🦋

 اللكمة المباغتة أفقدت تان غان توازنه، وارتطمت بقوة بفمه، فاندفع إلى الخلف وهو يمسك وجهه بذهول وغضب.

“تجرؤ على ضربي؟!”

صاح بغضب وهو يضغط على خده.

“تبًا لك، كيف تجرؤ على ضربي؟!”

لكن سونغ لين تشو كان قد رمَى الحذر خلف ظهره، ونظر إليه بثبات دون أن يطرف له جفن.

“حاول أن تُهين تان يوي مرة أخرى… وجرّب إن كنتَ تظن أنني لن أجرؤ!”

“تبحث عن الموت، أيها الحقير!”

زمجر تان غان، ووجّه لكمة مباشرة نحو وجه سونغ لين تشو.

لكن سونغ لين تشو دار بجسده سريعًا، متفاديًا الضربة بخفة.

كان يتوقع من رجل كهذا، بملامحه المتجهمة وجوّه القاتم، أن يكون خطيرًا لا يُستهان به، فإذا به شخص يمكن تفادي هجومه بسهولة.

كان الحارس الجالس في المقعد الأمامي يهمّ بالتحرك لحماية رب عمله، لكنه تردد، فالسيارة تسير على الطريق السريع ولا يمكنهم التوقف. 

لم يجد حلًا سوى فك حزام الأمان والانحناء نحو المقعد الخلفي للإمساك بـ سونغ لين تشو.

لكن سونغ لين تشو سبقه بكلمات باردة واثقة:

“إن جرؤت على لمسي، فأعدك أن تان يوي سيجعلك تندم، بل لن تعرف حتى كيف انتهيت!”

لم يكن واثقًا تمامًا إن كان تهديده سيجدي، لكنه قرأ شيئًا في تصرفات تان غان… كان هناك خوف خفي من اسم تان يوي.

وإلا، لماذا كل هذا اللطف في الخطف؟

كان بإمكانهم ببساطة أن يضربوه ويضعوا كيسًا على رأسه.

ولدهشته، أثمرت كلماته.

تجمّد الحارس في مكانه، ونظر بتردد إلى تان غان.

أما الأخر، وبعد أن فشل في توجيه ضربته، لم ينفجر غضبًا كما توقع سونغ لين تشو، بل على نحو مفاجئ، هدأ.

مسح الدم عن زاوية فمه، وقال بسخرية:

“ما الذي سقاه لك تان يوي حتى تُدافع عنه بهذا الجنون؟”

ردّ سونغ لين تشو بنبرة ساخرة:

“خمن.”

“حسنًا… جيد جدًا.

صلِّ أن تكون مكانتك في قلب تان يوي عالية بما يكفي.”

ردّ سونغ لين تشو وهو يهز كتفيه بلا مبالاة:

“فلنصلِّ معًا إذًا.”

بدأ تان غان يدرك أن هذا الفتى الساخر يستحق فعلاً اهتمام تان يوي.

فقط بوقاحته واستفزازه وحدها، يشكّلان ثنائيًا مثاليًا.

لكنه عرف أيضًا أن الوقت لم يكن مناسبًا لإيذاء سونغ لين تشو.

إثارة غضب تان يوي الآن ستجعل الأمر يتعقّد أكثر.

هدفه كان احتجازه كورقة ضغط، لا الدخول في صراع مباشر.

ابتسم ابتسامة ماكرة وقال:

“حسنًا، إن لم يرضخ تان يوي لشروطي ويأتي لإنقاذك… فسأدبر أمرًا يجعل بعض الناس يتناوبون على الاستمتاع بك.”

كانت السيارة تندفع وسط الظلام، حتى وصلت إلى منطقة خالية، مهجورة.

كان سونغ لين تشو يظن أنهم سيأخذونه إلى مبنى مهدم أو مصنع مهجور لتصوير فيديو تهديدي يُرسل إلى تانيوي.

لكن المفاجأة كانت أنهم بدلوا السيارة إلى مركبة فان فاخرة ذات ستة مقاعد.

وما أدهشه أكثر، أن تان غان نُقل إلى مركبة أخرى بواسطة الحارس.

عندها فهم السبب الحقيقي…

قدراته القتالية السيئة تعود لكونه… معاقًا.

عاد تان غان إلى السيارة الجديدة، ولاحظ نظرات سونغ لين تشو إلى ساقيه.

ابتسم بخبث وقال:

“هل تريد أن تعرف كيف أصبحت على هذا الحال؟”

لم يكن سونغ لين تشو مهتمًا حقًا.

لكن تان غان بدا عليه شغف كبير بالحديث، 

كأنه يريد التنفيس عن سنوات من الحقد.

اقترب منه بعربته المتحركة، وحدّق فيه بعينين تضجّان بالكراهية:

“أجل، إنه تان يوي.

ليس لديك أي فكرة عن نوع الوحش الذي تحبّه.”

“…”

“لا بد أنك سمعتَ أنه كي يصبح رئيس العائلة، لجأ إلى وسائل قاسية… وشرسة.”

اسف في الواقع، لم أسمع.

قال تان غان بنبرة يغمرها الغضب:

“في ذلك الوقت، ولأجل أن يحصل على منصب رئيس العائلة، دبّر لي ولي والدي حادث سيارة. 

مات والدي على الفور، وأُصبت أنا بإعاقة دائمة. 

أما هو، فاستولى على المكاسب، وأصبح رأس العائلة.”

كان صوته يموج بالحقد وهو يتابع:

“إنه قاتل! شيطان! بارد كالثلج، شرير حتى النخاع. لقد دمّر حياتي، وستلحق به عاجلًا أو آجلًا! 

بعد هذه الحادثة، سيدرك أنه لا يجوز له أن يُبقي أحدًا بجانبه… ولن يسمح لنفسه بأي نقطة ضعف بعد الآن!”

قطّب سونغ لين تشو حاجبيه قليلًا.

لاحظ تان غان ردّ فعله، فابتسم بسخرية قائلاً:

“كنتَ تدافع عنه، أليس كذلك؟ أما الآن، بعدما عرفت حقيقته، هل ما زلت قادرًا على حمايته؟”

“…”

زم سونغ لين تشو شفتيه، ولم يُجِب.

ظنّ تان غان أنه نجح في إخافته، فأخرج هاتفه وهو يشعر بالرضا، واتصل بـ تان يوي.

كانت المسافة من مجمع سكن لين تشي شيو إلى فيلا تان لا تستغرق أكثر من عشرين دقيقة، ولكن بعد مرور ثلاثين دقيقة، لم يكن سونغ لين تشو قد عاد.

أرسل تان يوي رسالة عبر ويتشات، دون أن يتلقّى أي رد.

عبس وجهه قليلًا، ثم بادر بإجراء مكالمة فيديو.

لكن لم يُجب أحد.

وحين اتصل هاتفيًا، أخبره النظام الصوتي بأن الهاتف المطلوب قد أُغلق.

رغم ما عُرف به تان يوي من رغبة في السيطرة، إلا أنه لم يكن مهووسًا لدرجة أن يفترض حصول كارثة فقط لأن سونغ لين تشو تأخّر بضع دقائق. 

ربما نفدت بطارية هاتفه، أو علِق في زحمة سير.

ومع ذلك، لم يستطع تجاهل القلق الذي أخذ يتسلّل إلى صدره، فانتظر عشر دقائق أخرى، ولكن سونغ لين تشو لم يَعُد.

حينها، لم يستطع التماسك أكثر، وطلب من تشينغ بين التواصل مع إدارة أمن المجمع السكني.

فموقع دخول سونغ لين تشو للسيارة لا بد أنه رُصد بواسطة كاميرات المراقبة المثبتة عند مدخل الحي السكني الراقي.

بادر تشينغ بين بالتنسيق فورًا.

لكن قبل أن تأتي أي نتائج، تلقى تان يوي اتصالًا من رقم غير معروف.

في العادة، كان ليرفض مثل هذه المكالمات على الفور، لكنه أجاب بسبب تأخّر سونغ لين تشو.

وما إن ردّ، حتى انطلق صوت تان غان البارد:

“أخي الصغير العزيز… آمل أن تكون بخير.”

كانت العلاقة بين تان يوي وتان غان قد تحطّمت منذ زمن، ولا يتواصلان إطلاقًا. لذا، فإن اتصال تان غان الآن لا بد أنه يحمل نوايا خبيثة.

ردّ تان يوي بصوت جليدي:

“هل هو عندك؟”

ضحك تان غان ضحكة مستفزة وقال:

“يبدو أنه مهمٌ بالنسبة لك. 

لم تمر ساعة واحدة حتى لاحظت غيابه!”

إذًا، كان هو الفاعل.

كان والدهم ضعيف الشخصية، غير مؤهل للقيادة، لذا قرّر الجد، رئيس العائلة السابق، تجاوز الأب وتمرير القيادة مباشرة إلى أحد الأخوين.

وكان يعلم أن أيًّا كان اختياره، فسوف يشعل صراعًا بينهما.

كما كان يدرك أن تان غان، حتى إن تحالف مع والده، لن يكون نِدًّا لـ تان يوي.

رغم عدم انحيازه الظاهر، لم يكن يريد كذلك أن يؤذي تان يوي حفيده الأكبر. 

لذا، وقبل موته، أجبر تان يوي على القَسَم بأنه لن يؤذي تان غان، ما دام الأخير لا يعتدي عليه أولًا.

وفي ذلك الوقت، كان تان يوي بحاجة ماسة إلى أسهم الجد ليكبح طموح والده، فوافق، ولم تكن لديه نية أصلًا لإيذاء شقيقه.

لهذا السبب، حين حصل مؤخرًا على دليل إدانة ضد تان غان، لم يسلمه للشرطة، بل استخدمه كورقة ضغط للحصول على قطعة أرض.

احتفظ بذلك الدليل كوسيلة تقييد، لكنه لم يتوقع أن يتمادى تان غان ويرتكب حماقة أكبر.

قبض تان يوي على حافة الطاولة بشدة، محاولًا ضبط مشاعره، وقال بصوت بارد:

“إن مسست شعرة واحدة منه، سأجعلك تندم على اليوم الذي وُلدت فيه.”

سرت قشعريرة في جسد تان غان من التهديد، لكنه شعر في داخله بنشوة خفية.

نظر إلى سونغ

 لين تشو.

لم يكن سونغ لين تشو يسمع ما قاله تان يوي، وأراد أن يرسل له إشارة تنبيه، لكنه فجأة شعر بشفرة سكين تلتصق برقبة عنقه من الخلف.

كان الحارس الجالس معه في الخلف هو من أمسك بها، وقال بصوت خفيض ومهدِّد:

“ابق فمك مغلقًا… إن كنت لا تريد أن تموت.”

رغم جرأته في ضرب تان غان، إلا أن سكينًا باردة على عنقه جعلت جسده يتجمّد.

الشفره المعدنية كانت حادة بما يكفي ليشعر بخطورتها على بشرته.

سُرّ تان غان بورقة الضغط الثمينة بين يديه، وقال بابتسامة مشوبة بالمكر:

“لا تكن شرسًا هكذا، أخي الصغير. 

أنا فقط دعوته للجلوس معي.

ما دمتَ تُظهر بعض النية الطيبة، فسأُعيد الأمور إلى ما كانت عليه.”

عاد صوت تان يوي إلى برودته المعتادة، وقال بجفاء:

“ما الذي تريده؟”

أجاب تان غان بثقة:

“لدي اتفاقيتان في طريقهما إلى منزلك الآن. 

بمجرد أن توقّع عليهما، سأُطلق سراحه فورًا.”

ردّ تان يوي دون تردد:

“اتفقنا.”

انفجر تان غان ضاحكًا:

“هاهاها، ما أروعك حين تكون حاسمًا!”

أشار تان غان إلى الحارس في المقعد الأمامي، ففهم الأخير الإشارة وأخرج هاتفه ليُرسل رسالة. 

ثم استرخى تان غان في مقعده الخلفي، وقد خفّت الظلال القاتمة على وجهه قليلًا، ربما لأن مزاجه كان جيدًا.

على الجانب الآخر، في فيلا عائلة تان…

كانت قبضة تان يوي على حافة الطاولة شديدة لدرجة أن عظام يده بدت وكأنها ستغوص في الخشب.

في تلك اللحظة، دخل تشينغ بين الغرفة ووجهه متجهم، وعيناه تنضحان بالقلق.

لم ينبس ببنت شفة حين رأى تان يوي على الهاتف، بل رفع هاتفه بصمت أمامه، مشيرًا إليه لينظر.

كان الفيديو على شاشة هاتف تشينغ بين تسجيلًا من كاميرا هاتف محمول، رغم وجود تشويش في الصورة، إلا أن ملامح سونغ لين تشو كانت واضحة وهو يُجبر على الصعود إلى سيارة سيدان بيضاء بواسطة رجلين مجهولين.

تنفّس تان يوي بعمق حين رأى كيف تهذيب 

الدعوه إلى السيارة.

أشار إلى تشينغ بين أن يُحدد موقع السيارة فورًا، ويُبلغ الشرطة، على أن يتصرف بحذر حتى لا يُنبه الخاطفين.

وكأن من على الطرف الآخر قد شعر بنيّته، جاء صوت تان غان عبر الهاتف وهو يقول:

“أخي العزيز، هذه مسألة عائلية. 

لن تتصرف ببلادة وتُبلغ الشرطة، أليس كذلك؟”

أجاب تان يوي ببرود، دون أن يوقف إشاراته لـ تشينغ بين:

“رجلي بيدك، ولستُ بالأحمق.”

ضحك تان غان بارتياح وقال:

“حتى لو أبلغت، الأمر لا يهم. هو صعد إلى سيارتي برضاه. أنا، كأخ أكبر، فقط أخذته في نزهة قصيرة. الشرطة لا يمكنها قول شيء، أليس كذلك؟ هاهاها…”

تجاهله تان يوي، وقال بصوت بارد:

“دعني أتحدث معه للحظة.”

“حسنًا.”

وافق تان غان دون تردد، وأعطى الهاتف لـ سونغ لين تشو.

وكانت السكين لا تزال تُلامس عنقه.

أمسك سونغ لين تشو الهاتف، والشعور بالضغط الحاد على الشفرة يزداد—تحذير لا يحتاج لكلمات.

السكين تضغط على جلده منذ فترة، والسيارة تهتز في طريقها خارج المدينة، والمطبات قد تُحوّل أي انزلاق بسيط إلى كارثة تُقطع فيها شرايينه.

تكوّنت طبقة من العرق في كفّيه.

كانت السيارة تمخر طريقًا في ظلامٍ لا نهاية له، بلا ضوء شارعٍ واحد.

حينها فقط، تسلّل إليه الخوف الحقيقي.

“جيجي…”

قال سونغ لين تشو بصوت خافت، يُحاول جاهدًا الحفاظ على هدوءه، حتى لا يُربك حكم تان يوي.

عبر السماعة، سمع تان يوي صوته الخافت المُتعب، فاختنق قلبه في صدره.

لكنه كان يعلم… كلما أظهر قلقه الآن، ازداد خطر سونغ لين تشو.

فـ تان غان يكره تان يوي حدّ الهوس، وقد يُدمّر كل ما يُحبّه للانتقام.

حتى البشر.

لكن لا يمكنه أن يبدو باردًا أيضًا، وإلا ظنّ تان غان أن سونغ لين تشو بلا قيمة… ولن يُساوم عليه.

“همم،” قال تان يوي بصوت ثابت لا يحمل انفعالًا،

“هل أصابك شيء؟”

“لا، كانوا لطفاء. لم يؤذوني.”

حتى إنه ضرب تان غان.

“جيد. لا تخف. 

لن يجرؤ على لمسك.

سأنقذك قريبًا.”

قال سونغ لين تشو، وإن لم يكن خائفًا تمامًا:

“ما نوع الاتفاق الذي يريدك أن توقع عليه؟ إن كان مجحفًا كثيرًا، جيجي، يمكنك أن—”

لم يُكمل الجملة.

فجأة، ضغط الحارس بقوة على السكين، فخدش جلده، واندفع خيط رفيع من الدم على عنقه.

شعر سونغ لين تشو بالألم الفجائي، وأطلق أنينًا مكتومًا.

شعر تان يوي وكأن روحه تمزقت.

تماسك… تماسك…

تبًا للتماسك!

صرخ تان يوي بغضب كاسح:

“تان غان! أعلم أنك تسمعني. 

إن تجرّأ رجالك على لمسه مرة أخرى، سأجعل حياتك جحيمًا… وستتمنى لو لم تولد أصلًا!”

جاء صوت تان غان عبر السماعة بنبرة مرِحة مشوبة بالاستفزاز:

“أفهم، أفهم. السيارة اهتزت قليلاً فقط، والحارس لم يُمسك السكين جيدًا. 

ما دمتَ متعاونًا، ستسير السيارة بهدوء.”

عضّ تان يوي على شفتيه وقال بجمود:

“من الأفضل أن تلتزم بكلامك.”

في هذه الأثناء، دخل كبير الخدم ليو وهو يُرافق الشخص الذي أرسله تان غان لتسليم الوثائق.

كان قد سمع كلمات تان يوي، ورأى وجهه المشتعل بالغضب، ولم يستطع إلا أن يمسح العرق عن جبينه.

لقد خدم تان يوي لأكثر من عشر سنوات، لكنه لا يتذكر أنه رآه غاضبًا بهذا الشكل.

بل لا يظن أنه رآه غاضبًا من قبل على الإطلاق.

هذا الـ تان غان… لماذا اختار أن يضغط على الجرح الخطأ؟!

قال تان يوي بصوت مغموم:

“أحضرها.”

ناول تابع تان غان الوثائق بيدٍ مرتجفة.

في الجهة المقابلة، كان تشينغ بين وفريقه قد تتبعوا موقع السيارة بدقة، لكنهم وصلوا بعد أن تم إخلاؤها.

فكما توقّع تان يوي، الطرف الآخر أدرك أن تعقّبهم لن يستغرق وقتًا طويلًا، لذا سارعوا إلى تغيير المركبة في وقت مبكر.

ومع ذلك، ومع تطوّر التكنولوجيا، كان بالإمكان تتبع إشارات الهاتف المحمول لتحديد الموقع التقريبي.

وبالفعل، تمكن رجال تشينغ بين من تحديد المكان: طريق إقليمي مهجور في ضواحي المدينة.

لم يكن من الواضح بعد أي سيارة هي بالتحديد، لذا قرر تشينغ بين أن يقود المطاردة بنفسه، ورافقه آ يونغ وعدد من الحراس المدربين.

في فيلا تان، كانت الأنوار مشتعلة كما لم تكن من قبل.

جلس تان يوي على الأريكة في غرفة الجلوس، رأسه منخفض وهو ينظر الى الوثائق بين يديه.

لم تكن على وجهه أي تعابير، لكن الهالة القاتمة التي انبعثت منه جعلت حتى حراسه يشعرون بضغط خانق.

أما الرجل الذي أُرسل لتسليم الاتفاق، فكان غارقًا في العرق، يخشى أن ينفجر تان يوي غضبًا ويصبه عليه.

كان هناك اتفاقان:

الأول، يطالب بإعادة قطعة أرض كان تان غان قد فقدها ولم يتم استغلالها بعد.

أما الثاني، فكان يخص منتجًا جديدًا أعلنت عنه وانوو في بداية العام.

كان تان غان يريد أن تُدرج فيه سلسلة فرعية تحت رمز “S”، والهدف منها هو استهلاك كمية كبيرة من البضائع المخزّنة، وهي منتجات تم تصنيعها حين سرقت شركة تشونغياو التقنية من وانوو وطرحت منتجات مشابهة في السوق قبلهم.

آنذاك، حاولت تشونغياو كسر السوق بخفض الأسعار، مما كبّد وانوو خسائر كبيرة.

لكن الخطة ارتدّت عليهم؛ إذ أعاد أكثر من 70٪ من العملاء تلك المنتجات، فتكدّست في مخازنهم، واضطروا لبيعها بثمن بخس.

لاحقًا، أرسلت وانوو إنذارًا قانونيًا بتهمة السرقة الفكرية، وتم توقيف العديد من الموظفين المعنيين.

تدهورت سمعة تشونغياو تمامًا، وقطعت منصات التجارة الإلكترونية والموزعين علاقاتهم بها.

لكن البضاعة المتراكمة، رغم رخص سعرها مقارنة بمنتجات وانوو، لا تزال تُمثّل تكلفة تقنية وإنتاجية عالية.

كان تان غان قد ضخّ أموالًا طائلة لاغتنام السوق، وإن لم تُصرف تلك البضائع، سيتبخر كل استثماره.

كما أنه خسر قطعة الأرض.

من هنا، حاول التحايل عبر تغليف تلك المنتجات تحت اسم وانوو، لتبدو كنسخة أرخص ذات جودة أقل.

ولمنع تان يوي من استخدام الثغرات بعد التوقيع، أعدّ تان غان الاتفاقيتين بدقة قانونية متناهية.

أمسك تان يوي بالقلم، لكن يده كانت شاحبة من شدة القبضة، وكأن ما يمسكه لم يكن قلمًا… بل عنق تان غان.

على الهاتف، سمع صوت الأخر وهو يقول بتسلية:

“أخي العزيز… إن لم تسرع، فسنقترب من طريق وعر جدًا… لا تلومنّا إن اهتزت السيارة وحدث ما لا يُحمد عقباه.”

في هذه اللحظة، وصله من تشينغ بين إشعار على الهاتف:

حدّدنا موقع السيارة. نحن في طريقنا.

تان يوي، الذي كان في قمة غضبه، بدأ يهدأ… لأنه بات عليه كسب الوقت.

لم يكن يثق بأخيه قيد أنملة.

فقال بصوت هادئ:

“هذه الاتفاقية طويلة، ويجب أن أقرأ كل بند بدقة.”

فأجابه تان غان:

“هاهاها، لا أطمع كما تفعل أنت. 

فقط أريد استعادة ما هو لي.”

لم يرد تان يوي، وظلّ يتصفح الوثائق.

فقال تان غان:

“أعطيك عشر دقائق فقط. 

وإن لم توقّع، فلا تلومنّي على العواقب!”

فتح تان يوي رسالة أخرى من تشينغ بين:

نحتاج تقريبًا 20 دقيقة للحاق بهم.

قال تان يوي ببرود:

“أحتاج عشرين دقيقة.”

فجأة، توتر تان غان وصاح:

“حتى لو قرأت كل كلمة، لن تأخذ عشرين دقيقة! أنت تماطل، أليس كذلك؟!”

فقال تان يوي بلا تعبير:

“أنا فقط أفكر… إن كان يستحق هذا الثمن الباهظ.”

ضحك تان غان فجأة، ثم قال ساخرًا:

“كما توقعت تمامًا، تان يوي… هذا هو وجهك الحقيقي. 

بارد… لا قلب له.”

وقد فعّل مكبر الصوت، وهو يراقب سونغ لين تشو ليرى ردة فعله.

لكن سونغ لين تشو حرّك رأسه قليلًا، متجنبًا النظر إليه، وكأنه لا يريد أن يكون جزءًا من هذا العرض القذر.

فزاد تان غان من غبطته الخبيثة وقال:

“لا بأس، خذ وقتك بالتفكير. وإن قررتَ التخلي عنه… لديّ مجموعة رجال جاهزين ليُغدقوا عليه من ' رعايتهم '.”

بصوتٍ حاد، طقطق قلم تان يوي على الطاولة الزجاجية، وقد انثنى رأسه من شدة الضغط، فانتشرت شقوق دقيقة على سطح الزجاج.

ساد صمت قاتل في الفيلا، حتى إنك لتسمع صوت سقوط إبرة. لم يجرؤ أحد على التنفس بصوتٍ عالٍ، باستثناء كبير الخدم ليو الذي أسرع إلى مكتب الدراسة وجلب قلمًا جديدًا وقدّمه له.

بدأ الوقت يمرّ ببطء.

عند الدقيقة التاسعة عشرة، أرسل تشينغ بين رسالة تُفيد بأنهم قد رصدوا سيارة تان غان، لكنهم لم يقتربوا منها كثيرًا حتى لا يُثيروا انتباهه. 

استخدموا طائرة بدون طيار لتعقبه.

أمسك تان يوي القلم الجديد بتصميم، ووقّع على الوثيقة.

فور سماعه لتوقيع تان يوي، ضحك تان غان مجددًا وقال:

“يبدو أن هذا الحبيب الصغير مهم فعلًا بالنسبة لك. حسنًا، سأعيده إليك سالمًا كما وعدت.”

ثم قطع الاتصال فجأة.

حاول تان يوي الاتصال به مجددًا، لكن الطرف الآخر رفض المكالمة على الفور.

“سيدي، سيارته تعود باتجاه المدينة.”

أبلغ تشينغ بين عبر السماعة اللاسلكية.

خرج تان يوي من الفيلا وصعد إلى السيارة المتوقفة أمام الباب وقال:

“تابعوه، لا تثيروا الشك. دعه يُعيده بنفسه بسلام.”

كان يعلم أن تان غان، رغم جنونه، لا يزال يقدّر الأمور جيدًا.

طالما حصل على ما يريد، فلن يُقدِم على تصرفٍ متهور.

لكن، في أعماقه، كان يدرك أن مثل هذا الشخص، إن شعر بأنه محاصر، قد يتحول إلى وحشٍ يائس. 

لذا، عليه أن ينتظر اللحظة المناسبة.

“مفهوم.”

وكما توقّع تان يوي، نزل تان غان من السيارة في منتصف الطريق، غير راغب في مواجهة تان يوي، وأمر السائق بإعادة سونغ لين تشو وحده.

كان تان يوي يعلم أن تان غان لا بد وأنه احتاط بخطة بديلة، لذا لم يُصدر أمرًا بمواجهته، واكتفى بالطلب من تشينغ بين إيجاد طريقة لإيقاف السيارة التي تقلّ سونغ لين تشو وإخراجه أولًا.

كان فريق تشينغ بين لا يزال يتتبع السيارة على مسافة 300 متر باستخدام الطائرة المُسيّرة لتجنّب الانكشاف.

لكن أثناء المطاردة، لاحظوا أن اتجاه السيارة لم يكن صحيحًا.

فالسائق بدأ يسلك طريقًا خارج المدينة!

في الداخل، بدأ سونغ لين تشو يتنفس الصعداء بعدما نزل تان غان والحراس الآخرون من السيارة.

لكن سرعان ما أدرك أن حلقه جاف، وشفتيه متشققتان، وظهره مبلل بالعرق.

رغم أن ما حدث لم يكن كما تُصوّره الدراما، إلا أن الشعور الحقيقي بتهديد السكين لعنقه كان مرعبًا بما يكفي ليترك أثرًا عميقًا.

ومع هذا، حين نظر إلى الطريق، وجد المنظر من حوله يزداد عزلة ووحشة، فأدرك أخيرًا أن هناك شيئًا غير طبيعي.

سأل السائق بقلق:

“إلى أين تأخذني؟”

ردّ الحارس الذي جلس بجانبه بعدما بدّل مقعده:

“نُعيدك إلى منزلك.”

“منزلي ليس في هذا الاتجاه.”

ابتسم الحارس وقال:

“السيد تان طلب أن نُؤخّرك قليلاً، ونتأكد من أنك في مكان آمن قبل إعادتك.”

لم يقتنع سونغ لين تشو بهذه الحجة:

“لقد مر وقت طويل ونحن نلتف. 

ألم يحن وقت العودة؟”

لم يجب الحارس، وظلّ يبتسم، بينما السيارة تمضي في طريقها نحو المناطق المهجورة.

أدرك سونغ لين تشو أن الأمور لا تسير كما يُفترض.

من الواضح أن تان غان لم يكن مستعدًا لتركه يذهب بهذه السهولة، ربما رأى أن الصفقة لم تكن كافية، ويريد مزيدًا من الضغط على تان يوي.

بدأ يفكر بسرعة في طريقة للهرب، رغم أنه لا يُقارن بقوة رجلين ضخمين بجانبه.

وفجأة، بصق السائق وقال:

“هناك أحد يتبعنا من الخلف!”

“رجال تان يوي! 

تبًا لهم، كيف لحقوا بنا بهذه السرعة؟!”

استدار الحارس ليتأكد، ولم يتوقع أن سونغ لين تشو سيستغل تلك اللحظة وينقضّ فجأة على المقود.

كان واثقًا أن هؤلاء لن يُضحّوا بأنفسهم من أجله، لذا أمسك بالمقود بقوة، مما جعل السيارة تنحرف عن مسارها.

صرخ السائق وحاول استعادة السيطرة بيدٍ واحدة بينما استخدم الأخرى ليمسك بذراع سونغ لين تشو.

في تلك اللحظة، شعر سونغ لين تشو بألم شديد في فروة رأسه.

كان الحارس قد أمسك بشعره بقوة ليُبعده.

أحس وكأن جلدة رأسه ستُنتزع.

في لحظة يأس، استغل اتجاه سحب السائق وأدار المقود معه بعنف، فانحرفت السيارة بالكامل واندفعت نحو شجرة على جانب الطريق.

ضغط السائق على الفرامل بعنف، لكن الاصطدام لم يُمكن تفاديه.

تحطّمت الواجهة الأمامية، وارتفع صراخ السائق من الألم، على الأغلب بسبب إصابة.

انفجرت الوسائد الهوائية فورًا، وكان سونغ لين تشو محظوظًا إذ ارتطم رأسه بها، إلا أن قوة الاصطدام الهائلة جعلته يشعر بالدوار.

قبل أن يستعيد وعيه بالكامل، سُحب فجأة من مكانه، وسكين حادة أُلصقت بعنقه—لقد كان الحارس.

أمسكه كرهينة، وركل باب السيارة بعنف، ثم سحب سونغ لين تشو للخارج، وأسنده إلى هيكل السيارة، مهددًا بصوتٍ غليظ كل من اقترب:

“لا تتحركوا… وإلا قتلتُه!”

كان السكين يغور في رقبته، حتى ظهرت خيوط دم تتسرب من الجرح.

بالمقارنة مع الاحترام السابق الذي أبداه تان غان، فهذه هي عملية اختطاف حقيقية.

كان الليل قد أرخى سدوله، والمكان موحشٌ بلا حياة، لا يُنيره إلا أضواء السيارات المتجمعة حولهم.

برد حافة السكين أيقظ سونغ لين تشو تمامًا من ذهوله، ففتح عينيه ليجد تشينغ بين وآ يونغ وثلاثة آخرين يطوّقونهم.

كرر الحارس تهديده بصوتٍ أشرس:

“قلت لا تتحركوا!”

رؤية الدم على عنق سونغ لين تشو، وهيئته المُبعثرة، جعلت قلب تشينغ بين يكاد يخرج من صدره.

خفض يده بلطف، وحاول تهدئة الموقف:

“حسنًا، لن نتحرك.

فقط لا تؤذه. 

يمكنك أن تطلب ما تشاء، وسنفعل ما بوسعنا.”

لكن الحارس لم يرخِ قبضته، بل قال بسخرية:

“من لا يعرف أساليب تان يوي؟ 

حتى إن لم أعترف الليلة، فسيجد طريقة ليزج بي في السجن مدى الحياة!”

“لا، أعدك… إن أطلقت سراحه، فلن يُلاحقك السيد تان، أبدًا.”

ضحك بمرارة وقال:

“وهل أصدق من يؤذي أخاه؟! إن أردتَ اللوم، فلام تان يوي، هو من دفعني لهذا الجنون!”

ثم بدأ يُضغط بقوة أكبر. بدا وكأنه فقد عقله.

حافة السكين شقت الجلد الرقيق، وظهر في ملامحه نية القتل الصريحة.

تقلصت حدقة عين تشينغ بين، وشعر سونغ لين تشو أن أنفاسه الأخيرة تقترب.

لكن الألم المنتظر… لم يأتِ.

فتح سونغ لين تشو عينيه بدهشة، ليجد تان يوي واقفًا هناك، وقد أمسك نصل السكين بيده العارية، مانعًا تقدمه.

ارتجف الحارس من هول المفاجأة، واستغل سونغ لين تشو اللحظة وانقضّ على معصمه، غارسًا أسنانه فيه.

وقد جرّب تان يوي سابقًا مهارة عضّاته…

تألم الحارس، وارتخى قبضته.

فركله تان يوي بقوة بعيدًا، ثم احتضن سونغ لين تشو بين ذراعيه، غير آبه بالدم الذي سال من يده، وتلقى الطعنة الثانية بجسده.

“جيجي!!”

صرخ سونغ لين تشو، وهو يرى السكين تنغرز فيه.

تأوه تان يوي بصوتٍ خافت، وفي اللحظة التالية، انقض تشينغ بين وآ يونغ لتقييد الحارس.

حين استيقظ سونغ لين تشو في سريره، كان الضوء خافتًا، لا يعرف إن كان فجرًا أم مغربًا.

“شياو لين، استيقظت؟”

كبير الخدم ليو، الذي كان يحرص على راحته، وقف فورًا وقال:

“هل تشعر بأي تعب؟ هل ترغب بكوب ماء؟”

لكن سونغ لين تشو لم يُجب، بل مدّ يده، وبصعوبة، تشبث بكُمّ السيد ليو، صوته مبحوح وهو يقول:

“جيجي… أين جيجي؟!”

منذ أن رأى الدم ينزف من جسد تان يوي، كاد قلبه يتوقف.

لم يكن خائفًا حين خُطف، لكن بعد أن رآه يَجْرُؤ على التقدّم والتصدي للسكين… انفجرت مشاعره المكبوتة كلها دفعة واحدة.

خاف أن ينام، فيستيقظ ليجد تان يوي قد اختفى من حياته… كما اختفت والدته ذات يوم.

تعلّق بذراعه، وأقسم ألا يتركه.

لكن الطبيب الحقير استغل لحظة ضعفه وحقنه بمهدئ، فغرق في نومٍ طويل دام يومًا كاملًا.

والشمس الآن قد أفلت.

“السيد بخير، أرجوك لا تقلق.”

قال السيد ليو بلهفة،

“لقد تناول الطعام منذ ساعة فقط، حقًا. 

لا تُتعب نفسك. سأأخذك لرؤيته حالًا.”

أسند سونغ لين تشو، الذي كانت خطواته لا تزال واهنة، وسار به إلى الغرفة المجاورة.

كان جرح تان يوي في جانبه الخلفي قرب الإبط.

ولحسن الحظ، لم يستخدم صدره لحماية سونغ لين تشو، وإلا لكانت النتيجة كارثية.

حين اقترب، كان تان يوي نائمًا.

وجهه شاحب من كثرة النزيف، ويده ملفوفة بضمادات سميكة.

أما عنق سونغ لين تشو، فلم يكن الجرح فيه عميقًا، وقد غُطّي بشاش بسيط.

لكنّه يعرف مدى حدّة تلك السكين…

لا يستطيع تخيّل الألم الذي تحمّله حين أمسك بها بيده العارية.

لقد…

نظر إلى وجهه الشاحب، وقلبه كأنما التوت عليه الدنيا.

كأن الآلاف من الإبر الدقيقة كانت تغرز في أوتار قلبه الطري.

جلس على الكرسي إلى جانبه، وعيناه لا ترى غيره.

تنهد السيد ليو، وأغلق الباب خلفه بلطف، وتركهما وحدهما.

لم يكن تان يوي نائمًا بعمق بسبب الألم.

حين دخل سونغ لين تشو والسيد ليو، شعر بالحركة، لكنه ظن أن الطبيب قد عاد، فأغلق عينيه مجددًا.

حتى شعر بيد باردة تلمس يده السليمة.

ثم ضغطت عليه… حتى التصقت خده بها.

فتح تان يوي عينيه.

وفي اللحظة الأولى، التقت عيناه بعينيّ الشاب… وقد احمرّتا من الدموع.

“هل تبكي؟”

سأل تان يوي بصوت مبحوح، ويده تتحرك بعفوية لتمسح دموع الشاب المتدفقة على وجنتيه.

“طبعًا لا…”

همس سونغ لين تشو، وصوته مخنوق.

“أنا بخير، لا تقلق.”

طمأنه تان يوي بهدوء.

“لست قلقًا عليك…”

أدار سونغ لين تشو وجهه، لكن دموعه انسابت بغزارة على وجهه رغمًا عنه.

هو يعلم أنه لا يحق له أن يلوم تان يوي، فالأخر هو من تصدّى للسكين عنه.

لو لم يكن موجودًا، لربما كان جثّة الآن.

ذاك الحارس… كان ينوي قتله فعلًا.

لكن…

اختنق صوته وهو يقول:

“أنت تعلم… ما الذي أخشاه أكثر من أي شيء… أنت تعرف، أليس كذلك؟”

كان تان يوي يعلم.

أكبر مخاوف سونغ لين تشو كانت فقدان من يُحبهم.

فقدَ والديه، وخاصة والدته، التي كانت أنيسه الوحيد… ذلك الفقد ترك جرحًا نفسيًا عميقًا في قلبه.

ولهذا، حين أغمي عليه تان يوي في المرة السابقة، لم يكن غضبه وقلقه بسبب الإرهاق فحسب، بل كان انعكاسًا لمخاوفه المكبوتة.

لم يكن تان يوي قادرًا على رؤية وجهه وهو بهذا الوجع، فمسح دموعه بلطف وقال:

“لن يحدث ذلك مجددًا، أعدك.”

“لقد قلت الشيء نفسه في المرة الماضية.”

“نعم، لكن في المرة الماضية… لم أكن قد حسبت كل شيء.”

رغم ضعف صوته، إلا أن في نبرته الآن عزيمة واضحة.

“بمجرد أن أُنهي أمرهم…”

قاطعته نظرات سونغ لين تشو المبللة وهو يمسح وجهه بمنديل، وقال:

“لكن لماذا غيّر أخوك رأيه فجأة؟ لما عاد يطاردني؟ أليس كل ما فعلته سابقًا ذهب سُدى؟”

تان غان خطفه فقط ليُجبر تان يوي على التوقيع على الاتفاقين.

وبعد أن وقّع بالفعل، عاد وأمر حراسه بملاحقته وكأن شيئًا لم يكن.

لو حدث له شيء، لكان تان يوي انتقم منه أضعافًا مضاعفة، ولكان خسر كل شيء.

ذلك الحارس لم يكن يُهدّد فقط… لقد حاول فعليًا قتله.

تجمّدت ملامح تان يوي وقال بنبرة باردة:

“هذا يدل على أن هناك طرفًا آخر خلف الكواليس.”

اتسعت عينا سونغ لين تشو:

“من… من قد يكون؟ ولماذا يستهدفونني؟ 

أنا مجرد طالب جامعي عادي!”

لم يكن يعلم لماذا تحوّل إلى هدف لهؤلاء الناس.

لم يكتفوا باختطافه، بل أرادوا قتله أيضًا!

قال تان يوي:

“لا أستطيع سوى التخمين في الوقت الحالي. 

وحين أحصل على دليل، سأخبرك.”

كان الحارس صامتًا تمامًا، والسائق لم يكن يعرف الكثير.

لكن شيء واحد كان واضحًا: نية القتل كانت حقيقية.

بحسب اعتراف السائق، كانت الخطة تقضي بأخذ سونغ لين تشو إلى النهر خارج المدينة، ثم يُفقد وعيه، وتُلقى السيارة في النهر، في حين يهربون بمساعدة شخصٍ ما.

لكنهم لم يعلموا أن رجال تان يوي كانوا يتعقبونهم طوال الطريق.

رغم قلة أعداء تان يوي، إلا أن الوصول إلى الحقيقة مسألة وقت.

“كل هذا غامض ومُقزز…”

تمتم سونغ لين تشو، وهو يُلقي نظرة جانبية متحفظة.

ابتسم تان يوي بتعب، ورفع يده ليُبعثر شعره برفق:

“لا أزال غير متأكد. 

وسيكون أمرًا محرجًا إن اتهمت الشخص الخطأ.”

شهق سونغ لين تشو ساخرًا.

انزلقت يد تان يوي من شعره إلى وجهه، ثم إلى عنقه، ومرّت على موضع الجرح المغطى بالشاش.

“هل يؤلمك؟”

“جرح سطحي فقط.”

كان تان يوي قد سمع من السائق كيف أوقف سونغ لين تشو السيارة.

فأمسك وجنته بخفة وقال:

“لا تُمسك المقود مرة أخرى، فهمت؟”

أجابه سونغ لين تشو بثقة:

“كنتُ قد فكرت بكل شيء، علمت أنهم لن يُضحّوا بأنفسهم.”

لكن ملامح تان يوي ظلت صارمة:

“وماذا لو خاف السائق ونسي أن يضغط على الفرامل؟”

“…”

أخرج سونغ لين تشو لسانه، ثم أمسك رأسه وقال:

“أشعر بدوار شديد، جيجي… سأعود للنوم.”

ثم التفت وهمّ بالهرب، لكن تان يوي أمسك بيده فجأة.

ربّت على جانب سريره، وقال:

“نم هنا.”

كان سرير المستشفى هذا أكبر من المعتاد، 

بحيث يتّسع لشخصين دون أدنى مشكلة.

قال سونغ لين تشو، وقد احمرّ وجهه قليلًا:

“لا، ماذا لو دخل الطبيب أو الممرضة فجأة؟ سيكون الأمر محرجًا جدًا إذا رأونا متعانقين على سرير واحد.”

نادى تان يوي بصوته الخافت فجأة، مستخدمًا اسمه المصغّر بحنان:

“يان يان… جرحي يؤلمني.”

كان صوته عميقًا، مشوبًا بالضعف. 

وعندما يُظهر الرجل القوي جانبًا هشًا، يصبح أمرًا يصعب مقاومته.

شعر سونغ لين تشو وكأن قدميه قد غاصتا في الغراء، ولم يستطع التحرك.

تردّد لبرهة، ثم خلع حذاءه واعتلى سرير تان يوي بهدوء.

تذكّر أن تان يوي كان قد أخبره من قبل أنه لا ينام جيدًا. وعلى الرغم من أنه لم يصرّح بالأمر صراحة، إلا أن سونغ لين تشو كان يخشى أن يصطدم بجرحه دون قصد أثناء النوم، لذا لم يجرؤ على النوم بعمق.

ومع ذلك، في كل مرة كان يستيقظ، كان يجد نفسه ملتصقًا بتان يوي!

لو أنه تمكّن من النوم ليلة واحدة دون أن يتحرّك، لوجب عليه أن يسجّل ذلك في موسوعة غينيس للأرقام القياسية!

وجاء صباح اليوم التالي كلمح البصر.

بينما كان سونغ لين تشو قد خضع لتجربة اختطاف مزدوجة في ليلة واحدة، إلا أن الأذى الذي لحق به كان نفسيًا أكثر منه جسديًا. 

وبفضل شبابه وبنيته الجسدية القوية، فقد تعافى بسرعة، وبعد ليلة من الراحة، استعاد نشاطه وحيويته.

أما تان يوي، فحالته لم تكن بنفس الوتيرة. 

فمن المعروف أن الألم لا يبلغ ذروته في يوم الإصابة، بل يبدأ التورم والانزعاج الحقيقي في اليوم التالي، حيث يصبح نابضًا ومزعجًا لأقصى حد.

شعر وكأن نصف جسده قد شُلّ، وأي حركة، مهما كانت بسيطة، كانت تثير الألم في كل عصب من أعصابه.

وبرغم تحمّله الشديد للألم، فإن تان يوي لم يستطع إخفاء تجاعيد وجهه المتألمة. فالمسكّنات لا تدوم سوى بضع ساعات، ولا يمكنه الإكثار منها.

بقي سونغ لين تشو بجانبه في المستشفى، وقدّم طلب إجازة. 

رؤية تان يوي يتلوّى ألمًا أثارت في قلبه قلقًا حادًا.

أما تان يوي، فنظر إلى ملامحه الصغيرة المنكمشة بالقلق، وظهر بريق من التسلية في عينيه.

قال فجأة:

“في الحقيقة، هناك وسيلة لتخفيف الألم.”

استنار وجه سونغ لين تشو:

“ما هي؟”

لم يجب، بل رفع يده ووضعها فوق فمه في إشارة ذات دلالة واضحة.

“…”

احمرّت أذنا سونغ لين تشو على الفور.

كان تان يوي يتوقّع أن الشاب، بخجله الشديد، سيرفض قطعًا.

وكما توقّع، نهض سونغ لين تشو فجأة، واتجه بسرعة نحو باب الغرفة.

هزّ تان يوي رأسه بابتسامة وهو يراقب خطى الشاب البعيدة:

حقًا… رقيق الجلد أكثر مما ظننت.

ولكن، لم يتوقّع أن سونغ لين تشو لم يغادر، 

بل قام بإغلاق باب الغرفة وعاد بخدّين متوردين.

في ذلك اليوم، كانت الريح تعصف برفق حول نافذة الغرفة، تصطدم بزجاجها بإيقاع متناغم.

كانت النافذة مواربة قليلًا، يتسرّب منها نسيم الربيع، حاملاً برودة خفيفة، لكنه لم يفلح في تهدئة الحرارة المتصاعدة داخل الغرفة.

رغم أن العلاقة بينهما أصبحت أكثر قربًا، إلا أن سونغ لين تشو ما زال يشعر بالحرج، كأنها أول مرة يقترب فيها من شخص بهذه الحميمية.

جلس على حافة السرير.

وكان تان يوي يرمقه بعينين نصف مغمضتين، متأملًا شحمة أذنه التي باتت أشد حمرة من الدم.

أدار سونغ لين تشو رأسه قليلًا، وتناغمت أنفاسهما معًا، متداخلة من خلال شفاه شبه مفتوحة، كأنها ترقص رقصة صامتة.

ولتحويل انتباه تان يوي، بادر سونغ لين تشو إلى تقبيله. كانت خبرته محدودة، لكنه أطلق شرارة كافية لجعل أنفاس تان يوي تتبعثر، ودمه يغلي في عروقه.

وقد شعر سونغ لين تشو بهذا التغيّر، لكنه لم يتراجع. بل مدّ يده إلى حزام تان يوي وقال:

“دعني أساعدك.”

صُدم تان يوي من هذه المبادرة.

وحين فُكّ الحزام أخيرًا، بصمت محرج، كان سونغ لين تشو يلتقط أنفاسه، كما لو أنه يحتاج إلى الشجاعة لمجرد القيام بذلك.

رغم أن ما بينهما تجاوز هذه المرحلة مرارًا، 

إلا أن هذا النوع من العناية كان الأول من نوعه.

أنزل الشاب بصره، وأهدابه الطويلة كانت ترتجف بخفة.

كل رمشة منها كانت وكأنها ريشة تداعب قلب تان يوي، حتى بدا الحزام وكأنه صار أثقل، أكثر وضوحًا.

غمرت أشعة شمس الربيع النافذة، وانعكست على الأرضية، ثم تسللت بلطف نحو جسد سونغ لين تشو، واحتضنته بدفء.

كان الجو يعبق بتوتر لطيف، كأن شيئًا ما كان على وشك الانفجار، لكنه بقي ساكنًا، لا يتقدّم خطوة إضافية.

وكان تان يوي على وشك أن يطلب منه أن لا يجهد نفسه، حين فاجأه سونغ لين تشو بانحناءة، وطبع قبلة على حزامه.

احتبست أنفاس تان يوي، وارتجف جسده بأكمله كما لو صُعق بالكهرباء.

كانت مجرد قبلة واحدة، لكنها كانت أكثر إثارة من أي شيء آخر.

الرضا النفسي وحده كان كفيلاً بخلخلته.

في تلك اللحظة، حتى لو كان مدفونًا داخل تابوت… لخرج منه.

فبعض الأشخاص… حين يأخذون المبادرة، يصبحون خطرين حدّ الهلاك.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]