🦋

 كان العنوان صادمًا، والمحتوى مذهلًا بحق.

فما حدث تلك الليلة لم يكن سرًا على الإطلاق، خصوصًا بعد استدعاء الشرطة. 

الصحفيون الذين يتحسّسون الأخبار بسرعة تبعوا سيارات الشرطة مباشرة، وعلى الرغم من أنهم لم يُسمح لهم بدخول المنزل، إلا أن ذلك لم يمنعهم من المراقبة الدقيقة من الخارج.

وصلت سيارتا إسعاف.

تشي زيهوي وتشي زيروي، كلاهما من الوجوه المعروفة في لانشين؛ يمتلكان المال، والنفوذ، وبُعدين مميزين، فضلًا عن تلك الهالة المتصنعة التي تلفّهما. 

كانا من المتورطين في علاقات عابثة داخل الوسط الفني، تربطهما علاقات غامضة بعدة فتيات جميلات.

ولذلك، كان ظهورهما المتكرر في الصحف أمرًا معتادًا.

ورغم أن عامة الناس قد لا يعرفون ملامحهما، 

إلا أن الوسط الفني يحفظها عن ظهر قلب.

حتى بعد أن تحطّمت أسنانهما وسالت الدماء على وجهيهما، 

وارتدت أعينهما إلى الخلف، 

لا يزال بالإمكان تمييزهما بأنهما السيد تشي الأكبر و السيد تشي الثاني.

ومع وميض الكاميرات في وجهيهما، 

ولقطات مقرّبة تُؤخذ بلا رحمة، 

ازدادت الفوضى.

الصحفيون، الذين كانوا يخمّنون ما الذي جرى، 

فوجئوا فجأة عند خروج السيد تشي الكبير، تشي روي، مكبّلًا بالأصفاد!

يا إلهي!

هذه مادةٌ نارية!

انطلقت أصوات الكاميرات كالرصاص، بينما كان تشي روي لا يزال عاجزًا عن استيعاب ما يجري.

راح يُحاول تبرئة نفسه أمام الشرطة وهو يصرخ:

“ليس أنا! لم أؤذِ تشي زيمو! هو من…!”

لكن هذه الكلمات، بالنسبة للصحفيين، كانت كصبّ البنزين فوق النار.

انفجرت الإثارة داخل عقولهم:

حقًا؟ هذه قضية حقيقية عنفٍ عائلي داخل عائلة نبيلة!

عمّ يعتدي على ابن أخيه، بالسكاكين، والدماء، والجنون!

لقد تساقط ' وعاء كامل من دماء الكلاب ' على الصحف — وهو مصطلح دارج يعبر عن الأحداث الدرامية المثيرة.

إنه محتوى يكفي لأن يبقي الشارع يتحدث عنه لعامٍ كامل على الأقل!

ورغم تدخّل حرس منزل تشي بسرعة لطرد الصحفيين، إلا أن الصورتين الأساسيتين، وصوت تشي روي وهو يصرخ بعبث، 

كانا كفيلين بإشعال مواقع الأخبار.

النتيجة؟

تشي روي، تشي زيهوي، وتشي زيروي — هذه الثلاثية لم يعد أحد يجرؤ على ذكر أسمائهم دون أن يُغمغم باستياء.

أما الضحية المسكينة، تشي زيمو، الطفل الجريح، فقد نال سيلًا من التعاطف الشعبي.

طفلٌ في العاشرة فقط!

وها هو يُطعن من قبل عمّه وابني عمّه…!

إنه المال! النفوذ! العيش في العائلات النبيلة ليس رفاهية، بل فضائح متواصلة!

ذلك التيار الأحادي في الرأي العام جعل تشي روي وأسرته غير قادرين حتى على الخروج من المنزل.

الجميع يراقب، والجميع يتهامس.

ولو كان الاستياء الشعبي يُعتبر مزعجًا، 

فإن العقوبات المنتظرة من جانب الحكومة ستكون مصيبة حقيقية.

فالحكومة تأسست بتحالفٍ بين العائلات النبيلة، وما حدث داخل عائلة تشي، خصوصًا بعد رحيل الجد الكبير، منحها السلطة الكاملة للتصرف.

وإن ثبُتت جريمة تشي روي، فلن يكون هناك تردد في سجنه لعقود، 

بل وسيُشطب اسمه من سجل العائلة على يد تشي لو، مما يُعيد ملكيته من الحصص في أحجار الطاقة إلى أسرة تشي بالكامل.

وبهذا، لن يتبقى له شيء… لا اسم ولا ثروة.

فهل له ألا ينهار؟ هل له أن يظل هادئًا؟

لكن، القضية لم تُحسم بعد.

فعدد المتواجدين في الحادثة كان كبيرًا.

وبعد فصل المتورطين، لا يزال هناك الأخ الثاني في أسرة تشي، وكذلك جين لي.

وأثناء التحقيق، لم يتمكن الأخ الثاني من التنسيق مع تشي روي،

كما أنه كان مرعوبًا بالفعل من تشي زيمو لدرجة أنه ظنّه ' شيطانًا متجسدًا '.

وعندما استُجوب، راح يصرخ بجنون:

“هو من فعلها! تشي زيمو أذى أبناء عمّه ولفّق الأمر لعمّه، بل جعل عمّه يجرح ذراعه بنفسه!”

وبالرغم من أن هذا ما حدث فعلًا، إلا أن نظراته المرتبكة، 

وصوته المرتجف، 

أفسد كل مصداقية في روايته.

وكان من بين المحققين ضابطة أطلقت عليه نظرة كأنها خنجر، وغمغمت باستياء:

“تُسمي نفسك عمًّا؟ 

بل أنت وحش… وغبي أيضًا، حتى كذبتك فاشلة!”

أما جين لي، فقد خضعت للتحقيق أيضًا.

ورغم طموحها ومطامعها، إلا أنها لم تكن فاسدة بالكامل، ولا حمقاء مثل الأخ الثاني.

بل إنها، ورغم صدمتها مما فعله تشي زيمو، كانت تشعر بسعادة داخلية لرؤيتهم يتساقطون واحدًا تلو الآخر.

ولهذا، عندما طُلب منها الشهادة، قدمت رواية قريبة جدًا من رواية الصحف، 

بل أضافت بعض التفاصيل عن العداوة بين الأخوين، ولمّحت أن تشي روي قد يكون مختلًّا نفسيًا، 

خصوصًا بعد تطرفه خلال السنوات الأخيرة…

وقد صادف أن روايتها طابقت تمامًا ما كُتب في الجريدة، فكان من الصعب على الناس ألا يُصدقوها.

فالحقيقة، حين تُقال، لا يفهمها أحد.

أما الكذب، فيُروى من فم من يعرف الحقيقة… ولهذا، يمكن طمس الحقائق تمامًا.

وبعد أن أنهى شي تشينغ قراءة الصحيفة، تنهد، ووضعها جانبًا.

كان قد بدأ يفكّر في الحقيقة، وراوده الشك،

هل يمكن أن يكون تشين مو قد استعاد ذاكرته؟

لكنه استبعد ذلك بسرعة.

تشين مو الآن مجرد طفل، كيف يمكن لطفل أن يفعل كل هذا؟

وبعد انتهاء الدروس، عاد شي تشينغ إلى منزل تشي.

ما إن وصل الباب، حتى شعر بشيء غريب في الأجواء.

ولدى دخوله إلى غرفة الجلوس… تجمّد مكانه.

رجلٌ جالسٌ على الأريكة.

وعندما التقت أعينهما…

تجمد شي تشينغ أكثر!

تشين مو؟! كيف وصل إلى هنا؟!

لا، لحظة… أليس من المفترض أن تشين مو قد تقلّص إلى طفل وأصبح تشي زيمو؟

كيف عاد إلى هيئته البالغة؟!

عقله امتلأ بالضجيج، ولم يستطع الحركة.

نهض الرجل الجالس، ورفع حاجبيه قليلًا، ثم نطق بصوت بارد:

“شيا نوه؟”

ذلك الصوت الجليدي أعاد شي تشينغ إلى وعيه.

تنهد، وسيطر على ارتجاف قلبه، واستعاد بعض هدوئه.

وفي تلك اللحظة، نهض فتى صغير من جانب الأريكة — وجه شاحب، نظراته ممتلئة بالامتعاض.

اقترب من شي تشينغ، وأمسك بيده بإحكام، 

حتى عبس وجه شي تشينغ من الألم.

“شيا نوه، هذا والدي.”

ثم التفت إلى الرجل وقال:

“أبي، هذا شيا نوه.”

حينها فقط فهم شي تشينغ الموقف.

الرجل الذي يُشبه تشين مو… لم يكن سوى والد تشي زيمو، تشي لو!

انحنى له بأدب، وبعد أن استعاد توازنه، بدأ يُراقب هذا الرجل الغامض.

نعم، ملامحه تشبه تشين مو بشكل كبير، جمالٌ ساحر يلفت الأنظار…

لكن الفرق يكمن في الهيبة والجوهر.

تشين مو، رغم وسامته، فإن أول ما يُلفت إليه كان حضوره الطاغي، وسكينته العميقة، ونظرته التي قد تخيفك من شدتها.

بينما تشي لو، رغم الجمال، كان ينبعث منه برود، وغموض، وتعب ظاهر في عينيه.

لم يسبق لشي تشينغ أن رأى مثل هذه النظرات في وجه تشين مو.

فذاك الرجل لم يُظهر الضعف يومًا، كان دائمًا مهيبًا.

ومن هذا التباين، أدرك أن بين الاثنين فجوة واضحة.

ربما بالغ في ملاحظاته، لكنه لم يستطع تجاهل شحوب وجه تشي لو…

ربما كانت لحظة خاطفة… وربما لم يكن يتوهم.

بعد الترحيب الرسمي، تحدّث تشي لو مع تشي زيمو للحظات.

كان حديثهما مقتضبًا، باردًا، يُظهر بوضوح أن العلاقة بين الأب وابنه ليست وثيقة.

ثم قال تشي لو وهو يهمّ بالمغادرة:

“سأعود وقت تقييم بُعدك، لا تُسبّب المشاكل.”

فاكتفى تشي زيمو بغمغمة باردة دون مزيد من الكلام.

بدا أن تشي لو قد فكّر في شيءٍ ما، لكنه عجز عن البوح به.

وفي النهاية، نظر إلى شي تشينغ نظرةً إضافية، ثم — وبشكل نادر للغاية — خفف من صرامته وقال:

“أعتذر لإزعاجك، السيد شيا، إن احتجت إلى شيء فلا تتردد في الاتصال بي.”

أومأ شي تشينغ برأسه.

كان بإمكانه أن يشعر بأن تشي لو يريد الاعتناء بابنه، 

لكن للأسف، لم يكن يُجيد التعبير عن ذلك. 

فمحاولاته، وإن كانت صادقة، خرجت باردةً ومربكة، 

تُنتج العكس تمامًا مما أراد.

ولأن هذا ليس من شأنه، ولأنه لم يكن مغفلًا ليتدخل في أمور لا تخصه، اكتفى بالرد:

“لا تقلق، سأعتني جيدًا بـ شياو مو في هذه الفترة.”

قال تشي لو بهدوء:

“شكرًا لك.”

ثم استدار وغادر.

وبقي شي تشينغ وتشي زيمو وحدهما في الغرفة.

سحب الطفل يد شي تشينغ بقوة، وفوجئ الأخر بعدم قدرته على المقاومة، فوقع جالسًا على الأريكة.

وقف تشي زيمو أمامه، ويده التي وضعت على مسند الأريكة أمسكت بيد شي تشينغ، ثم نظر إليه من أعلى إلى أسفل وقال:

“لقد وعدتني!”

ما زال شي تشينغ مذهولًا، لم يستوعب بعد…

“قلت إنك ستتزوجني!”

شي تشينغ: “…”

ما الذي يغضب هذا الفتى الصغير الآن؟!

ولما لم يجد تشي زيمو ردًا، حدق به دون أن يرمش.

لكن الموقف كان مُربكًا، خصوصًا أن ذراع تشي زيمو ما زالت مصابة!

خشي شي تشينغ أن يُغضبه أكثر، فسارع للرد:

“همم، نعم، وعدتك.”

فقال تشي زيمو فورًا:

“إذًا لا تنظر إلى أحدٍ غيري!”

فهم شي تشينغ أخيرًا…

اللعنة! هل… هل يشعر بالغيرة؟!

يا صغيري، هل يعلم والدك أنك بدأت تشعر بالغيرة في هذا العمر؟!

لكن شي تشينغ، بخبرته السابقة في التعامل مع 

' مختل عقلي صغير '، كان يعرف كيف يُسيطر على الموقف.

فأسرع لتهدئته:

“كنت فقط مندهشًا، والدك وسيمٌ جدًا.”

فشمخ تشي زيمو بأنفه دون رد.

فأسرع شي تشينغ ليغير دفة الحديث:

“لكني كنت أفكر أنك، عندما تكبر، ستصبح أوسم منه بمئة مرة!”

عبارة واحدة فقط…

وأصابت هدفها مباشرة.

تشي زيمو شعر بالذهول للحظة، ثم تلاشت العتمة من عينيه.

ورغم شحوب وجهه الطفولي، إلا أن حمرة خفيفة لونت وجنتيه، ومع أنه حافظ على تعبيره الصارم، إلا أنه أطلق همهمة خفيفة تدل على سروره.

ذلك الوجه الطفولي، المليء بالرضا المكبوت، جعل قلب شي تشينغ يرفّ مثل قطة تمسح بمخالبها على صدره.

يا إلهي… كم أنت لطيف، أيها المضيف الصغير!

هل تعلم نسختك المستقبلية كم كنت جذابًا وأنت صغير؟!

أما تشي لو، فقد غادر المنزل بخطوات ثابتة، يواصل المشي بهدوء حتى خرج من الفناء.

لكنه، بعد مئة متر فقط، بدأ العرق يغمر جسده بالكامل.

وما إن دخل السيارة حتى انهار على المقعد وأخذ يلهث.

وجهه كان شاحبًا على نحوٍ مرعب، وشفاهه خالية من أي لون.

أسرع كبير الخدم وأعطاه الدواء، ثم ساعده في تناوله.

وقال بقلق: “سيدي… حالتك…”

أغلق تشي لو عينيه، واستند إلى المقعد، ولوّح بيده في إرهاق وقال بصوتٍ أجش:

“لا بأس… إنها فقط… الإرهاق.”

لم يجرؤ كبير الخدم على قول المزيد، 

واكتفى بتغطيته ببطانية خفيفة.

لكن رغم إغلاقه لعينيه، لم يستطع تشي لو النوم.

ما زال موسم الحصاد في أوجه، والأحجار السحرية قد نضجت للتو، ولا يمكنه تفويت هذا الظرف الاستثنائي للإطاحة بـ تشي روي.

فقط قليلٌ من الصبر… فقط حتى ينتهي تقييم شياو مو… ثم سأرتاح.

كان واثقًا أن ابنه سيحصل على بُعدٍ ممتاز… وسيكون الوريث القادم للعائلة.

خلال الشهر التالي، ساد الهدوء.

وكان شي تشينغ مشغولًا لدرجة أنه بالكاد كان يلتقط أنفاسه.

فقد صبّ كامل طاقته في امتحاناته النهائية، وبسبب طبيعة بُعد شيا نوه الخاصة، كان عليه أن يحصل على الدرجة النهائية في جميع المواد، ليضمن استمراره في الدراسة.

لحسن الحظ، وبفضل حظه الجيد، ونتائجه المستقرة، وافق البروفيسور وانغ يانغ على التوصية به.

وهذا يعني أنه حتى إن حصل على علامة B+ في مادة واحدة، فسيظل مؤهلًا.

وضع شي تشينغ خطة محكمة، وكان واثقًا من معظم مواده.

لكن مادة فورآيز كانت مأساة. 

فذلك البروفيسور بخيلٌ في علاماته، وطلب A منه كطلب حياة من عدو!

لكن بفضل توصية وانغ يانغ، شعر شي تشينغ بالراحة.

أداء جيد يكفي لنيل B+.

لكن لم يتوقع أن فورآيز يمنحه A عن طيب خاطر!

بل وربت على كتفه قائلًا:

“أنا أحب التلاميذ الجادين.”

رغم ذهوله، لم يمنعه ذلك من القفز من الفرح:

“كل المواد A! لقد نجحت أخيرًا! 

شيا نوه، لم أُهدر عشر سنوات من جهدك!”

وبعد التخرج، تنفس الصعداء — لكن فقط للحظة.

فما لبث أن عاد التوتر إليه من جديد.

تقييم الأبعاد السنوي قد اقترب!

ويُجرى هذا التقييم قبل بدء العام الدراسي بشهر، ويتم على أساسه تحديد المدارس، الصفوف، وحتى التخصصات.

مستقبل الأطفال بأسره يتوقف على هذا التقييم.

فلا عجب أن أجواء اليوم كانت محمومة ومتوترة للغاية.

حتى شي تشينغ نفسه كان متوترًا.

ورغم أن تشي زيمو بدا هادئًا، إلا أن تشينغ لاحظ أن الطفل بات يحتضنه أثناء النوم بقوة أكثر من المعتاد — دليل صامت على قلقه.

لم يكن التقييم ليُجرى في يوم واحد، بل يمتد من 1 أغسطس وحتى نهاية الأسبوع.

وتم ترتيب الأسماء حسب التسلسل الأبجدي.

وفي 30 يوليو، تم تسليم أرقام الدور.

وكان رقم تشي زيمو: 520 — أي أن دوره سيأتي في اليوم الثالث من التقييم.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]