أجاب تان يوي بنبرة باردة وهو يُلقي نظرة حادة على الجميع: “نعم. 

يبدو أنني لم أوضح الأمر بما فيه الكفاية. 

هو شريكي، ولدينا شهادة زواج.”

ساد الذهول بين الحاضرين.

رغم أن تان يوي كان قد قدّم سونغ لين تشو في قاعة الحفل على أنه شريكه، إلا أن معظمهم اعتقد أن كلمة شريك مجرد تعبير لطيف، وافترضوا أنهما على علاقة عاطفية ليس إلا. 

لم يتوقع أحد أنهما قد تزوجا رسميًا، خاصة أنه لم تصدر أي إشاعة بهذا الشأن من قبل.

أما الرجل والمرأة اللذان كانا يتكلمان عنهما من خلف ظهريهما فقد أصبحا الآن يرتجفان من الخوف.

كان الرجل هو أول من استجمع شجاعته، ابتلع ريقه واقترب ليعتذر قائلاً: “أنا آسف، السيد سونغ. 

كنا سُذجًا حين أسأنا فهم علاقتك بالرئيس تان وأهنّاك.”

أيدته المرأة على الفور وقالت: 

“نحن فقط كنا نعاني من استياء دفين، ولم نستطع فعل شيء سوى التنفيس بالكلام من وراء الظهر. نتحمل كامل المسؤولية عن جهلنا وسوء تصرفنا. نحن نعتذر.”

انحنى الرجل رأسه بعمق قائلاً: “أنا حقًا آسف. 

عاقبنا كما ترى مناسبًا، يا رئيس تان.”

عندما سمع المدراء المباشرون لهذين الموظفين أنهما كانا يغتابان الرئيس تان من وراء ظهره، انفجروا غضبًا ووبخوهما بشدة، ثم مسحوا عرقهم وهم يعتذرون إلى تان يوي.

قال المدير المباشر بتوتر: “الرئيس تان، هما يستحقان العقوبة حقًا. أقترح خصم مكافأة نهاية العام والشهر الثالث عشر منهما. 

أما بخصوص اقتراح السيد سونغ بطردهما… أعتقد أنه قد يكون عقابًا مبالغًا فيه قليلًا. 

تصرفهما لا يستحق قرارًا بهذا الحجم. 

أرجوك فكر مليًا.”

تجهم تان يوي قليلًا. 

كان يعلم أن سونغ لين تشو يريد الدفاع عنه، لكنه لم يكن يرى أن الحادثة تستحق الطرد.

لكنه لم يكن يريد أن يتراجع أمام الجميع بعد أن صرّح سونغ لين تشو بهذا القرار. 

لم يكن شخصًا يتسامح بسهولة.

كان على وشك اتخاذ قرار متسرع حفاظًا على كرامة سونغ لين تشو، لكنه فوجئ حين سمع الأخر يضحك بخفة.

قال سونغ لين تشو بهدوء: 

“هل تظنون حقًا أنني أردت طردكما لأنكما اغتبتاني؟”

ثم استدار نحو تان يوي واقترح: “جيجي، أعتقد أنه يجب عليك مراجعة المشاريع التي يتوليانها أو شاركا فيها. سمعتهم يتحدثون قبل قليل عن نيتهم أخذ ملفات المشاريع معهم إلى شركتهم الجديدة لاستخدامها كأوراق تفاوض.”

في البداية، عندما سمع سونغ لين تشو حديثهما، لم يكن قد اتصل بتان يوي بعد، لذا لم يكن هذا الأمر قد بلغه.

لا بد أن هذين الاثنين كانا ماكرين بما يكفي. 

بمجرد أن اكتشفوا أنهم كُشفوا، أسرعوا بالاعتراف والنظر إلى خطئهم على أنه مجرد نميمة، محاولين تحويل تركيز الجميع.

لكن بعد أن كشف سونغ لين تشو هذه النقطة، حتى المدراء المباشرون وتان يوي نفسه عقدوا حواجبهم باستياء.

أدرك الاثنان أنهما في ورطة حقيقية. 

لكن لحسن حظهما أنهما كانا قد ضمنا بالفعل عملًا جديدًا، لذا لم يكونا قلقين كثيرًا من الطرد. 

وأقنعا نفسيهما بأن الطرد ليس مشكلة، يمكنهما القبول بتخفيض الراتب في العمل الجديد لتعويض الخسارة.

لكن قبل أن يُكملوا هذه الفكرة، قال تان يوي بصوت بارد: “تشينغ بين، اتصل بالشرطة.”

“نعم، سيدي.” أجاب تشينغ بين وهو يمسح عرقه، وأخرج هاتفه بسرعة.

لم يكترث تان يوي لتوسلاتهما ودموعهما. 

أمسك بيد سونغ لين تشو وقال: “لنذهب.”

“حسنًا.”

غادرا معًا قاعة الاستراحة، فسأل سونغ لين تشو بقلق: “جيجي، هل المعلومات التي سرّبوها خطيرة؟ هل ستُسبب ضررًا كبيرًا لشركتك؟”

أجاب تان يوي: “مهمة جدًا.”

كانت تتعلق بالمنتج الجديد الذي كان من المقرر إطلاقه في بداية العام الجديد. تم التحضير له منذ ستة أشهر، وكان من الضروري أن يُحقق نجاحًا باهرًا منذ البداية.

شعر سونغ لين تشو بالقلق، لكن تان يوي أكمل: “لكن من المحتمل أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى البيانات الأساسية.”

سونغ لين تشو: “….”

تبًا، هل يصعب عليك أن تُكمل كلامك دفعة واحدة؟ لقد أفزعتني!

لكنه استدرك، إن لم تكن هذه البيانات جوهرية، فكيف يمكنهم استخدامها للحصول على منصب مدير؟

حسب ما يتذكره، فإن المدير في الشركة يعتبر ثاني أعلى منصب بعد نائب الرئيس.

وبما أن هذين الاثنين انتقلا من شركة كبيرة مثل وانوو، فالشركة التي استقطبتهما لا بد أنها ليست صغيرة. الشركات الصغيرة لا تجرؤ على استلام مشاريع بهذا المستوى من وانوو، وأساسًا وانوو بحد ذاتها قادرة على تحقيق مكاسب كبرى حتى دون تلك البيانات الجوهرية.

كان سونغ لين تشو على وشك أن يلفت نظر تان يوي إلى هذه النقطة التي يبدو أنه لم يتطرق لها بعد، لكنه فجأة شعر بثقل في يده.

قبل أن يتمكن من استيعاب الأمر، سمع تان يوي يهمس: “ساعدني.”

فزع سونغ لين تشو بسرعة وأمسكه بقلق: 

“جيجي، هل أنت بخير؟”

قال تان يوي: 

“شربت قليلاً أكثر مما ينبغي، لكن لا بأس.”

كان الاجتماع السنوي اليوم الذي يتفق فيه الجميع على أن لديهم الفرصة الوحيدة لجعل تان يوي يسكر. رغم أن كثيرين كانوا يخشونه، إلا أن من بين الآلاف لا بد أن يوجد البعض ممن يمتلكون ما يكفي من الجرأة. فحتى لو شربوا معه كأسين، ماذا يمكنه أن يفعل لهم؟ لا شيء.

كان تان يوي قد أخبر سونغ لين تشو مسبقًا بأنه قد يُضطر إلى الشرب حتى السكر اليوم.

لكن تان يوي لم يكن من النوع الذي يظهر عليه السكر بسهولة. لم يكن وجهه يحمر، وكانت عيناه دائمًا صافية، فلا أحد يستطيع أن يكتشف إذا ما كان قد شرب أكثر من اللازم.

“هذا قد يؤثر على صحتك، أليس كذلك؟” 

سأل سونغ لين تشو بقلق.

لقد سأله هذا السؤال من قبل، وكان تان يوي قد أجابه بأنه بخير، لكن سونغ لين تشو ظل غير مطمئن.

فهو مريض في مرحلة خطيرة، هل يستطيع فعلًا أن يشرب بهذا القدر دون عواقب؟

أجاب تان يوي بنفس الرد: “لا بأس.”

كان سونغ لين تشو على وشك أن يستمر في إقناعه عندما رأى المدير المالي وأحد المديرين الآخرين يقتربان منهما.

كان وجهاهما محمرين من تأثير الكحول، ويبدو أن الشجاعة التي يمنحها الخمر بدأت تعمل. هؤلاء المديرون الكبار الذين كانوا يتعرقون خوفًا لمجرد نظرة من تان يوي، أصبحوا فجأة أكثر جرأة وثقة.

رأى المدير المالي تان يوي فتألقت عيناه وقال: “الرئيس تان، لقد وجدناك أخيرًا. غبت عنا للحظة ولم ننتبه.”

أضاف المدير الآخر: 

“صحيح، تعال لنكمل الشرب معًا.”

اعترض سونغ لين تشو قائلًا: 

“لقد شرب كثيرًا ولا يستطيع أن يشرب المزيد.”

رد المدير الآخر: 

“شرب كثيرًا؟ لا يبدو كذلك، يبدو أنه في قمة وعيه.”

تابع المدير المالي بثقة: “هذا صحيح، لا تقلق يا شياو سونغ. 

الرئيس تان يستطيع أن يتحمل المزيد.”

كيف يمكن لرجل أن يُقال له إنه لا يستطيع التحمل؟ حتى لو كان تان يوي شخصًا يتحكم في مشاعره، فإن كبرياءه كرجل لا بد أن يظهر في هذه اللحظة.

تمتم تان يوي بكلمات غير مسموعة ثم قال: “لنذهب.”

“…” تنهد سونغ لين تشو في قلبه، لقد كنت بالكاد تستطيع التحمل قبل قليل، لماذا تصر على مواصلة التحديالآن؟

عاد تان يوي إلى قاعة الحفل، بينما شعر سونغ لين تشو بالإحباط والقلق. لقد قال تان يوي إنه بخير، ولا يمكنه إجباره على التوقف عن الشرب حتى لا يفسد أجواء الحفل.

لم يجد أمامه حلًا سوى أن يرسل رسالة إلى كبير الخدم ليو، يطلب منه أن يجهز مشروبات خاصة لتخفيف آثار الكحول، لكنه لم يطمئن بعد، فاستدعى أحد النُدُل وطلب منه أن يُحضر وعاءً من شوربة الإفاقة لتان يوي.

في تلك الأثناء، في منزل تان مينغ تشينغ…

كان تان مينغ تشينغ قد شرب قليلًا أكثر من اللازم خلال لقاء مع زملائه القدامى من الثانوية، وعاد إلى المنزل وهو يشعر بالدوار.

وما إن دخل حتى رأى عمه تان يوي مينغ جالسًا على الأريكة بتعبير وجه بدا عليه شيء من الكآبة.

لم يكن يخشاه، بل جلس إلى جواره مبتسمًا وسأله: “عمي، ما الذي جاء بك اليوم؟ 

ألم تحضر الاجتماع السنوي لشركة العم الصغير؟”

كان الاجتماع السنوي لمجموعة وانوو يدعو أيضًا بعض الشركاء المهمين.

وبما أن تان يوي مينغ كان لديه مشروع تعاون كبير مع وانوو العام الماضي، كان يُعتبر من الشركاء الأساسيين. 

لذا استغرب تان مينغ تشينغ من عدم حضوره.

“هل الأمر له علاقة بعودة مرضك؟” سأله.

أجاب تان يوي مينغ بصوت خافت: 

“لا، لم تتم دعوتي.”

“ماذا؟” تفاجأ تان مينغ تشينغ. “لماذا؟”

قال تان يوي مينغ: “لا أعرف السبب.” 

ثم نظر إليه متسائلًا: “لقد عدت من حفلة عيد ميلاد صهرك وأنت في حالة نفسية سيئة، أردت أن أسألك، هل أزعجت عمك الصغير بشيء ما؟”

لم يكن شك تان يوي مينغ بلا مبرر. 

فقد طلب تان يوي مرتين أن يتم تقليص نفقات تان مينغ تشينغ: الأولى بأن يحصل على ألف يوان فقط شهريًا، والثانية بأن لا يُسمح لوالديه بإعطائه مصروفًا إضافيًا. 

هذا جعل تان يوي مينغ يشعر أن هناك أمرًا غير طبيعي.

بالإضافة إلى ذلك، لم يُدعَ تان يوي مينغ إلى الاجتماع السنوي، ولم يُدعَ أيضًا إلى حفلة أقامها أحد الشخصيات المهمة في عائلة تان مؤخرًا، وهو شخص كان دائمًا يحظى باهتمام خاص من تان يوي، وتصرفاته عادة ما تعكس نوايا تان يوي.

كل هذه المؤشرات أوحت بأن تان يوي مينغ قد تم استبعاده تدريجيًا من دائرة السلطة، وربما كان لتان مينغ تشينغ علاقة بالأمر.

شعر تان مينغ تشينغ بالارتباك عند سماعه هذا الكلام، وكأن السكر قد تلاشى فورًا من رأسه.

“لا، لا، لم أفعل.” أنكر بسرعة.

نظر إليه تان يوي مينغ وسأله مجددًا: “حقًا لم تفعل؟”

أجاب وهو يتجنب النظر إليه: “حقًا. 

أنت تعرف أنني شخص مثلي ليس لديه حتى الفرصة ليُغضب العم الصغير.”

تفهم تان يوي مينغ الأمر وقال: “ربما كان الأمر بدافع حرصه على صحتي، في النهاية جسدي… كح كح… لم يعد يناسب مثل هذه المناسبات.”

ظهرت نظرة صراع في عيني تان مينغ تشينغ.

ربت تان يوي مينغ على كتفه وقال: 

“عمك الصغير كان على حق. 

عندما تبدأ العمل في الشركة العام المقبل، سأدفع لك راتبك حسب أدائك. 

ربما سيكون الأمر صعبًا في البداية، لكن عندما تثبت نفسك، يمكنك استعادة مصروفك السابق، لا مشكلة في ذلك.”

شعر تان مينغ تشينغ بالذنب تجاه ثقته هذه وتردد قليلًا: “في الحقيقة، أنا…”

“همم؟”

“لا شيء.” فرك أنفه في حرج وبلع كلماته في النهاية.

بعد أن جلس معه قليلًا، غادر تان يوي مينغ. 

نظر تان مينغ تشينغ إلى سيارة عمه وهي تبتعد، وعيناه تخفتان تدريجيًا.

أخرج هاتفه وفتح نافذة المحادثة مع ليانغ شين شين.

[أنا تان وليس تانغ]: هل أنتِ موجودة يا سينيور شين؟

[أنا تان وليس تانغ]: لقد ارتكبت خطأ، لكن عندما جاء الضحية إليّ، لم أجرؤ على الاعتراف.

[أنا تان وليس تانغ]: لم يكن الأمر أنني لم أمتلك الشجاعة للاعتراف، فقط أنني أنكرت بلا وعي في تلك اللحظة. 

والآن أندم بشدة. ماذا عليّ أن أفعل؟

كانت ليانغ شين شين دائمًا الشخص الذي يمنحه شعورًا بالراحة والتسامح، ويبدو أن لا شيء يعجز عن احتوائه عندها. 

كانت دائمًا تجد له الحلول.

مهما كان ما يحدث، كان تان مينغ تشينغ يفكر بها أولًا. لقد أصبح يعتمد عليها تدريجيًا.

في إحدى لحظات اندفاعه، كان قد اعترف لها بحبه، لكنها لم ترد عليه بشكل مباشر. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تتجاهله أحيانًا وتؤخر ردها يومًا أو يومين.

لكن ردودها لم تكن قاسية يومًا، بل دائمًا لطيفة ومتفهّمة، مما جعله يشعر أنها تحمل له مشاعر حقيقية.

هذا التردد المؤلم في تصرفاتها جعله يعزم على أن يُصارحها رسميًا بحبه في عيد الحب.

بينما كان يفكر في هذا، اهتز هاتفه. 

ظن أنها هي، لكنه وجد أن الرسالة من سو تشان.

[سو تشان]: زوجي، ماذا تفعل الآن؟ اشتقت إليك كثيرًا~

تغيرت ملامح تان مينغ تشينغ إلى نفور، ثم تجاهل الرسالة تمامًا.

في الاجتماع السنوي، تم السحب على الجائزة الكبرى الأخيرة، وكانت الأجواء في ذروتها واقتربت نهاية الحفل.

لم يفز سونغ لين تشو بأي شيء، وكان هناك الكثير ممن لم يفوزوا مثله، لذا بدؤوا يلحّون على تان يوي ليُضيف جوائز جديدة.

تمت دعوت تان يوي لشرب المزيد من الكحول، وكان من الواضح لكل من له عينان أنه قد أصبح سكرانًا.

لوّح تان يوي بيده وهو في حالة سكر وقرر سحب 100 ظرف أحمر يحتوي كل منها على 8888 يوان. 

عندها فقط فهم سونغ لين تشو ما كان يقصده أولئك الأشخاص الذين قالوا إنهم العام الماضي جعلوا تان يوي يسكر ووزع عشرات الآلاف من اليوان كظروف حمراء.

شعر بالغيرة وأراد أن يصبح موظفًا في وانوو على الفور.

أليس شريك الرئيس يُعتبر موظفًا أيضًا؟ 

إذًا لماذا لم أفز أنا بأي شيء؟

انتهى الحفل وبدأ الجميع في المغادرة. 

كان تان يوي يبدو أكثر برودة من المعتاد وهو في حالة سكر، حتى أن الجميع تفرقوا بمجرد أن جلس.

اقترب منه سونغ لين تشو وقال: 

“جيجي، هيا نعود إلى المنزل.”

كان رد فعل تان يوي بطيئًا بعض الشيء، رفع رأسه ببطء ثم مد يده مثل رجل عجوز ينتظر من يساعده على النهوض.

شعر سونغ لين تشو أن تصرفه كان لطيفًا بطريقة غير مفهومة، فأمسك بيده وساعده على الوقوف.

لكن بمجرد أن وقف تان يوي، بدأ يتمايل وكاد أن يسقط. أسرع سونغ لين تشو بإسناده، وجاء تشينغ بين أيضًا ليساعد.

لكن بمجرد أن مد تشينغ بين يده، تجنبه تان يوي بازدراء، وأسند كل ثقله على سونغ لين تشو فقط.

“….”

فرك تشينغ بين أنفه بإحراج. 

كان هو من اعتاد أن يُسند تان يوي عندما يسكر، لكنه لم يتوقع أن يأتي يوم يُرفض فيه.

كان سونغ لين تشو شابًا صغير البنية، لا يملك الكثير من القوة أصلًا. والآن، شعر وكأن جبلاً استقر فوق ظهره، وكاد أن يسقط هو وتان يوي معًا.

“جيجي؟”

أجاب تان يوي بصوته الثقيل بينما كان يستند على سونغ لين تشو ليقف بثبات: “لا بأس، لنذهب.”

شعر سونغ لين تشو بالريبة قليلًا، لكن تان يوي سبق أن خطا إلى الأمام بخطوات مستقرة. 

بدا وكأنه شعر فقط بدوار بسيط، ثم تماسك بسرعة، وحتى عندما صعد إلى السيارة، لم يتعثر.

انطلقت السيارة تسير بهدوء على الطرقات الواسعة. كان سكان المدينة الساحلية قد بدأوا في العودة إلى بلداتهم مع اقتراب السنة الجديدة، فلم تكن هناك زحمة المرور المعتادة، بل فقط أنوار خافتة متناثرة هنا وهناك.

ظل سونغ لين تشو يراقب تان يوي بقلق.

كان تان يوي مستندًا إلى المقعد الخلفي للسيارة، بينما كانت عيناه تحدّقان إلى المشهد خارج النافذة.

ضوء الشارع الذي عبر الزجاج المنخفض انعكس على ملامحه الصارمة، متقطعًا بفعل حركة السيارة.

لسبب ما، شعر سونغ لين تشو في تلك اللحظة أن هذا الرجل القوي يحمل بداخله لمسة من الوحدة.

تردد قليلًا ثم همس: “جيجي…”

كان يريد أن يسأله إن كان بخير، لكنه خشي أن يكون مجرد وهم في رأسه.

لم يلتفت تان يوي وظل ينظر خارج النافذة، 

ثم قال فجأة: “اليوم هو ذكرى وفاة والدتي.”

تجمد سونغ لين تشو في مكانه.

إذًا، كانت والدته قد توفيت في مثل هذا اليوم.

لم يعرف كيف يواسيه، لكنه رأى يد تان يوي تستقر على ركبته، فمد يده ووضعها فوقها.

قال له برقة: “لا تحزن.”

ابتسم تان يوي بسخرية وقال: “ليس حزنًا. 

توفيت وأنا في السادسة من عمري، لا أملك حتى ذكرى واضحة عنها.”

تفاجأ سونغ لين تشو، لم يكن يعلم أن والدة تان يوي توفيت بهذا العمر المبكر أيضًا.

في الواقع، لم يكن يعرف الكثير عن عائلة تان يوي سوى أنه لديه أخ أكبر وابن أخ يُدعى تان مينغ تشينغ، لكن العلاقة بينهم لم تكن تبدو وثيقة. 

فمنذ أن عاش مع تان يوي، لم يرهم يزورونه سوى مرة واحدة في عيد ميلاده.

كان تان مينغ تشينغ يتحدث كما لو أن علاقته بتان يوي حميمة جدًا، لكنه كان كاذبًا.

ذلك الحقير خدع طالبًا جامعيًا بريئًا مثله!

ظل سونغ لين تشو صامتًا لبرهة، ثم قال فجأة: 

“في الحقيقة، والدتي أيضًا كادت أن ترحل عني في مثل هذا الوقت.”

“هم؟” التفت تان يوي ينظر إليه.

ابتسم سونغ لين تشو بمرارة وقال: 

“كنت قد بلغت الثامنة عشرة للتو، ربما شعرت أمي بالاطمئنان عندما أصبحت راشدًا. تدهورت صحتها بسرعة، وقيل لي حينها أن أستعد للأسوأ.”

“في ذلك الوقت، كنت في السنة الأخيرة من الثانوية، والضغط كان هائلًا. 

حرصًا على دراستي، طلب معلم الفصل من زوجته أن تعتني بأمي. كانت ابنتهما زميلتي في نفس المرحلة الدراسية، وكنا نتحدث كثيرًا. 

ربما دفعها حماسي للامتحانات إلى التمسك بالأمل، فتحسنت صحتها بشكل مفاجئ. 

في نهاية الفصل الدراسي الأخير، كانت قادرة حتى على مساعدتي في الطهي والتنظيف. 

وصف الأطباء حالتها حينها بأنها معجزة.”

“لكن…” توقّف لوهلة، وصوته أصبح أكثر حزنًا: 

“في اليوم الذي انتهيت فيه من امتحانات القبول الجامعي، فقدت وعيها فجأة ولم تستفق بعدها أبدًا. لم ترَ حتى نتائج الامتحان التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر.”

عندما انتهى من الحديث، شعر بيد تان يوي تضغط على يده بقوة.

ابتسم سونغ لين تشو وقال: 

“لا داعي لأن تواسيني يا جيجي، أنا تجاوزت هذا الأمر. على الأقل، رحلت وهي مطمئنة.”

لم يقل تان يوي شيئًا، فقط شد قبضته على يده.

كان تان يوي رجلًا عمليًا لا يجيد مواساة الآخرين.

توقفت السيارة بهدوء أمام منزل تان.

بفضل معدل حرق الكحول الممتاز لدى تان يوي، بدا بعد حوالي عشرين دقيقة وكأنه استعاد توازنه وتمكن من النزول بنفسه.

أثناء ذلك، تلقى سونغ لين تشو مكالمة من ابن خالته الذي سيأتي إلى هايدو العام المقبل وطلب مساعدته في إيجاد سكن. كانت تكلفة المعيشة مرتفعة في هايدو، ولا يمكنه تحمل تكاليف الإقامة في فندق أثناء بحثه عن شقة.

كان بإمكانه أن يقيم في منزل سونغ لين تشو، 

لكنه لم يجرؤ على طلب ذلك.

لقد كان يخاف من تان يوي.

وافق سونغ لين تشو على مساعدته في العثور على سكن، وتحدث معه قليلًا قبل أن يُنهي المكالمة. وعندما عاد إلى غرفة المعيشة، لم يجد تان يوي هناك.

سأل سونغ لين تشو كبير الخدم ليو: 

“أين ذهب جيجي؟”

أجابه الخادم: “صعد إلى الطابق العلوي، ولم يشرب شوربة الإفاقة.”

قال سونغ لين تشو: “لقد شرب قليلًا منها في الفندق. هل لدينا ماء بالعسل؟ سأحضره له.”

رد الخادم: “نعم، انتظر قليلًا.”

ذهب كبير الخدم ليو إلى المطبخ، ثم عاد بعد قليل ومعه كوب ماء بالعسل. أخذ سونغ لين تشو الكوب وأخرج هاتفه وأرسل رسالة لتان يوي:

[شياو سونغ لين]: جيجي، هل نمت؟

[تان يوي]: لا.

[شياو سونغ لين]: سأحضر لك ماء بالعسل، افتح لي الباب.

[تان يوي]: الباب غير مقفل، ادخل مباشرة.

عندما تلقى الرسالة كان سونغ لين تشو قد وصل بالفعل إلى باب غرفة تان يوي، ففتح مقبض الباب بلا تردد ودخل.

كانت هذه أول مرة يدخل فيها غرفة تان يوي. 

كان تصميم الغرفة يعكس تمامًا شخصية تان يوي — ألوان دافئة، أناقة وبساطة.

كان تان يوي يقف أمام النافذة الزجاجية الكبيرة ممسكًا بكأس من النبيذ الأحمر — بل كان لديه خزانة نبيذ في غرفته.

اندفع سونغ لين تشو وأخذ الكأس من يده بعنف وقال بحدة: “كفى، لا مزيد من النبيذ، اشرب هذا بدلًا منه.”

ناول تان يوي كوب ماء العسل.

رفع تان يوي حاجبيه بدهشة، ثم لمعت ابتسامة خفيفة في عينيه. 

لم يُقاوم، وأخذ الكوب وشرب منه ببطء.

ظل سونغ لين تشو يراقبه حتى أنهى شرب الكوب، ثم أخذ الكوب الفارغ من يده، وقرر أن يأخذ كأس النبيذ معه حتى لا يتمكن من الشرب مجددًا.

وقبل أن يغادر الغرفة، انحنى فجأة وقبّل تان يوي على شفتيه قبل أن يُتاح له حتى أن يرد الفعل.

كان لا يزال هناك طعم خفيف للعسل على شفتي تان يوي.

كانت هذه أجرأ خطوة قام بها سونغ لين تشو في حياته كلها. لم يجرؤ حتى على النظر في وجه تان يوي مجددًا، بل استدار بسرعة وركض خارج الغرفة ووجهه محمر كليًا.

مد تان يوي يده بسرعة ليُمسكه، لكن سونغ لين تشو كان أسرع من الأرنب، ومع دوران رأس تان يوي بسبب تأثير الكحول، لم يتمكن من اللحاق به.

قال سونغ لين تشو وهو يركض نحو الباب: 

“تصبح على خير يا جيجي.”

ثم استدار عند عتبة الباب وألقى نظرة خبيثة مليئة بالانتصار قبل أن يختفي بسرعة البرق.

هل وجدت خطأ؟ قم بالإبلاغ الآن
التعليقات

التعليقات [0]