🦋

 لم يفعل سونغ لين تشو ما فعله بدافع الشعور بالذنب، ولا لأن تان يوي تصدّى للسكين بدلاً عنه، ولا بدافع الدين المعنوي.

كل ما في الأمر، أنه أراد فقط تخفيف ألم تان يوي.

لقد سبق له أن اختبر ألم الجروح. 

حين كان في المرحلة الإعدادية، سقط ذات مرة على رصيف خشن، وجرح ركبته بجرح غائر.

في يوم الإصابة، شعر بألم طفيف عند المشي، لكنه لم يكن كافيًا ليمنعه من الحركة.

لكن في اليوم التالي، كشف الجرح عن وجهه الحقيقي. 

التهب الجلد حوله، وانتفخت ساقه حتى باتت غير قادرة على الانحناء. كان الألم حادًا إلى درجة أنه خُيّل إليه أن العظم قد كُسِر.

تلك التجربة علّمته أن بعض الآلام لا تُحتمل. 

وبهذا، اصبح قادرًا على تفهّم ما يمرّ به تان يوي بعمق أكبر.

ناهيك بأن جرح تان يوي كان أعمق، وقد تورّم جزء كبير من ظهره واحمرّ، ما يجعل تخيّل شدة ألمه وحده كافيًا ليرتعش له الجسد.

لذا، كان تشتيت الانتباه وسيلة فعالة لتجاوز الألم.

وبصفته رجلاً أيضًا، فقد كان يعرف جيدًا ما يُمكن أن يمنح الإنسان متعة جسدية ونفسية في آنٍ واحد.

فهناك تجارب، لمجرد أن يمرّ بها المرء، 

يمكنها أن توقظ الجسد والروح.

ولهذا، تصرّف سونغ لين تشو كما فعل.

برغم الخجل الشديد، وبرغم أنهم في غرفة مستشفى، إلا أن سونغ لين تشو كان ليُكمل ما بدأه حتى النهاية، ولو لم يوافق تان يوي، فقط ليمنحه بضع ساعات من اللا ألم.

ومع ذلك، فقد بدا أن هذه المبادرة البسيطة وحدها كانت كافية لتحفيز تان يوي.

فيده التي كانت مسترخية بجانبه انقبضت فجأة على الملاءة البيضاء.

قال بصوت أجش خرج من أعماق صدره، يشق طريقه إلى قلب سونغ لين تشو مباشرة:

“شياو لين…”

لم يجرؤ سونغ لين تشو على النظر إليه، 

وكل ما تحرك منه كان يداه المرتبكتان.

أما الغرفة، فقد بدأت تتحوّل تدريجيًا إلى ما يشبه قدرًا مغليًا، ترتفع حرارته بهدوء، وتشتعل مكوناته دون صوت.

لم يكن هناك حاجة لأن يمضي سونغ لين تشو أبعد من ذلك؛ فمبادرته وحدها كانت كافية لإشباع تان يوي، الذي أغمض عينيه نصف إغماضة، مستمتعًا بما يفعله ذلك الفتى بحذر وتوتر.

ورغم أن ألم ظهره لا يزال يضرب كنبضٍ غير مستقر، إلا أن المتعة الجسدية والنفسية التي شعر بها آنذاك فاقت كل شيء.

وخصوصًا تلك اللحظة الأخيرة، حين انحنى سونغ لين تشو وقبّل ذقنه بلطف…

في تلك اللحظة، استسلم تان يوي تمامًا.

خرج سونغ لين تشو من دورة المياه بعد أن غسل يديه، ليجد تان يوي مستلقيًا على جانبه في سرير المستشفى، وجهه يحمل تعبيرًا شبيهًا بارتخاء الوحوش بعد الشبع، يتحدث في الهاتف بصوت هادئ:

“نعم، الأمر خطير للغاية… إنه يتعلق بمستقبل شركة وانوو… لا تقلق، أنا أدرك مدى أهميته… سيفهم هو أيضًا… حسنًا، ساعدني في التحقق من يوم مناسب آخر… سنأتي لزيارتك خلال أيام… إلى اللقاء.”

ثم أنهى المكالمة.

كان سونغ لين تشو قد رشّ وجهه بالماء البارد، ومكث في الحمام عدة دقائق ليهدّئ من اضطرابه. تلاشى شعور الإحراج تدريجيًا، لكنه لم يختفِ تمامًا.

فقط مجرد تذكّره لتلك الحرارة التي لامست كفّيه، كان كفيلًا بجعل وجهه يحمرّ مجددًا.

حاول الحفاظ على ملامح متزنة وسأله:

“هل كان الجد؟”

“نعم.” أجاب تان يوي.

لم يكونا يرغبان في أن يعلم الجد بما جرى، لا عن الإصابة، ولا عن حادثة الاختطاف بأكملها، حتى لا يُثقل عليهما قلبه.

لكن اليوم كان يفترض أن يكون يوم الاحتفال بالانتقال إلى المنزل الجديد. 

وبالنظر إلى وضع تان يوي، فقد صار ذلك مستحيلاً. لم يكن أمامهما سوى اختلاق حجة مناسبة.

وهكذا، ادّعى تان يوي أن هناك أمرًا مهمًا في الشركة، وسارت الخدعة على الجد الذي يسهل خداعه.

وبفضل ' العلاج البدني ' الذي قدّمه له سونغ لين تشو، تجاوز تان يوي أصعب يومين. 

وبدأ الجرح يجفّ تدريجيًا، وتحسّنت حالته، بينما عاد سونغ لين تشو إلى دراسته، يزوره كل مساء.

وعقب تلك الحادثة، نظّم تان يوي فريق أمن خاص لمرافقة سونغ لين تشو داخل الحرم الجامعي وخارجه، لضمان سلامته المطلقة.

لم يعد يتحرك إلا بمرافقين، سواء في نزهة جماعية أو مشوار فردي.

كما خصّص له سائقًا موثوقًا، يتولّى توصيله إلى أي مكان، دون الاعتماد على أحد.

وفي هذه اللحظة، اتضح أن حب سونغ لين تشو للبقاء في المنزل كان ميزة عظيمة. فوجوده بين المستشفى والجامعة، على مقربة، سهّل الأمور كثيرًا.

لكن، وكما هو معروف، لا توجد إجراءات أمنية تقي إلى الأبد.

الحل الوحيد هو اجتثاث المشكلة من جذورها.

وقد كانت تلك نقطة الضعف في تان يوي نفسه.

لقد اعتاد طوال سنوات على أن يكون وحيدًا كذئب.

يتقدّم بلا خوف، لا يملك نقاط ضعف، ولا أحد يشغله…

ولهذا، كان حازمًا بلا تردد، قاسيًا أكثر من اللازم أحيانًا.

وقد راكم من الهيبة ما جعل الجميع يخشاه، 

ولم يكن أحد يجرؤ على التطاول عليه.

ومع الوقت، غرق في هذه ' المنطقة المريحة ' التي صنعها لنفسه.

حتى حين دخل سونغ لين تشو حياته، لم يتخلَّ عن ذلك الإحساس باللامبالاة، وظنّ أن لا أحد سيجرؤ.

وهكذا، ترك ثغرات استغلها الآخرون.

كان لدى سونغ لين تشو محاضرتان فقط بعد الظهر. وعندما عاد من الجامعة، وجد تشينغ بين في الغرفة يتحدث مع تان يوي.

تابع تشينغ بين قائلاً:

“لقد علم تان يوي مينغ، من خلال تان مينغ تشينغ، بأهمية الشاب سونغ بالنسبة إليك.

ولهذا، حين عرف بخطة تان غان، خطّط للأمر من خلف الكواليس، وأصبح العقل المدبر الحقيقي للاختطاف.”

“كان يعلم أن الحارس الشخصي لتان غان، اسمه تشاو تشيوان، رجل بارّ بوالدته.

فاستغلّ ذلك واحتجز الأم، وهدده بها.

ومن هنا بدأت الحكاية.

لم يكن ينوي الإبقاء على تشاو تشيوان والسائق على قيد الحياة، بل خطّط لقتلهما حتى لا يبقى شهود.

وبهذا، يُلقي بكل التهمة على تان غان، ويخرج هو نظيفًا دون أن تُلطّخ يداه.”

“بهذا الفعل، لا يضرب عصفورين بل ثلاثة.

يفسد علاقتك بتان غان،

ويُقصيك عن أغلى من تحب،

وحتى إن كُشف الأمر لاحقًا، فهو لم يكن ليخشى شيئًا… لأنه في الأصل، كان يعلم أن ما تبقّى له في الحياة قليل جدًا.”

مع كل هذه التفاصيل التي سردها، ومع استرجاع أحداث تلك الليلة، بدأ سونغ لين تشو أخيرًا يستوعب كل ما جرى.

الخاطف في المرة الثانية،

الشخص الذي أراد قتله،

كان تان يوي مينغ نفسه.

عمّ تان مينغ تشينغ المحتضر.

تلبّدت ملامح سونغ لين تشو للحظات بتعابير معقدة، يصعب توصيفها.

هل جميع أفراد عائلة تان بهذه القسوة؟

أحدهم عاجز، والآخر مريض عضال—النوع الذي يُفترض أن يُعطى مقعدًا في الحافلة—لكن كلاهما أقسى من الآخر.

وخاصة تان يوي مينغ، الذي كان ما فعله أشبه بجريمة قتل مكتملة.

رغم معرفته بأن مثل هذه القصص تحدث في الدراما التلفزيونية، إلا أنه في الواقع يعيش في دولة تحكمها القوانين. 

ومعظم المشاكل تنشأ بسبب المال.

لكن أن يصل الأمر إلى القتل، لا بل محاولة قتل ثلاثية؟

هذا أمر لا يمكن تصديقه.

والأدهى من ذلك…

أن الشخص الذي كان سونغ لين تشو يريد مواعدته في البداية… كان هو تان يوي مينغ.

لو أنه أخطأ الاختيار حينها…

شعر سونغ لين تشو بقشعريرة تسري في جسده.

لم يستطع حتى تخيّل كيف سيكون الأمر لو كان ذلك الرجل بجانبه حقًا.

استدار لا شعوريًا، وألقى نظرة على تان يوي…

ظنًا منه أن سونغ لين تشو ما زال مرعوبًا، أشار تان يوي إليه أن يجلس بجانبه، وأمسك بيده، ثم طمأنه قائلًا:

“لا تقلق، الأمر انتهى الآن. 

لن أسمح بحدوث شيء كهذا مرة أخرى.”

هزّ سونغ لين تشو رأسه قائلاً بهدوء:

“أنا بخير.”

فمدّ تان يوي يده وربّت على رأسه بلطف.

أما تشينغ بين، فلم يكن قادرًا على تحمّل المشهد.

ذاك الرجل، الذي كان يومًا ما تجسيدًا للصلابة الذكورية، والذي لم يتردد يومًا في انتقاد الفتيات بسبب رموشهن الاصطناعية حين يرمقنه بدلال، قد تحوّل الآن إلى زوجٍ حنون لا تفوته لمسة.

حين كان سونغ لين تشو يلاحقه بإصرار في الماضي، كان تشينغ بين يعتقد مرارًا أن علاقتهما لن تدوم.

لكن، وعلى نحوٍ معجزة، صمد سونغ لين تشو وأصرّ.

فصدق المثل القائل:

“ما إن تبادر، تصبح لدينا حكاية.”

وقد أثبت الواقع صحة هذه المقولة.

تجاهل تشينغ بين بأقصى ما يستطيع ' طعام الكلاب ' الذي كان يُقدَّم على مرأى من عينيه، وسأل:

“سيدي، كيف نتابع الأمور الآن؟”

“ماذا تقول الشرطة بشأن هذا؟”

ردّ تشينغ بين:

“لقد ألقت الشرطة القبض على كل من تان غان وتان يويمينغ. غير أن حالة تان يويمينغ الصحية تدهورت مؤخرًا، وقد أُدخل المستشفى، وكان فاقدًا للوعي حين وصلوا. 

أما السيد تان غان، فينكر بشدة أي تورط في الاختطاف، ويصرّ على أنه كان فقط ' يتبادل الحديث ' مع السيد سونغ.”

قال تان يوي ببرود:

“سلّموا التسجيلات، وجميع الأدلة المتعلقة بجرائمه السابقة إلى الشرطة.

طالما هو متحمس لهذه الدرجة للذهاب إلى السجن، فلنُلبِّ له رغبته.

استعينوا بأفضل محامٍ متخصص، ولا تتركوا له ثغرة واحدة للهرب.”

لم يكن تان يوي من النوع الذي يُلعب به. 

فقد بدأ بتسجيل المكالمة مع تان غان منذ اللحظة الأولى، وكان محتوى المحادثة واضحًا كوضوح الشمس.

الشرطة ستحكم، أهو اختطاف أم محادثة ودية.

وعقوبة الاختطاف، إذا اقترنت بابتزاز أو احتجاز رهائن، تبدأ من عشر سنوات سجن كحد أدنى.

عدا عن ذلك، كان لتان غان سابقة جنائية بسرقة أسرار تجارية.

وبدمج الجريمتين، فبإمكانه قضاء ما تبقّى من عمره في السجن.

في البداية، كان تان يوي ينوي التغاضي عن الأمر مراعاةً لمكانة جده.

لكنه لم يُقدّر النعمة، بل أصرّ على ملامسة أكثر نقاطه حساسية.

لقد قام، بكل بساطة، بتمزيق ' بطاقة الحياة الإضافية ' بيده.

“أما عن تان يوي مينغ…” 

لمعت عينا تان يوي ببريق بارد.

رجل مثله، حتى إن سُجن، فذلك سيكون أشبه بعلاج فاخر داخل مستشفى.

لقد كان ذلك عقابًا مخففًا جدًا.

لكنه يعرف جيدًا ما هو الأهم بالنسبة له.

فبما أنه أراد إيذاء أعزّ من يملك، فلا بد من الرد بالمثل.

أصدر تان يوي تعليماته الموجزة إلى تشينغ بين، الذي أومأ موافقًا وغادر لتنفيذها فورًا.

وفي ساعات ما بعد الظهيرة، انفجر موقع ويبو الذي كان هادئًا، بخبر صادم حول فضيحة تجارية:

“الخبز الملطخ بالدم الذي أكله مؤسس شركة جوهي في طريقه إلى القمة.”

كانت جوهي علامة تجارية عريقة، نشأت فجأة في السوق آنذاك، واشتهرت بفضل شعارها الإعلاني الذي لا يزال عالقًا في أذهان الكثيرين حتى اليوم، رغم أنها بدأت تتراجع في السنوات الأخيرة.

لذا، ما إن انتشرت هذه الفضيحة، حتى اجتذبت اهتمامًا واسعًا.

كشفت الوثائق عن أساليب لا أخلاقية انتهجتها جوهي في صعودها، كقمع المنافسين والمنافسة الشرسة المفرطة، وكل ذلك لا يُقارن بما حدث في إحدى المناقصات الكبيرة، حيث، وبعد أن عجزت الشركة عن منافسة جودة منتج لشركة أخرى، تعمّدت التسبب في حادث سيارة.

ورغم أن أحدًا لم يُقتل، إلا أن موظفًا أصيب بإعاقة دائمة.

كان تان يوي قد كشف هذه المعلومات فقط مؤخرًا بعد تحقيق معمّق.

ولو علم أن تان يوي مينغ متورّط في شيء كهذا من قبل، لما فكّر لحظة في التعاون معه.

لقد كانت الفضيحة مدوّية، تسببت في زلزال على موقع ويبو.

ما إن وقعت الحجارة في البركة، حتى بدأت دوائرها تتسع.

ظهر من يشتكي من رداءة جودة منتجات جوهي في العامين الأخيرين، مؤكدين أنها أصبحت مليئة بالقمامة.

ثم خرج مصدر مطّلع ليفجّر قنبلة أخرى:

قبل فترة، عندما أنهت إحدى الشركات الكبرى شراكتها مع جوهي، خطّطت الأخرة لاختطاف أحد أفراد عائلة الرئيس التنفيذي، وكان الحادث قريبًا جدًا من التسبب بجريمة قتل.

كل شيء دلّ على أن جوهي ليست سوى منظمة إجرامية متنكرة في هيئة شركة.

تدخّلت الشرطة سريعًا وأعلنت عن القبض على المسؤولين الرئيسيين عن جوهي، وبدء تحقيق رسمي.

كانت جوهي أصلًا على شفا الإفلاس، ومع هذا الانفجار، انسحب عدد كبير من شركائها، وقطع المستثمرون علاقاتهم، وتدهور سعر أسهمها بسرعة، لتصبح الإفلاس مصيرًا لا مفرّ منه.

ولم يتوقّف الأمر عند ذلك.

بل أصبح مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها، تان يوي مينغ، موضعًا للغضب العام.

وانهالت عليه التعليقات الساخرة والدعوات ' لانتقام المرض منه '، إن صحّ تسريب إصابته بمرض عضال.

حتى ابن أخيه، تان مينغ تشينغ، لم يسلم.

استُدعي والديه إلى الجامعة، وانهالت عليهما الانتقادات.

لطالما تفاخر تان مينغ تشينغ أمام أصدقائه بأن له عمًا ثريًا سيورّثه ثروته كاملة.

والآن، بعد انهيار ذلك العم، بات هو في مرمى السخرية واللوم، ولم يعُد يجرؤ حتى على الذهاب إلى الجامعة.

من هذه اللحظة فصاعدًا، تحطّمت سمعة تان يوي مينغ تمامًا.

أمضى أكثر من ثلاثين عامًا يقدّس اسمه، وثروته، ومكانته.

وكان فخره الأكبر تأسيسه لشركة جوهي من لا شيء، وبلوغه صفوف الأثرياء.

لكن، وفي غضون أيامٍ قليلة…

انهار كل شيء.

لم يكن الأمر يقتصر على ذلك فحسب، بل كان مُثقلًا بتهمتين تتعلقان بالاختطاف، وتهمة واحدة بالإيذاء العمدي.

وحتى لو لم يُحكم عليه بالسجن بسبب حالته الصحية، فمصيره بات واضحًا: أن يقضي ما تبقى من عمره في شقاء دائم.

صادف يوم خروج تان يوي من المستشفى أن كان يوم أحد.

كانت جراحه قد التئمت، وبدأت القشرة تغطي مواضعها، وقد خفّ الألم بدرجة كبيرة.

قدّم الطبيب لهما بعض التعليمات والتوصيات الغذائية، وأصغى كل من سونغ لين تشو وتان يوي إليها باهتمام بالغ، دون أن يغفلا عن تدوين أي منها.

وصلا إلى المنزل قبل وقت الغداء.

وبعد أن فرغا من تناول الطعام، لاحظ سونغ لين تشو أن تان يوي يعبس بين الحين والآخر، وكأنه يرغب في حكّ ظهره، فسأله:

“هل تشعر بالحكة؟”

أومأ تان يوي برأسه.

وهكذا تكون الجراح دائمًا — مؤلمة في البداية، ثم ما تلبث أن تتحوّل إلى حكة مزعجة عند بدء الشفاء، يصعب كبحها.

لكن الحكّ قد يؤدي إلى تمزق القشرة، وإحداث نزيف، وربما التهاب، فتعود الدائرة إلى بدايتها من جديد.

“هل تريدني أن أحكّه لك؟” سأل سونغ لين تشو.

نظر إليه تان يوي للحظة، فرآه يرمش له بعينيه ببراءة، فتمتم بخفوت:

“حسنًا، لنذهب إلى غرفة المكتب.”

خلال إقامة تان يوي في المستشفى، تراكم عليه العمل كثيرًا. وكان قد خطّط للذهاب إلى الشركة في فترة ما بعد الظهر، لكنّه آثر تأجيل الأمر حتى يوم العمل التالي حتى لا يثير قلق أحد.

وصلا إلى المكتب، فطلب سونغ لين تشو من تان يوي الجلوس. ثم زاد من حرارة التدفئة قليلًا، فالطقس لا يزال يحمل شيئًا من برد الربيع، ولم يكن من المناسب أن يُصاب تان يوي بالزكام.

ساعده على خلع قميصه، فكشف عن ظهر أبيض البشرة، مشدود العضلات، بدا وكأنه قوس قوي مرن، تنساب خطوطه بانسجام.

كانت الجراح الحمراء لا تزال واضحة، تضيف إلى هذا الظهر القوي لمسة من الجمال الغريب، الذي يجمع بين الألم والسحر.

لم يتمالك سونغ لين تشو نفسه، وتمتم بإعجاب:

يمكنني التأمّل في هذا الظهر طيلة حياتي.

قال وهو يحكّ أطراف الجرح بحذر:

“هل هكذا مناسب؟”

كان الطبيب قد أوصى بأنه إذا اشتدت الحكة، يمكن الحكّ بلطف في المناطق المحيطة، لكن دون الاقتراب من القشرة.

أصدر تان يوي صوتًا منخفضًا يدل على الرضا.

ولما لاحظ سونغ لين تشو أنه غير منشغل بالعمل، تردّد لبرهة، ثم بدت عليه عزيمة خفية وقال:

“جيجي… لديّ أمر أودّ التحدّث معك بشأنه.”

أغمض تان يوي عينيه قليلًا، مستمتعًا بخدمته، وأصدر صوتًا يدل على الاستماع، إيذانًا له بالمتابعة.

قال سونغ لين تشو بتردّد:

“حين بدأت بملاحقتك… لا بد أنك كنت تعلم السبب.”

ردّ تان يوي بنبرة هادئة:

“نعم، لكن لا بأس.”

كان من الواضح أن سونغ لين تشو اقترب منه بدافع الانتقام من تان مينغ تشينغ.

أذيتني؟ حسنًا، سأستهدف عمك الذي تخشاه أكثر من أي شيء، سأصبح عمك الصغير، وأجعل حياتك كابوسًا.

في البداية، ضايقه الأمر فعلًا، وتجاهله لأسبوع كامل.

لكن القدر جمع بينهما بقوة، وحادثة الجد جاءت لتُقرّب ما فرّقته النوايا.

واليوم، لم يعد تان يوي يحمل أي ضغينة. 

بل على العكس، كان ممتنًا لتلك الصدف، التي منحته حب حياته.

تابع سونغ لين تشو، وصوته ينخفض تدريجيًا:

“في الحقيقة… عندما بدأت ملاحقتك، كنت أظنك العم البيولوجي لتان مينغ تشينغ.”

تصلّب جسد تان يوي للحظة إثر تلك العبارة.

ولأن سونغ لين تشو كان يحكّ ظهره، شعر بذلك التغيّر.

لكنه تابع، إذ لم يعد هنالك مجال للتراجع:

“كان تان مينغ تشينغ يتفاخر دومًا أمامي بأن لديه عمًا ثريًا سيورّثه كل شيء، وكان يستخدم أمواله لشراء الهدايا الفاخرة لحبيبه، زميلي في السكن، سو تشان.

وسو تشان بدوره، لم يكن يضيع فرصة لعرض تلك الهدايا أمامي كل يوم، يسخر ويُهينني.”

“ولم أكن أملك وسيلة فعالة للرد.”

نظر بطرف عينه نحو وجه تان يوي، فوجده ما زال متجمّد الملامح، فازداد توتره.

لكنه استجمع شجاعته وأكمل:

“عندها راودتني أفكار خبيثة. 

فكرت أنه إن أصبحتُ أنا من يُعجب به ذلك العم، ونجحت في دخول السجل العائلي كوريث شرعي، فسيمكنني أن أُسقط حقه في الميراث…”

وفي نهاية كلامه، خفت صوته حتى كاد أن يتلاشى.

شعر بالخزي. 

كانت تلك الأفكار لا تُغتفر، وقد يراه الآخرون لصًّا انتهازيًّا.

كان بإمكانه أن يُخفي هذا الأمر إلى الأبد، دون أن يعلم به أحد، ودون أن يؤذي أحدًا.

لكن بعدما رأى كيف أن تان يوي حماه، 

وضحّى لأجله، لم يعد قادرًا على الكذب عليه.

ربما كانت دوافعه الأولى دنيئة…

لكن قلبه الآن لا يرغب سوى في حبٍ صادق، نقي، شفاف.

لم يجرؤ على النظر إليه مجددًا،

توقّف عن الحَكّ، وأسدل يده، وخفَض عينيه وقال:

“أنا آسف، جيجي… لست إنسانًا صالحًا كما يبدو، ولا شهمًا كما تظن.

لقد استغللتك… وخدعتك.”

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [1]