشابكتان. بدا الأمر غريبًا بعض الشيء، لكن لم يبدو أن أيًا منهما قد لاحظه أو اهتم به.
وبعد مضيّ وقت في الصمت، سأل تشين مو فجأة:
“هل تنوي مساعدة يي شين؟”
توقف شي تشينغ للحظة، ولم يعرف كيف يرد.
لكنه لم يكن بحاجة إلى ذلك. فقد فهم تشين مو كل شيء من تعبير وجهه.
عبس قليلًا وقال: “في الواقع، سيكون من الأسهل تزويجه بـ قوه يان.”
قوه يان… كان خطيب يي شين المُفترض.
“أسهل؟”
“نعم، أريده أن يتزوج بأسرع وقت.”
فبينما كان لدى يي مو شقيقان أصغر، فإن يي تشينغ كان هو شي تشينغ.
وتشين مو… لم يكن ليسمح له بالزواج من أي شخص آخر. لذا، إن كان لا بد من إتمام المهمة، فكان عليه أن ' يبيع ' يي شين.
رغم أن شي تشينغ لم يفهم تمامًا منطق أخيه المجنون، إلا أنه استطاع مجاراة نسقه الغريب.
“يي شين لن يتزوج قوه يان.”
تشين مو سأل، بنبرة نادرة من الحيرة:
“ولم لا؟ هناك الكثير من الطرق لإجباره.”
نظر إليه شي تشينغ بثبات وقال، دون لف أو دوران:
“لأنه سيموت.”
رفع تشين مو حاجبيه.
كرر شي تشينغ كلامه بجدية أكثر، وهو يحدق في عينيه:
“سيـمـوت.”
الميت… لا يمكن تزويجه.
سكنت عينا تشين مو للحظة، ثم أجاب أخيرًا:
“فهمت.”
تنفّس شي تشينغ الصعداء.
ورغم أن الوضع لا يزال مشوشًا، إلا أنه كان مطمئنًا بأنه يستطيع جذب حليف آخر لمصلحة يي شين.
فرغم طبيعته المتقلبة ولسانه السليط، كان يي شين إنسانًا نزيهًا، يتعامل بلطف مع من حوله، خصوصًا مع يي تشينغ المُهمل.
لذا، لم يكن من الممكن أن يكرهه شي تشينغ.
أما حبه لـ لين سو، فلم يكن وليد اللحظة.
بل بدأ منذ أن كان في الثالثة عشرة.
ومنذ أن قفز في تلك الهوة، لم يخرج منها أبدًا. لكن، بسبب تقدّم عمر البطريرك يي، لم يجرؤ على البوح.
ومع معاملة لين سو الدافئة له، كأنّه طفل جيد،
لم يرد يومًا أن يُفسد تلك العلاقة، ولم يُخبر أحدًا.
لكن من كان يظن أن البطريرك سيُعلن خطبته فور تخرّجه؟
لم يحتمل يي شين ذلك، وركض مباشرةً نحو يي تشينغ في تلك الليلة.
وبعد ليلٍ كامل من التوتر والارتباك دون نتيجة،
قرر ببساطة… أن يهرب في اليوم التالي.
أما إلى أين هرب؟
لم يكن يعرف حينها، لكنّه يعرف الآن.
كان ذكيًا، ويعرف تمامًا أنه كأوميغا وحيد، إن كُشف أمره، فقد يُترك للموت.
لذلك، ركّز كل جهوده للوصول إلى لين سو.
لقد قطع كل خطوط العودة.
كان يعرف مكانه، وقرر التوقف عن استخدام المثبطات لإغرائه عمدًا.
فالألفا ليس لديه دفاع أمام أوميغا نقي يقدّم نفسه له مباشرة.
وكان يي شين يؤمن أن لين سو يُحبه.
وبالفعل، احمرت عينا لين سو، وبدأ يفقد السيطرة. كاد أن يلتهمه ذلك الوحش المسمّى الرغبة.
لقد أحبّه… أحبّه بعمق. حتى العظام.
لكن، بسبب ذلك الحب العارم، لم يجرؤ على الاقتراب منه.
فهو يعرف نفسه جيدًا، وكيف صعد من لا شيء، من صبي فقير عمل تحت جناح عائلة يي.
كل ما وصله من مكانة وشرف، كان بفضل اعتراف يي شوان ودعمه له.
لم يكن ليقابل هذا المعروف بالخيانة.
لم يكن قادرًا على إهدار تلك النعمة لأجل رغبته.
فارق السن بينه وبين يي شين كان ثلاثين عامًا.
لم يكن له أي شريك من قبل، بسبب سنوات الحروب، لكنه الآن في منتصف حياته، بينما يي شين…
كان الضوء الأول للفجر. في أجمل مراحل شبابه.
ولذا… لم يكن له.
لم يكن من حقه تدميره برغباته الأنانية.
والأسوأ… أن يي شين لم يكن قادرًا حتى على التفرقة بين الإعجاب و الحب.
وربما قرب لين سو منه هو ما جعله يسيء الفهم. ومع مرور الوقت، سينسى.
بهذا الإيمان العميق، استطاع لين سو أن يقمع غرائزه ويحمي يي شين.
لكن للأسف… لم يكن يتخيل أن عناده ذاك، سيدفع يي شين إلى حافة الهاوية.
يي شين كان قد وضع كرامته تحت قدمه،
وترجّاه بتوسلٍ مذلّ.
ومع ذلك… أبعده لين سو عنه.
لا ألفا يُبعد أوميغا في دورته، إلا إذا كان قلبه ملكًا لشخص آخر.
جلس يي شين هناك، مذهولًا. قلبه يتجمد.
لين سو… لم يعُد يريده.
لم يكن أمامه خيار.
كان يكره كونه أوميغا طوال حياته، لكنّه أخيرًا قَبِل بذلك لأجل لين سو…
ومع ذلك، لين سو لم يحتج إليه.
إذًا… بدلًا من أن يعيش ويتزوج بغيره، فـ فليمت.
حين دخل شي تشينغ وتشين مو الغرفة، وجدا يي شين يحاول إيذاء نفسه.
هرع شي تشينغ كالصاعقة، وصفع السلاح من يده بسرعة:
“يي شين! افق!”
وفي تلك اللحظة، دخل تشين مو، ورفع نظره بهدوء إلى المشهد وقال بنبرة باردة كالجليد:
“دعه يموت.”