🦋

 مـ… مـ… مـن سيتزوّج من؟!

أخيرًا، تعثّر عقل شي تشينغ، وانطفأت طاقته بالكامل.

هل… هل تم التقدّم له بخطبة الآن؟ وعلى سرير؟ 

ومن طفل عمره عشر سنوات؟! 

والأسوأ… أنه صبيّ أيضًا! هو مَن طلب يده؟!

يا إلهي! هل فقد هذا الطفل اتّزانه؟! 

يجب أن يُعدّل مساره بسرعة!

احمرّ وجه شي تشينغ قليلًا، لكن عقله عاد للعمل أخيرًا.

سعل بخفة… تشين مو لا يزال في العاشرة من عمره، فهل يفهم حقًا ما يعنيه الزواج؟

على الأرجح، قالها بدافع المزاح الطفولي لا أكثر!

وإذا صدّقته بجدية… فأنت أحمق!

تحوّل شي تشينغ إلى دور ' الأخ الأكبر الفهيم '، وقال بنبرة مخلصة:

“شياو مو، أنت لا تزال صغيرًا، ولا تعرف بعد ماذا يعني الزواج. 

الزواج يكون بين رجل وامرأة، لا يمكن أن تتزوج فتى.”

لم يردّ تشي زيمو عليه، لكنه شدّ من احتضانه له.

كان شي تشينغ على وشك أن يشرح الأمر بطريقة أبسط، لكن صوتًا خافتًا أجشه الحزن انساب في الهواء:

“أنا أعلم… أنت تكرهني.”

كان صوته مبحوحًا، ومليئًا بالكتمان، فيه شيء من الألم العالق في الحلق.

شعر شي تشينغ بأن قلبه قد التفّ عليه بقوة، وأوجعه.

سارع بالرد: “كيف يمكن لي أن أكرهك؟”

رفع تشي زيمو رأسه، ونظر إليه بعينيه السوداوين العميقتين،

“أنت تكره أني صغير، أني مجرد طفل… أنا أريد البقاء معك إلى الأبد، لكنك تعتقد أن ما أقوله مزحة.”

تجمّد شي تشينغ، مذهولًا من عمق المشاعر التي خرجت من هذا الطفل.

نادراً ما رأى تشي زيمو بهذا التوتر.

رغم أن إحدى ذراعيه كانت مصابة، إلا أن الأخرى لا تزال تملك قوة غير طبيعية على طفل في عمره.

لكن لا… هو ما يزال طفلًا.

رغم عمق عينيه، إلا أن الارتباك والقلق ما زالا يسكنانها، وتحت صلابته، هناك خوف دفين لا يمكن تجاهله.

نظر إليه شي تشينغ مطولًا، وقلبه يلين أكثر فأكثر.

ثم، وبصوتٍ ناعم وهمسة دافئة قرب أذنه، قال:

“أنا لا أكرهك… أنت شخص رائع، بل أروع من رأيت في حياتي.”

دفن تشي زيمو وجهه في عنقه، وعيناه تلمعان بتلك الكلمات، ووردة خفيفة من اللون الوردي تلوّن وجنتيه الشاحبتين.

ثم، بصوتٍ مملوء بالرجاء:

“شي تشينغ… عِدني.”

لم يتردد شي تشينغ هذه المرة، تنهد بخفة، ثم قال:

“حسنًا، أعدك.”

رغم الألم في ذراعه، إلا أن قلب تشي زيمو امتلأ بدفء لم يشعر به من قبل، دفء نابع من شخصٍ آخر، دفء يشبه حضن الأمان، يشبه الاكتمال.

طالما هو هنا… فكل شيء بخير.

حتى لو اضطر إلى عبور الجحيم، لن يهاب شيئًا بعد الآن.

سوف يكبر، 

وسيتحوّل إلى مُحاربٍ قوي، ليحميه بين ذراعيه، 

ويحفظه في قلبه.

بعد كل شيء، هو لا يزال طفلًا… طفلًا جُرح، وانكسر قلبه في ذلك اليوم.

لذا، بعد أن نال وعدًا صادقًا… غفا بطمأنينة في حضن من يحب.

على النقيض، لم يتمكن شي تشينغ من النوم بسهولة.

كان يُحدّق إلى الصغير النائم أمامه، وعلى وجهه الطفولي تلوح ملامح رجل وسيم سيُزهر في المستقبل.

“عندما أكبر، سأتزوجك.”

اعتقد أنها مجرد مزحة…

لكن رغم ذلك، لم يستطع أن يُخرجها من قلبه.

لم يرَ نفسه بوضوح من قبل كما رآه الآن.

قلبه قد احتُلت مساحاته دون أن يشعر، وسُكِن من الداخل بلا مقاومة.

اقترب من جبينه، وطبع قبلة خفيفة مرتجفة عليه،

ثم، وهو يغلق عينيه كفتى مراهق في أول حب، تمتم بصوتٍ خافت، يحمل كل دفء العالم:

“تشين مو… أنا أحبك.”

كلماتٌ خرجت من أعماق روحه، لم يكن يُفترض أن يسمعها أحد، لكنها انطلقت بلا حذر في ليلٍ صامت، كأنها رقصة جنية تحت ضوء القمر… 

رقصة هادئة، رقيقة، مثالية… قد تهزّ قلوب البشر.

في صباح اليوم التالي، استيقظ شي تشينغ مبكرًا على غير عادته،

لكنه تفاجأ حين وجد أن تشي زيمو قد استيقظ قبله!

كان ينوي خدمته، لكنه لم يتوقّع أن هذا السيد الصغير أكثر انضباطًا منه!

عاد تشي زيمو بعد الاستحمام، وخلفه يان تشي يدفع عربة الطعام.

فحص شي تشينغ ذراع تشي زيمو بعناية، وبدأ في التذمر عليه بلُطف.

ثم راجع الإفطار بدقة، وحين تأكد أنه خالٍ من أي شيء قد يضره، شعر أخيرًا بالاطمئنان.

بعد تناول الإفطار، تردّد شي تشينغ، لكنه قدّم طلب إجازة من المدرسة.

رغم اقتراب موعد الامتحانات وتراكم الدروس، إلا أن باله لم يكن مرتاحًا،

لم يكن يستطيع ترك تشي زيمو وهو على هذه الحال.

عقله لن يصفو في الصف، وكل أفكاره ستتشتت.

بالإضافة إلى أن مستواه جيد، وذاكرته الحديدية تساعده، فلمَ لا يرتاح يومًا؟

حين علم تشي زيمو بالأمر، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه، كانت رقيقة لدرجة أنها أضافت له براءة إضافية، وجعلته أكثر جاذبية.

قضى الاثنان الصباح معًا، ولم يشعرا بالوقت حتى حلّ وقت الغداء.

عندها فقط، تذكّر شي تشينغ الفكرة التي كانت قد قاطعها حديث الأمس…

هل يُمكنه أن يسأل؟ رغم أن تشي زيمو قوي، لكنه لا يزال مصابًا.

هل من الجيد أن يفتح الموضوع الآن؟

ومع ذلك، لم يستطع منع نفسه من إعطاء نصيحة أخوية:

“لا تقلق من عمرك، إذا حاول أحد أن يؤذيك، قاتل. سواء كان بالغًا أو لا، أهم شيء هو سلامتك، افهمت؟!”

أومأ تشي زيمو برأسه، لكنه لم يذكر شيئًا عمّا حدث تحديدًا.

شي تشينغ شعر بالإحباط، لكنه لم يُلح.

وعندما جاء وقت القيلولة، قام بتغيير الضمادات على ذراعه، ووضع له الدواء مجددًا.

وبفضل بنية تشي زيمو المقوّاة، كانت عملية الشفاء أسرع.

الجرح الذي كان مرعبًا في البداية، بدأ يتقلص، لكنه لم يعد ينزف، ولهذا بدا الآن أكثر فظاعة – كندبة تنين بريّ على ذراع بيضاء!

لحسن الحظ، بفضل قدراته الجسدية، لن يترك الجرح أي أثر مستقبلاً.

في فترة العصر، قرّر شي تشينغ أن يدخل إلى بُعده الخاص ليجري بعض التجارب.

لكنه لم يُعامل تشي زيمو كطفل، بل أخبره بكل وضوح عن وجود البُعد.

فوجئ تشي زيمو، ثم قال بصوت فيه لمحة من الترقب:

“هل يمكن أن تأخذني لرؤيته؟”

“بالطبع.”

أخذه شي تشينغ معه إلى بُعده… لكن ما إن دخلا، حتى تجمّد في مكانه من الصدمة…

كان بُعد شي تشينغ… لا يحتوي على موضع قدم واحد!

الدخول المفاجئ إليه كان كالسقوط في محيط أزرق سماوي!

طوله 175 سنتيمترًا، ولكن هنا، لم يكن يظهر منه سوى الجزء العلوي من كتفيه…

أما رفيقه الصغير تشي زيمو، فقد دُفن تمامًا تحت الأعشاب!

لكن صديقنا الصغير لم يكن يومًا خاضعًا أو سهل الانقياد.

رغم أن ذراعه اليمنى كانت مصابة، إلا أن الأخرى لم تتأثر، فلوّح بها بقوة، وفي لحظة، انخفضت الأعشاب التي كانت تعلوه للنصف، وظهر تشي زيمو بشموخ.

عندما رأى شي تشينغ هذا المشهد، لم يتمالك نفسه من التفكير بالمقولة الشهيرة:

“إن ظننتني أقصر منك، سأقطع رأسك لأُزيل الفجوة بيننا.” — نابليون

فلنُشعل شمعة على روح الأعشاب الضحية…

لكن وعلى عكس توقعاته، لم يُظهر تشي زيمو أي انزعاج.

بل كانت تلك المرة النادرة التي يظهر فيها الحماس الحقيقي على وجهه.

رغم أنه لا يتجاوز العاشرة من عمره ولم يدخل المدرسة بعد، إلا أن تربيته العائلية منحته معرفة أوسع من أقرانه.

وقد درس الأعشاب، بما في ذلك هذه النبتة، منذ زمن طويل.

ومع ذلك، لم يسبق لأي كتاب أن ذكر أنّ ارتفاع هذه النبتة قد يتجاوز 60 سنتيمترًا…

لكن الأعشاب أمامهم الآن تجاوزت الـ 1.5 مترًا!

إن لم تكن المشكلة في البذور، فالمشكلة حتمًا في بُعد شي تشينغ!

ومع قول شي تشينغ بأنّ هذه الأعشاب نمت في ساعتين بمعدل يومين كاملين،

وإذا كان لم يدخل إلى بُعده منذ الساعة العاشرة صباحًا أمس، فهذا يعني أن 28 ساعة قد مرّت — أي ما يعادل 28 يومًا داخل بُعدٍ عادي.

فهل نمت الأعشاب طيلة هذه الفترة دون عوائق؟

ليس هذا فحسب، بل تجاوزت أيضًا حدّها الطبيعي في الطول من 60 إلى 150 سنتيمترًا — أكثر من الضعف!

لو زُرعت في هذا البُعد محاصيل عملية فعليّة،

لكان الناتج الزراعي خياليًا.

وما زال هذا البُعد في مرحلته الأولى!

فما بالك لو تم تطويره إلى المرحلة السادسة؟

قد يتجاوز قدراته أبعاد أقوى الشخصيات، بل ربما حتى بُعد تشي لو نفسه!

لا، حتى من دون مقارنة المراحل — بُعد شي تشينغ يفوق المستوى الرابع بمراحل!

كتم تشي زيمو نشوته، وساعد شي تشينغ على تنظيف الأعشاب.

وبعد تجهيز التربة من جديد، 

قاما بزراعة نوع مختلف: العشب المائي.

وكما يوحي اسمه، هو نوع خاص من الأعشاب يُستخدم لاحقًا لصناعة القش أو الورق.

ينمو خلال ثلاثة أيام، لكنه صغير الحجم، وإنتاجه ليس كبيرًا، إلا أن فوائده العملية جعلته من المحاصيل التجريبية المهمة، ويُعتمد عليه كثيرًا في تدريب المبتدئين.

بعد الزراعة، غادرا البُعد، ثم عادا بعد ثلاث ساعات.

وكما توقعا، كان العشب قد نضج تمامًا، ولم يُخيب ظنّهما.

حتى شي تشينغ شعر ببعض الإثارة

بُعد شيا نوه حقًا غير عادي!

وكان تشي زيمو مغمورًا بالاهتمام، وأراد متابعة الزراعة،

لكن شي تشينغ أوقفه — “أنت مصاب، عليك أن ترتاح.”

هدأ تشي زيمو، فقد تبقى فقط شهر واحد على تقييم بُعده، ويجب أن يُحضّره بعناية.

تحدث الاثنان قليلاً بعد خروجهم، ورغم الفرق في العمر، توصلا إلى اتفاق واضح:

لا يجب أن يعرف أحد عن هذا البُعد.

فما دام الأمر غير معلوم، فلا خطر.

لكن إن انكشف، فالمصيبة آتية لا محالة.

تشي لو ليس بعيدًا عنهم، أليس كذلك؟

لو كُشف أمر شيا نوه، فسيصبح النسخة الثانية من تشي لو — أو أسوأ!

إن كان لتشي لو وحدة حراسة كاملة، فشيا نوه سيحتاج إلى فيلقٍ كامل!

حين وصلا إلى هذه الفكرة، خيّم عليهما الصمت.

كان الأمر كمن يعطي طفلًا في الثالثة كيسًا من الذهب ويتركه يتجول في السوق…

ما من شيء سيحميه من الطمع، سوى السرّية.

وبعد برهة، نظر تشي زيمو إلى شي تشينغ بثبات وقال:

“لا تخف… أنا هنا، وسأحميك.”

شعر شي تشينغ بالذهول من هذا الوعد اللطيف من طفل صغير.

لكن، دون أن يجرؤ على تمزيق تلك النوايا الصادقة، ابتسم بعينيه ورد بهدوء:

“نعم.”

ابتسم تشي زيمو بدوره، وارتسم على شفتيه خط رقيق من الفرح.

أما شي تشينغ، فلم يستطع منع نفسه من التفكير:

ياللروعة… يا مضيفي الصغير، هل يدرك نسخة المستقبل منك كم كنت جذابًا وأنت صغير؟!

وفيما يخص بُعده، فإن إخفاءه لن يكون بالأمر الصعب.

طالما بقي شيا نوه في المدرسة، فسيحصل على الموارد اللازمة، ويظل بعيدًا عن الأعين… الخطة المثالية.

بعد يوم من الراحة، عاد شي تشينغ إلى المدرسة.

وكان الأشقر يركض نحوه بحماس شديد، 

ولوّح بصحيفة بيده، وعلى وجهه عبارات تقول:

فضائح! فضائح! لدينا فضيحة جديدة!

هتف قائلاً:

“شيا نوه! شيا نوه! خبر عاجل! فضيحة نارية من عائلة تشي!”

رفع شي تشينغ حاجبيه، وخطف الصحيفة منه،

وفي العنوان العريض:

“عنف متبادل بين الإخوة! العم يفقد عقله! 

والوريث الشاب يُصاب بجروح خطيرة!”

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]