كان تشينغ بين، الذي بقي خارج الغرفة، قد سمع حركة خفيفة، ففتح الباب ودخل بهدوء. وما إن رأى الاثنين متعانقين، حتى تراجع بصمت، وأخرج هاتفه ليتصل بالجد تان ويطمئنه أن كل شيء على ما يرام.
لقد أرعبت وعكة تان يوي الجميع، لكنها لحسن الحظ لم تكن خطيرة. بقي في المستشفى تحت المراقبة ليومٍ واحد فقط، ثم سُمح له بالمغادرة.
وثبت أن وانوو تستطيع أن تستمر من دون تان يوي مؤقتًا. فقد تمكن المدراء التنفيذيون من تهدئة الأوضاع سريعًا، وتم الانتهاء من الخطة النهائية، التي أُرسلت إليه للاطلاع والتوقيع فقط.
أثناء راحته في المنزل، انتهز تان يوي فرصة انشغال سونغ لين تشو وتصفح الخطة النهائية بسرعة. وحين تأكد أن كل شيء على ما يرام، وقّع عليها مباشرة عبر جهازه اللوحي.
وما إن انتهى من التوقيع، حتى سمع خطوات سونغ لين تشو قادمة من الخارج. فخبّأ الآيباد سريعًا تحت الكرسي، ولحسن حظه، كان المقعد مزودًا بوسادة طويلة تتدلى للأسفل، فأخفت الجهاز تمامًا.
لم يصدق تان يوي نفسه، كيف وصل إلى هذا الحدّ من ' الاحتيال المنزلي '!
دخل سونغ لين تشو مبتسمًا وقال:
“جيجي، اليوم عيد الحب!”
أجابه تان يوي بهدوء:
“مم، لقد حجزت لنا طاولة في يونشي.”
كان يونشي ناديًا فاخرًا معروفًا بعشاءاته الرومانسية تحت ضوء الشموع، وقد أصبح وجهة مفضّلة للمشاهير والأثرياء. وفي يوم كعيد الحب أو مهرجان ' تشيشي '، من شبه المستحيل حجز طاولة.
ملاحظة: مهرجان تشيشي هو عيد حب صيني تقليدي، تحكي أسطورته عن راعٍ وفتاة ناسجة فرّق بينهما درب التبانة، لكن يُسمح لهما باللقاء مرة واحدة كل عام في هذا اليوم.
لكن مع تان يوي، لم تكن المسألة صعبة.
لو أراد، لأمكنه حجز المكان بأكمله.
رمش سونغ لين تشو بعينيه وقال:
“جيجي، هل أنت تدعوني لقضاء عيد الحب معك؟”
رفع تان يوي نظره ونظر إليه بعمق وسأله بنبرة خافتة:
“هل لي بهذا الشرف؟”
سونغ لين تشو: “…”
هذا الرجل الفولاذي الغبي يعاود إطلاق كراته المستقيمة مجددًا!
لكن… سونغ لين تشو اليوم لم يعد ذلك الشاب الذي كان يُسقطه مجرد تمريرة صريحة.
قال بلهجة صارمة، وقد تبدّل وجهه فجأة:
“خرجت للتو من المستشفى، وتريد أن تخرج في موعد؟! لا تحلم! لن تذهب إلى أي مكان في الأيام القادمة. ستبقى هنا وتستريح!”
“…لن نخرج؟”
“أبدًا!” كان صوته حازمًا.
“جيجي، اشرب شربة أرز ودَع عنك الرومانسية.”
“…”
ارتجفت زاوية فم تان يوي.
لكن سونغ لين تشو تابع، وهو يرمش له بخبث:
“ولسنا بحاجة للذهاب لمطعم لنحظى بعشاء على ضوء الشموع.”
رفع تان يوي حاجبيه.
فرفع سونغ لين تشو حاجبيه بدوره وقال بسرية:
“اذهب وخذ قيلولة، واترك الترتيبات لي.”
“حسنًا.” أجابه تان يوي بنعومة.
غادر سونغ لين تشو الطابق العلوي وأعطى تعليماته لكبير الخدم وباقي العاملين بأن يأخذوا إجازة لهذا اليوم.
كانت ثلاجة المنزل ممتلئة بمكونات طازجة تم إيصالها عبر الشحن الجوي في الصباح، اختار منها ما يناسب معدة تان يوي ويسهل هضمه، ثم دخل إلى المطبخ وبدأ بالعمل.
كان عيد الحب هذا العام مزدحمًا بهاتف سونغ لين تشو، الذي لم يتوقف عن الاهتزاز داخل جيبه، حتى أنه قرر تركه على أريكة الصالة، يهتز كما يشاء.
أما تان يوي، فقد أخذ قيلولة، وعندما استيقظ، كانت آثار السهر قد بدأت تختفي.
فقد كان يتمتع بجسم رياضي قوي، يمارس التمارين بانتظام، ولم يكن مثل الموظفين الذين يقضون أيامهم جالسين على المكاتب دون حركة.
هذا الانهيار المفاجئ كان مخيفًا للآخرين، لكنه هو نفسه كان يعلم أنه لا بأس عليه.
ومع ذلك، أراد طمأنة سونغ لين تشو، فاختار البقاء في المنزل ليمنحه بعض الأمان النفسي.
عندما نزل من الطابق العلوي، كان سونغ لين تشو لا يزال مشغولًا في المطبخ.
وكانت الشمس قد بدأت بالمغيب، وستائر غرفة الجلوس نصف مغلقة، مما جعل الإضاءة خافتة. تحت هذا الضوء، كان هاتف سونغ لين تشو على الأريكة يضيء وينطفئ، وميضه واضح جدًا.
ظن تان يوي أن هناك من يتصل، فاقترب ليرى.
لكن ما إن أمسك الهاتف، حتى اكتشف أنها لم تكن مكالمة، بل…
رسائل تهنئة باعترافات حب بمناسبة عيد الحب.
كان سونغ لين تشو حسن المظهر، لطيف الطبع، وذكي.
طالب متفوّق وإله الجمال في الجامعة.
ورغم أنه لم يكن من النوع الذي يُلاحق من الجميع، إلا أنه لم يكن يفتقر إلى المعجبين.
لذا كان طبيعيًا في يومٍ كهذا، أن يتلقى رسائل من أصدقاء قدامى أو معجبين صامتين.
وفي اللحظة التي التقط فيها تان يوي الهاتف، ظهرت رسالة على الشاشة:
تشانغ تشي جي:
[عيد حب سعيد، سينيور سونغ.
مر وقت طويل منذ آخر لقاء.
الأشياء التي أردت قولها مخفية في توقيت هذه الرسالة.
(خجل)(خجل)]
نظر تان يوي لا شعوريًا إلى وقت إرسال الرسالة — كانت الساعة 5:20 مساءً.
تان يوي: “…”
يا لك من متلاعب جريء!
ملاحظة: الرقم 520 يُنطق بالصينية wǔ èr líng، ويشبه نطق عبارة “أنا أحبك” (wǒ ài nǐ)، لذا يُستخدم رمزيًا للاعتراف بالحب.
في تلك اللحظة، اهتز الهاتف مرة أخرى، ولا يزال المرسل هو تشانغ تشي جي.
تشانغ تشي جي:
[أتمنى أن يكون ردّ سينيور سونغ عليّ هو توقيت هذه الرسالة. (أمل) (أمل)]
نظر تان يوي إلى الهاتف بوجه جامد بلا أي تعبير. ولو أضيفت موسيقى تصويرية لمشاعره الآن، لكانت “الشتاء قادم، فلتفلس عائلة تشانغ.”
وضع الهاتف مجددًا على الأريكة، ثم توجّه إلى المطبخ، حيث غمرته رائحة الطعام الشهية.
لم يكن قد تناول وجبة حقيقية منذ مدة، وبتوصية الطبيب، كان يعتمد على الشوربة الخفيفة فقط. ولكن الآن، ألهبت الرائحة الزكية شهيته المتعطّشة.
ما إن سمعه سونغ لين تشو يدخل، حتى قال من داخل المطبخ:
“جيجي، استيقظت؟ انتظر فقط عشر دقائق، وسيكون كل شيء جاهز!”
سأله تان يوي:
“هل أساعدك في شيء؟”
“آه…” فكّر سونغ لين تشو للحظة، ثم قال:
“حسنًا، اختر زجاجة نبيذ أحمر من خزانة النبيذ.”
“حسنًا.”
استدار تان يوي ليتولى أمر النبيذ، فيما أنهى سونغ لين تشو الطبق الأخير، ورتّبه بعناية، ثم حمله إلى الطابق الرابع.
كان في الطابق الرابع من الفيلا شرفة واسعة مخصصة لاحتساء القهوة.
تطلّ على منظر خلاب، ما جعلها المكان المثالي لهذا المساء. وضع سونغ لين تشو باقة الزهور التي طلبها خصيصًا على الطاولة، ثم، بإرشاد من كبير الخدم ليو عبر الهاتف، عثر على الشموع وحاملاتها المخزّنة، وأشعلها واحدة تلو الأخرى.
في تلك الأثناء، كان تان يوي قد أنهى إعداد النبيذ، وصعد إلى الأعلى كما طلب منه سونغ لين تشو.
وما إن وصل، حتى فوجئ بالمشهد.
عشاء رومانسي على ضوء الشموع، تحت السماء المفتوحة. خلابٌ بحق.
الشموع المتلألئة، والزهور، والأطباق المرتّبة، كل شيء كان متقنًا بعناية.
الجوّ الحميم والدافئ فاق حتى المطاعم الراقية، ليس في الأناقة فحسب، بل في صدقه ودفئه.
قال له سونغ لين تشو، واقفًا وسط وهج الشموع المتراقص، وهو يبتسم:
“جيجي، عيد حب سعيد.”
كان الضوء الدافئ يكسو وجهه بغلالة شفّافة، تُظهر ملامحه وكأنها لوحة فنية حية، ما جعله يبدو كأنه خرج لتوه من حلم.
تجمّدت نظرات تان يوي في مكانها لثوانٍ، قبل أن ترتسم ابتسامة خفيفة على وجهه الصارم عادةً.
قال بصوت عميق:
“عيد حب سعيد.”
تقدّم نحوه سونغ لين تشو، وأمسك بيده ليقوده إلى الكرسي:
“تعال، اجلس.”
وضع تان يوي زجاجة النبيذ والمصفاة بجانب الأطباق المرتبة على الطاولة. بدا واضحًا أن سونغ لين تشو يملك موهبة فطرية في الطهو، حتى في أطباق المطبخ الغربي، فقد أبدع في تقديمها بمستوى لا يقل عن أرقى المطاعم.
“جميل هذا العشاء على الشموع، أليس كذلك؟” سأل سونغ لين تشو متوقعًا مديحًا.
لم يكن تان يوي من النوع الذي يُجيد المجاملات، لكنه أومأ برأسه وقال:
“أفضل من يونشي.”
لكن للأسف، خرجت هذه الجملة عن سياقها، وأطلقت شرارة الشك.
رمقه سونغ لين تشو بنظرة حادّة وقال:
“وكيف تعرف ذلك؟ هل ذهبت لعشاء على الشموع مع جنية صغيرة؟!”
“…”
ابتسم تان يوي بصبر.
كان يُحب هذا النوع من الغيرة المدلّلة.
فقال مفسّرًا:
“العشاء على الشموع مجرد نقطة تسويقية هناك، لا أكثر. ذهبت إليه مرة مع أحد العملاء.”
“آه، فهمت.” قالها سونغ لين تشو، وقد خفّ التوتر في صوته.
ثم، وبينما كان تان يوي يرفع المصفاة ليصب النبيذ في كأسه، أوقفه سونغ لين تشو بسرعة وقال:
“لا تشرب!”
توقّف تان يوي، ففوجئ بسونغ لين تشو يمد يده من تحت الطاولة، ويخرج زجاجة صغيرة من الدواء، ثم سكب محتواها في كأسه.
انتشر عبير عشبي خفيف، فسأله تان يوي متعجبًا:
“ما هذا؟”
أجابه سونغ لين تشو، وقد بدا فخورًا بنفسه:
“شاي عشبي مبرّد.
أليس لونه مثل النبيذ الأحمر؟ تخيّل أنه نبيذ.”
تان يوي: “…”
انت ذكي حقًا.
رفع سونغ لين تشو كأسه وقال:
“هيا، جيجي، نخب عيد الحب.”
رفع تان يوي كأسه واصطدم به برقة.
ارتشف سونغ لين تشو من نبيذه، ورغم أنه لم يكن من محبي الكحول، ولا يعرف كيف يقيّم النبيذ الفاخر، إلا أنه لم يستطع منع نفسه من السؤال:
“جيجي، هل هذا النبيذ غالي؟”
أجابه تان يوي بهدوء:
“ليس كثيرًا، أقل من سبعة أرقام.”
“أقل من سبعة أرقام… أقل من سبعة أرقام… أقل من سبعة أرقام…”
ظلّت هذه العبارة تطنّ في ذهن سونغ لين تشو بلا توقف، وكأنها مسجّلة على شريطٍ لا ينتهي.
ثم شتم في سره:
أقل من سبعة أرقام؟ يعني أقل من مليون يوان!
هل كان يشرب نبيذًا… أم ذهبًا مصهورًا؟
ركع سونغ لين تشو داخلياً أمام ثروة تان يوي.
عشاء على ضوء الشموع لم يكن يتطلّب سوى بضع مئات من اليوان من المكوّنات، فإذا بزجاجة نبيذ واحدة ترفعه إلى مستوى الأثرياء.
وما زاد الطين بلّة، أن تلك الزجاجة الفاخرة، التي كان من المفترض أن تُقسم على شخصين، لم يلمسها الرجل الثري لأنه لا يستطيع الشرب… فوجد سونغ لين تشو نفسه، بدافعٍ من ضميره ومكره، يشربها كلها.
كان النبيذ ذا مذاق ثقيل، وبعد مرور بعض الوقت، أدرك تان يوي أن جُمل سونغ لين تشو بدأت تفتقر إلى التركيب المنطقي، لكن كان الوقت قد فات.
تحت وهج الشموع المرتجفة، بدا وجه سونغ لين تشو محمرًا، وعيناه مغشوشتان ببخار السكر.
قال بتلعثم وهو ينظر إلى تان يوي:
“جيجي… لقد أصبحت كثيرًا… واحد، اثنان… ستة جيجي!”
“…”
كانت الليلة قد أظلمت، ورغم دفء النسيم المنبعث من داخل المنزل، فإن الشرفة لم تكن كافية لصدّ برودة الهواء.
خشي تان يوي أن يُصاب الصغير بالبرد، فاقترب منه وقال بلطف:
“الجو هنا بارد، فلنعد إلى الداخل.”
لكن سونغ لين تشو أوقفه فورًا وهو يهتف:
“انتظر! لم أعطِك هديتك بعد!”
رفع تان يوي حاجبيه قليلاً.
راح سونغ لين تشو يفتش في جيبه، ثم أخرج علبة صغيرة مربوطة بشريط على هيئة زهرة.
ناولها له وهو يبتسم ابتسامة مغمورة بالخجل والسكر:
“تفضل!”
أخذها تان يوي وقال:
“شكرًا لك.”
لكن سونغ لين تشو لم يدعه يكتفي بذلك، بل أصرّ وهو يومئ له بعينيه:
“افتحها وانظر.”
امتثل تان يوي لطلبه، وفكّ الشريط ببطء، ثم فتح الصندوق. توقع أن يجد شيئًا مبالغًا فيه، لكن ما رأه جعله يتجمّد لحظة.
لم يكن الصندوق يحتوي على حُليّة فاخرة كما ظن، بل على دبوس بدلة مصمم بأناقة مذهلة.
تجمّع الدبوس من إبر صنوبر فضية متشابكة، تشكّل نمطًا فريدًا، تتوّجه حجرّة زرقاء تشبه القمر وسط النجوم، بسيطة وأنيقة في الوقت ذاته.
مناسبة تمامًا للحفلات الرسمية والمناسبات الكبرى، دون أن تُقلّل من وقار تان يوي ومكانته.
سأل تان يوي:
“أأنت صمّمت هذا بنفسك؟”
أجابه سونغ لين تشو، وعيناه تلمعان:
“نعم، أعجبك؟”
أومأ تان يوي برأسه:
“أعجبني جدًا.”
أضاء وجه سونغ لين تشو بابتسامة صافية، ثم مدّ يده بلا خجل وقال:
“إذًا… أين هديتي؟”
نظر تان يوي إلى تلك اليد البيضاء النحيلة أمامه، ثم أمسك بها وقال بصوتٍ خافت:
“تركتها في غرفة نومي بالطابق السفلي.
هيا نذهب ونراها معًا.”
“حسنًا!”
بمساعدة تان يوي، وقف سونغ لين تشو، لكنه تمايل وقال:
“أشعر بدوار…”
ثبّته تان يوي بذراعيه وقال:
“قلت لك لا تكثر من الشرب.”
زمّ سونغ لين تشو شفتيه وردّ بعناد طفولي:
“أنت من سكبت كل هذا النبيذ الغالي! هل تظن أن من المقبول إهدار شيء يقارب المليون؟”
ساد الصمت، ووزن تان يوي داخليًا ما إذا كان من المناسب إخباره بأن النبيذ أغلى من ذلك… وقرّر ألا يفعل.
قال له وهو يسنده:
“اثبت على قدميك.”
وحين تأكد أنه استعاد توازنه، أطفأ الشموع، وأمسك بيده وقاده نحو المصعد.
لكن بدلاً من الصعود مباشرة إلى الطابق الثاني، نزل به أولًا إلى الطابق الأرضي.
“بسكر كهذا، تحتاج شيئًا لتفيق.”
كان سونغ لين تشو شبه غائب، لكنه كان مطيعًا. وعندما طلب منه تان يوي أن يجلس على الأريكة، جلس بهدوء ينتظر.
دخل تان يوي إلى المطبخ.
لكن مهاراته في الطهو كانت شبه معدومة، ولم يكن يستطيع حتى تحضير حساء يفيق الثمل، والخدم كانوا في عطلتهم.
فاتصل بكبير الخدم ليو، الذي أرشده إلى كيفية إعداد أبسط مشروب: ماء العسل.
خرج من المطبخ وهو يحمل الكوب في يده، وعندما عاد إلى غرفة الجلوس، وجد سونغ لين تشو لا يزال في مكانه، لكن… شيء ما قد تغيّر.
كان قد انكمش في الأريكة الوثيرة، يحتضن وسادة صغيرة كأنها آخر ما يملكه، وعيناه تحدّقان إلى الأمام بشرود غريب.
اقترب منه تان يوي وناداه باسمه الذي لا يستخدمه إلا في لحظات الحنان:
“يان يان…”
التفت سونغ لين تشو نحوه، وفي عينيه تلك النظرة… مزيج من الخوف والحزن، كأنه يوشك على فقدان شيء عزيز عليه.
اقترب منه تان يوي وسأله:
“ما الخطب؟”
قال سونغ لين تشو بصوت خافت:
“أشعر بالحزن… جدًا.”
كان صوت سونغ لين تشو خافتًا وغير واضح، فظن تان يوي أنه يشعر بعدم الراحة، فقال له برفق:
“تعال، اشرب ماء العسل، ستشعر بتحسّن.”
“أوه…” تناول سونغ لين تشو كوب الماء وشربه دفعة واحدة دون تردد، كما لو كان يطيع أمرًا عسكريًا. وضع تان يوي الكوب جانبًا، ثم أخذه معه إلى الأعلى، وقاده إلى الغرفة.
“اجلس هنا، سأذهب وأحضر شيئًا.” ساعده على الجلوس على الأريكة الصغيرة داخل الغرفة، وما إن همّ بالاستدارة، حتى أحاطه سونغ لين تشو من خصره فجأة، ودفن رأسه في ملابسه.
“جيجي…” نادى عليه بصوت مبحوح، فيه غصة من الرجاء، “لا تتركني.”
“لن أتركك، فقط ذاهب لأجلب لك الهدية.”
حاول تان يوي أن يطمئنه.
لكن سونغ لين تشو تشبث به أكثر وقال:
“لا أريد هدية!” ثم بدأ يحتك برأسه به كطفل مدلل، “أنا فقط أريد جيجي.”
“…”
لقد أصبح هذا الأمر… أكثر من مجرد تمسّك.
والمكان الذي كان يحتك به، رغم أنه لم يكن خطيرًا بشكل مباشر، إلا أن تان يوي — ذلك الشاب العازب البعيد عن أي حياة جنسية — لم يكن بوسعه تحمّله، خصوصًا أن الذي أمامه هو الشخص الذي يحبّه.
ومع أول محاولة لإبعاده، شعر بتشدد قبضته.
كرر الصغير بصوت خافت:
“لا تتركني… جيجي، أرجوك لا تتركني، حسنًا؟”
يُقال إن الخمر يكشف ما في القلب، وهذه النسخة القلقة من سونغ لين تشو كسرت دفاعات تان يوي تمامًا.
لم يكن في ذهنه سوى فكرة واحدة:
سونغ لين تشو يحبّه… كثيرًا. أكثر مما تخيّل.
لم يكن تان يوي يعلم أن هذا الفتى الثمل في حضنه كان مشغولًا بالتفكير في الموت، وأنه مذعور من احتمال فقدان تان يوي فجأة.
تلك المرة التي أغمي عليه فيها أرعبته، وجعلته يدرك كم كان قريبًا من الموت…
ولم يكن سونغ لين تشو قادرًا على تحمّل فكرة خسارته.
كانت مشاعرهما تعبر موجاتٍ مختلفة، على ' خوادم مختلفة '، كما يُقال… لكن التلامس، والاحتكاك، وهمسات السكر، حولت الشرارة إلى نار… بدأت تتصاعد بسرعة.
قال تان يوي بصوت أجش منخفض، يحاول الحفاظ على آخر خيوط السيطرة:
“دعني أذهب، لن أتركك. إن لم تصدقني، يمكنك أن تمسك بيدي.”
لكن سونغ لين تشو همس بصوت غائر:
“أمسكت يد أمي… ومع ذلك، رحلت.”
… ما علاقة هذا بالموضوع؟
تجمد تان يوي في مكانه، بينما استمر سونغ لين تشو في الاحتكاك، غير مدرك لأي من التأثيرات الجانبية التي يسببها.
ثم همس فجأة، ممسكًا به أكثر:
“جيجي، حزامك يضغط عليّ…”
…
أيّ كلام بريء هذا؟!
كان يرتدي ملابس منزلية، ولا يوجد أي ' حزام ' على خصره!
“هل حزامك مربوط هنا؟”
سأل سونغ لين تشو بعفوية قاتلة.
ولكن، كلما كان الطرف الآخر بريئًا أكثر، كانت النتيجة أشد وقعًا.
ذاك الحزام المزعوم… كان أكثر ما يُعاني منه تان يوي في تلك اللحظة.
نظر بعمق إلى رأس الشاب المدفون في بطنه، وأقنعه:
“هل يمكنني أن أغيّر سروالي أولًا؟”
رد سونغ لين تشو بتشبث:
“لا.”
“…”
كان تان يوي يعاني بصمت، على وشك الانفجار.
إن استمرّ الوضع هكذا، فشيءٌ سيحدث لا محالة.
لم يكن أمامه سوى أن يفكّ ذراعي سونغ لين تشو بالقوة، لكنه ما إن تراجع خطوة، حتى اندفع الصغير نحوه من جديد، وكأن شيئًا ثمينًا قد فُقد.
لكن، بسبب كثرة ما شرب، ودوار رأسه، ارتبكت قدماه وتعثرت إحداهما بالأخرى، وسقط إلى الأمام.
أصيب تان يوي بالذعر، فاندفع للإمساك به، لكن سونغ لين تشو، وبعناد السكرى، ظلّ ممسكًا به حتى في لحظة السقوط.
سحب تان يوي معه، وسقط الاثنان على الأرض.
لحسن الحظ، كانت الأرضية مغطاة بسجاد سميك، فلم يُسمع سوى صوت ارتطام مكتوم.
كان سونغ لين تشو ممددًا فوقه، ويبدو أنه صُدم أيضًا. أسند إحدى يديه على الأرض بجانب جسد تان يوي، ورفع رأسه، وهزّه قليلاً، ثم قال:
“أنا… أشعر بالدوار.”
“هل تأذيت؟” سأله تان يوي.
لم يجبه سونغ لين تشو، بل أمال رأسه ونظر إليه، وإذ بعينيه تلمعان فجأة وهو يهمس:
“جيجي، أنت وسيم جدًا.”
“…”
هل تغيّر النص فجأة؟
عضّ تان يوي شفتيه بصمت.
لم يكن يعلم إن كان وسيمًا حقًا كما يقول الآخرون، لكن ما كان متأكدًا منه في هذه اللحظة… هو أنه بحاجة ماسة للذهاب إلى الحمام.
وكان على وشك دفع الصغير بعيدًا، لكن سونغ لين تشو رمش له بعينيه البريئتين، وقال بخفة:
“أريد أن أقبّلك.”
ولم ينتظر إذنًا، بل مال عليه باندفاع وسَكَب أنفاسه المتخمّرة بالنبيذ فوق شفتيه، فطبع قبلة عشوائية حارّة على شفتي تان يوي.
شفتاه الناعمتان، ولمساته العفوية، اخترقت دفاعات الرجل الصلبة، فأمسك تان يوي بكتفيه بكلتا يديه… لا يعلم إن كان يريد إبعاده، أم جذبه أكثر.
وبعد لحظات، توقف سونغ لين تشو، ونظر إليه بعينين دامعتين:
“جيجي… هل يمكنك أن تقبّلني أنت أيضًا؟”
هذه المرّة، أحس تان يوي أن قلبه يكاد يتوقّف.
لم يستطع أن يتمالك نفسه أكثر، فجذب رأس سونغ لين تشو نحو صدره، وبدأ هو بالمبادرة…
في البداية، كان تان يوي يظن أنه سيكتفي بقبلة.
لكن… الخمر كان معدي، والرغبة، حين تتغذى على حرارة الجسد وصدق المشاعر، تصبح نارًا يصعب كبحها.
ومع تمادي ذلك الشاب في لمسات بريئة ومغرية في آنٍ واحد، تخلّى تان يوي عن كبح جماحه.
وفي لحظة طيش، التقط سونغ لين تشو، الذي كان يتنفس بصعوبة من قبَله، وحمله إلى السرير…
قال بصوتٍ أجش، فيه رهبة الوحش المحتجز:
“سأعطيك فرصة أخيرة لتدفعني بعيدًا.”
أمال سونغ لين تشو رأسه، وعيناه مضببتان بالسكر، لكن عقله اللاواعي كان لا يزال يتمسك بأفكار قديمة:
تان يوي… لن يستطيع المضي قدمًا.
أو ربما، هو رجل مريض، على وشك الرحيل… لا يريد دفعه بعيدًا، فقد يرحل مثلما رحلت والدته.
رغم التوتر الذي شعر به حين التقت عيناه بنظرة تان يوي المحتدمة، لم يتراجع.
بل علّق يده حول عنقه وقال بصوت خافت:
“لا تدفعني بعيدًا… جيجي.”
تردّد تان يوي للحظة، ثم سأل بصوت منخفض:
“أأنت متأكد؟”
“نعم.” شدّ سونغ لين تشو قبضته حول عنقه أكثر، وقال بثقة مغموسة بالعاطفة:
“أريد أن أكون معك… إلى الأبد.”
ابتسم تان يوي، وطبع قبلة خفيفة على أنفه:
“سنكون معًا… إلى الأبد.”
…
في البداية، لم يلاحظ سونغ لين تشو أي شيء غريب.
لكن… حين انقلب على الوسادة، وبدأت اللمسات تقترب من أماكن لم تُكتشف من قبل، أحس بأن ثمة شيء مختلف.
لكن رقة ذلك الرجل الفولاذي–الذي طالما بدا متحجرًا– إلى جانب سُكره العاطفي، جعلاه يُسلم نفسه لتلك اللحظة.
…حتى شعر بـ ' الحزام ' يمرّ على موضع لم يسبق أن اقترُب منه أحد.
وهنا فقط، أدرك سونغ لين تشو –ولو متأخرًا– أنه في حالة سُكر حقيقي.
أمسك بيد تان يوي بقلق وقال:
“جيجي؟!”
لكن… كان الوقت قد فات.
السهم قد وُضع على الوتر، ولا شيء يمكن أن يعيده… حتى لو ناداه بـ ' أبي '.