نظر إليه سونغ لين تشو بنظرة مذنبة وسريعة،
ليرى تعبير تان يوي البارد وقد استقر على وجهه.
فقال بسرعة: “لا داعي، لقد أحضرت شخصًا معي، الأمر غير مناسب.”
أجاب كانغ جينغ بنبرة خافتة مليئة بخيبة الأمل: “آه… حسنًا، وماذا عن العشاء؟ هل ستذهب إلى البلدة لتأكل؟”
في الواقع، لم يكن سونغ لين تشو قد فكّر حتى في العشاء.
صحيح أن هناك مطاعم محلية صغيرة في بلدته تقدم أطباقًا شهية مميزة، وكان معتادًا على تناولها عندما يعود في عطلة رأس السنة ليتذوق طعم بلدته من جديد.
لكن تان يوي شخص يمكنه حتى أن ينتقد أطباق مطاعم الخمس نجوم في المدن الكبرى، فكيف سيكون رد فعله أمام المطاعم الشعبية في بلدة صغيرة كهذه؟
مجرد البيئة المحيطة قد تكون كفيلة بإبعاده.
من أجل صحة تان يوي النفسية والجسدية، من الأفضل نسيان هذه الفكرة.
قال سونغ لين تشو: “سأطبخ بنفسي.
بالمناسبة، أين خالتي؟
لماذا أتيت أنت لتنظف المنزل؟”
رد كانغ جينغ: “جاءها ضيوف مفاجئون ولم تستطع المغادرة، فاستعانت بي لأكون عامل تنظيف.
لا تشعر بالذنب، لا داعي لأن تتكلف معي.”
في الحقيقة، لم يكن سونغ لين تشو يشعر بالذنب أصلًا. فهما صديقان منذ الطفولة وكانا يساعدان بعضهما دائمًا.
بل إنه سبق وساعد كانغ جينغ في مواقف كثيرة.
لكن لم يتوقع أبدًا أن يقع في هذا المشهد المربك، ولم يعرف كيف سيشرح كل هذا لتان يوي لاحقًا.
لحسن الحظ، لم يتسبب كانغ جينغ في المزيد من الإزعاج، بل قال: “اعتنِ بضيوفك أولًا.
وإذا كنت ستطبخ، فسأذهب لتنظيف المطبخ.”
وأثناء حديثه، غمز له كأنه يشير أنه يريد التحدث معه على انفراد لاحقًا.
بعد أن غادر كانغ جينغ، اقترب سونغ لين تشو من تان يوي، وكان آ يونغ قد انسحب بذكاء ليساعد في ترتيب المنزل، تاركًا لهما مساحة خاصة.
قال سونغ لين تشو: “جيجي.”
لم يرد تان يوي، بل اكتفى بالنظر إليه بصمت.
وبعد فترة، أخيرًا قال: “أتناديه بهذا أيضًا؟”
رغم أن سونغ لين تشو كان ينادي الآخر باسمه، إلا أن الطرف الآخر هو من كان يناديه جيجي، ومن هنا جاء اللبس.
في الواقع، تان يوي بسبب خلفيته العائلية كان لا يحب أن يناديه أحد بـ جيجي، بل كان يشعر بالنفور من هذه الكلمة. لكن بما أن سونغ لين تشو ظل يناديه بها طوال الوقت، فقد أصبح معتادًا عليها.
بل وأصبح يشعر أنها تحمل له نبرة حنونة.
لذلك، عندما فكر في احتمال أن يكون سونغ لين تشو قد نادى بها شخصًا آخر، لم يستطع تان يوي أن يبقى هادئًا.
قال سونغ لين تشو على الفور: “بالطبع لا!”
هو لم يكن ' ملك البحر '، لا يمكنه أن ينادي كل شخص بـ جيجي.
وكانغ جينغ، ذلك الغبي، لماذا يناديه أصلًا بهذا اللقب؟
رمش سونغ لين تشو بعينيه وقال:
“لم أنادِ بهذا إلا شخصًا واحدًا فقط.”
ومن هو هذا الشخص؟ لا داعي أن يصرّح.
على الفور، ارتخت ملامح تان يوي، وبدأت قسوته تذوب تدريجيًا.
انتهز سونغ لين تشو الفرصة وقال:
“ما بيني وبينه مجرد صداقة اشتراكية نقية.
صافية أكثر من خلط البصل مع التوفو.
لا تستمع لتفاهاته.”
وبينما يتحدث، أمسك بطرف كم تان يوي وهزّه برفق وهمس: “سأذهب وأكلمه وأوضح له أننا زوجان شرعيان بموجب القانون، حسنًا؟”
كان ذلك الشخص قد رفض أن يعرّفه سابقًا، لذا اضطر أن يخبره على انفراد.
وعندما سمع تان يوي كلمة زوجي، تلاشت كل برودته في لحظة.
امتلأت عيناه بابتسامة خفيفة وهمس قائلاً: “حسنًا.”
أطلق سونغ لين تشو زفرة ارتياح.
لقد كان يمشي حقًا على طرف الهاوية!
قال بحماس: “جيجي، سأقوم بترتيب البيت وشراء الخضار والطهي. لديك عمل تحتاج لإنهائه، أليس كذلك؟ سأأخذك إلى غرفة المكتب، فيها مدفأة.”
كان سونغ لين تشو قد استثمر كثيرًا في تلك المدفأة. عندما عاد إلى المنزل في السنة الأولى له بالجامعة خلال عطلة رأس السنة، كان البرد قاسيًا لدرجة أن يديه تجمدتا ولم يكن قادرًا على الإمساك بالقلم. فاشترى المدفأة على مضض.
أومأ تان يوي: “همم، دَعْ التنظيف لآ يونغ.”
“حسنًا.” دفعه سونغ لين تشو برفق: “جيجي، اذهب بسرعة. الجو هنا بارد جدًا، لا تتجمد علينا.”
كان الطابق الأرضي من المنزل الريفي الذي بناه بنفسه أشبه بقبو بارد ومفتوح من كل الجهات، حتى أن الهواء البارد يتسلل بسهولة من خلاله.
كان سونغ لين تشو قلقًا من أن جسد تان يوي قد لا يتحمل هذه البرودة، لذا دفعه بسرعة نحو غرفة المكتب.
كانت غرفة المكتب هذه عبارة عن مكتب خشبي بسيط ورف صغير للكتب مملوء بكتب قرأها سونغ لين تشو منذ طفولته.
أزال سونغ لين تشو غطاء الغبار عنها، نظّف الغرفة بسرعة، ثم شغّل المدفأة على أعلى درجة لتبدّد البرودة التي تملأ المكان.
وبعد أن فكر قليلًا، صعد إلى الطابق العلوي وأحضر بطانية صغيرة من خزانة ملابسه، ووضعها بعناية على ساقي تان يوي.
كان على وشك أن يسحب يده، لكن تان يوي أمسك بها فجأة.
ناداه سونغ لين تشو بقلق: “جيجي؟”
لم يتكلم تان يوي، بل مد يده الأخرى وأمسك بيد سونغ لين تشو الباردة، وراح يفركها برفق.
على الرغم من قسوة الطقس، إلا أن يد تان يوي كانت دافئة مثل مدفأة صغيرة.
شعر سونغ لين تشو بقشعريرة من رأسه حتى ظهره، وحاول أن يسحب يده غريزيًا، لكن الرجل شد قبضته عليه أكثر.
قال تان يوي بصوت خافت:
“ابقَ هنا، دَعْ آ يونغ يطبخ.”
احمرّت أذنا سونغ لين تشو على الفور ولم يجرؤ على النظر إليه وهو يقول: “هل يجيد الطهي أصلًا؟”
أجاب تان يوي: “يعرف الأطباق البسيطة.”
قال سونغ لين تشو بسرعة: “إذًا ننسى الموضوع.”
من يدري إن كان يقصد بالأطباق البسيطة أنه يعرف فقط عمل البيض بالطماطم.
“أنا سأطهو بنفسي. أنت لديك عمل يجب أن تنهيه، سأطبخ وأُناديك عندما ينتهي الطعام.”
وما إن أنهى كلامه حتى هرب بسرعة دون أن يمنح تان يوي فرصة للرد.
راقبه تان يوي وهو يفرّ وكأن النار تلاحقه، وظهرت على شفتيه ابتسامة خفيفة.
هذا الشخص مليء بالتناقضات.
يمكنه المغازلة بطلاقة كل يوم، لكن عندما يتلقى ردة فعل حقيقية، يصبح خجولًا على الفور.
بعد أن أنهى تجهيز تان يوي، ذهب سونغ لين تشو إلى المطبخ ليجد كانغ جينغ، الذي كان بالفعل قد نظّف كل أدوات المطبخ حتى أصبحت لامعة.
هناك قول شائع عندهم: ' إذا أردت أن تتزوج، فتزوج رجلاً من بلدتنا '، فهم يجيدون العمل داخل المنزل وخارجه.
وإن كان هذا القول مبالغًا فيه بعض الشيء، إلا أن الرجال هنا بالفعل يتمتعون بقدرة جيدة على إدارة شؤون المنزل.
حتى كانغ جينغ، رغم أنه طالب عبقري ومن عائلة جيدة، إلا أنه لم يكن عديم الحيلة في الحياة اليومية.
عندما رأى كانغ جينغ سونغ لين تشو يدخل، قال: “لقد انتهيت من تنظيف المطبخ.
هل ستذهب لشراء الخضروات؟ سأرافقك.
أنت هشّ للغاية، بالتأكيد لا يمكنك حمل الكثير بنفسك.”
سونغ لين تشو: “…”
أنت الهشّ، وقريتك بأكملها هشّة!
لكنه بالفعل كان يريد أن يخبره بحقيقة علاقته مع تان يوي، لذا لم يرفض.
عندما رآهم آ يونغ يستعدون للخروج، عرض أن يوصلهم بالسيارة إلى البلدة.
لكن سونغ لين تشو كان قلقًا من ترك تان يوي وحيدًا في المنزل، فقد يحتاج إلى شيء ولا يجد من يساعده. لذا ترك آ يونغ ليعتني بتان يوي وبقي هو و كانغ جينغ يذهبان سيرًا على الأقدام.
في الطريق، قال كانغ جينغ ممازحًا:
“هيه، لين تشو، من هذا الرجل؟ لا تخبرني أنه حبيبك؟ أستطيع أن أمثل دور الإغماء في المرحاض الآن لو أردت.”
نظر إليه سونغ لين تشو من طرف عينه وقال: “المرحاض قد لا يكفيك لتستعرض فيه.”
“اللعنه هل هو حقًا حبيبك؟”
رد سونغ لين تشو: “لا.”
لم يسع كانغ جينغ الوقت ليفرح، حتى أضاف سونغ لين تشو ببطء:
“إنه زوجي. لقد حصلنا على عقد الزواج.”
“…؟”
المرحاض لن يكفيه. ربما يحتاج لسور الصين العظيم ليستعرض عليه، وربما يمكنه تعلم البكاء من السيدة منغ جيانغ ليُسقطه بالبكاء.
( السيدة منغ جيانغ هي شخصية معروفة في الفولكلور الصيني وتُعد واحدة من أشهر رموز الوفاء الزوجي في الثقافة الصينية.
وفقًا للأسطورة، تم تجنيد زوج السيدة منغ جيانغ قسرًا للعمل في بناء سور الصين العظيم خلال عهد أسرة تشين. أثناء عمله الشاق في ظروف قاسية، توفي زوجها ودفن جسده تحت بناء السور.
عندما علمت السيدة منغ جيانغ بوفاته، قطعت مسافة طويلة سيرًا على الأقدام حتى وصلت إلى سور الصين العظيم للبحث عن رفاته. وقفت أمام السور وبكت بكاءً مريرًا وحزينًا حتى انهار جزء من السور بفعل حزنها العميق ودموعها المتدفقة، كاشفًا عن عظام زوجها المدفونة هناك.
هذه القصة تُعد من القصص التي تُجسد الوفاء الزوجي والحب العميق، وهي رمز للمعاناة الإنسانية في وجه القمع والظلم، خاصة في عهد الإمبراطور تشين شي هوانغ. )
قال سونغ لين تشو: “لا تخبر أحدًا.”
لم يكن ينوي الإعلان عن علاقته بتان يوي، لكن بما أن كانغ جينغ كان دائمًا يتظاهر بأنه يحبه، سواء كان ذلك حقيقيًا أم لا، فقد أراد أن يقطع عليه كل أوهامه.
كانغ جينغ ظل مذهولًا لفترة طويلة حتى فقد القدرة على الكلام: “هل هذا صحيح؟ لا تخدعني.”
أجاب سونغ لين تشو:
“لا يوجد سبب يجعلني أكذب في أمر كهذا.”
سأل كانغ جينغ:
“لماذا لم تقم بحفل زفاف؟ أم أنك لم تدعوني فقط؟”
قال سونغ لين تشو:
“لم نقم بحفل زفاف بعد. سنقيمه بعد تخرجي.”
“…”
رغم أن كانغ جينغ كان يميل إلى التصرف باستهتار، إلا أن خيبة الأمل بدت واضحة على وجهه بعد سماع هذا الخبر.
تمتم بشتيمة خفيفة: “اللعنة… لقد ربيت الملفوف عشرين سنة ليأكله خنزير.”
سونغ لين تشو: “…”
قال كانغ جينغ بسرعة: “لماذا تزوجت بهذه السرعة؟ لا تقل لي أنك خُدعت من قبل رجل مسن! دعني أخبرك، مجرد أن يتزوجك لا يعني أنه يحبك حقًا! مثل هؤلاء الرجال يجيدون الخداع، ويحبون التلاعب بالشباب الصغار مثلك!
انظر، هو يماطل في حفل الزفاف، وهذا كافٍ لتفهم.”
رد عليه سونغ لين تشو بابتسامة باهتة:
“هو لم يخدعني. أنا من طاردته.”
سقطت قنبلة أخرى على قلب كانغ جينغ،
حتى كاد أن يصاب بأزمة قلبية في الشارع.
نظر إلى سونغ لين تشو بشك وقال: “لا تخدعني.”
“أنا أقول الحقيقة، لم يكذب عليّ أبدًا.
لقد كان طيبًا جدًا معي، وساعدني كثيرًا. لولاه، لربما كان منزل والدي القديم قد استولى عليه ابن عمي وزوجته منذ زمن بعيد.”
قال كانغ جينغ وهو يقطب حاجبيه بقلق:
“إذا كان ابن عمك وزوجته يضايقونك، يمكنني مساعدتك أنا أيضًا.”
على الرغم من أنه لم يكن يملك تلك المهارة التي يمتلكها ذلك العجوز، إلا أنه كان مستعدًا لأن يبذل جهده من أجله، بغض النظر عن كل شيء.
كان صوته منخفضًا قليلًا، فلم يسمعه سونغ لين تشو بوضوح، فسأله: “ماذا قلت؟”
ابتسم كانغ جينغ بسرعة وقال: “لا شيء.
إذا قام ذلك العجوز بظلمك أو أذاك، فقط أخبرني. جيجي هذا سيقاتل بكل قوته لينصرك عليه.”
تأثّر سونغ لين تشو بكلماته، ونظر إليه بلطف وقال: “شكرًا لك.”
سواء كان شعور كانغ جينغ نحوه حقيقيًا أم مزيفًا، فإن سونغ لين تشو شعر فعلًا بحرارة الصداقة معه.
قال كانغ جينغ وهو يضحك: “شكرًا على ماذا؟
في الوقت المناسب، سأضرب ذلك الرجل الحقير، ثم أتزوج شريكه الجميل الرقيق.
ألن يكون ذلك رائعًا؟”
سونغ لين تشو: “…”
حسنًا، يكفي هذا القدر من العاطفة.
بينما كانا يتبادلان الحديث، وصلا إلى السوق في البلدة.
كان السوق صغيرًا، لكن لحسن الحظ كان اقتراب
رأس السنة سببًا في ازدحامه؛ فكثير من الناس من القرى الأخرى عادوا لقضاء العطلة، وسكان البلدة كانوا يعلمون أن أجور العمال المهاجرين يسهل كسبها، لذا حتى المأكولات البحرية التي نادرًا ما تُباع هنا أصبحت متوفرة.
كان سونغ لين تشو ينتقي دومًا الأشياء التي يحب تان يوي تناولها، مما جعل كانغ جينغ يرمقه بدهشة.
لم يكن يعرف إن كان ذلك العجوز يحب سونغ لين تشو حقًا، لكنه كان متأكدًا من أن سونغ لين تشو يعامله بإخلاص.
إذا تجرأ ذلك الرجل على خذلانه… قبض كانغ جينغ على قبضتيه في غضب.
حين عادا إلى المنزل بعد شراء الحاجيات، كان الظلام قد حل. أكمل آه يونغ تنظيف المنزل بكفاءة، ولم يستغرق الأمر سوى ساعة واحدة فقط.
كان سونغ لين تشو ينوي دعوة كانغ جينغ لتناول العشاء معهم، لكن كانغ جينغ، الذي بدا حزينًا بحق، اعتذر بلطف وغادر.
أعدّ سونغ لين تشو الطعام بسرعة، ولم يمضِ وقت طويل حتى كان قد أتمّ إعداد أربع أطباق وحساء.
كانت مهارته في الطهي جيدة، ولم يسبق لتان يوي أن اشتكى. حتى تان يوي، الذي كان دائمًا انتقائيًا في طعامه، أحبّ طعامه. أما آه يونغ فكان أكثر بساطة، يأكل ما يُقدّم له بشهية، ويُسرع في التهام الطعام.
بعد العشاء، جاءت خالته لزيارتهم.
كانت متفاجئة قليلًا لرؤية أن سونغ لين تشو قد عاد ومعه شخص آخر، لكنها لم تعترض.
لم يكن سونغ لين تشو ينوي إخفاء الأمر عنها، فأخبرها بهوية تان يوي بصراحة.
رغم برودة تان يوي الظاهرة، إلا أن مظهره، وشخصيته، ولباقته كانت جميعها جذابة وتستحق الإعجاب.
نظرت إليه خالته بعين الرضا، كأنها أمّ تنظر إلى صهرها المستقبلي، وقالت معاتبة: “لم تخبرني أنك ستُحضر أحدًا معك إلى المنزل، كنت سأستعد جيدًا.”
أجابها سونغ لين تشو: “كان مشغولًا جدًا في عمله، ولم أكن أتوقع أن يعود معي. لكن بما أنني كنت مضطرًا للذهاب إلى منزل عمي، دعوته أن يرافقني.”
عندما ذكر عمه، تغير تعبير خالته قليلًا، وكأنها أرادت أن تقول شيئًا، لكنها امتنعت احترامًا لوجود تان يوي، فلم تردّ أن تسيء لأحد خلف ظهره، فاكتفت بالابتسام وقالت: “المهم أن الأمور انتهت على خير. لا تذهب إلى منزلهم مجددًا.
تذكّر ما فعله عمك الجيد لأجلك، وقابله في الأعياد ببعض السجائر والهدايا، وأعطه بعض النقود أيضًا. هذا كافٍ للتعبير عن امتنانك.”
كلماتها جعلت قلب سونغ لين تشو، الذي كان يشعر بالثقل حيال هذه المسألة، يهدأ. نعم، سيُردّ له المعروف، لكن هذا الأمر لا يعني أي أحد آخر.
قال بطمأنينة: “حسنًا، فهمت.”
بعد الحديث لبعض الوقت، استدعى سونغ لين تشو خالته وأعطاها ظرفًا: “خالتي، أنا مدين لك بأربعين ألف يوان منذ وقت طويل.
لدي المال الآن وأودّ أن أردّه لك.”
رفضت خالته أخذ المال وقالت: “أنت ما زلت طالبًا، وأنا لا أحتاج لهذا المال الآن.
احتفظ به معك، وردّه لي بعد أن تبدأ العمل.”
قال سونغ لين تشو مبتسمًا:
“أنا لا أحتاج المال الآن، لقد أعطاني هو بعضًا منه.”
كانت خالته قد استنتجت من مظهر تان يوي وملابسه الفاخرة أنه من عائلة غنية.
ورغم أنها كانت قلقة بشأن أخذ المال، لكنها لم تستطع أن ترفض أكثر، فاضطرت إلى قبوله على مضض.
ثم تنهدت وقالت: “أنتما لستما من نفس الطبقة الاجتماعية، ألا تخشى أن تعارض عائلته هذه العلاقة؟”
ابتسم سونغ لين تشو وقال: “لا تقلقي يا خالتي، هو أكبر شخص في عائلته، ولا أحد يجرؤ على قول شيء.”
“حسنًا، هذا جيد، هذا جيد.”
وبينما كانت تتحدث، أخرجت خالته ظرفًا أحمر جديدًا من جيبها، وأخذت منه مبلغ 2900 يوان، ثم أخرجت كومة من النقود الورقية الصغيرة التي كانت تخبئها في جيبها.
بعكس المدن، لا يزال الناس في بلداتهم يستخدمون النقود الورقية بشكل متكرر، لذا كانوا يحملونها معهم دائمًا.
عدّت خالته 99 يوانًا وأدخلتها في الظرف الأحمر.
عندما رأى سونغ لين تشو المبلغ، فهم على الفور مقصدها.
كان من عادات بلدته أن يمنح الكبار ظرفًا أحمر بقيمة 2999 يوان للعروس أو العريس الجديد كنوع من التمني بـ حب أبدي.
في السابق كان المبلغ 299 يوانًا، لكن مع تحسّن مستوى المعيشة، أصبح هذا المبلغ يبدو قليلًا جدًا، فتمت زيادته إلى 2999.
قال سونغ لين تشو بسرعة: “خالتي، لا داعي لهذا. نحن لا نهتم بهذه الشكليات.”
ربما كان مبلغ 2999 يوان لا يُعني شيئًا لتان يوي، لكنه يمثل دخل شهر كامل لأهل هذه البلدة. والأهم من ذلك أنهم ليسوا متزوجين فعليًا، لذا لم يكن من المناسب قبول هذا المال.
لكن خالته وبّخته بنظرة جادة وقالت:
“والداك لم يعودا في هذه الدنيا، وأنا بمثابة والدتك الآن. ولدنا ليس أقل من أي شخص آخر، وهذا حقك.”
شعر سونغ لين تشو بدفء يملأ قلبه.
قالت وهي تربت على ظهره بلطف:
“هيا بنا، لا تدعه يشعر أنه غريب بيننا.”
سارا معًا نحو غرفة المعيشة. جلست خالته إلى جانب تان يوي وقالت بابتسامة ودودة:
“هل يمكنني أن أناديك شياو يوي؟”
أجابها تان يوي بأدب: “بالطبع يا خالتي.”
كانت الخالة سعيدة بوضوح عندما سمعت تان يوي يناديها بـ ' خالتي '، فابتسمت وقالت:
“شياو لين لم يخبرني مسبقًا حتى أستعد لاستقبالك كما ينبغي.
لم أكن جاهزة، لكن هذه هدية بسيطة مني.”
وأثناء حديثها، ناولته الخالة ظرفًا أحمر.
تابعت قائلة: “شياو لين ليس لديه عائلة، وقد عانى كثيرًا خلال هذه السنوات. هو طفل طيب القلب، وأنا أشعر بالراحة الآن لأن هناك من يمكنه الاعتماد عليه. اعتنوا ببعضكما البعض من الآن فصاعدًا.”
تبادل سونغ لين تشو النظرات مع تان يوي، وكأنما يخبره أن بإمكانه رفض الهدية إذا لم يرغب في قبولها، فهو سيتصرف لتجاوز الموقف بسلاسة.
لكن تان يوي مدّ يده وقبل الظرف بهدوء، قائلاً: “شكرًا لكِ يا خالتي. سأعتني بشياو لين جيدًا، ولن أسمح له بأن يتعرض لأي ظلم.”
أشرقت ابتسامة على وجه الخالة فور سماع كلماته.
أما سونغ لين تشو، فقد تهكم داخليًا، هذا الرجل الحقير بارع فعلًا في التمثيل.
لكن على الرغم من ما فكّر به، إلا أن الابتسامة تسللت إلى وجهه دون أن يشعر.
لاحظ تان يوي السعادة التي ظهرت على وجه سونغ لين تشو، فمالت شفتيه بابتسامة خفيفة.
هناك من يقول إنه يمكنه حل الموقف لو لم يقبل تان يوي الظرف الأحمر، لكن في الحقيقة، لو لم يقبله، لربما ظلت الخالة مستاءة طوال الليل.
كان أهل البلدة ينامون مبكرًا، لذا جلست الخالة معهم لبعض الوقت ثم استأذنت بالانصراف.
علمت أنهم سيغادرون بعد غد على أبعد تقدير، فدعتهم لتناول العشاء في منزلها غدًا.
وافقها سونغ لين تشو بابتسامة، ووعدها بالحضور.
لم يكن منزل سونغ لين تشو كبيرًا ولا صغيرًا، كان به غرفتان في الطابق الأرضي وثلاث غرف في الطابق الثاني.
نظرًا لأن غرفة النوم الرئيسية في الطابق العلوي كانت تعود لوالديه، فقد أخذ سونغ لين تشو غرفة صغيرة لنفسه، وهناك غرفة أخرى كانت للضيوف. وبسبب ضيق المساحة، سمح لـ آ يونغ بالنوم في الطابق الأول.
صعد سونغ لين تشو مع تان يوي إلى الطابق الثاني.
كان آه يونغ قد نفّذ تعليمات تان يوي سابقًا ووضع حقائبهما خارج غرفة سونغ لين تشو. وعندما فتح الأخر باب الغرفة، دفع حقيبة تان يوي إلى الداخل.
بينما كان تان يوي يتبعه صعودًا، عقد حاجبيه قليلًا.
لكن قبل أن يتمكن من تهدئة تعابير وجهه،
رأى سونغ لين تشو يفتح باب غرفة أخرى ويدفع حقيبته الخاصة إلى الداخل.
رفع تان يوي حاجبيه باستغراب.
قال له سونغ لين تشو: “جيجي، لماذا لا تنام في غرفتي؟ لقد رتبتها في بداية هذا العام، وتأكدت عند تجهيز السرير أنه لا توجد أي روائح كريهة.”
نظر تان يوي إليه وقال: “هل لديك أغطية كافية؟”
ردّ سونغ لين تشو بحماس: “بالتأكيد! ألا تصدقني؟ تعال لترى بنفسك.”
وفتح له باب غرفة الضيوف ليُريه.
في السابق، عندما كان لا يزال هناك من يأتي لقطف القطن، كانت والدة سونغ تعاني من اعتلال صحتها وكانت تخشى ألا تعيش طويلًا لتشهد زواج ابنها وإنجابه، لذا صنعت عدة أطقم من الأغطية والفرش، حتى أعدّت مجموعات لزوجة ابنها وأحفادها المستقبليين، ولهذا لم يكن هناك نقص في الأغطية في المنزل.
لكن غرفة الضيوف على ما يبدو لم تكن تُستخدم كثيرًا، فباتت تُستعمل كمخزن للعديد من الأشياء.
رغم أن ذلك لم يكن يمنع استخدامها للنوم، إلا أن المكان لم يكن ليناسب شخصًا دقيقًا ومنظمًا مثل تان يوي.
قال له سونغ لين تشو:
“جيجي، لقد كان يومك طويلًا، اذهب لتنام.”
لكن تان يوي بقي واقفًا في مكانه.
كان يرمق بأعينه أكوام الأغراض المجهولة في غرفة الضيوف، ثم قال فجأة: “نم معي في نفس الغرفة.”
“أحم… أحم… أحم…”
جاء الطلب فجأة جدًا، حتى أن سونغ لين تشو اختنق من شدة المفاجأة.
رأى تان يوي وجهه وقد احمرّ وهو يسعل بشدة، فقبض على يده المتدلية إلى جانبه وسأله:
“أهذا غير ممكن؟”
ردّ عليه سونغ لين تشو بسرعة وهو يلوّح بيديه:
“لا، لا، لا، لا! سريري صغير جدًا، وأنا كثير التقلب أثناء النوم. سرير عائلتي صغير أيضًا، أخشى أن أدفعك وتسقط من السرير.”
نظر تان يوي إليه للحظة ثم قال كلمتين فقط:
“أنت تكذب.”
“أنا جاد! انظر إلى عينيّ البريئتين.”
وأخذ يرمش بعينيه الواسعتين الجميلتين باتجاهه.
“…”
تان يوي شعر ببعض الارتباك من تلك النظرة البريئة التي باغتته، فأدار وجهه جانبًا وقال: “لا بأس.”
لا بأس بالنسبة لك؟!
لكن بالنسبة لي هذا ليس بخير أبداً!
كان سريره صغيرًا لا يتسع لبطانيتين، ولو ناما معًا فلا خيار أمامهما سوى تقاسم بطانية واحدة.
وسونغ لين تشو لم يكن سوى شاب في العشرين من عمره، في قمة شبابه ونشاطه.
لو ناما معًا، سيتعين عليهما الالتصاق ببعض لتجنب تسرب الهواء البارد إلى داخل البطانية.
وإن حدث و… ' انطلقت رصاصة طائشة 'منه أثناء النوم، وتبيّن أن ' بندقية ' تان يوي معطلة، فسيكون ذلك محرجًا جدًا وقد يجرح كبرياءه كرجل!