🦋

 تحدث سونغ لين تشو بهذه الكلمات، وتصرف وفقًا لها.

ذراعه النحيلة التفت بلين حول عنق تان يوي، وأغمض عينيه قليلًا بينما اقترب منه ببطء.

أنفاس الرجل الساخنة لامست جسر أنفه، بحرارة مشتعلة. ارتبك سونغ لين تشو للحظة من شدة الدفء، لكنه أغمض عينيه أكثر واقترب، حتى التقت شفاههما في لمسة حارّة مشبوبة.

كان واضحًا أن سونغ لين تشو لم يبادر من قبل، وكانت تلك القبلة خجولة، مرتبكة، تفتقر إلى النظام أو التمهّل، فكأنها عناق عطشٍ مفاجئ. 

حتى أن أسنانه لامست شفتي تان يوي أحيانًا، كأنه يتلهف لافتراسه.

ليست قبلة حانية أو ناعمة، لكنها جعلت أنفاس تان يوي تتبعثر دون انتظام.

يده التي كانت تستقر بلين على خصر سونغ لين تشو شدّت قبضتها تدريجيًا، وحين تردّد الشاب قليلًا قبل أن يمرر طرف لسانه على شفتيه، تاركًا أثرًا رطبًا، قاده تان يوي بحزم إلى الجدار البيج، ودفعه برفق لكنه بحزم إلى الخلف.

تفاجأ سونغ لين تشو، وأطلق تنهيدة قصيرة.

كانت الليالي قد بدأت تدفأ مؤخرًا، لكن غياب التدفئة في المنزل جعل الجدار يحتفظ ببرودةٍ خفيفة. اخترقت برودته الثياب الرقيقة، فأضفت على جسده شعورًا متضاربًا، بين دفء الجسد أمامه وبرودة الجدار خلفه.

ربما كانت نسائم الليل الهائجة هي ما زادت من توتر الرجل، فحرارته الجسدية أصبحت مشتعلة.

وفي تلك اللحظة، وجد سونغ لين تشو نفسه في عالمٍ من الثلج والنار.

“جي…”

لم يكن لديه وقت ليكمل، إذ ابتلعته قبلةٌ أخرى مشتعلة.

كان الممر الطويل يضجّ بضوءٍ أصفر دافئ، يغمر المكان بسكونٍ مريح. لكن هذا السكون ذاته، عزّز من شدة تلك القبلة، حتى بدت كعاصفة عاتية.

وكأن هذا الركن من المنزل دخل صيفًا مبكرًا، بزخات مطر عنيفة جعلت سونغ لين تشو يختنق من شدة الانجراف. تشبّث بقبضة يد بثوب الرجل، وكأن التيار قد يسحبه بعيدًا في أي لحظة.

إلى أن شعر بشيء يضغط عليه… شيء لا يمكن تجاهله.

!!!

استفاق سونغ لين تشو من سُكرته، وبدأ يجهد في الإفلات من قبضة تان يوي.

سأله الرجل بصوت أجش، وهو يحدّق في عينيه بنظرة عاصفة:

“ما الأمر؟”

صوته كان كدوامة داخل إعصار، كأنّه سيبتلعه في أية لحظة.

“لا!”

كان تنفّس سونغ لين تشو غير منتظم، وبدأ يلهث وكأنه عاد إلى سطح الأرض بعد غرق:

“عليّ أن أذهب غدًا لاصطحاب ابن خالتي.”

كان تان يوي على وشك أن يقول: “سأتماسك”، لكنه، ما إن رأى نظرة التحفّظ والحذر في عيني الشاب، وكأنه أمام خصمٍ مجهول، أدرك أن رصيده من الثقة قد نفد.

كان يعرف تمامًا أن هذا الوقت مهمٌ لبناء الثقة، 

ولا مجال لإرهاب الشاب بعدما بذل جهدًا كبيرًا لإعادته.

ولم يكن تان يوي رجلاً مستعجلًا، ولم تكد تمرّ عليه مثل هذه اللحظات طيلة 28 عامًا من عمره.

الوقت لا يزال أمامه، والكثير قادم.

“حسنًا.”

قالها وهو يتراجع خطوة إلى الخلف، ثم مدّ يده يعبث بشعره برقة:

“اذهب للنوم.”

رفع سونغ لين تشو حاجبيه بدهشة.

هذا الرجل الذي كان كلبًا متعجرفًا في السابق، لم يعد كذلك. يا لها من ندرة!

بل أكثر من ذلك، شعر سونغ لين تشو أن تان يوي قد تغيّر فعلًا.

أصبح… أكثر إنسانية.

لم يعد ذلك الرجل المتجمّد الذي يتحدث بلغة الرجال الفولاذيين، فتغضب منه حد الرغبة في اقتلاعه من جذوره.

كان تان يوي أيضًا يحاول التغيير.

وهذا الإدراك… أسعد سونغ لين تشو.

يعني أن مشاعر تان يوي ليست نزوة عابرة، بل هو يبذل جهدًا حقيقيًا من أجله.

بعد كل ما بذله في ملاحقة هذا الرجل العنيد، وما كاد أن يكسر ساقيه في مطاردته، ها هو أخيرًا ينال بعضًا من التقدير.

تلألأت عيناه بفرح صامت، وانحنت شفتاه في ابتسامة لطيفة، قبل أن يقترب من تان يوي، ويطبع قبلة خفيفة على زاوية فمه.

“ليلة سعيدة، جيجي.”

“ليلة سعيدة.”

في ظهر اليوم التالي، لم تكن لدى سونغ لين تشو أي محاضرات، فتوجّه إلى محطة القطار مبكرًا قليلاً لاصطحاب ابن خالته.

كان يُدعى لين تشي شيو، شابًا في الثامنة عشرة من عمره، ببشرة بيضاء وملامح نظيفة، يحمل جاذبية اجتماعية بالفطرة.

خرج من المحطة وهو مندمج في حديث حماسي مع رجل مسن. بدا الرجل وكأنه التقى أخًا فُقد منذ زمن، حتى حين حان وقت الوداع، لم يُرِد أن يتركه.

قال له وهو يلوّح بيده:

“يجب أن تزورني في محلي! سأدعو زوجتي لتُريك مهاراتها. إنها تدير مطعمًا وتُحضّر أطباقًا منزلية أصيلة، طعمها لا يُقاوم!”

ابتسم لين تشي شيو ووافق بلطف.

وقف سونغ لين تشو غير مصدّق براعة ابن خالته في كسب ودّ الناس بهذه السرعة.

وما إن ودّع الرجل المسن حتى تقدم نحوه وهو يجر حقيبته:

“ابن خالتي!”

“همم، هل أحضرت كل أمتعتك؟”

“نعم، كل شيء معي.”

“هيا نخرج، المكان هنا مزدحم للغاية.”

“حسنًا.”

تقدّم السائق الذي كان يرافق سونغ لين تشو لحمل حقيبة لين تشي شيو، لكن الأخر قال على الفور:

“لا داعي، أستطيع حملها بنفسي، ليست ثقيلة.”

لوّح سونغ لين تشو بيده قائلاً:

“دع الأمر له، لا بأس.”

وبما أنه أصر، سلّمه الحقيبة شاكراً، ثم سار بجانبه، وهمس:

“ابن خالتي، لقد انزلقتَ… واتّبعتَ خطى تان يوي في درب الرأسمالية.”

فهم سونغ لين تشو أن كلامه يشير إلى حادثة الحقيبة، فخفض صوته وقال:

“هذا عمله. إن لم تدعه يقوم به، سيلحظ رؤساؤه الأمر، وقد يؤثر ذلك على مكافآته.”

كان سونغ لين تشو قد علم بذلك من السائق نفسه. 

ففي نظام العمل عند تان يوي، كان كبير الخدم ليو في المرتبة العليا، أما تشينغ بين فكان في المرتبة الثانية. وكأن أحدهما يخدم الداخل، والآخر الخارج.

حتى الأمور الصغيرة مثل حمل الحقائب، إن لاحظها ليو أو تشينغ بين، قد تُسجَّل كمخالفة تؤثر على المكافآت.

اتّسعت عينا لين تشي شيو بدهشة:

“ألهذه الدرجة؟!”

“نعم، بسبب فساد الرأسمالية.”

أخرج لسانه ساخرًا.

أولاً، طلب سونغ لين تشو من السائق أن يأخذهما إلى مقر السكن الجديد لوضع الأمتعة.

حين سمع لين تشي شيو أول مرة أن السكن شقة، ظنّها استوديو بسيط. لكنه استخفّ بقدرات الأغنياء. 

فقد اتّضح أنها شقة دوبلكس. 

الطابق السفلي يحتوي على غرفة جلوس واسعة، مطبخ، شرفة، حمام، ومكتب صغير، أما العلوي فيضم غرفتي نوم.

كانت الشقة تقع في طابق مرتفع، نظيفة ومُعتنى بها، دون أي أثر لإشغال سابق.

وقف لين تشي شيو عند الباب مذهولًا، يتأمل المكان بعينين واسعتين، وتمتم:

“ا-ابن خالتي، قلت إنها شقة عادية، لكن هذا… هذا فاخر جدًا! هل أنت متأكد أنهم لم ينسوا صفرًا إضافيًا في الإيجار؟!”

في الواقع، لم يكن سونغ لين تشو قد رأى هذه الشقة من قبل، ولم يكن يعلم أن وصف تان يوي لـ شقة صغيرة يعني هذا الفخامة.

لكنه سرعان ما تدارك، ودخل بخطى واثقة قائلاً:

“هذه بسعر عائلي خاص. أنت فقط تدفع تكاليف الصيانة والفواتير. العقار يرتفع سعره، وإن لم تستأجره، فسيبقى فارغًا على أي حال.”

“حقًا؟” تساءل لين تشي شيو بشك.

“طبعًا.” أجاب سونغ لين تشو بثبات ووجه خالٍ من الانفعال، وهو يواصل الكلام دون تردد:

“تان يوي يملك هذا العقار منذ سنوات. هل ترى أي دليل على أنه كان مأهولاً؟”

أقنعه منطقه، وابتسم قائلاً:

“تان يوي رائع فعلًا. لقد كسبت شريكًا مذهلًا يا ابن خالتي، لا بد أنك عانيت كثيرًا قبل أن تحصل عليه.”

سونغ لين تشو: “…”

بل احتاج الأمر إلى الكثير من الحِيَل.

بعد ترتيب الأمتعة، خرجا لتناول العشاء. 

طلب سونغ لين تشو من السائق أن يعود، لأنه كان ينوي البقاء مع ابن خالته الليلة، ثم يرافقه إلى مقر العمل في اليوم التالي.

رغم أن كل شيء تمّ ترتيبه، إلا أنه أراد أن يعرّفه على المكان شخصيًا.

اختار مطعم شواء كوري ذا تقييم عالٍ وجده على الإنترنت. وقد كان في مستوى التوقعات؛ طعم الكيمتشي الحار وحده كان كافيًا لخداع المعدة بالشبع.

وبعد أن انتهيا، كانا قد امتلأا حتى التخمة.

المطعم لم يكن بعيدًا عن الشقة، لذا قررا المشي، ليستكملا الهضم ويستمتعا بجمال المدينة الساحلية في المساء.

وأشار سونغ لين تشو إلى مبنى فخم منحني الشكل وقال:

“هنا ستعمل.”

“واو، كم هو رائع!”

قال لين تشي شيو وهو يقرأ الاسم على المبنى:

“فندق وانوو الكبير، أهذا أيضًا تابع لأخي يوي؟”

ابتسم سونغ لين تشو وأومأ بالإيجاب.

“واو! قبل عدة أشهر فقط، لم أكن لأتخيل حتى أنني سأعمل في مكان كهذا. 

زملائي في الدراسة لا بد أنهم يحسدونني الآن!”

كان لين تشي شيو قد درس فنون الطهي في مدرسة مهنية، أشبه بمشروع ' توهو ' بطريقة ما.

وبترتيب من تان يوي، تم قبوله في أحد فنادق وانوو، ليبدأ كمتدرب في المطبخ.

أن يتخرّج الشخص ويصبح فورًا متدربًا في مطبخ فندق خمس نجوم، كانت فرصة عمل يحلم بها كثير من الطلاب في هذا المجال.

قال سونغ لين تشو:

“جيجي يتمنى منك أن تجتهد، وتسعى لأن تصبح تلميذ كبير الطهاة، وتحمل إرثه يومًا ما.”

“كبير الطهاة؟!”

اتسعت عينا لين تشي شيو بدهشة:

“هل أنا مؤهل لذلك؟”

شدّ سونغ لين تشو وجنته الممتلئة قليلًا وقال ممازحًا:

“أنت أكثر من مؤهل… أنت متوافق معه أكثر من الكائنات السماوية!”

فرك لين تشي شيو وجهه الذي احمرّ من التوتر، ثم قال بابتسامة واسعة:

“لقد شعرت حقًا بمعنى المثل القائل: إذا وصل أحدهم إلى الطريق، تتبع الدجاجات والكلاب إلى السماء!”

لكن ملامح سونغ لين تشو سرعان ما أصبحت جادة، وقال:

“هناك شيء عليك أن تعرفه جيدًا… تان يوي وفّر لك هذه الوظيفة لأنك ابن خالتي، لكن لا يحق لك أبدًا استغلال هذه الصلة لتتصرف برعونة أو تتسبب في أي مشكلة. فهمت؟”

“فهمت، فهمت.”

دفع كتفه للأمام ومشى مبتسمًا:

“اطمئن، أنت تعرف أخلاقي. لن أسبب لكم أي متاعب.”

كان سونغ لين تشو يعلم أن لين تشي شيو لم يكن من النوع المثير للمشاكل، منذ صغره، كان هادئًا حسن التصرف.

لكن منذ أن دخل الكلية، قلّت تواصلهما، ولم يعُد متأكدًا ما إذا كانت تلك السنوات الثلاث قد حملت معه بعض العادات السيئة.

ولذلك، كان لابد من بعض التوجيه، كي يكون كل شيء واضحًا منذ البداية.

فهو لن يستطيع أن يواجه خالته وخاله لو حصل شيء.

وعندما اقتربا من مدخل المبنى، رنّ هاتف سونغ لين تشو.

أخرج الهاتف، فإذا بـ تان يوي يرسل طلب مكالمة فيديو.

أجاب على الفور، وظهر وجه تان يوي الوسيم على الشاشة. وبلا وعي، ارتسمت ابتسامة على شفتي سونغ لينتشو.

“ما الأمر؟”

جاء صوت تان يوي الهادئ عبر السماعة:

“انتهيتما من العشاء؟”

“نعم، انتهينا للتو! كان الشواء الكوري لذيذًا جدًا، جيجي، سأصطحبك إليه المرة القادمة!”

قال سونغ لين تشو بابتسامة واسعة.

ظهر أثر ابتسامة خفيفة في عيني تان يوي:

“حسنًا.”

سحب سونغ لين تشو ابن خالته إلى جانبه وقال:

“قل مرحبًا.”

وبالنسبة لشخص اجتماعي مثل لين تشي شيو، لم يكن الأمر صعبًا أبدًا. 

لوّح بيده مبتسمًا وقال بحيوية:

“مرحبًا، الأخ يوي!”

“همم… هل بدأت تتأقلم مع مكان السكن؟” 

سأل تان يوي.

“نعم، بدأت أرتاح. هذه أول مرة أعيش فيها في منزل بهذه الفخامة. شكرًا لك، أخ يوي! أنت وابن خالتي مثل إخوتي تمامًا.”

ساد صمت لثوانٍ على وجه تان يوي، ثم قال بجديّة واضحة:

“الزواج بين الأقارب ممنوع.”

تجمّدت تعابير وجه لين تشي شيو في اللحظة نفسها.

تلك الجملة صدمته مباشرة في أعماقه، وبرغم قدراته الاجتماعية العالية، لم يعرف كيف يتعامل معها!

أما سونغ لين تشو، فكاد ينفجر ضاحكًا ما إن سمع عبارة:

“الزواج بين الأقارب ممنوع.”

يا له من تفكير… تان يوي أحيانًا غريب الأطوار، لكنه… ظريف بطريقة مدهشة!

سارع لين تشي شيو بالرد قائلًا:

“آه، إذًا فالأشقاء غير المرتبطين بالدم مثلك ومثل ابن خالتي، أنتما قدرٌ مكتوب، حبّ خالد من النوع السماوي!”

أُعجب تان يوي بتعبير قدرٌ مكتوب، فاكتفى بـ”همم”، وأضاف:

“إن واجهت أي صعوبة، أخبر لين تشو. 

لا داعي للمجاملات.”

“حسنًا، أخ يوي. يمكنك التحدث مع ابن خالتي، سأتجه لأشتري له ماءً.”

قالها لين تشي شيو بابتسامة، ثم غمز لـ سونغ لين تشو قبل أن يركض نحو متجر قريب.

ابتسم سونغ لين تشو واتكأ على عمود الإنارة، ناظرًا إلى الشخص على الشاشة:

“جيجي، ما الذي جاء بك؟”

“سمعت من السائق أنك لن تعود الليلة؟”

“أحم، يعني… ابن خالتي وصل للتو، وأنا أساعده في ترتيب أموره.”

أجاب سونغ لين تشو مترددًا.

رفع تان يوي حاجبًا وسأله ببرود:

“حتى أدوات النظافة جهزت مسبقًا. 

ماذا ترتبون إذًا؟”

في وقت سابق، كان كبير الخدم ليو قد رتب تجهيز الأسرة وشراء المستلزمات الأساسية.

لين تشي شيو جاء فعليًا بحقيبة واحدة فقط.

“…”، لم يتوقع سونغ لين تشو أن هذا الرجل الكلب يعرف كل هذه التفاصيل عن العيش المشترك. 

حك أنفه وقال:

“كنت أخطط لأخذه إلى الفندق غدًا كي يتعرّف على الفريق. لا أريد الذهاب والعودة من جديد.”

قال تان يوي:

“سآخذك أنا.”

ما الفرق بين أن يأخذه تان يوي أو السائق؟

كلاهما أربع عجلات، والطريق لن يصبح أكثر سلاسة.

لكن من الواضح أن تان يوي كان يريد منه العودة.

ربما لأنه غاب لفترة وعاد مؤخرًا، والسرير لا يزال باردًا، والرئيس تان يشعر بشيء من الاستياء.

لم يُصرّ سونغ لين تشو على البقاء، ولم يرد أيضًا أن يخيب أمل تان يوي.

فقال:

“حسنًا إذًا، ما دمتَ تفتقدني لهذا الحد، سأعود.”

حقّق الرئيس تان مراده، وأدار وجهه قليلًا وهو يقول بجفاف:

“أردت فقط أن تقضي آخر ليلة في هذا المنزل.”

رغم أن الانتقال سيتم بعد يومين، إلا أن الأغراض ستُنقل غدًا، ويمكنهما المبيت هناك. 

أما اليوم التالي فمجرد احتفال رمزي.

لم يكن سونغ لين تشو قد فكّر في ذلك، لكن عندما رأى تعبير الرجل المرتبك، ابتسم وقال:

“آه، جيجي الطيب لا يريدني أن أندم. أنت تعاملني بلطف… وأنا أحبك كثيرًا.”

تان يوي: “…”

كان قد أغاظه كفاية.

لمح سونغ لين تشو أن لين تشي شيو قد اختار زجاجتين من الماء ويستعد للدفع، فقال:

“حسنًا، جيجي، هذا يكفي. 

سأخبر ابن خالتي، ثم أستقل سيارة أجرة وأعود.”

“لا حاجة للتاكسي، سآتي أنا لآخذك.”

“لا، لا، لا. تطبيقات النقل سهلة الآن، دعنا نُوفّر الطاقة.”

غمز له بنظرة ذات مغزى وأضاف:

“جيجي، انتظرني، حسنًا؟”

“…”

تان يوي لم يكن متأكدًا إن كان قد فهم المغزى كما قصده سونغ لين تشو، لكن ضوء عمود الإنارة كان قد انسكب على وجه الفتى، مرسومًا بظلالٍ ناعمة، وكأن ابتسامته مزينة بحواف ذهبية.

نظراته الخافتة التقت بنظرات تان يوي.

لينحني حاجباه دون وعي، ويضحك بهدوء، قائلاً:

“حسنًا، سأنتظرك.”

أنهى سونغ لين تشو المكالمة، وأخبر لين تشي شيو بالأمر، والذي فهم فورًا أن تان يوي قد قال شيئًا.

فسأل بحذر:

“ابن خالتي، هل لا تزال تستطيع مرافقتي صباح الغد؟ أم نؤجلها إلى بعد الظهر؟”

سونغ لين تشو: “…”

أعطاه نظرة تحمل معنى: “هل أنت جاد؟”

واترك الأمر له ليستنتجه بنفسه.

ناول لين تشي شيو زجاجتي الماء، ثم استدار وركض مبتعدًا.

هزّ سونغ لين تشو رأسه وفتح تطبيق النقل على هاتفه.

منذ أن بدأ علاقته مع تان يوي، ظل هذا التطبيق راكدًا في أحد مجلداته، يجمع الغبار.

بل حتى قبل ذلك، بالكاد كان يستخدمه.

فهو شخص بيتوتي محدود الموارد، يعتمد على المواصلات العامة.

طلب سيارة، ووقف عند التقاطع، يحتسي الماء الذي اشتراه له ابن خالته، منتظرًا السيارة.

كانت السيارة تبعد ثلاث دقائق، لكن بعد دقيقة واحدة فقط، توقّفت سيارة سيدان بيضاء إلى جواره.

انخفض سونغ لين تشو برأسه ليتأكد من رقم لوحة السيارة، ليكتشف أنها ليست السيارة التي طلبها. 

كان على وشك أن يبتعد حين نزل رجلان ضخمان من السيارة، أحدهما من المقعد الأمامي والآخر من الخلف.

كانا حقًا مهيبين، أحدهما تجاوز طوله المتر والتسعين، يرتدي بدلة رسمية بالكاد تخفي بنيته العضلية القوية. مظهره وحده يكفي ليبعث القشعريرة في من يراه.

سارعا إلى تطويق سونغ لين تشو، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وقال أحدهما:

“السيد سونغ، رئيسنا السيد تان يودّ التحدث معك.”

قطّب سونغ لين تشو حاجبيه:

“أي تان؟”

“ستعرف عندما تركب السيارة.”

لم يكن سونغ لين تشو بالسذاجة التي تجعله يركب السيارة معهم طواعية. كان واضحًا أن نيتهم غير سليمة. هل يكون عم تان مينغ تشينغ مثلاً؟

بدأ يفكّر بسرعة، وفكّ قفل شاشة هاتفه خلسة، حيث كانت محادثة تان يوي مثبتة في الأعلى. 

كان ينوي إرسال إشارة استغاثة استنادًا إلى ذاكرته.

لكن العملاق الذي يبلغ 1.9 مترًا لمح حركته الخفيفة فورًا. 

أمسك بيده وانتزع الهاتف قائلاً بلهجة مهدّدة:

“تفكّر باخبار أحدهم؟!”

“…”

لم يكن هذا مجرد إزعاج… بل تهديد حقيقي.

“ادخل بسرعة.”

قال الآخر وهو يدفعه بخشونة دون أي اعتبار،

“لا تضطرني لاستخدام العنف.”

لم يكن المكان مكتظًا، وفرصة الصراخ كانت ضئيلة. في حال حاول، لربما كمّم العملاق فمه قبل أن يخرج حرفًا.

الفارق في القوة الجسدية كان شاسعًا. 

لم يكن له أي مجال للمقاومة.

وبما أن الطرف الآخر يحمل اسم تان، فلا بد أنهم يريدون استخدامه كورقة ضغط على تان يوي. 

وإلا، لما قالوا “من فضلك”؛ كان بإمكانهم اختطافه ببساطة.

وبالنظر إلى مهارات هذين الرجلين، لن يستطيع حتى إحداث فوضى بسيطة.

أدرك ذلك، فصعد إلى السيارة دون تردد.

ولكنه شعر بالأسى، لأنه تسبب في ورطة جديدة لـ تان يوي…

بمجرد أن جلس، قال صوت غليظ قادم من المقاعد الخلفية، بل نبرة يغلفها الظلام:

“ما أذكاك. فعلاً تستحق أن تكون من اختاره تان يوي.”

رفع سونغ لين تشو بصره، وارتسمت الدهشة في عينيه.

ملامح هذا الرجل تشبه تان يوي إلى حد ما، لكن طباعه مختلفة تمامًا.

تان يوي كانت تحيطه هالة النبل والسلطة، أما هذا الشخص، فقد جلس في المقعد الخلفي المظلم، بهيئة مظلمة تنذر بالخطر.

من الواضح أنه ليس عم تان مينغ تشينغ، فقد أخبره تان يوي ذات مرة أن قرابته بـ تان مينغ تشينغ بعيدة ولا تربطهم علاقات وثيقة.

وبالتالي، من غير المنطقي أن تكون الشبه بهذه القوة.

من المحتمل أن يكون أخ تان يوي الأكبر… أو أحد أعمامه من الفرع القريب.

كانت عائلة تان العريقة والمترفة مليئة بالأشخاص الذين يحملون نفس الاسم، حتى أن سونغ لين تشو لم يعُد يستطيع التمييز بينهم.

“تتساءل من أكون؟”

قال الرجل بصوت جليدي يملأ السيارة.

لم يُنكر سونغ لين تشو الأمر، بل أجاب بأدب:

“هل تمانع أن تعرّفني بنفسك أولًا؟”

ضحك الرجل ضحكة مبحوحة وقال:

“يبدو أن تان يوي لا يحبك بما يكفي، إذ لم يخبرك بأمر أخيه.”

سونغ لين تشو في داخله:

ومن قال لك أنك تستحق الذكر أساسًا؟

لكنه لم يرد أن يستفزه. 

بدا هذا الرجل من النوع الذي لا يقبل المزاح.

“إن كان لديك ما تقوله، فتفضّل.”

قالها سونغ لين تشو ببرود.

“أنت لا تستحق الحديث معي.”

قالها باحتقار.

“أردت فقط اختطافك للضغط على تان يوي. 

لم أكن أتوقع أن تكون بهذه السهولة وتدخل السيارة بنفسك.”

تقلّب سونغ لين تشو بعينيه بصمت.

وهل كنت ستدعني أذهب لو لم أركب؟

لكن… اختطاف؟

ضاق صدره فجأة.

حتى وإن لم يكن كما في دراما التلفاز، إلا أن هذا الرجل يبدو خطيرًا.

لا يعرف ما هي شروطه، أو ما قد يخسره تان يوي بسببه.

لكن المؤكد… أن الأمر ليس بسيطًا.

قال الرجل:

“وربما… أكون مخطئًا. في نظر تان يوي، قد تكون مجرد لعبة، ولن يُضيع شيئًا ثمينًا من أجلك.”

“أجل، أجل!”

ردّ سونغ لين تشو بسرعة،

“علاقتي به مجرد تعامل، لا حب ولا مشاعر. 

مجرد تبادل بالكلى، لا بالقلب. 

اختطافي لن يفيده بشيء، فلا تتعب نفسك!”

ابتسم الرجل بسخرية وقال:

“أتظنني سأصدق خدعتك؟”

يا أخي أنت اللذي قلتها!

“ذلك المخلوق البارد المتجمد، لا يحتفظ بمن لا قيمة له. الأمر كله يتوقف على كم سيُبادل من القذارة لأجلك، أيها العفن الخارج من المجاري.”

قطب سونغ لين تشو حاجبيه بانزعاج.

أدرك الآن… أنه لا يحب سماع أحد يسيء إلى تان يوي.

تان غان بدا كأنه يخرج حقدًا دفينًا، وبدأ يسرد جرائم تان يوي المزعومة، ويطلق الشتائم واحدة تلو الأخرى:

حشرة لا يقترب منها الذباب، دودة نجسة، جرذٌ من مجاري الليل، عدو الدم، المبتور الصلة…

عدو دم؟!

تبًا لك ولتراهاتك!

لا أستفزه، لا أستفزه، لا أستفزه… اللعنة!

رفع سونغ لين تشو قبضته وضرب الرجل ضربة مباشرة على فمه المليء بالهذيان.

“تبًّا لك!”

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]