🦋

 يحمل هذا الأخ دونغ اسمًا كاملاً هو يوان روي دونغ. الغرفة التي فيها ليست صاخبة مثل الغرفة التي أقيمت فيها حفلة عيد الميلاد. 

لا يوجد فيها سوى سبعة أو ثمانية أشخاص، رجالا ونساء، جميعهم يرتدون ملابس عصرية، ينتمون إلى دوائر اجتماعية راقية، على عكسه هو، الطالب الجامعي الناضر الذي يبدو شبه مبتدئ في العالم.

عندما أحضر يوان روي دونغ هذا الشاب الجذاب، توقّف الجميع عن الكلام ووجّهوا النظرات نحوه.

قال أحدهم بدهشة:

“واو يا روي دونغ، جميلٌ جدًا! حتى تذهب لتفريغ مثانتك تجلب فتى بهذا الجمال، من أين أتى هذا؟”

ردّه يوان روي دونغ وهو يضحك:

“كفى هراء! هذا صديقي، وما زال طالبًا. لا تخيفوه.”

ضحك الآخرون بمكر، فأشار يوان روي دونغ لصديقه قائلاً:

“لا تكترث لهم. تفضّل، اجلس هنا.”

جلس سونغ لين تشو على الأريكة. 

ثم حام أحدهم كوبًا نظيفًا وصب فيه سائلًا أحمر اللون، قبل أن يضعه أمامه، لكن يوان دفع الكأس برفق وقال:

“إنه طالب، لا يشرب هذا. سأطلب له شيئًا مختلفًا.”

لم يكن السائل قويًا في الواقع، لكن الفعل كان دلالة على اعتناء. 

نظر الصاحب إليه بابتسامة حميمة وقال:

“هذا الخمر ليس قوي. 

هل تحسن العناية به كثيرًا، حدود التدليل!”

ردّ يوان روي دونغ بنفس خفيفة:

“بالطبع، هو من جلبته معي. أتحمّل مسؤولية عنه.”

رغم ذلك، بدا على سونغ لين تشو بعض الارتباك، فكان القرب من هذه البيئة غير مألوف.

غمغم:

“لا حاجة لكل هذا العناء، سأكتفي ببيرة عادية.”

ردّ أحدهم:

“البيرة في الشتاء تسبب النقرس… ولكنها هنا.”

ظهر النادل وفتح باب الغرفة، دافعًا عربة صغيرة عليها كوبٌ بتدرج من الأحمر إلى الأزرق، وعلى الحافة شريحة ليمون: كوكتيل خفيف.

وضعها أمام سونغ لين تشو، فشرح يوان:

“هذا كوكتيل يجهزونه عادة لبعض الطلبة الذين لا يشربون. أخف من البيرة. ما رأيك؟”

ابتسم سونغ لين تشو ولم يرد شيئًا، فالعفوية واللطف في الدعوة كانت كافية.

ومع الكوكتيل، جرى تقديم باقة من المأكولات أمامه.

سكب يوان روي دونغ لنفسه كأسًا من الخمر الأحمر وقال:

“فلنحتسي نخبًا، أصدقاء.”

رفع سونغ لين تشو كوبه وقال:

“شكرًا جزيلاً على ما فعلته معي، يا أخي دونغ.”

كانت نيته شرب الكوكتيل والذهاب فورًا، لكن كثافته وزفرته أربكته فلا يستطيع إنهاءه دفعةً واحدة.

لم يكن يوان يمانع، فهو أراد فقط التأخر عليه حتى يبقى. 

وبابتسامة، قال:

“هل ترغب بالغناء؟ أغني لك أغنية.”

هزّ سونغ لين تشو رأسه: “لا، لا، دعنا نجلس فقط.”

ضحك الحضور، ولم يبدُ أن سونغ لين تشو متحفظًا أصلًا، لكنه لم يحب الأجواء الاجتماعية المحيطة به، والنظرات المستمرة من الغرفة جعلته يشعر كأنهم محيطون بالحشود.

أنهى الكوكتيل في جرعة واحدة ثم وقف قائلاً:

“الأخ دونغ، لدي شيء لأفعله. 

أعتذر… سأذهب الآن.”

توقّف يوان روي دونغ عند نقطة معينة وقال:

“ما الذي يبعث على العجلة؟ 

ابقَ قليلاً، وغنِّ لنا أغنية، ثم سأدعك تذهب، حسنٌ؟”

تفحّص سونغ لين تشو ساعته، ورأى أن أمامه ثلاث دقائق فقط حتى موعده مع تان يوي، فوافق.

قال يوان روي دونغ:

“ما الأغنية التي تود أن تسمعها؟ سيضعها لك الأخ.”

سمّى سونغ لين تشو أغنية، فشغّلها يوان روي دونغ، وناوله الميكروفون، فغنّا مع الموسيقى المرافقة.

في البداية لم يكن يوان روي دونغ متحمّساً للاستماع إليه، بل كان الهدف تأخيره حتى لا يرحل. لكن ما إن سمع صوته حتى دهش الجميع في الغرفة الخاصة.

لم يتوقعوا أنه لن يكون وسيم المظهر فحسب، بل صوته أيضاً يشبه صوت الملائكة. 

كان يغنّي بأحاسيس جياشة، والأغنية الحزينة بدت مليئة بالحزن، وكأنها تبكي القلوب.

لكن في منتصف الأغنية، رنّ هاتف سونغ لين تشو فجأة، فتداخل الصوت القاطع مع الميكروفون، فأصدر صدى حاداً أزعج المستمعين الذين كانوا منجذبين إليه.

قال سونغ لين تشو، واضعاً الميكروفون جانباً:

“عفوًا، عليّ أن أجيب هذا الاتصال.”

وعند وقوفه شعر بدوار وكاد أن يقع، فأمسكه يوان روي دونغ وسأله:

“ماذا بك؟ هل سكرت؟”

وكان صوته يبدو مشوشاً قليلًا في أذن سونغ لين تشو.

فهم سونغ لين تشو أن الأمور ليست طبيعية. لطالما كان سليم الجسد، ومتحمّل للخمر بشكل متوسط، لكنه لم يختبر تأثير كأس واحد. 

كان هذا الدوار عجيباً جدًا.

تسائل في نفسه: هل…؟

شعر بالخوف، متسائلًا إن كان الأمر سلسلة من الأحداث الدرامية، ولكنه لم يبالغ في تفكيره. 

قال ببساطة:

“لا بأس، الجلوس الطويل يؤدي إلى انخفاض مستوى السكر في الدم.”

هز كأنه يعيّن دماغه على العودة للسوية، وتوجه نحو الباب وهو يضغط على زر الإجابة في هاتفه قائلاً:

“مرحبًا… جيجي…”

فردّ صوت بارد ومنخفض من السماعة:

“همم.”

حينئذٍ تأكد سونغ لين تشو أن شيئًا فظيعاً وقع: 

تمّ تخديره. 

فقد شعر بجفونه تزداد ثِقلاً، والأبواب أمامه تبدو وكأنها خمسة أو ستّة أبواب. 

حاول التمسّك بالتركيز، وقال بأسرع ما يمكن:

“…KTV جياقانغ، أرسلوا لي المساعدة!…”

لكن قبل أن يكمل، خلع يوان روي دونغ الهاتف من يده بحدة. حاول استعادته لكنه رأى أمامه عدة نسخ منه من وجوه يشبهونه.

أغلق يوان روي دونغ الهاتف وضحك بوجهٍ شرير:

“مماذا تحاول أن تُنقذ نفسك؟ ألم يقل الأخ إنه هنا؟”

كان سونغ لين تشو يائساً، وتمكن بالكاد من همس كلمة واحدة ناعمة: “مساعدة.” 

لكن النبرة لم تكن تضجّ يأسًا، فربما لم يلتقطها تان يوي.

وحينه اتسعت دوائر الإعياء فجرّته المخدّرات. 

كل ما حوله تلبّد بغوامض غير واضحة، وأصابه دوار شديد. قبل أن يفقد وعيه بالكامل، أحسّ بيد يضعه على كتفٍ داعم، وتبعه صوت حازم من يوان روي دونغ نحو رفاقه:

“أنتُم استمرّوا في اللعب، أما أنا فسأخرجه.”

علّق أحد رفاقه قلقاً:

“هل هذا صحيح؟ لقد طلب المساعدة عبر الهاتف. ألم يتصل بجيجي خاصته؟”

أجاب يوان روي دونغ في تجاهل واضح:

“غير صحيح، لقد نطق فقط بكلمة مساعدة. 

جاء مع أصدقائه، فكيف يرد أخيه فوراً؟ 

بخاصة وأن هناك أكثر من مئة غرفة خاصة هنا في KTV. حتى لو علم أخيه بشي، فلن يعثر علينا قبل أن تطلع الشمس. أنا…”

ابتسم ابتسامة ملوثة بالشهوة. 

فقد كان قد انتصب عند سماع صوت سونغ لين تشو في الغناء، وقال في نفسه:

تان مينغ تشينغ لا يستحق حبيبًا وسيمًا مثله. 

وهذه فرصتي الآن.

لم يكن يخشى من شكوى سونغ لين تشو، لأنه سيحتفظ بفيديو مسجّل لعلاقتهما الجنسية، وسيهدّد بنشره في منتدى المدرسة إن تجرأ على إبلاغ الشرطة. 

عليه أن يبتلع غضبه ويحتمله. 

وحتى لو لجأ للقضاء، فإن يوان روي دونغ يمتلك علاقات بالسلطة.

مستشفى أيكانغ.

كان تان يوي قد سمع سونغ لين تشو يذكر عنوان أحد أماكن الـKTV، وشيئًا عن الكحول، قبل أن ينقطع الاتصال فجأة. 

اجتاحه شعور مشؤوم، وكأن أمرًا سيئًا قد وقع بالفعل. 

سارع بإعادة الاتصال، لكن لا أحد أجاب.

تبدّل وجهه في لحظة، واسودّت ملامحه، فبادر فورًا بالاتصال بتشينغ بين، وأمره بالتحرك فورًا.

كان تشينغ بين يعرف جيدًا أن تان يوي ليس من أولئك الذين يطلقون الإنذارات عبثًا، لذا باشر مهمته دون تردد. 

تواصل مباشرة مع إدارة الـKTV وطلب منهم مراجعة كاميرات المراقبة في الممرات للعثور على الشاب.

كان من السهل التعرّف على سونغ لين تشو نظرًا لأن صورته في تطبيق ويتشات كانت صورة شخصية له. 

لم يكن تشنغ بين قد وصل بعد إلى مكان الـKTV حين حصلوا بالفعل على رقم الغرفة التي كان فيها. 

لكن للأسف، كانوا قد تأخروا خطوة واحدة فقط، فقد كان يوان روي دونغ قد أخذ سونغ لين تشو وغادر المكان.

تدخّل صاحب الـKTV بنفسه، وبدأ باستجواب أصدقاء يوان روي دونغ، وسألهم عن اسم الفندق الذي قصدوه، وكان قريبًا بالفعل من المكان. فانطلق تشينغ بين بالسيارة مباشرة نحو الفندق.

في تلك اللحظات، كان يوان روي دونغ قد دخل لتوه إلى غرفة الفندق وبرفقته سونغ لين تشو.

كان قد استسلم منذ زمن طويل لإدمانه على الكحول والجسد، ورغم أن سونغ لين تشو كان أنحف منه، إلا أن طوله ووزنه جعلاه عبئًا ثقيلاً عليه، فألقى به على السرير، ثم انهار بجانبه يلهث ككلب ميت، لا يقدر على الحركة، حتى استعاد أنفاسه.

أدار رأسه ناظرًا إلى سونغ لين تشو، الذي كانت عيناه مغمضتين، ووجنتاه تحمران بفعل الكحول، مما زاده فتنة وجاذبية.

كيف يمكن لشخص أن يبدو بهذا الجمال؟

كان أول لقاء له مع سونغ قد ترك في قلبه دهشة بالغة، لكنّه علم حينها أن الشاب كان حبيبًا لتان مينغ تشينغ، ولم يكن بمقدوره أن يعبث بعلاقة صديقه.

ناهيك عن أن عائلة تان تمتلك نفوذًا هائلًا، لذلك لم يكن أمامه سوى الاكتفاء بالإعجاب من بعيد.

لكن من كان يظن أن الاثنين سينفصلان؟! 

بل وأكثر من ذلك، أن يسقط سونغ لين تشو بسهولة بين يديه.

وكأن القدر نفسه أراد أن يمنحه هذه الليلة معه.

بدأ الدم يغلي في عروق يوان روي دونغ وهو يتأمل ملامح سونغ لين تشو الهادئة. 

أمسك بذقنه وهمّ بأن يطبع قبلة على شفتيه، لكن فجأة، انفتح باب الغرفة بقوة مدوية.

نعم، انفتح من الخارج مباشرة.

لم يمنحه الوقت ليفكر أو يهرب، إذ اندفع عدد من الرجال إلى الداخل، يتقدّمهم تشينغ بين. 

دفع يوان روي دونغ جانبًا، ووجّه نظره نحو سونغ لين تشو الذي كان لا يزال بكامل ملابسه فوق السرير، فتنفّس الصعداء.

لقد وصل في الوقت المناسب… ولو تأخر لحظة، لما استطاع أحد احتمال غضب سيده تان يوي.

حين فتح سونغ لين تشو عينيه، استغرق حوالي نصف دقيقة وهو يحدّق في السقف العاجي المزخرف بثريات أنيقة، دون أن يدرك أين هو.

فنادق؟!

تدفقت إليه ذكريات الليلة الماضية كموجة عارمة، فكاد أن يقفز من سريره، إلا أن الدوخة فاجأته، فأطلق أنينًا مكتومًا وأمسك رأسه بيده.

“لقد استيقظت!” 

قالت الممرضة التي كانت بجانبه، ونهضت بسرعة. “هل أنت بخير؟ هل تريد بعض الماء؟”

وبعد أن خفّ الدوران قليلًا، نظر إلى المرأة ذات الزي الأزرق الفاتح، وأدرك أنها ممرضة. 

ثم ألقى نظرة على ما يحيط به، وتيقّن أنه في مستشفى.

“لا، شكرًا… من أنتِ؟” سأل بصوت خافت.

“أنا ممرضة. 

السيد تشينغ بين طلب مني الاعتناء بك. 

انتظر قليلًا، سأذهب لاستدعاء الطبيب والسيد تشينغ.”

تذكّر سونغ تشينغ بين… إنه المساعد الشخصي لتان يوي.

أي أنه… تان يوي فهم رسالته واستجاب لاستغاثته.

بات كل شيء منطقيًا الآن، حتى هذا المستوى المترف من العناية…

زفر سونغ لين تشو تنهيدة طويلة، ثم أومأ برأسه قائلاً: “اذهبي.”

وصل الطبيب بعد قليل وسأله عن حالته، فشرح له أنه لا يزال يشعر بدوخة وضعف عام. 

أجابه الطبيب: 

“هذه أعراض ثانوية ناتجة عن آثار العقار. 

لا تقلق، ستزول تلقائيًا حين يتخلص جسدك منها.”

“شكرًا لك، طبيب.”

أجرى الطبيب فحصًا روتينيًا، ثم غادر بعد أن تأكد أن كل شيء طبيعي.

ولم تمضِ دقائق حتى سُمع طرق على باب الغرفة، فاستدار سونغ لين تشو نحو الباب، ليرى تشينغ بين يدفع الكرسي المتحرّك الذي يجلس عليه تان يوي.

في الحقيقة، لم يكن تان يوي قد أُصيب في ساقيه، لكن آثار الحادث الجسدية، بالإضافة إلى الجرح الجراحي الذي لم يلتئم بعد، جعلت من المشي أمرًا صعبًا عليه، لذا استعمل الكرسي المتحرك مؤقتًا.

أما في عيني سونغ لين تشو، فقد بدا الأمر كما لو أنّ تان يوي بات عاجزًا عن السير.

انتابه الخجل، فانخفضت رأسه، وتمتم بصوت خافت: “السيد تان… آسف على الإزعاج.”

ألقى تان يوي نظرة على الشاب ذي الشعر الداكن، وقال ببرود: “نعم، كان إزعاجًا كبيرًا.”

كان يتمتّع بجمال ملفت، لكنه في الوقت نفسه، ساذج إلى حد أنه لا يستطيع التفرقة بين الطيب والخبيث. 

تجرّأ على مرافقة غرباء، بل وشرب من الكحول الذي قدّموه له.

من الواضح أنه لم يذق مرارة الواقع بعد، ولم يتعلم بعد كيف يحذر الناس.

خفض سونغ لين تشو رأسه أكثر، كأنما أراد أن يختفي.

لم يكن يتوقع أبدًا أن يوان روي دونغ سيقوم بتخديره. 

لقد شاهد مثل هذه الأمور فقط في المسلسلات التي كانت والدته تتابعها، ولم يكن يظن يومًا أنه قد يختبر ذلك بنفسه.

“أنا آسف…” قالها مجددًا، بصوت مرتجف.

أدرك تان يوي أن الفتى قد خاف بما فيه الكفاية، فتخلّى عن قسوته، وسأله: “الشرطة لا تستطيع فتح قضية، فكيف تودّ أن تتعامل مع الأمر؟”

كان يوان روي دونغ قد أنكر تمامًا نيته السيئة، وزعم أنه وجد سونغ ثملاً في الحانة، ولأنه يعرفه لكنه لا يعرف مكان سكنه، قرر أن يصحبه إلى الفندق ليقضي الليلة هناك.

أما عن سبب تخديره، فقد تظاهر بالجهل التام، بل إن الكوب الذي احتوى المشروب قد تم التخلص منه.

طبعًا، لو أراد تان يوي حقًا أن يتعمّق في التحقيق، فبإمكانه العثور على النادل الذي دسّ العقار، ويجعله يشير إلى يوان روي دونغ. 

لكن الأخر قد يتحجّج بأنه أراد فقط ممازحة صديق.

وحتى لو اعترف بأنه كان يحمل نوايا خبيثة، فإن أقصى ما يمكن أن يتعرض له قانونيًا هو احتجاز لبضعة أيام تحت مسمى إعادة تأهيل.

وهذا، في نظر تان يوي، كان أقل بكثير مما يستحقه يوان روي دونغ.

ولم يكن من طبعه أن يسامح بسهولة.

إنه لا يفرّط في قرشٍ واحد.(تعبير مجازي)

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]