انهار سونغ لين تشو فوق الطاولة ككلب ميت، وتنهّد قائلًا:
“لماذا علينا حضور محاضرة أخرى؟
ألن تنتهي هذه المعاناة أبدًا؟”
كانت الجامعة مولعة بدعوة الخريجين المميزين، ورجال الأعمال الناجحين، وغيرهم من الشخصيات البارزة لإلقاء محاضرات.
وكل محاضرة تُحسب ضمن ' رصيد مخفي ' بمقدار 0.2 نقطة.
وكان من متطلبات التخرج أن يجمع الطالب ما لا يقل عن 6 نقاط من هذا النوع.
إلى جانب حضور المحاضرات، يمكن الحصول على هذه النقاط من خلال اجتياز اختبارات الشهادات مثل المحاسبة، مهارات الحاسوب،
رخصة القيادة، الكفاءة في اللغة الماندرينية، وغيرها. كل شهادة تُعادل نقطتين.
بعض الطلاب، بعد اجتياز اختبار الحاسوب المستوى الثاني، واختبار اللغة الإنجليزية المستوى الرابع، لم يرغبوا في مواصلة السعي وراء شهادات إضافية. لم يبقَ أمامهم سوى حضور المحاضرات لتجميع النقاط، وهو ما يتطلب حضور محاضرات على مدى أربع سنوات ليصلوا إلى نقطتين بالكاد.
وكان لي تشانغ أحد هؤلاء الطلاب.
أما سونغ لين تشو، فقد اجتاز اختبار اللغة الإنجليزية المستوى السادس، و… همم، حتى شهادة الزواج تُحسب!
لذا، كان قد استوفى متطلبات الرصيد المخفي بالكامل، ولم يعد مضطرًا للقلق حياله.
لكن محاضرة اليوم كانت حول ريادة الأعمال، وبما أن سونغ لين تشو كان يخطط لافتتاح مشروعه الخاص، فقد قرر الحضور والاستفادة منها.
جمع كتبه الثقيلة في حقيبته، ثم دفع لي تشانغ بلطف قائلًا:
“كفى تماطلًا. لنذهب، قد لا نجد مقاعد في الصفوف الأمامية إن تأخرنا.”
اتسعت عينا لي تشانغ بدهشة:
“أنت فعلاً تريد أن تجلس في الصف الأول؟
هل فقدت صوابك؟”
“نعم، وإن لم تسرع فسأسممك.”
“…”
جمع لي تشانغ كتبه على مضض وتبع سونغ لين تشو نحو قاعة المحاضرات. كان أمامه ثلاث محاضرات أخرى، ومع أنه لم يكن راغبًا، إلا أنه اضطر إلى إنهائها قبل نهاية السنة الثالثة.
سار الاثنان مع الحشود المتجهة نحو القاعة.
أخرج سونغ لين تشو هاتفه من جيبه، وما إن فتحه حتى اهتز، وكانت رسالة من تان يوي.
[تان يوي]:
ماذا تفعل الآن؟
[شياو سونغ لين]:
أفكّر في جيجي.
[شياو سونغ لين]:
أمزح.
[شياو سونغ لين]: (رأس الكلب.jpg)
[تان يوي]:
رمز رأس الكلب (موسوعة بايدو): يُستخدم للإشارة إلى عكس ما يُقال بطريقة ساخرة.
[تان يوي]:
إذًا، هل هذا يُعد نفيًا مزدوجًا؟
سونغ لين تشو: ؟؟؟
هل يعني رأس الكلب هذا فعلاً؟
أنا لا أجيد لغة الإنترنت، لكن لا تحاول خداعي!
شكّ في أن تان يوي اخترع هذا التفسير، فبحث سريعًا في بايدو… وتفاجأ أن المعنى حقيقي فعلًا…
انتهى هذا الحوار!
وبينما كانا يتبادلان الرسائل، كان سونغ لين تشو ولي تشانغ قد وصلا بالفعل إلى القاعة.
وكان هناك عدد لا بأس به من الطلاب الساعين وراء النقاط، وكانت القاعة التي تتسع لمئات الطلاب تمتلئ بسرعة. بدأت المقاعد الأمامية تنفد.
شدّ سونغ لين تشو حقيبة لي تشانغ وسحبه معه إلى الصف الأول.
“هل أحتاج إلى رباط للكلاب؟” قال لي تشانغ وهو يحدّق إلى المنصة أمامه بوجه يائس.
كان هذا المقعد تحت أنظار المحاضر مباشرة،
حتى استخدام الهاتف سيكون تصرفًا وقحًا.
لماذا لا يجلس أحد هنا؟
لقد كان فقط يريد جمع النقاط، لماذا أصبحت المهمة بهذه الصعوبة؟
لاحظ سونغ لين تشو توتره، فنقر على جبهته بإصبعه وقال:
“حسنًا، لماذا لا تجلس في الخلف إذًا؟”
“انسَ الأمر.” قال لي تشانغ وهو يضع حقيبته على المقعد.
“سأعتبر نفسي شهيدًا لقضية عظيمة.”
“… هل كان عليك أن تجعلها درامية هكذا؟”
جلس سونغ لين تشو، وأخرج هاتفه ليرد على رسالة تان يوي السابقة:
[شياو سونغ لين]:
بقدرتك على الاستيعاب، يمكنك أن تكون مدرّبًا في لعبة League of Legends.
[تان يوي]:
أنا أصلح أكثر كمدرّب سباحة… أضمن اجتياز الطلاب دون أن يرسبوا.
[شياو سونغ لين]: …
أهكذا تفتح جراحي؟
[تان يوي]:
كنت فقط أقدّم نفسي كمرشح مناسب.
[شياو سونغ لين]:
لا حاجة، شكرًا.
من المستحيل، أنا فقط أريد أن أكون سمكة ميتة تهاب الماء.
[تان يوي]:
ألست مهتمًا حقًا؟
[شياو سونغ لين]:
╭(╯^╰)╮ من يدري كم من المواد المحظورة تهرّبها!
[تان يوي]:
لنؤجل الحديث الآن.
[تان يوي]:
عليّ أن أقابل شخصًا مهمًا.
تصلّب الابتسامة التي ارتسمت لا شعوريًا على وجه سونغ لين تشو.
مرة أخرى؟ مقابلة مع شخص مهم؟!
كم عدد الأشخاص المهمين الذين يعرفهم هذا الرجل الكلب؟
هل يكون نفس الشخص المهم الذي ذكره من قبل؟
اللعنة! من تكون تلك الثعلبة الصغيرة هذه المرة؟!
أو ربما… ربما قد تمادى بالفعل وأغضب تان يوي؟
فليس الجميع يمتلك نفس جلد الوجه السميك مثله. وحين كان تان يوي يتصرف بطريقة الكلاب الوفيّة من قبل، كان لا يزال قادرًا على التظاهر بعدم رؤية الرسائل.
آه… هل كان العجوز يفعل هذا عمدًا؟
لو فكّرنا بالأمر، من هو تان يوي حقًا؟
منذ طفولته، والجميع يتملقه، يلاحقه بالإعجاب، لا أحد يرفضه، الكل يرضخ له.
ومن الكلمات المتلعثمة التي استخدمها ليراضيه، بات واضحًا أنه لم يعتد على أن يكون هو الطرف الذي يحتاج إلى تقديم التنازلات.
ثم… مشاعره تجاهه قد لا تكون عميقة أصلاً.
فقد قال سابقًا إنها مجرد ميل بسيط، أي نوع من الانطباع الجيد لا أكثر.
من المرجّح أن مشاعر تان يوي لم تصل إلى حد الإعجاب الحقيقي.
ربما فقط اغتُرّ بلحظة من لحظات سكره، وانتهى بهما المطاف معًا في الفراش.
لكن الآن، ما المميز في مشاركة السرير؟ الرجال مخلوقات يفكرون بأسفلهم.
حين يُثار أحدهم، لا حاجة للحب، يكفي أن ينام معه أولاً، ثم يفكر لاحقًا.
ربما كان يسمح لنفسه بالدلال عليه لأنه كان شيئًا جديدًا، أو تجربة مثيرة خارج المألوف.
لكن الآن، لقد هرب من المنزل لأيام، ولم يعد.
أطبق سونغ لين تشو شفتيه بتوتر.
ربما كان تان يوي متعلقًا فقط بذلك سونغ لين تشو الذي كان يطارده بشغف كل يوم، ويمطره باهتمام لا ينتهي.
غرق سونغ لين تشو في دوامة من التردد والشك، حتى بدأ يتخيل السيناريوهات الأسوأ… بل وفكّر فجأة:
إذا تطلقنا، من سيأخذ حضانة الطفل؟
آه، صحيح… لا يوجد طفل أصلًا.
وفي خضم هذه الأفكار المتشابكة، لم ينتبه سونغ لين تشو لما يقوله المضيف، حتى سمع العبارة التالية:
“والآن، دعونا نرحّب بحرارة بالمتحدث الرئيسي المحاضر، السيّد تان يوي! مرحبًا بك، سيد تان!”
سونغ لين تشو، الذي أنهك نفسه قبل لحظات باحتمالات مريرة، شحب وجهه وعلت تعابيره الصدمة:
“؟؟؟”
رفع رأسه بسرعة، ليرى رجلًا بملامح هادئة وخطى واثقة يصعد إلى المنصة.
مستحيل… لا يعقل أن يكون… الشخص المهم الذي كان سيقابله… هو نفسه!
رغم أن الفكرة بدت مبالغًا فيها، إلا أن الغيوم التي كانت تغطي قلبه بدأت تنقشع، وكأن الشمس عادت تشرق بعد المطر. استرخى توتره، وتسللت ابتسامة صغيرة إلى زوايا شفتيه وعينيه.
هذا الرجل الكلب…
وفي القاعة، ساد الصمت فجأة بين الطلاب، بعدما كانوا يتهامسون ويعبثون بهواتفهم. وما إن ظهر الرجل، حتى صدح الجميع بانسجام مدهش:
“وااااو!”
“يا إلهي! عندما ذكر المضيف مؤهلاته، ظننته سيكون رجلًا في منتصف العمر ذو كرش وبشرة متعبة! من هذا الوسيم؟!”
“هذا السيّد تان وسيم جدًا وشاب بطريقة لا تُصدق! غير ممكن!”
“هل خرج هذا الرئيس التنفيذي من دراما تلفزيونية؟! كم هو مهيب!”
“أمييي، وقعت في الحب! أريد أن أنجب منه قرودًا! مئة قرد!”
“في دقيقة واحدة، أريد كل المعلومات المتوفرة عن هذا الرئيس التنفيذي فورًا!”
انخرط الحاضرون في القاعة بموجة من الهمسات والنقاشات المتحمسة، وتسابق بعضهم إلى إخراج هواتفهم المحمولة لتوثيق اللحظة.
وقف تان يوي أمام المنصة، وقد اجتاحت نظراته أرجاء القاعة بأكملها. لا يُدرى إن كان السبب في ذلك نظراته الباردة أو هيبته الطاغية، لكنّ الطلاب الذين كانوا يتهامسون ويتضاحكون قبل قليل، سكنوا فجأة ما إن ألقى عليهم نظرة عابرة.
جلس سونغ لين تشو يحدق بصمت إلى الرجل الواقف على المسرح.
لم يكن ليتخيل، ولو للحظة، أن تان يوي سيظهر في هذا المكان.
فهو يكره حضور المناسبات أيًّا كان نوعها، فكيف بمحاضرة عامة على هذا النحو؟
لكن نظرة تان يوي سرعان ما استقرت على وجهه،
ثم، برفق، جذب زاوية شفتيه إلى الأعلى في ابتسامة خفيفة.
وفي اللحظة نفسها، دوّى صراخ حاد اجتاح القاعة من كل الجهات.
“…”
المغازلة أمام هذا العدد الكبير من الناس… أمر غير لائق على الإطلاق!
شعر سونغ لين تشو بسخونة تتصاعد إلى أذنيه، وما إن همّ بخفض نظره هروبًا من تلك النظرة، حتى سمع الفتاة الجالسة إلى جانبه تقول بحماس وهي تضرب قدمها بالأرض:
“هل كان يبتسم لي؟ لا شك أنه كذلك!”
فقالت أخرى: “لا، أنتِ واهمة! كان يبتسم لي بوضوح!”
ثم صاح الفتى من خلفهم:
“آه! كان ينظر إليّ! أنا متأكد!”
سونغ لين تشو: “…؟”
لكن هذه الأوهام الجماعية لم تدم طويلًا، إذ لاحظ كثيرون، حين أمسك تان يوي بجهاز الإشارة وقلّب إلى الصفحة الأولى من العرض التقديمي، أن هناك خاتمًا يزيّن إصبعه البنصر.
اتضح أنه شاب متزوج!
فتحوّلت مشاعر الإعجاب التي بدأت في قلوب بعض الطلبة والطالبات إلى دموع خيبة أمل.
ورغم أنه لم يكن راغبًا في الاعتراف بذلك، فإن سونغ لين تشو شعر برضا داخلي لا يمكن إنكاره.
مدّ يده ولمس الخاتم الذي يضعه في إصبع يده اليسرى الأوسط.
فكونه طالبًا وشخصية معروفة في جامعة A، فإن ارتداء الخاتم في الإصبع البنصر كان ملفتًا أكثر من اللازم.
لذا، هو وتان يوي قدّما طلبًا رسميًا للسماح له بارتداء خاتم الزواج في الإصبع الأوسط أثناء وجوده في الحرم الجامعي.
ففي نهاية المطاف، هو ما يزال شخصًا ' محجوزًا '.
أما تان يوي، فلم يُعر أيّ اهتمام للضجة في الأسفل.
اختبر الميكروفون، ثم بدأ قائلًا:
“طاب مساؤكم، أيها الزملاء الأعزاء في جامعة A.
أنا تان يوي…”
انطلقت نبراته الرزينة المتأنية عبر مكبرات الصوت، لتصل إلى جميع أركان القاعة.
لا يُدرى إن كانت هيبته الفطرية أم صوته الهادئ هو ما فرض هذا السكون التام،
لكن الهدوء كان مطبقًا لدرجة أن المرء لو ألقى بدبوس، لأمكن سماعه.
حتى أولئك الذين كانوا منشغلين بهواتفهم،
توقّفوا عن استخدامها دون أن يُطلب منهم.
رفع كثيرون هواتفهم لتسجيل ما كان يبدو وكأنه محاضرة ملهمة… أو ربما كانوا فقط يحاولون توثيق حضوره.
وبرغم معرفته أنه لا ينبغي له أن يشعر بشيء كهذا، أو على الأقل ألا يستسلم له، فإن سونغ لين تشو لم يستطع منع نفسه من الشعور بشيءٍ من الضيق.
غير أنه سرعان ما طوى هذه المشاعر جانبًا.
فالكلمات التي ألقاها تان يوي كانت محكمة، وخبرته كرائد أعمال منذ أيام دراسته جعلت محاضرته زاخرة بالتجربة والفائدة.
استغرق سونغ لين تشو في الاستماع كليًا، وقد جذبته التفاصيل العملية في حديثه.
وكان تان يوي، بين الحين والآخر، يُلقي نظرة نحو شخص محدد في القاعة.
ذلك الشخص، الجالس باهتمام، بملامح جادة، ينحني أحيانًا لتدوين الملاحظات، حتى خصلة شعره التي انسدلت على جبينه كانت تنطق بالتركيز والجدية.
تان يوي شعر حينها أن تخصيصه وقتًا من جدوله المزدحم لإلقاء هذه المحاضرة… لم يكن عبثًا.
فلولا ذلك، لما حظي برؤية هذا المشهد عن قرب.
كم هو لطيف…
لم يلحظ سونغ لين تشو نظرات تان يوي الخفية.
كانت محاضرة اليوم من المحاضرات الثمينة بحق، فقد أجابت عن كثير من تساؤلاته العالقة.
لا يمكنه الجزم إن كانت قد أفادت الجميع، لكن بالنسبة لشخصٍ مثله يطمح إلى ريادة الأعمال، فقد كانت هذه المحاضرة ذات قيمة لا تُقدَّر بثمن.
وحين قال تان يوي: “هنا تنتهي محاضرتي”، ودوَّى التصفيق في القاعة، أدرك سونغ لين تشو أن ساعةً كاملة قد مضت وكأنها لحظة.
لكن، أليس هذا التصفيق… عالياً أكثر من اللازم؟
تلفَّت وهو في شبه ذهول، فإذا بالمنطقة خارج المدرج قد امتلأت أيضًا بالطلبة.
لا بد أن الخبر قد انتشر بين الحاضرين، ربما عبر طالبٍ شارك الأمر على وسائل التواصل، فتهافتوا من كل حدبٍ وصوب.
من الصعب التمييز، كم منهم جاء بسبب وسامة تان يوي، وكم منهم جذبهم مضمون حديثه، وكم اجتمع فيه الأمران.
رفع تان يوي معصمه ونظر إلى ساعته قبل أن يقول: “الخمسة عشر دقيقة القادمة مخصصة للأسئلة. من لديه سؤال، فليرفع يده.”
وأثناء حديثه، عاد بنظره مجددًا نحو سونغ لين تشو.
كان لدى سونغ لين تشو الكثير من الأسئلة، لكنه لم يكن ينوي طرحها الآن، فبإمكانه أن يسأل زوجَه لاحقًا في المنزل. غير أن نظرة تان يوي أثارت في داخله رغبة طفيفة في التحدث.
لكن لم يكن وحده من شعر بذلك.
فبمجرد أن أنهى تان يوي كلامه، ارتفعت يدٌ من بين الحضور.
وقع بصره على الطالبة، فأشار إليها إشارةً تدعوها للكلام.
وقفت الفتاة بحماس، واستلّمت الميكروفون من أحد الصفوف الأمامية. وربما بسبب توترها، بدا وكأن عقلها قد توقف للحظة، تعثرت الكلمات على لسانها، وازداد اضطرابها، حتى احمرَّ وجهها واغرورقت عيناها بالدموع من فرط الإحراج.
قال تان يوي من على المنصة، بصوته المنخفض الذي اتّسم بنبرة لم يسبق لها أن سُمعت منه: مطمئنة، دافئة: “لا داعي للتوتر… خذي وقتك.”
لم يستطع سونغ لين تشو إلا أن يبتسم.
أها، إذًا حتى هذا الرجل الفولاذي الصلب يعرف كيف يواسي الآخرين!
ربما شعرت الفتاة بذلك التغيّر العابر في طبعه البارد، فهدأت شيئًا فشيئًا، وسرعان ما استجمعت سؤالها وطرحته.
وما إن أنهت حديثها، حتى رفع طالبٌ يجلس خلفها بصفين يده على الفور.
أشار تان يوي إليه أن يتفضل.
تناول الطالب الميكروفون، وكان واضحًا أنه من النوع الخفيف الظل، إذ قال مبتسمًا: “أنا أيضًا أشعر ببعض التوتر، أستاذ تان… هل يمكن أن تمنحني بعض التشجيع؟”
“واو!”… ترددت همسات الدهشة بين الطلبة، فلم يتوقع أحدٌ أن يجرؤ أحد على ممازحة هذا الرئيس التنفيذي الصارم والبارد بهذا الشكل.
لكن تان يوي، دون أن تتغير ملامح وجهه، أجاب بجفاف: “التالي.”
حينها، رفع سونغ لين تشو يده على الفور.
وما إن وقعت عينا تان يوي على يده المرفوعة، حتى تجاهل باقي الأيدي المنتشرة في المدرج، وقال: “هذا الطالب.”
وما إن أدرك الحاضرون أن المتحدث التالي هو سونغ لين تشو، حتى عمّت القاعة جولة جديدة من الصيحات والإعجاب.
فهو زهرة المدرسة، بلا منازع!
أمسك سونغ لين تشو بالميكروفون، وهمّ بطرح سؤاله، إلا أن تان يوي قاطعه قائلاً: “لاحظتُ هذا الطالب منذ قليل.
كان شديد التركيز، ويُدوِّن ملاحظاته بجدية.
هل لديك طموحات في ريادة الأعمال؟”
من يسأل من الآن؟
ألا تعرف أصلاً إن كانت لدي طموحات أم لا؟!
احمرَّ وجه سونغ لين تشو قليلاً، وأجاب باقتضاب: “أمم.”
هزَّ تان يوي رأسه بإيماءة خفيفة، ثم قال:
“بإمكانك إرسال خطة مشروعك إلى شركة الاستثمار التابعة لمجموعة وانوو. إن كانت الفكرة جيدة، قد تحظى بفرصة للاستثمار.”
سونغ لين تشو: “…”
أما الطلبة، فقد تبادلوا النظرات بدهشة، ثم أطلقوا معًا تنهيدة جماعية من الإعجاب: “وااااه!”
الجمال… له تأثيره، دون شك.
حتى قبل أن ينطق بكلمة، كان الرئيس التنفيذي قد ألقى إليه بغصن الزيتون. قارنوا هذا بالموقف السابق مع الطالب الآخر… يا له من فارق في المعاملة!
الغيرة… اشتعلت في القاعة.
انهمرت نظرات من كل صوب نحو سونغ لين تشو، بعضها حاسدة، بعضها مبهورة، وأخرى تمزج بين الاثنين.
حتى لي تشانغ، زميله القديم، كاد أن يغار منه، ومع ذلك شعر بالفخر والسعادة من أجله.
فمجموعة وانوو ليست شركة صغيرة. وإذا تمكّن حقًا من الحصول على دعمٍ استثماري من إحدى شركاتها الفرعية، فمستقبله سيكون مشرقًا بحق.
فـ سونغ لين تشو موهوب… ويستحق ذلك بكل جدارة!
لكن، لماذا تصرّف هذا الرئيس التنفيذي، المعروف عادةً ببروده وتحفّظه، على نحوٍ مختلف حين تعلّق الأمر بـ سونغ لين تشو؟
أيمكن أن يكون هذا الرجل المتزوّج قد علّق نظره على سونغ لين تشو، وينوي ملاحقته سراً أو حتى علناً؟
تبّاً! هل جميع من يحملون لقب تان أشخاص عديمو الضمير على هذا النحو؟
مهلاً، إن هذا الرجل… يحمل لقب تان أيضًا!
في تلك اللحظة، استشعر لي تشانغ، الذي لا يُعرف عنه سرعة البديهة، أن هناك خطباً ما.
التفت فجأة نحو سونغ لين تشو، فلاحظ الاحمرار الذي صعد إلى أذنيه وعنقه.
لي تشانغ: ؟؟؟؟
أيّ موهبة أعجبته فيه؟!
ما هذا إلا استعراضٌ علنيٌ لمشاعر الحب!
أوه، تباً!
لحسن الحظ، لم يكن لا سونغ لين تشو ولا تان يوي من أولئك الذين يخلطون بين مشاعرهم والجانب المهني. إذ لم يتجاوز تان يوي تلك الجملة العابرة، وردّ عليه سونغ لين تشو بإيماءة مقتضبة، قبل أن يطرح سؤاله كأي طالب آخر.
توالت بعدها الأسئلة من المقاعد الخلفية، واستمرّ الحوار إلى أن أعلن تان يوي نهاية فقرة الأسئلة والأجوبة بعد انقضاء الخمس عشرة دقيقة، فانفضّ الجمع على مضض.
خرج سونغ لين تشو برفقة لي تشانغ من قاعة المحاضرات مع بقية الحضور.
وما إن وصلا إلى منطقة أقل ازدحاماً، حتى لم يتمالك لي تشانغ نفسه وقال:
“ذاك تان يوي… أهو الشخص الذي حدّثتني عنه سابقاً؟”
تنحنح سونغ لين تشو وأومأ برأسه: “نعم، هو.”
توسّعت عينا لي تشانغ: “الآن فهمتُ سبب إصرارك على الجلوس في الصف الأمامي. اتضح أنه من أجل تبادل النظرات والتواصل السري!
أنتما بارعان في التمثيل أمام الناس، حقاً!”
تواصل سري؟! أيُّ هُراء هذا؟!
قال سونغ لين تشو بانفعال، وقد عادت الحرارة إلى أذنيه: “كلا! لم يُخبرني بأنه سيكون موجودًا.
أردتُ حقاً حضور المحاضرة.”
ضحك لي تشانغ: “لا حاجة للتبرير، فهمت الأمر… تماماً، هاهاهاها.”
سونغ لين تشو: “…”
كلا، لم تفهم شيئاً!
لكن، وبينما كان لي تشانغ لا يزال يتأمل وسامة تان يوي وجاذبيته، بدأت مشاعر الغيرة تتبدد في صدره، لتحلّ محلها مخاوف جديدة.
قال بعد تردّد: “فقط… يا لين تشو، ليس لأنني أظنّك غير كفء، لكن تان يوي يبدو بالغ التميّز، وفوق هذا ثري. لديه من الخيارات ما لا نستطيع نحن حتى أن نتخيّله. فهل هو جادٌّ معك حقاً؟”
فهم سونغ لين تشو قلق صديقه، فابتسم بخفة وقال مطمئنًا: “لا تقلق، هو يعاملني بلطف… وبصدق.”
احمرّ وجه لي تشانغ، وقال وقد خفض صوته: “أقصد… هل لديه عيب جسدي أو شيء من هذا القبيل؟ مثلاً، ألم يُقال إن عمه… ذيل خروف؟”
لم يكن سونغ لين تشو قد أخبره بهذا، لكن تان مينغ تشينغ أرسلت تسجيلاً صوتيًا، شغّله سونغ لين تشو عن طريق الخطأ على مكبّر الصوت، فسمعه لي تشانغ.
رفع سونغ لين تشو يده إلى وجهه في يأس:
“لا، ليس هو… ليس نفس الشخص.”
“حقًا؟”
أومأ بجدية: “حقًا.”
لكن لي تشانغ ما زال يحمل بعض الشكوك، فقال في توجّس: “متأكد أن هذا الرئيس تان رجل حقيقي؟ هل… جربته؟”
مع أن الجميع كانوا يمازحونه حول هذا الأمر أثناء وليمة الهوت بوت، إلا أن سونغ لين تشو أنكر الأمر دائمًا.
فهل كان إنكاره صادقاً؟
تردّد للحظة، واحمرّ وجهه كالعادة.
كيف انقلب الحوار إلى هذا الاتجاه؟!
“هيه، نحن إخوة، لم الخجل؟”
قالها لي تشانغ بابتسامة مشاغبة.
“… تبًّا لك!”
أجل، نحن إخوة، فلا حياء في مثل هذا الحديث.
وما إن همّ سونغ لين تشو بالرد، حتى تغيّرت ملامح لي تشانغ فجأة وأشار له بإيماءة غريبة.
ما به؟ هل بلغ به الغضب حدّ التشوّه؟!
لا، لا حاجة لكل هذا الغضب.
وبينما كان سونغ لين تشو يتساءل عن تصرّف صديقه الغريب، قرّر في لحظة تهوّر أن ينهي الأمر وقال بجرأة:
“نعم، جرّبته، وكان رائعًا… مذهلًا!”
توقف لحظة ثم أضاف، وكأنه يزيد الطين بلّة:
“لقد كاد يرسلني إلى المستشفى في المرّة الأولى… تخيّل كم كان شرسًا!”
ساد الصمت، وتجمدت ملامح لي تشانغ في مكانها.
وقبل أن يفهم سونغ لين تشو سبب الصدمة، سمع صوتًا مألوفًا خلفه يقول:
“ما معنى كاد يرسلك إلى المستشفى؟
إلى أيّ حدّ كان… شرسًا؟”
“…”
استدار سونغ لين تشو ببطء، وإذا بعيني الرجل البارد الذي يعرفه جيدًا، تان يوي، تنظران إليه بجمود، وقد تخلّلتهما نظرة ساخرة لم تخفَ عليه.
كان هذا المشهد… موتًا اجتماعيًا بكل ما تحمله