“لين تشو، لين تشو، انتهى الدرس.”
هزّه لي تشانغ بخفة، فقد نام سونغ لين تشو خلال ما يقرب من نصف المحاضرة، وهذا أمر لم يعتده منه منذ دخولهما الجامعة.
حتى في الليالي التي يقضونها في الغناء حتى الفجر في الكاريوكي، كان سونغ لين تشو قادرًا على تحمل التعب وحضور المحاضرات قبل أن يأخذ قيلولته.
رفع سونغ لين تشو رأسه عن ذراعه، كان يبدو ناعسًا، وجهه محمرّ، وجفونه العلوية متدلية كأنها تتلاحم مع السفلية من شدة الإرهاق.
“يا إلهي، هل سرقت شيئًا الليلة الماضية؟ لماذا تبدو مرهقًا هكذا؟” سأل لي تشانغ وهو يجمع كتبه.
أجاب سونغ لين تشو بوجه خالٍ من التعابير وبصوت أجش: “قضيت الليل أملأ المخططات.”
المخططات: ؟؟؟
ولحسن الحظ، أن المخططات لا تتكلم، وإلا لفضحته.
قال لي تشانغ بقلق: “تعمل بجهد مبالغ فيه… صحتك أهم، وإذا كنت بحاجة إلى المال، فأنا أستطيع إقراضك.
كأخوك، أستطيع اعطائك حتى عشرة آلاف يوان.”
سونغ لين تشو: “…”
وها هو الأخ الوفي، الذي قد يضع نفسه أمام السكين من أجلك. أوفى من بعض الكلاب.
“لو كان ذاك الرجل المتعجرف يملك ذرة عقل ليفهم قيمتي، هل كنت سأهرب منه؟”
قالها في قلبه، يختنق بالمرارة، لكن ملامحه بقيت هادئة لا تعكس شيئًا، واكتفى بالقول:
“لا داعي، كنت فقط ألهو أثناء عطلة رأس السنة، ولم أنهِ المخططات.”
“حقًا؟” رفع لي تشانغ حاجبيه.
كان يعتقد أن سونغ لين تشو لا يعرف معنى ' اللهو ' من الأصل.
“إذا احتجت أي مساعدة، كلّمني مباشرة.
لا تكتم على نفسك، وإلا سأغضب منك.”
“لا، حقًا، أنا بخير.” ابتسم سونغ لين تشو وأضاف: “لنذهب.”
خرجا معًا من قاعة المحاضرات.
كان الربيع قد حل، وأيامه بدأت تطول.
أنهوا آخر محاضرة لهذا اليوم، والشمس لم تغب بعد.
عند مفترق الطريق، سأل لي تشانغ وهو يحمل حقيبته:
“إلى أين أنت ذاهب؟ ألم نتفق أن نذهب إلى منزلي لتناول الهوت بوت احتفالًا بانتقالي؟ هل نسيت؟”
في الحقيقة، كان سونغ لين تشو قد نسي تمامًا. وبحالته الراهنة، لو تناول هوت بوت فسيغشى عليه في الحمام من التعب.
لكنه لم يُرد أن يُخيّب أمل لي تشانغ، فقال:
“سأعود لأبدّل ملابسي أولًا، ثم أتي. على الأرجح البقية لم يصلوا بعد.”
“تمام، أسرع، سأرسل لك الموقع على ويتشات.”
“حسنًا.”
أخرج سونغ لين تشو هاتفه من جيبه وهو يسير. كان الهاتف في وضع الصامت طوال الوقت، لكنه اكتشف أن تان يوي قد أرسل له عدة رسائل.
وما إن قرأ الرسالة الأولى حتى كاد ينفجر ضاحكًا.
[تان يوي]:
لقد تماديت الليلة الماضية ولم أتمكن من ضبط رغباتي. فكّرت جيدًا في خطئي وأدركت فداحته. أعدك أنه لن يتكرر. أرجوك، سامحني!
هذا لا يشبه أسلوب تان يوي أبدًا.
من غير المعروف كيف تمكّن من صياغة مثل هذه الفقرة.
في صباح اليوم، وبعد أن وصل سونغ لين تشو إلى الجامعة، حاول تان يوي الاتصال به.
لكنه كان غاضبًا، ومعتدًّا بثقته بأن مكانته مميزة، فقطع المكالمة بلا تردد.
وحين اتصل الكلب مرة أخرى، أغلق الخط ثانية، وأرسل له رسالة عبر ويتشات:
“المستخدم الذي تحاول الاتصال به قد توفي نتيجة الإفراط في الاستخدام، الرجاء المحاولة بعد عام.”
ثم تجاهله تمامًا.
على ما يبدو، شعر تان يوي بخطورة الموقف، فأرسل له هذه الرسالة المليئة بالندم… وبطرافة غير معتادة.
لكن، رغم كل شيء، لم يكن سونغ لين تشو مستعدًا للعفو بهذه السهولة.
واصل القراءة.
[تان يوي]:
[(ركوع) (ركوع) (ركوع)]
[تان يوي]:
(زوجتي، هل تعتقد أن وضعية ركوعي مثالية.jpg)
“…”
انفجر سونغ لين تشو بالضحك مرة أخرى.
يا رئيس تان، تذكّر برودة ملامحك وهيبتك الجليدية، لا تنحدر في طريق النكات والميمات!
بدأ يعتقد أن تان يوي تعلّم هذه الحركات من موظف في الشركة، أو ربما عبر الإنترنت.
وإلا، فلا يمكنه تخيل أن هذا الرجل، الجالس بجديّة خلف مكتبه الفاخر، يرسل مثل هذه العبارات والصور متلقّيًا الإرشاد من أحدهم وكأنه طالب مبتدئ في الحب!
استمرّ في التمرير للأسفل.
الرسالة التالية كانت أكثر جدية، أُرسلت قبل دقائق فقط، ولم تتضمن سوى خمس كلمات:
[تان يوي]:
هل ستعود إلى المنزل الليلة؟
لسببٍ ما، دوّى إنذار في رأس سونغ لين تشو عند قراءة هذه الجملة.
فوفقًا لأسلوب تان يوي في الصمت والعمل، فلن يتركه يتجول هائمًا بلا رقابة.
من الأرجح أنه الآن ينتظر عند مبنى السكن، مترصّدًا الأرنب الصغير حين يعود.
لا، لا يمكنه العودة إلى السكن الآن، وإلا فقد يكون سلّم نفسه له على طبق من فضة.
وبهذه الفكرة في ذهنه، توقفت خطوات سونغ لين تشو على الفور، ثم استدار دون تردد واتجه نحو بوابة الجامعة.
العودة إلى السكن كانت خيارًا مستحيلًا.
لا بد من ترك ذلك العجوز يتقلب في قلقه لعشرة أيام، أو نصف شهر على الأقل، ليدرك خطورة ما فعله: إغواء وخداع طالب جامعي بريء، دون حياء أو كبح لشهواته!
ومع ذلك، ولمنع العجوز من انتظاره عبثًا، أرسل له سونغ لين تشو رسالة.
[شياو سونغ لين]:
╭(╯^╰)╮ لن أعود في الوقت الحالي!
[شياو سونغ لين]:
ذاهب لتناول العشاء في منزل صديقي.
[شياو سونغ لين]:
فليتابع الرئيس تان الاستمتاع بحياة العزوبية السعيدة~
[تان يوي]: …
[تان يوي]:
كم ستبقى خارجًا؟
[شياو سونغ لين]:
يعتمد على مزاجي، هيهي~
[شياو سونغ لين]:
باي باي!
أسفل مبنى السكن الجامعي، كانت هناك ساحة مؤقتة لوقوف السيارات.
نظر تان يوي إلى سلسلة الرسائل التي انتهت فجأة واختفت، ثم رفع يده إلى جبينه يدلكه بلا حول.
في قاموس تان يوي الحياتي، لم يكن هناك باب بعنوان ' ملاطفة الآخرين '، لكنه كان خبيرًا في إثارة الغضب.
والآن، بعد أن بلغت الأمور حدّها، لم يعرف من أين يبدأ.
شخص ما فضّل تحمّل أذية زميله في السكن على العودة معه إلى المنزل، وهذا وحده كفيل بأن يُثبت مدى غضبه.
لقد تجاوز الحدود بالفعل في الليلة الماضية، وتصرّف بلا كبح أو توازن.
لم يكن تان يوي ممن يتهربون من المسؤولية، لكن هذه المرة كانت تجربة جديدة كليًا عليه، لذا لم يجد أمامه سوى خيار واحد: احترام مشاعر سونغ لين تشو.
ألقى نظرة أخيرة على مبنى السكن، ثم قال بنبرة هادئة:
“ارجع.”
تفاجأ تشينغ بين، الذي كان جالسًا في المقدمة، وقال بدهشة:
“ألا ينبغي أن ننتظر حتى يخرج السيد سونغ؟”
ردّ تان يوي:
“دعه يبقى في الجامعة لبضعة أيام.”
ثم، وبعد وقفة قصيرة، قال ببرود:
“اعتنِ بزميله في السكن.”
ارتجف قلب تشينغ بين من وقع هذه الكلمات، وأجاب بصوت منخفض:
“حسنًا، سيدي.”
كان لي تشانغ قد ذهب إلى المتجر لشراء بعض زجاجات العصير، حين تلقى مكالمة من سونغ لين تشو يخبره بأنه بانتظاره أسفل المبنى.
فأسرع عائدًا، ليجده واقفًا مرتديًا نفس ملابسه التي كان بها في الجامعة.
اقترب منه وربّت على كتفه مبتسمًا:
“أخي، ألم تقل إنك ستعود لتبديل ملابسك؟”
كانت ضربة اليد خفيفة، لا هي قوية ولا رخوة، مجرد تحية عادية بين الشبان. لكنها كادت أن تُخرج سونغ لين تشو عن طوره من الألم.
تقلصت ملامحه بشكل لا إرادي، وعضّ على أسنانه وقال بصوت مكبوت:
“وهل من الممنوع ألا أبدّل ملابسي؟!”
“حسنًا، حسنًا!” قال لي تشانغ، وهو لا يلحظ شيئًا غير طبيعي في سلوك رفيقه، ثم دفعه بلطف للأمام.
“لنذهب، يا أخي.”
سونغ لين تشو: “…”
لست أخي، كل الحي أصبح إخوانك.
استأجر لي تشانغ شقة في مجمّع سكني حديث نسبيًا، كان بالأصل مبنى إعادة توطين للمنازل المهدومة. جودته المعمارية متواضعة، لكنه يمتاز بإيجار منخفض.
كثير من ملاك العقارات هناك لا يعيشون فيها، بل يقسّمون الشقة الكبيرة إلى غرف صغيرة ويؤجّرونها للطلبة أو أولياء أمور مرافقين.
استأجر لي تشانغ وحبيبته شقة بغرفة نوم واحدة، تحتوي على مطبخ وحمام وشرفة، تقع في الطابق التاسع عشر. كانت الإطلالة جميلة، والشقة رغم صغر حجمها، كانت تكفيهما تمامًا.
لم يكن الآخرون قد وصلوا بعد.
كانت حبيبه لي تشانغ قد اختارت مكونات الهوت بوت منذ فترة الظهيرة، وقد وصلت في الوقت المناسب تمامًا مع وصولهما.
تشمّر سونغ لين تشو ولي تشانغ عن أكمامهما ودخلا المطبخ ليساعدا في غسل الخضروات.
وبحلول الوقت الذي وصل فيه غاو يوان وهي وين يان، كانت معظم الخضروات قد تم تنظيفها بالفعل. تنوّعت الخضروات بشكل كبير، حتى إن المائدة لم تتّسع لها كلها، فتم وضع طاولة صغيرة بجانبها، وعليها عدد من الصحون.
دعا لي تشانغ الجميع للجلوس، ووُضعت المكونات في القدر، لكنها لم تكن قد نضجت بعد.
فتح لي تشانغ زجاجة النبيذ التي طلبها، وملأ كؤوس الجميع، ولم ينس أن يسكب كوبًا من عصير البرتقال لحبيبته بعناية.
رفعوا الكؤوس واحتفلوا بانتقال لي تشانغ إلى مسكنه الجديد.
وبعد أن أنهى غاو يوان كأسه، قال:
“المنزل جميل حقًا.
الإضاءة والإطلالة أفضل بكثير من شقتي.”
فردّ لي تشانغ، وهو يواصل سكب النبيذ للآخرين بنبرة راضية:
“طبعًا! أحببت هذا المكان من النظرة الأولى.
السعر مناسب، قريب من الجامعة، والعيب الوحيد أنه صغير بعض الشيء.”
علق هي وين يان:
“شخصان فقط يعيشان فيه، كافٍ تمامًا.
منزلي أنا واسع أكثر من اللازم، وموحش جدًا.”
“تبًّا!” أشار إليه لي تشانغ وهو يضحك،
“تتباهى بثروتك أمامنا يا هذا؟ يا مليونير!”
كان هي وين يان من عائلة ثرية، وقد اشترى شقة جديدة مفروشة بالكامل بالقرب من الجامعة، مما جعله محطّ حسد بينهم، هم الطلاب المعدمون.
قهقه هي وين يان وقال:
“كيف تقول ذلك؟ أنا فقط أحاول أن أفتح بصيرتكم، انظروا إلى عيوني الصادقة الكبيرة… كازيلان الأصلية!”
وبينما يتحدث، راح يرمش بعينيه الصغيرتين الضيقتين بحماس.
فانفجر الجميع ضاحكين من وقاحه هي وين يان الواضحه.
في تلك اللحظة، فجأة قال غاو يوان:
“بالمناسبة، أليس لين تشو قد انتقل أيضًا؟
أين تسكن الآن؟ هل وجدت لك مكانًا؟”
كان سونغ لين تشو، الذي جلس يستمع كمتفرج، لا يدري كيف تحوّلت دفة الحوار إليه.
عضّ على شفتيه، وتردّد بين قول الحقيقة والكذب، ثم قال بنبرة متوترة بعض الشيء:
“أنا أعيش مع شريكي.”
وكأن صاعقة ضربت الطاولة، تلبّد الجو فجأة. باستثناء هي وين يان، الذي كان قد التقى بتان يوي وعرف التفاصيل، كان الجميع في حالة ذهول.
أشار إليه لي تشانغ بأصابع مرتجفة:
“تبًّا!!! متى حصلت على شريك؟! ولماذا لم تخبرني؟!”
حكّ سونغ لين تشو رأسه وضحك بتوتر،
“منذ رأس السنة الماضية تقريبًا… لم أكن أخفيه عنكم عمدًا، لكني لم أجد طريقة مناسبة لأقدّمه لكم… وضعه حساس قليلًا.”
أخذ غاو يوان رشفة من الجعة وسأل:
“حساس؟ لا تقل لي إنه ذلك الشخص من جامعة الطيران المجاورة؟”
كان هناك شاب معروف في تلك الجامعة قد نشر اعترافًا علنيًا بحبه لسونغ لين تشو على حائط الاعترافات، مما أثار ضجة في حينه.
ذلك الشخص كان وسيماً إلى حد ما، ذا طبع متمرد وجذاب، وقد أثار إعجاب الكثيرين، لكنه كان سيّء السمعة، ونصح الجميع سونغ لين تشو حينها بعدم الانجراف خلف ذلك الاعتراف.
لاحقًا، أوضح المعنيّ بالأمر أن الاعتراف لم يكن سوى رهان بينه وبين أصدقائه، وأنه في الواقع لا يعرف سونغ لين تشو إطلاقًا، وانتهى الأمر عند ذلك الحد.
“لا، بالطبع لا.” تنهد سونغ لين تشو، ثم، وهو يلاحظ نظرات الفضول المشوبة بالدهشة من أصدقائه، سعل بخفة وقال:
“اسمه تان… لكنه ليس تان مينغ تشينغ. إنه عمّه.”
سقط الصمت على الغرفة.
ثِقل تلك الكلمات كان هائلًا، حتى إن الأربعة الآخرين جَمُدوا في أماكنهم.
حتى هي وين يان، رغم معرفته المسبقة، بدت عليه ملامح الصدمة مجددًا.
“ع… عم تان مينغ تشينغ؟” تلعثم لي تشانغ،
“لماذا كل علاقاتك تنتهي بأشخاص اسمهم تان؟!”
قال غاو يوان، مقاطعًا الحديث وقد غلبت عليه نبرة التشكك:
“نعم، من يدري ما مقصده الحقيقي من… أحم… من الارتباط بحبيب ابن أخيه السابق؟
هل أنت واثق من أنهما ليسا من طينة واحدة؟
إياك أن تُخدع!”
حتى حبيبه لي تشانغ همست قائلة:
“عم مينغ تشينغ؟
إذًا لا بد أنه في الثلاثين من عمره، أليس كذلك؟”
فقال سونغ لين تشو بهدوء:
“صحيح أنه عم مينغ تشينغ، لكنهما ليسا قريبين بالمعنى الحقيقي، وهو لم يرتبط بي بسببه، ولم يخدعني. فلا داعي للقلق.”
ثم تابع بابتسامة خفيفة:
“أما عن عمره، فقد أتم التاسعة والعشرين بعد عيد ميلاده هذا العام. هي وين يان رآه شخصيًا، أليس كذلك؟ إنه ليس كبيرًا في السن، أليس كذلك؟”
أومأ هي وين يان برأسه وقال:
“بل إنه وسيم للغاية. إن قارنتما معًا، فمينغ تشينغ يبدو وكأنه طفرة جينية فاشلة.”
ضحك الجميع على تعليقه الوقح، لكن لي تشانغ ظلّ متوجسًا، فصفق على فخذه وقال:
“ما زلت غير مطمئن! لماذا لا تدعوه إلى عشاء معنا؟ نراه ونحكم بأنفسنا.”
هزّ سونغ لين تشو رأسه موافقًا، وقال بثبات:
“لا بأس، لكن امنحوني بعض الوقت، فهو مشغول هذه الأيام.”
ولحسن حظه، فقد علم مؤخرًا أن تان يوي ليس عمًّا بيولوجيًا لمينغ تشينغ، وإلا لما تجرأ على البوح بذلك أمامهم.
فكيف كان له أن يشرح لهم أن غيرته من تباهي سو تشان المستمر دفعته إلى اتخاذ قرار متهور بحرمان مينغ تشينغ من الميراث، عبر الارتباط برجل مسنّ كان يعتقد أنه يحتضر؟
وبسبب حالته الجسدية، اكتفى سونغ لين تشو بتناول المرق الخفيف من الهوت بوت.
أما البقية، فكانوا يرمقونه بنظرات جانبية، مملوءة بفهم مبطن، وكأنهم يقولون جميعًا: “نفهمك، نفهمك تمامًا…”
ما جعل سونغ لين تشو يشعر بالإحراج والانزعاج، وأضمر في نفسه غضبًا مكتومًا تجاه تان يوي.
ظلوا يتناولون العشاء حتى قرابة الحادية عشرة مساءً، ثم تفرّقوا.
وحين عاد سونغ لين تشو إلى السكن، كان سو تشان قد انتهى تواً من الاستحمام. ويبدو أن القدر شاء أن يجمعهما في الممر الضيق خارج الحمام.
إذ كان حمام السكن قريبًا من المدخل، وكان باب السكن يُفتح إلى الداخل، فلم ينتبه سونغ لين تشو لوجود أحد، فاصطدم عن غير قصد بالوعاء الذي كان في يد سو تشان.
فسقط الوعاء على الأرض، وتناثرت منه فرشاة الأسنان ومعجون الأسنان والأكواب.
لعن سونغ لين تشو في سره، وانحنى بسرعة لمساعدته في جمع الأغراض، ثم ناوله إياها قائلًا:
“آسف.”
حدّق به سو تشان بنظرة ثقيلة.
ويبدو أن ولائم رأس السنة قد تركت أثرها عليه، إذ بدا وقد ازداد وزنه قليلًا، حتى ظهرت عليه بوادر ذقنٍ مزدوج حين خفض رأسه.
ومع ذلك، كانت بشرته شاحبة، وعيناه حمراوين، كأنما كان يبكي. من يعلم، ربما كان ذلك بسبب انفصاله عن تان مينغ تشينغ، وضياع حلمه بالدخول إلى عائلة مرموقة.
قال بهدوء، وهو يسحب الوعاء من يده:
“لا بأس.”
ثم استدار وذهب إلى الشرفة، يجرّ ظله وراءه.
وقف سونغ لين تشو متحيرًا.
رغم أن سو تشان بدا متجهمًا، إلا أنه لم يتلفّظ بأي كلمة لاذعة، وهذا بحد ذاته كان مفاجئًا له.
يبدو، على الأرجح، أن تان يوي قد فعل شيئًا جعله يُغير طريقته في التعامل معه.
يا له من رجل كلب! لم يستطع سونغ لين تشو إلا أن يرفع طرف شفتيه بابتسامة خفيفة، شعر فيها برضا عميق.
أما في الشرفة، فقد ضرب سو تشان الحائط بقوة.
لكن كما لم يتحرك ذلك الجدار، كذلك هو لم يكن قادرًا على تحريك ذلك الرجل.
حتى لو أسقط سونغ لين تشو وعاءه عمدًا أو رماه في وجهه، فسيضطر إلى التحمل… وربما حتى الشكر.
“لماذا؟!” صرخ وهو يضرب الجدار بقبضته مرة أخرى.
“لماذا استطاع سونغ لين تشو أن يجد حبيبًا رائعًا هكذا؟!”
“بماذا هو أفضل مني؟!
لماذا لا يوجد رجل قوي وثري يحبني أنا؟!”
كانت الأيام التي تلت بداية الفصل الدراسي مملّة إلى حدٍ ما، لكنها لم تخلُ من الشعور بالرضا.
وجد سونغ لين تشو في هذه الرتابة راحة غريبة، ما بين قاعات الدراسة، والمقصف، والسكن، والمكتبة.
كان يدرس يوميًا في المكتبة حتى موعد إغلاقها في العاشرة مساءً، ثم يغادر بهدوء.
من جهة، لم يكن يرغب في قضاء الوقت مع سو تشاو إلا للضرورة، فبعض نظراته كانت تجعله يشعر وكأنه مدين له بملايين اليوان.
ومن جهة أخرى، كان يعمل بجد ليجمع رأس مال أولي يمكّنه من افتتاح استوديو خاص به في المستقبل، ويعرض فيه كل تصاميمه التي أبدعها بنفسه.
عند الساعة العاشرة مساءً، تثاءب سونغ لين تشو وهو يخرج من المكتبة، يحمل حقيبة ذات حزام واحد على كتفه.
كان الطقس قد بدأ يزداد دفئًا في هذه الأيام، وبدأت أنفاس الربيع تداعب الأجواء.
ولا يُعلم إن كان لهذا الفصل الوقح يدٌ في الأمر، لكن سونغ لين تشو بدأ يشعر بشوق خفي لتان يوي.
أخرج هاتفه، وفتح محادثته مع تان يوي، ليجد أن الأخير أرسل له رسالة قبل عشرين دقيقة:
[تان يوي]:
يان يان، هل أصبحتَ أفضل حالًا الآن؟
ابتسمت عيناه بامتنان، وبدأ يكتب:
[شياو سونغ لين]:
o( ̄ヘ ̄o#) أنا شخص طويل البال جدًا!
لم يطل الرد.
[تان يوي]:
لدي مقص.
سونغ لين تشو: “…”
يا له من… مطرقة!
ألا يعرف كيف يُراضي أحدًا؟!
[شياو سونغ لين]:
أمامك ثلاث ثوانٍ لتسحب رسالتك وتعوّضها بشيء لطيف!
بعد ثانية واحدة…
النظام:
قام تان يوي بسحب رسالة.
ثم ظهر شريط: “الطرف الآخر يكتب…”
ظلّ كذلك لمدة دقيقتين، ثم ظهرت أخيرًا رسالة جديدة:
[تان يوي]: تبدو ظريفًا جدًا وأنت غاضب.
سونغ لين تشو: “…”
كاد أن ينفجر ضاحكًا.
واضح أن تان يوي يبذل جهدًا حقيقيًا.
[شياو سونغ لين]:
[╭(╯^╰)╮]
الوقت متأخر، وفمك ما زال سيئًا! ألم تغسل أسنانك عندما استحممت؟
[تان يوي]: لم أعد إلى المنزل بعد.
[شياو سونغ لين]:
!!
هل ستسهر وتعمل لوقت متأخر مجددًا؟
[تان يوي]:
لا.
أنا ذاهب لمقابلة شخص مهم جدًا، ثم سأعود.
سونغ لين تشو: “؟؟؟”
شخص! مهم! جدًا!
تمالك نفسك، تمالك نفسك.
بالنسبة لشخص مثل تان يوي، الذي يقدّم العمل على كل شيء، فإن شركاءه في العمل وما شابههم يُعتبرون جميعًا ' مهمين '.
لن يتحول إلى إناء من الخل، مثل تان يوي!
وإلا، سيُزهِر ذلك الرجل الوقح من شدة الزهو!
من يدري، قد تكون مجرد خدعة منه!
[شياو سونغ لين]: حسنًا، اذهب إذًا.
أنا تقريبًا وصلت إلى السكن، وسأستحم وأنام.
[تان يوي]:
حسنًا، نم مبكرًا. تصبح على خير.
ضَمّ سونغ لين تشو شفتيه، وألقى الهاتف في جيب سترته، متجاهلًا الرد.
لم يكن بعيدًا عن سونغ لين تشو، تحت شجرة جميز، سيارة سيدان سوداء فارهة متوقفة، نافذتها مفتوحة جزئيًا، يُطلّ منها وجه رجل بملامح باردة صارمة.
بعض الطلبة الذين مرّوا لم يستطيعوا مقاومة النظر إلى السيارة الفاخرة، وما إن وقعت أعينهم على ملامح الرجل المتجهمة، حتى ارتبكوا وأشاحوا بوجوههم، خوفًا من النظر المباشر في عينيه.
كان بصر الرجل مُعلّقًا بهاتفه ومبنى السكن المقابل، واضح أنه كان ينتظر أحدًا.
وبعد قليل، ظهر سونغ لين تشو في الطرف الآخر من الشارع.
كان ضوء الشارع الأصفر الدافئ يتسلل بين أوراق الشجر، ويكسو جسده بظلال متفرقة.
كان وجهه الجميل يتنقل بين الضوء والظل،
في مزيج يمنحه جمالًا أشبه بالخيال.
راقبه تان يوي يمشي خطوة خطوة، حتى دخل بوابة السكن واختفى خلف الزاوية.
انحنى جليد عينيه قليلاً بابتسامة خفيفة، كما لو أن تلك الثواني العابرة كانت كافية لإسعاده.
وبعد لحظات، سحب تان يوي بصره بهدوء، وأعطى أمرًا للسائق:
“عد بنا.”